حيرة وقلق في أوروبا حيال انعطافة ترمب الأخيرة بشأن الحرب في أوكرانيا

يسود اعتقاد بأن الرئيس الأميركي يستعد لكي «يغسل يديه» ويتركها وحدها في الميدان وتتحمل فواتيرها

الرئيسان دونالد ترمب وفولوديمير زيلينسكي (رويترز)
الرئيسان دونالد ترمب وفولوديمير زيلينسكي (رويترز)
TT

حيرة وقلق في أوروبا حيال انعطافة ترمب الأخيرة بشأن الحرب في أوكرانيا

الرئيسان دونالد ترمب وفولوديمير زيلينسكي (رويترز)
الرئيسان دونالد ترمب وفولوديمير زيلينسكي (رويترز)

مرة أخرى تقف أوروبا حائرة أمام انعطافة جديدة للرئيس الأميركي بشأن الحرب في أوكرانيا، فيما يترسّخ الاعتقاد لدى عدد من القادة الأوروبيين بأن الولايات المتحدة تتجه إلى فك ارتباطها المباشر مع كييف، وتحميل البلدان الأوروبية تكاليف مواصلة الحرب ضد روسيا.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلقي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء (رويترز)

وبعد أن كان الرئيس الأميركي يكرر أن أوكرانيا «لا تملك الأوراق الكافية» لمواجهة روسيا، جاءت تصريحاته الأخيرة التي قال فيها إن أوكرانيا قادرة، بدعم من الاتحاد الأوروبي، على مواصلة القتال واستعادة السيطرة على كامل أراضيها، لتثير تساؤلات، وتزرع القلق في الأوساط الأوروبية، خصوصاً أنها تتعارض كلياً مع مواقفه السابقة، وتناقض تحليلات الخبراء العسكريين الذين يعتبرون أن هذه الحرب دخلت مرحلة من المراوحة والركود بعد أن عززت القوات الروسية سيطرتها على ما يزيد على 20 في المائة من مساحة أوكرانيا.

القراءة التي سادت في الأوساط الأوروبية لتصريحات ترمب الأخيرة، هي أن الرئيس الأميركي يستعد لكي «يغسل يديه»، حسب تعبير مسؤول أوروبي رفيع، من الحرب الأوكرانية، ويترك أوروبا وحدها تتحمل الفاتورة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الحرب.

الأكثر وضوحاً بين القادة الأوروبيين في قراءة الموقف الأميركي الأخير كان رئيس الوزراء البولندي، دونالد تاسك، الذي قال: «كلام الرئيس الأميركي عن أن أوكرانيا قادرة على استعادة أراضيها بدعم من الاتحاد الأوروبي، يحمل تفاؤلاً مدهشاً يخفي وراءه اتجاهاً واضحاً نحو الانكفاء العسكري في هذه الحرب وإلقاء مسؤولية إنهائها على عاتق الأوروبيين. الحقيقة أفضل من الوهم».

في العلن، أعربت القيادات الأوروبية عن ارتياحها لهذا التحوّل الظاهر في موقف الرئيس الأميركي، الذي وصفه الأمين العام للحلف الأطلسي ورئيس وزراء هولندا الأسبق مارك روته بأنه مفصلي، ولن يلبث أن يغيّر مجرى هذه الحرب. لكن في الاجتماعات المغلقة يسود القلق وتسيطر الحيرة لمعرفة حقيقة الموقف الأميركي، والخطوات المقبلة التي قد يقدم عليها ترمب.

الاعتقاد السائد في الأوساط الأوروبية أن دونالد ترمب ليس حليفاً موثوقاً يُعتدّ به، وذلك بسبب التغييرات المستمرة في مواقفه، وأيضاً بعد المواقف التي أطلقها في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تضمّن إطلاق سهام مباشرة إلى الدول الأوروبية، وانتقاداً سافراً للمبادئ الأساسية التي قام عليها الاتحاد الأوروبي.

ويقول مصدر رفيع في الاتحاد الأوروبي تحدث إلى «الشرق الأوسط»: «لست أدري ما الذي ننتظره بعد، كي ندرك أننا وحدنا، ليس فقط في حرب أوكرانيا التي تحمي حدودنا الشرقية، بل في مواجهة التهديد الروسي على نطاقه الأوسع».

الرئيسان دونالد ترمب وفلاديمير بوتين (رويترز)

ويذكّر المصدر بالانتهاكات العسكرية الروسية الأخيرة في بولندا والدنمارك والسويد، وما تحضّر له في بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة. يُضاف إلى ذلك أن التلميحات الأميركية إلى احتمال تقديم واشنطن الدعم لتحالف المتطوعين الأوروبيين الذي يسعى إلى إعطاء أوكرانيا ضمانات أمنية بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار، تبخّر مفعولها بعد تصريحات ترمب الأخيرة التي أوضح فيها أن الحرب الأوكرانية هي حرب صرف أوروبية، وأن الولايات المتحدة تبيع الأوروبية أسلحة متطورة بمليارات الدولارات، ولا تقدمها هبة كما كانت تفعل إدارة بايدن، على حد قوله.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

تفيد التقارير العسكرية الأوروبية بأن القوات الأوكرانية تواجه ظروفاً صعبة جداً بعد أربع سنوات من القتال على جبهات واسعة: نقص في العتاد الحربي، والذخائر، والموارد البشرية، وأن قلب هذه المعادلة مستحيل من غير السلاح الأميركي المتطوّر والدعم العسكري والاقتصادي من واشنطن.

ويعتبر الأوروبيون أيضاً أن هذا التحول في الموقف الأميركي ليس سوى بداية للنأي أبعد عن الواقع الميداني والسياسي الذي يخالف التقديرات والتوقعات الأولى لترمب الذي يحاول الآن التنصّل من المسؤولية عن هذا الواقع.

ويذكّرون بأن ترمب، قبل وصوله إلى البيت الأبيض، كان وعد بأنه سينهي الحرب في أوكرانيا بأقل من 24 ساعة، لكن بعد اتصالاته العديدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين واجتماعه الأخير به في ألاسكا، لم يطرأ أي تغيير ملموس على الوضع، وأن ترمب بات يخشى من أن يدفع هو ثمن الفشل في إنهاء الحرب.

وما يزيد من حيرة الأوروبيين أن ردّة فعل الرئيس الأميركي على عدم تجاوب بوتين مع جهوده الدبلوماسية، كانت زيادة الضغط المباشر على الدول الأوروبية كي توقف بالكامل استيراد النفط والمحروقات من روسيا؛ ما يجعل اقتصادات العديد منها تحت رحمة الإمدادات الأميركية.

دونالد ترمب مع القادة الأوروبيين في واشنطن (إ.ب.أ)

التحرشات العسكرية الروسية الأخيرة في الأجواء الأوروبية قابلتها خطوات لتعزيز المنظومة العسكرية الأوروبية، وتفعيل البروتوكولات الدفاعية الأطلسية، وزيادة الدعم المالي والاقتصادي لأوكرانيا. وفي تحوّل لافت، أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن بلاده تدعم خطة استخدام الأصول الروسية المجمدة في بلدان الاتحاد الأوروبي لتقديم قروض بقيمة 140 مليار يورو من غير فوائد لأوكرانيا. وقال ميرتس، الذي كانت بلاده أشد المعترضين على هذه الخطوة، إن هذا القرض لن يُسدَّد قبل أن تدفع روسيا تعويضات الأضرار التي ألحقتها خلال الحرب في أوكرانيا. يأتي هذا الموقف الألماني بعد التلميحات الأميركية إلى أن واشنطن تفكّر في سحب التعزيزات العسكرية التي كانت أرسلتها الإدارة السابقة إلى أوروبا الشرقية التي كانت في الآونة الأخيرة مسرحاً لمعظم الهجمات الروسية الهجينة.


مقالات ذات صلة

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
أوروبا حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها اليوم الخميس في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (دبلن)
أوروبا المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدثان في برلين بألمانيا يوم 23 يوليو 2025 (إ.ب.أ)

ماكرون وميرتس قلقان من النهج الأميركي للسلام في أوكرانيا

كشفت مجلة «شبيغل» الألمانية أن الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني عبّرا عن تشككهما في الاتجاه الذي تسلكه أميركا للتفاوض على السلام بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
TT

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

وكتبت هيئة الأركان العامة للجيش على تطبيق تلغرام أن مصنع نيفينوميسكي أزوت تعرض للقصف يوم الخميس، موضحة أن المنشأة تنتج مكونات للمتفجرات ووصفتها بأنها واحدة من أكبر المنشآت من هذا النوع في روسيا.

ولم يصدر على الفور رد فعل من جانب المسؤولين الروس، ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة ما أعلنه الجيش الأوكراني بشكل مستقل.


أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
TT

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، اليوم الخميس، في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

وتسعى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي هيئة معنية بالأمن والحقوق، إلى الاضطلاع بدور في أوكرانيا ما بعد الحرب.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الأربعاء، إن الطريق أمام محادثات السلام غير واضح حالياً، في تصريحات بعد محادثات وصفها بأنها «جيدة إلى حد معقول» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثين أميركيين.

وأضاف سيبيها أمام المجلس الوزاري السنوي للمنظمة: «ما زلنا نتذكر أسماء أولئك الذين خانوا الأجيال القادمة في ميونيخ. يجب ألا يتكرر ذلك مرة أخرى. يجب عدم المساس بالمبادئ ونحن بحاجة إلى سلام حقيقي وليس إلى تهدئة».

جنود روس يقومون بدورية بمنطقة سودجا بإقليم كورسك (أرشيفية - أ.ب)

وأشار الوزير بهذا على ما يبدو إلى اتفاقية عام 1938 مع ألمانيا النازية، التي وافقت بموجبها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على أن يضم أدولف هتلر إقليماً فيما كان يُعرف آنذاك بتشيكوسلوفاكيا. وتستخدم هذه الاتفاقية على نطاق واسع باعتبارها إشارة إلى عدم مواجهة قوة مهددة.

ووجه سيبيها الشكر للولايات المتحدة على ما تبذله من جهود في سبيل إرساء السلام، وتعهد بأن أوكرانيا «ستستغل كل الفرص الممكنة لإنهاء هذه الحرب»، وقال: «أبرمت أوروبا الكثير للغاية من اتفاقيات السلام غير العادلة في الماضي. أسفرت جميعها عن كوارث جديدة».

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس إن فريقه يستعد لعقد اجتماعات في الولايات المتحدة وإن الحوار مع ممثلي ترمب سيستمر.

وبرزت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تضم 57 دولة منها الولايات المتحدة وكندا وروسيا ومعظم دول أوروبا وآسيا الوسطى، بوصفها منتدى مهماً للحوار بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة.

وفي السنوات القلائل الماضية، وصلت المنظمة إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان، إذ عرقلت روسيا تنفيذ قرارات مهمة، واتهمتها بالخضوع لسيطرة الغرب. واشتكت روسيا في بيانها من «هيمنة أوكرانيا الشاملة على جدول الأعمال» في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.


تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
TT

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا، الخميس، أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدى وصوله في زيارة دولة إلى آيرلندا، يوم الاثنين.

وذكرت صحيفة «آيريش تايمز» أن عملية الرصد أثارت استنفاراً أمنياً واسعاً وسط مخاوف من أنها محاولة للتدخل في مسار الرحلة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها القول إن الطائرة، التي وصلت قبل موعدها بقليل، لم تكن معرضة للخطر، وفقاً لوكالة «رويترز».

ووصل الوفد الأوكراني في ساعة متأخرة من مساء يوم الاثنين، وغادر في وقت متأخر من اليوم التالي، في إطار رحلة للمساعدة في حشد الدعم الأوروبي لكييف، في الوقت الذي تواصل فيه روسيا حربها على أوكرانيا.

وأدّت توغلات الطائرات المسيرة، التي لم يُكشف عن الجهة المسؤولة عنها حتى الآن، إلى تعطيل حركة الملاحة الجوية في أوروبا في الآونة الأخيرة. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه التوغلات بأنها «حرب متعددة الوسائل».