القطاع الطبي بمدينة غزة يستصرخ العالم لنجدته

من ساحة مستشفى... إلى مقبرة لدفن الجثامين

فلسطينيون يسيرون وسط الدمار بعد هجوم جوي إسرائيلي بمدينة غزة يوم الأربعاء (د.ب.أ)
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار بعد هجوم جوي إسرائيلي بمدينة غزة يوم الأربعاء (د.ب.أ)
TT

القطاع الطبي بمدينة غزة يستصرخ العالم لنجدته

فلسطينيون يسيرون وسط الدمار بعد هجوم جوي إسرائيلي بمدينة غزة يوم الأربعاء (د.ب.أ)
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار بعد هجوم جوي إسرائيلي بمدينة غزة يوم الأربعاء (د.ب.أ)

بينما يجتمع زعماء العالم في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك، في حدث هيمنت عليه مأساة الوضع في غزة، واصلت القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية بلا هوادة، لتراق المزيد من دماء العشرات، بينما استغاثت الجهات الطبية بالمؤسسات الدولية لنجدة المستشفيات والمراكز الصحية وإنقاذها من الانهيار.

ووجهت وزارة الصحة بغزة، الأربعاء، مناشدةً لجميع الجهات الدولية لإنقاذ ما تبقى من نظام صحي يتداعى أمام استمرار العمليات الإسرائيلية وخروج بعض المستشفيات عن الخدمة بالكامل.

ولفتت الوزارة إلى أن تأخر إدخال الوقود يهدد بتوقف عمل المولدات الكهربائية في مستشفيات غزة؛ الأمر الذي سيُعطل الخدمات الصحية، وأشارت في بيان إلى أن مستشفى الشفاء مستمر بالعمل رغم الظروف القاسية، وأن طواقمه «لا تزال متمسكة برسالتها الإنسانية».

وتحدثت مصادر طبية لـ«الشرق الأوسط» عن الظروف بالغة الصعوبة التي يعمل فيها مجمع الشفاء الطبي المدمر، لكنها أكدت أنه على الرغم من تمركز الآليات العسكرية الإسرائيلية على بعد كيلومتر واحد من المجمع، فإن عيادته لا تزال تعمل ولا تزال طواقمه مستمرة في تقديم خدماتها.

ووفقاً لمصادر ميدانية، أصابت بعض الطلقات محيط المجمع.

كان مجمع الشفاء الطبي، وهو أكبر مستشفى في قطاع غزة، قد تعرَّض لعملية عسكرية مركزة في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، ولحقت به أضرار جزئية طفيفة؛ ثم تعرض لعملية ثانية في منتصف مارس (آذار) 2024 استمرت لنحو 3 أسابيع، تعرَّضت فيها مبانيه لاستهداف ممنهج؛ ما تسبب في تدمير أجزاء كبيرة منه وتجريف بعض ساحاته، وإخراجه عن الخدمة بالكامل.

وبعد أشهر، تمكنت وزارة الصحة بغزة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومؤسسات دولية من إعادة تأهيل مبنى العيادة الخارجية لتحويله عيادة صغيرة؛ بهدف استقبال الجرحى والمرضى وتقديم الخدمات لهم، إلى جانب استقبال جثث الضحايا.

فلسطينيون وسط الدمار بعد هجوم جوي بمدينة غزة يوم الأربعاء (د.ب.أ)

وفي مشهد تكرر مرات عدة في الحرب، تحولت ساحة المجمع الطبي المدمرة والمجرفة مقبرةً لدفن جثامين القتلى الفلسطينيين فيها، بعد أن سيطرت القوات الإسرائيلية نارياً على مناطق عدة من مدينة غزة؛ الأمر الذي أخرج المقابر عن الخدمة، مع تعذر الوصول إليها لدفن الجثامين.

خارج نطاق الخدمة

ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية بمدينة غزة، خرجت مستشفيات الكرامة والعيون والرنتيسي وعيادة العودة الطبية ومستوصف الشيخ رضوان عن الخدمة بشكل كامل، كما يواجه مستشفى المعمداني ومستشفى الصحابة خطراً كبيراً وسط الاستهدافات القريبة منهما وتعرضهما لإطلاق نار من مسيَّرات إسرائيلية تحلّق في محيطها.

وأفاد مدير جمعية الإغاثة الطبية في قطاع غزة، بسام زقوت، بانقطاع الإمدادات التي كانت تأتي من جنوب القطاع إلى مدينة غزة، خصوصاً الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود، لافتاً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ في إجبار الكوادر الطبية على النزوح نحو الجنوب بعد إفراغ الاحتلال لمناطقهم من السكان.

ولفت زقوت في تصريحات إعلامية إلى أن بعض المستشفيات خرجت عن الخدمة مثل مستشفى الرنتيسي للأطفال ومستشفى العيون و8 مراكز صحية تم تدميرها، منها مركز الإغاثة الطبية الفلسطينية في منطقة السامر، وهو من أكبر المراكز التي تساند المشافي بالفحوص المخبرية.

وأشار إلى أن انتقال الطواقم الطبية من منازلهم إلى المستشفيات أصبح بالغ الخطورة؛ ما يضطر الطواقم إلى البقاء داخل المستشفيات، مؤكداً أن المراكز الطبية ستبقى رغم خطورة الأوضاع تعمل حتى اللحظة الأخيرة إلى أن يتم إخلاؤها قسراً.

الدخان يتصاعد نتيجة القصف الإسرائيلي ونازحون يفرون من شمال غزة صوب الجنوب يوم الأربعاء (رويترز)

وأكدت جمعية الإغاثة الطبية أن الجيش الإسرائيلي تعمد استهداف مقرها الرئيسي في حي تل الهوى جنوب مدينة غزة، عادَّةً أن ذلك جاء في إطار «نية الإبادة الطبية والصحية» لجميع المرافق العاملة في مدينة غزة؛ لحرمان سكانها مما تبقى من مقومات الحياة والصمود والبقاء.

وعدَّت الجمعية في بيانها أن «هذه الاعتداءات المدانة هي تعدٍ صارخ ومتعمد على القوانين والمعاهدات الدولية، بما فيها اتفاقيات جنيف والتي تكفل الحماية والحصانة للطواقم والمرافق الطبية».

وذكرت جمعية الإغاثة أنه بتدمير هذا المقر أصبحت جميع مقارها في القطاع خارج الخدمة نتيجة تدميرها، لكنها أكدت أن ذلك لن يثنيها عن مواصلة مهامها.

قصف وتفجير وقتل

وواصلت القوات الإسرائيلية تفجير عربات عسكرية مفخخة في مناطق متفرقة من مدينة غزة، كما واصلت القصف الجوي والمدفعي وإلقاء القنابل الحارقة والمتفجرة على المنازل.

وتتمركز القوات الإسرائيلية في مناطق عدة، منها حي الشيخ رضوان وحي النصر، وكذلك على أطراف مخيم الشاطئ، كما تنتشر قوات أخرى في محيط منطقة النفق والتفاح شرق غزة، وكذلك في حي تل الهوى والصبرة جنوب المدينة.

فلسطينيون يحملون جثامين ذويهم بعد هجوم في حي الزيتون بجنوب مدينة غزة يوم الأربعاء (د.ب.أ)

وقتل أكثر من 66 فلسطينياً منذ فجر الأربعاء نتيجة العمليات الإسرائيلية المتواصلة في القطاع، غالبيتهم من سكان مدينة غزة، من بينهم 20 قُتلوا في مجزرة طالتهم فجراً، واستهدفت خيام وحواصل «محال فارغة» يقطنها نازحون في منطقة سوق فراس شرق المدينة على بعد عشرات الأمتار من مستشفى المعمداني، بينما قُتل 6 فلسطينيين وسط القطاع، و16 في خان يونس جنوباً، منهم ما لا يقل عن 10 من طالبي المساعدات.

وذكرت وزارة الصحة بغزة أنه وصل إلى مستشفيات القطاع خلال 24 ساعة، من ظهيرة الثلاثاء إلى الأربعاء، 37 قتيلاً و175 إصابة جديدة؛ ما يرفع العدد الإجمالي إلى 65419 قتيلاً و167160 مصاباً منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ومن بين الإجمالي، قُتل 12823 وأصيب 54944 منذ استئناف إسرائيل للحرب في 18 مارس (آذار) الماضي.

كما تم تسجيل 5 قتلى و20 إصابة جراء المساعدات، ليرتفع إجمالي ضحايا المساعدات إلى 2531 قتيلاً وأكثر من 18531 إصابة منذ نهاية مايو (أيار) الماضي بعد فتح نقاط التوزيع الأميركية.


مقالات ذات صلة

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

يوميات الشرق الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

هل تجد صعوبة في إبقاء عينيك مفتوحتين بعد الغداء؟ كثيراً ما يبدأ الناس يومهم بنشاط ثم تنهار طاقتهم بعد الغداء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يعدّ الشاي بأنواعه المختلفة من أكثر الخيارات شيوعاً لخسارة الوزن (بيكسلز)

من الأسود إلى الأبيض... 8 أنواع شاي تساعد على خسارة الوزن وحرق الدهون

يبحث كثيرون عن طرق طبيعية وآمنة لدعم خسارة الوزن وتحسين عملية الأيض، ويعدّ الشاي بأنواعه المختلفة من أكثر الخيارات شيوعاً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك زيت الخروع يُستخدم مليّناً وفي منتجات العناية بالبشرة والشعر (بكسلز)

استخدمته كليوباترا لتفتيح بياض عينيها... ما الفوائد الصحية لزيت الخروع؟

زيت الخروع عبارة عن زيت كثيف عديم الرائحة، يُستخرج من بذور نبات الخروع. يعود استخدامه إلى مصر القديمة، حيث يُرجح أنه استُخدم وقوداً للمصابيح.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك توت البلسان يحتوي على كمية جيدة من فيتامين «سي» (بيكسلز)

نوع من التوت يساعد في التقليل من نزلات البرد الشتوية

استخدم السكان الأصليون في أميركا ثمار البلسان في الطب التقليدي لآلاف السنين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك سكري الحمل يمكن أن يؤدي إلى نمو مفرط للطفل... لذا أهمية المتابعة المستمرة له لوقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية (بيكسباي)

دراسة: المتابعة المستمرة لسكري الحمل يمكنها وقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية

أظهرت بيانات من تجربة جديدة أنه يمكن للنساء اللاتي يصبن بالسكري المرتبط بالحمل أن يقللن من احتمالات إنجاب مولود جديد بوزن أعلى من المتوسط عند الولادة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني، هو «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار».

وتأتي مواقف قاسم في وقتٍ لم يعلن فيه رئيس البرلمان نبيه بري اعتراضاً على تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، إنما أكد على ضرورة حصر دوره بالإطار التقني وعدم توسيعه إلى مستويات تفاوضية أو سياسية، وهو ما يعكس تمايزاً واضحاً حول هذا القرار بين الحليفين.

تقديم تنازلات في لحظة حساسة

ووصف قاسم في كلمة له خطوة تعيين مدني بـ«سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة 5 أغسطس (قرار الحكومة لحصرية السلاح)» معتبراً أنّه «بدلاً من اتخاذ خطوات إلى الأمام تُقدَّم تنازلات لن تنفع مع إسرائيل»، داعياً الحكومة للتراجع عن القرار، وأن «يجري تفاهم داخلي على قاعدة عدم السماح بأي تنازل حتى تطبق إسرائيل ما عليها».

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (أرشيفية - رويترز)

«السفينة الغارقة»

واعتبر قاسم أنّ الحزب «قام بما عليه ومكّن الدولة من فرض سيادتها في إطار الاتفاق»، قبل أن ينتقل إلى تشبيه لبنان بـ«السفينة»، معتبراً أنّ «التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، وعندها يغرق الجميع».

وقال إنه يجب مواجهة العدوان الإسرائيلي التوسعي بكل الوسائل والسبل، مضيفاً: «هناك اتفاق لم يتم الالتزام به رغم التزام لبنان، الاعتداءات ليست من أجل السلاح، بل من أجل التأسيس لاحتلال لبنان ورسم إسرائيل الكبرى من بوابة لبنان».

وفي المقابل، أكد قاسم أنّ «الدولة اختارت طريق الدبلوماسية لإنهاء العدوان، ونحن معها أن تستمر في هذا الاتجاه». لكنه شدد على أنّه «لا علاقة لأميركا وإسرائيل بكيفية تنظيم شؤوننا الداخلية، ولا علاقة لهما بما نختلف عليه أو نقرره في لبنان».

وشدّد على أنّ «الحدّ الذي يجب الوقوف عنده هو حدود الاتفاق الذي يتحدث حصراً عن جنوب نهر الليطاني، ولا وجود لما يسمى ما بعد جنوب نهر الليطاني».

وتابع قاسم: «هم يريدون إلغاء وجودنا»، لكن «سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا، ونحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».


الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.