يثقل التاريخ كاهل كيري جيمس مارشال، وإن لم يكن بالقدر الكبير؛ فعندما يتحدث عن الموضوعات الكبرى التي يتناولها في أعماله الفنية ـ من العبودية إلى الحقوق المدنية ـ فإنه يفعل ذلك بخفة مربكة ومثيرة للقلق. ربما لأن مارشال، الذي يقترب من السبعين من عمره ويتمتع اليوم بذروة شهرته، قد عايش كل تجارب الحياة تقريباً.
نشأ مارشال في مدينة برمنغهام بولاية ألاباما، على بُعد بضعة شوارع فقط من المكان الذي شهد تفجير كنيسة المعمدانية في شارع 16 عام 1963 ـ هجوم نفذه متطرفون بيض وأودى بحياة أربع فتيات صغيرات من السود.
وعندما انتقلت عائلته إلى لوس أنجليس، وجدوا أنفسهم في قلب انتفاضة واتس عام 1965، التي استمرت 6 أيام بسبب توترات عرقية اشتعلت داخل أفقر مناطق المدينة.
كل هذا أسهم بالتأكيد في رحلته ليصبح – على الأرجح – أعظم رسام أميركي على قيد الحياة. واليوم، وهو جالس في قاعات الأكاديمية الملكية في لندن، حيث تُعرض لوحاته المدهشة الضخمة والمفعمة بالألوان في معرض ضخم، أخذ يسترجع قائمة من الأحداث الصادمة والدامية في طفولته: ضرب، وجرائم وقتل، وإصابات، وسرقات... وعلق ضاحكاً: «وهذا ليس حتى نصف ما حدث».
وأضاف مارشال: «بلغت هذه المكانة رغم كل الصعاب، بالنظر إلى الفترة التي التحقت فيها بمدرسة الفنون، وإلى ما كان يقوله الناس عن أنني لست من المفترض أن أبدع مثل هذا النوع من الأعمال. إلا أن ذلك لم يؤثر قط على طموحي، فقد وضعت نصب عيني أهدافي الخاصة. لا أحد يملي عليّ ما يجب أن يعجبني وما لا يجب أن يعجبني. أنا لا أقبل بذلك».
من البداية، اتسمت رؤية مارشال بتحدٍّ واضح؛ فالبيئة الثقافية التي برز فيها بعد تخرجه في مدرسة الفنون في أواخر السبعينات كانت غارقة في المفاهيم المجردة، وما زالت تتعامل مع إرث التجريدية وفن «البوب» وما بعد الحداثة.
من ناحيته، اختار مارشال أن يتجاهل كل ذلك، واختار بدلاً منه توجهاً كلاسيكياً واضحاً نحو التصوير التشكيلي. ومع ذلك، فإن ما فعله كان عصرياً بشكل مذهل: لقد استخدم لغة الكلاسيكية ليُعلي من شأن الموضوعات اليومية العادية – والأهم من ذلك – الموضوعات السوداء، ليضعها على مستوى تيتيان وجاك لوي دافيد وفيلاسكيث.


