المستشفى الذكي في «ذا لاين»: ميلاد الطب المستقبلي عام 2030

مؤسسة بلا أوراق: الثورة الصحية تبدأ من هنا

المستشفى الذكي في «ذا لاين»: ميلاد الطب المستقبلي عام 2030
TT

المستشفى الذكي في «ذا لاين»: ميلاد الطب المستقبلي عام 2030

المستشفى الذكي في «ذا لاين»: ميلاد الطب المستقبلي عام 2030

في عام 2030، ستشهد مدينة «ذا لاين The Line» لحظة فارقة في تاريخ الطب، ليس فقط في المملكة العربية السعودية، بل على مستوى العالم بأسره.

بداية فصل جديد

هناك، في قلب المدينة التي صُممت لتكون أيقونة للمستقبل، سيُفتتح أول مستشفى ذكي متكامل.. مستشفى لا يعتمد على المعايير التقليدية، ولا يكرر ما سبق، بل يصوغ نموذجاً جديداً للرعاية الصحية.

هنا، لا مكان للطوابير الطويلة، ولا للانتظار المرهق، بل رعاية ذكية تنبض بالحياة، يقودها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتوأم الرقمي.

ثمرة تجارب عالمية

افتتاح هذا المستشفى الذكي في «ذا لاين» عام 2030 لن يكون مجرد تدشين لمرفق صحي جديد، بل سيكون إعلاناً لولادة فصل جديد في الطب. فهو ثمرة لتجارب عالمية سبقت: تجربة Agent Hospital في الصين عام 2024، التي اعتمدت على 42 طبيباً افتراضياً و4 ممرضين آليين لخدمة أكثر من عشرة آلاف مريض يومياً، وكذلك تجربة Hope Hospital في الولايات المتحدة، التي قدّمت مفهوم التوأم الرقمي (Digital Twin) للمريض.

إلا أن المملكة لا تستنسخ هذه التجارب، بل تتجاوزها لتبني نموذجاً خاصاً بها، يرتكز على «رؤية 2030» التي تسعى إلى جعل السعودية صانعة المستقبل، لا متلقية له.

الأطباء الجدد: وكلاء رقميون

في المستشفى الذكي القادم، ستتغيّر صورة الطبيب التي اعتدنا عليها؛ فليس هناك مكتب مزدحم بالملفات، ولا معطف أبيض يتنقل بين الردهات. والطبيب هنا هو وكيل رقمي مستقل (Autonomous AI Agent)، كيان افتراضي يُتقن لغات العالم، ويحلل في اللحظة الواحدة آلاف المؤشرات الحيوية المتشابكة.

هؤلاء الأطباء الجدد لا يعرفون النوم ولا الإرهاق، ولا ينسون تفصيلاً مهما صغر. يتتبعون حياة المريض كما لو كانت رواية مفتوحة الصفحات: من نبرة صوته الخافتة إلى كيمياء لعابه، ومن خفقات قلبه المتسارعة إلى تقلبات مزاجه الدقيقة... كل نبضة، وكل نفس، تتحول إلى بيانات تُترجم فوراً إلى قرارات علاجية.

مستشفى ذكي

وحسب المخطط، سيضم المستشفى:

* أكثر من 120 طبيباً افتراضياً يتوزعون على مختلف التخصصات الدقيقة، من طب العيون إلى جراحة الأعصاب.

* نحو 60 مساعداً صحياً افتراضياً يتولون المتابعة اليومية، من التغذية إلى الدعم النفسي، كأنهم ممرضون رقميون يرافقون المريض على مدار الساعة.

* قاعدة معرفية سعودية - عالمية تُحدَّث لحظياً من أحدث الأبحاث الطبية، لتضمن أن أي تشخيص أو قرار علاجي يستند دوماً إلى أحدث ما توصّل إليه العلم.

التوأم الرقمي: مرآة لا تفارقك

في هذا المستشفى الذكي، لا يعيش المريض وحده؛ فلكل إنسان نسخة حية تلازمه أينما ذهب، تُعرف باسم التوأم الرقمي، إنه مرآة افتراضية تراقب الجسد لحظة بلحظة: تُسجِّل أنفاسك المتقطعة، وقطرات عرقك الصغيرة، وتتابع حتى تفاصيل نومك وأدق تقلبات مزاجك.

مع هذا التوأم، يتغيّر دور الطبيب جذرياً. فهو لا ينتظر أن يسمع شكواك بعد أن يشتد الألم، بل يقرأ العلامات قبل أن تدركها أنت نفسك، ويتدخل في اللحظة المناسبة ليَحول بينك وبين المرض. هنا تتحول الرعاية الصحية من مجرد رد فعل متأخر إلى توقع استباقي يسبق الخطر بخطوة، ويمنح المريض فرصة العيش في أمان أكبر.

إنترنت الأشياء: الرعاية تبدأ من فراشك

في المستشفى الذكي، لا تنتظر الرعاية حتى تصل إلى باب العيادة، بل تبدأ من أبسط تفاصيل حياتك اليومية:

من فراشك، ومن مرآة حمامك، وحتى من أنبوب معجون الأسنان.

* فراشك الذكي يرصد أنماط التنفس في أثناء النوم، ويكشف مبكراً عن بوادر اضطراب النوم أو ضعف وظائف الرئة.

* ساعتك الذكية تلتقط إيقاع قلبك، لتفرّق بين قلق عابر لا يستحق القلق... وإشارة خفية تنذر بمشكلة قلبية خطيرة.

* مرآة الحمام تحلل نبرة صوتك كل صباح، لتكشف عن تغيرات دقيقة مرتبطة بالاكتئاب أو الإرهاق.

* وحتى أنبوب معجون الأسنان يتحول إلى مختبر مصغّر، يحلل لعابك لحظياً، كاشفاً نسب الغلوكوز ومؤشرات الالتهاب.

وحين تُرصد أي إشارة غير مألوفة، تبدأ سلسلة ذكية متكاملة:

إشعار للطبيب الافتراضي → تحليل فوري للبيانات → وصفة علاجية شخصية → وصول الدواء إلى بابك بطائرة ذكية من الدرون.

هنا تتحول أدواتك اليومية من أشياء صامتة إلى شبكة حية، تُراقب صحتك بصمت، وتعمل من أجلك دون أن تشعر.

قصة أم نواف: حين سبقت الخوارزميات الألم

في أحد منازل «ذا لاين»، استيقظت أم نواف في صباح ربيعي هادئ وهي تشعر بتعب خفيف. ظنّت أنه إرهاق عابر بعد يوم طويل، ولم تدرك أن فراشها الذكي كان قد رصد انخفاضاً طفيفاً في جودة نومها وارتفاعاً غير مألوف في حرارة جلدها.

في الحمام، التقطت فرشاة الأسنان الذكية إشارات التهابية في لعابها، بينما سجّلت المرآة الذكية تغيراً خافتاً في نبرة صوتها، بالكاد يلاحظه الإنسان. كل هذه البيانات الدقيقة تجمّعت في لحظات، وانتقلت فوراً إلى الطبيبة الافتراضية «نورا-5»، وكيلة رقمية متخصص في أمراض النساء وكبار السن.

لكن «نورا-5» لم تُصدر إنذاراً مرعباً، بل خاطبتها بلطف مألوف:

«صباح الخير يا أم نواف، لاحظت بعض التغيرات في بياناتك. هل تسمحين بإجراء فحص إضافي؟».

ابتسمت أم نواف بتردد، ثم وافقت. عندها تولّى المرحاض الذكي المهمة، فحلّل البول ودرجة الحموضة وكشف عن البكتيريا خلال ثوانٍ.

النتيجة كانت واضحة: بداية التهاب في المسالك البولية، في مرحلة مبكرة جداً.

العلاج: وصفة رقمية صُممت خصيصاً لها، أُرسلت إلى أقرب صيدلية.

وفي دقائق معدودة، حطّت طائرة ذكية صغيرة أمام باب منزلها، تحمل الدواء الذي أوقف المرض قبل أن يبدأ.

لم تغادر أم نواف منزلها. لم تنتظر في مختبر مزدحم. لم تعرف الألم.

لقد سبقت الخوارزميات المرض... وسبق الذكاء الألم.

التعليم الطبي: أطباء يُصنعون من التوأم الرقمي

المستشفى الذكي لا يقتصر دوره على شفاء المرضى، بل يتحول إلى جامعة حيّة لصناعة جيل جديد من الأطباء. هنا، تختفي القاعات التقليدية التي تعلّم الطلبة على جثث باردة أو سيناريوهات جامدة، ويحل محلها عالم من التوائم الرقمية الافتراضية، كائنات افتراضية تحاكي أمراضاً حقيقية، وتتغير باستمرار كما يفعل الجسد البشري.

قد يجد الطالب نفسه أمام مريض افتراضي يعاني من ألم مزمن لا يزول بالمسكنات، فيتعلم كيف يوازن بين العلاج الدوائي والدعم النفسي.

أو يواجه مريضاً يخشى فقدان وظيفته إن عرف رئيسه بحالته، فيتدرب على التواصل الحساس والسرية الطبية.

بل قد يُوضع أمام سؤال أخلاقي صعب: هل تُخبر المريض بأنه يحتضَر، أم تؤجل الخبر لحماية معنوياته؟

في هذه المدرسة غير المسبوقة، لا يُصنع الطبيب كآلة تحفظ الوصفات، بل كإنسان كامل: عالِم دقيق، ومُعالج يحمل الرحمة في قرار.

مختبر السياسات الصحية: قرارات تُختبر قبل أن تقع

في المستشفى الذكي، لا يقتصر الابتكار على غرف العلاج أو أجهزة التشخيص، بل يمتد ليشمل مختبراً وطنياً للسياسات الصحية، أشبه بغرفة محاكاة ضخمة للمستقبل. هنا تُختبر القرارات الكبرى قبل أن تُطبّق على أرض الواقع، ويُقاس أثرها بدقة متناهية.

ماذا سيحدث لو ارتفعت نسب السمنة بين فئة المراهقين؟

كيف قد يتطور فيروس جديد في مناخ «ذا لاين» المغلق والمترابط؟

ما النتائج الاقتصادية والصحية لفرض ضريبة على المشروبات السكرية؟

كل هذه الأسئلة لا تُترك للتكهنات أو الاجتهاد البشري وحده، بل تُعالَج عبر خوارزميات دقيقة تعتمد على بيانات وطنية حيّة تُحدَّث لحظة بلحظة. النتيجة: قرارات مدروسة، تستند إلى العلم لا إلى الحدس، وتمنح صانعي السياسات ثقة بأنهم يسيرون على أرض صلبة.

الأخلاقيات السعودية: القيم قبل الخوارزميات

في المستشفى الذكي، لا يُترك الذكاء الاصطناعي ليعمل في فراغ تقني بارد، بل يُوجَّه ببوصلة قيمية سعودية واضحة. فالتقنية مهما بلغت دقتها لا قيمة لها إن فقدت روحها الإنسانية.

تُخزَّن البيانات محلياً تحت إشراف الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، ضماناً للسيادة الرقمية وحماية الخصوصية.

تُراجع القرارات الطبية عبر لجنة أخلاقية متخصصة، توازن بين مصلحة المريض وقيم المجتمع.

وتستعد المملكة لإطلاق ميثاق وطني لأخلاقيات الذكاء الصحي، ينص على قاعدة ذهبية: أن تكون الرحمة فوق الخوارزمية، والإنسانية قبل الأتمتة.

بهذا تصبح السعودية ليست رائدة في التقنية فحسب، بل أيضاً في صياغة فلسفة أخلاقية تجعل الذكاء الاصطناعي خادماً للإنسان، وليس سيداً عليه.

السعودية تصنع المستقبل

عام 2030، حين يُفتتح المستشفى الذكي في «ذا لاين»، لن يكون مجرد مشروع طبي متطور، بل أيقونة من أيقونات «رؤية السعودية 2030»، وإعلاناً عن عودة الطب العربي إلى منصة الريادة بعد قرون.

فكما كان ابن سينا يضع «القانون في الطب»، والزهراوي يؤسس علم الجراحة، وابن النفيس يكتشف الدورة الدموية، تعود السعودية اليوم لتكتب فصلاً جديداً بلغة الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، لتُثبت أن الإرث العظيم يمكن أن يولَد من جديد بثوب حديث.

والمملكة اليوم لا تتنبأ بمستقبل الطب... بل تصنعه، وتصدّره للعالم من قلب «ذا لاين».

هامش توضيحي

هذه المقالة افتراضية تستشرف المستقبل، وليست خبراً عن مشروع معلن رسمياً. بنيتُها على أفكار مستوحاة من تجارب عالمية مثل Agent Hospital في الصين وHope Hospital في الولايات المتحدة، وعلى ما تعكسه «رؤية السعودية 2030» من طموح القيادة في جعل المملكة رائدة عالمياً في الذكاء الاصطناعي والطب الذكي.


مقالات ذات صلة

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد من داخل معرض وظيفي للموظفين الفيدراليين المفصولين حديثاً في كانساس سيتي مارس 2025 (رويترز)

انخفاض طلبات إعانة البطالة الأميركية إلى أدنى مستوى منذ 3 سنوات

انخفض عدد المتقدمين الجدد للحصول على إعانات البطالة بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات في إشارة إلى صمود سوق العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
عالم الاعمال الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة الاستثمارات الخيرية عالمياً

الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة الاستثمارات الخيرية عالمياً

أكد خبراء في منتدى القطاع غير الربحي الدولي، الذي انطلق في العاصمة السعودية الرياض، أن الذكاء الاصطناعي يقود استثمارات خيرية تتجاوز 10 مليارات دولار عالمياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
علوم هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

ضرورة ملاءمته لنبرة الحديث وممارسات العمل والافتراضات الثقافية

إنريكي دانس (واشنطن)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.