في العاشرة صباحاً من يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) لعام 1916، وصلت بارجة بريطانية يُطلق عليها «لاما» إلى ميناء ينبع قادمة من رابغ، وفي اليوم التالي من وصولها، وردت العبارة التالية: «وصلت فرقة كرة القدم والترفيه»، لتصبح ضمن سلسلة سفن وبوارج عبرت ميناء الغرب في البحر الأحمر، هكذا بدأت إحدى أولى الإشارات لوجود لعبة كرة القدم في المنطقة.
ووفق مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودي، الذي يُعد بمثابة حقبة زمنية طويلة كانت في طي النسيان لأعوام، وبعيداً عن رصد البطولات وصراع تصنيفها بين الجماهير، كانت البدايات هاجساً كبيراً لفريق عمل المشروع، 123 عاماً جرت دراستها ورصد التسلسل الزمني حتى الظهور الفعلي للعبة في البلاد.
ومنذ عام 1902 «تاريخ استعادة الرياض وبداية مرحلة توحيد البلاد التي قادها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (طيب الله ثراه)»، خضعت تلك السنوات لدراسة وافية وشاملة، وتناولت العديد من المصادر والمنشورات بمختلف اللغات.
ويشير مشروع التوثيق، في الكتيب الذي بلغ عدد صفحاته 655 ونُشر على الموقع الرسمي للاتحاد السعودي لكرة القدم، إلى أن بدايات كرة القدم في السعودية كانت في منطقة الحجاز، استدلالاً بعدد من المنشورات الأجنبية والمحلية التي أشارت إلى ظهور المصطلح بين السكان المحليين وبين ممارسين كانوا على متن سفن بحرية وحربية عبرت موانئ عدد من المدن مثل رابغ وينبع وجدة.

بداية نشوء المعرفة في كرة القدم بالسعودية كانت في مرحلة زمنية مبكرة، لكنها لم تحضر على أرض الواقع، فهناك ألعاب تحضر فيها «الكرة» لكن قد تختلف ممارساتها مثل لعبة سميت «تيس وتن تيس»، وهي مشابهة للعبة كرة القدم لكن بنظام واحتساب أهداف مختلف، كما ورد في كتاب «مكة في القرن الرابع عشر» لمحمد رفيع، وأخرى أطلق عليها «القال»، كما أوردها أحمد الغزاوي في كتاب «شذرات الذهب».
البارجة البريطانية «لاما» ثم «سوفا» التي حضرت في ديسمبر (كانون الأول) 1916، و«باخوس» التي وصلت شرم رابغ في ديسمبر للعام نفسه، هي امتداد لعدد 90 سفينة حربية عبرت خلال الأعوام 1914 حتى 1921 على عدد من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، وكانت تردُ في سجلاتها عبارة «هبطت فرقة كرة القدم» وعبارة «عادت فرقة كرة القدم»، وهي، وفق كتيب مشروع التوثيق، تشير إلى أنه لا يعني بالضرورة أنها ممارسة، وقد تعني ذلك، وكذلك قد تكون احتفالية تمارس بواسطة كرة القدم.
ووفق الاستنتاج الوارد في كتيب المشروع عن بدايات نشوء المعرفة بكرة القدم في المملكة، فإن لعبة كرة القدم التي وردت في جريدة «القبلة» أو في سجلات البوارج البحرية مختلفة عن ألعاب الكرة الأخرى المنتشرة مثل «القال، والتيس، وتن تيس»، وغيرها.
كما جرت الإشارة إلى أن الأوضاع السياسية والاجتماعية في الحجاز والجزيرة العربية لم تكن مواتية لظهور ممارسة كرة القدم بين المواطنين بشكل يمكن رصده؛ نظراً لأنها تحتاج إلى مساحات خارج أسوار المدن، وهو ما قد يتعذر بسبب الحروب والتوترات السياسية، كما أن الظروف نفسها قد تكون أسهمت في تقليل اختلاط أفراد المجتمع العاديين مع الجنود الذين مارسوا كرة القدم لأسباب أمنية أو لأسباب دينية.
ولم يثبت لفريق عمل مشروع التوثيق وجود ممارسة المواطنين السعوديين لكرة القدم قبل 1920، لكنها معرفة محتملة لم ترتق للممارسة. ووفقاً لما جرى رصده، فإن الرابع من أبريل (نيسان) 1932 ظهر أول خبر رياضي منشور بصحيفة «صوت الحجاز» عن «ظاهرة جديدة في الحجاز تستحق التحبيذ والتشجيع، وهي (الرياضة بمكة في أسبوع)».
وخلص فريق عمل مشروع التوثيق إلى استنتاجين عن نشأة ممارسة كرة القدم وظهور الأندية في السعودية، وهي أن أقدم رصد للممارسة للمواطنين السعوديين كانت في 1921، وكل البيانات المتاحة والشهادات والمقالات كانت تشير إلى أن الجاويين المقيمين في مكة هم أول من مارسوا الكرة، ومن ثم انضم لهم عدد من المواطنين، وبعدها انتشرت ممارسة الكرة بالمملكة.
الاستنتاج الثاني أشار إلى رصد نشأة أندية كرة القدم من خلال المواطنين حيث كانت في 1926.
أما آراء المؤرخين الرياضيين التي وردت في الكتيب، فهناك 6 مؤلفات يذهب المؤرخون في كتبهم إلى أن لعبة كرة القدم وفدت مع الملايويين والإندونيسيين في بداية الأربعينات الهجرية (1925)، وهناك مؤلف واحد يميل إلى اعتقاد أنها مُورست قبل ذلك، مستنداً إلى خبر جريدة «القبلة» المنشور في 1918، ومؤلف واحد لكتاب يتعلق بالتاريخ الرياضي يذهب إلى أنها مورست قبل 1925، مستنداً إلى رواية شفهية لم يصل الفريق والخبراء إلى ما يدعمها.
تلك الحقبة التي أوردها فريق عمل مشروع التوثيق، كانت بمثابة ضوء عن بدايات منسية وتاريخ بعيد عن المشهد لبدايات كرة القدم السعودية وظهورها الأول.



