اغتيال مسؤولة حكومية في تعز يهز الشارع اليمني

اتهامات شعبية لشبكات فساد برعاية الانفلات الأمني

مظاهرات حاشدة تشهدها مدينة تعز ضد الانفلات الأمني بعد اغتيال مسؤولة حكومية (إكس)
مظاهرات حاشدة تشهدها مدينة تعز ضد الانفلات الأمني بعد اغتيال مسؤولة حكومية (إكس)
TT

اغتيال مسؤولة حكومية في تعز يهز الشارع اليمني

مظاهرات حاشدة تشهدها مدينة تعز ضد الانفلات الأمني بعد اغتيال مسؤولة حكومية (إكس)
مظاهرات حاشدة تشهدها مدينة تعز ضد الانفلات الأمني بعد اغتيال مسؤولة حكومية (إكس)

شهدت مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، مظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة النطاق، امتدت إلى عددٍ من المناطق الريفية المحيطة بالمدينة رداً على اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين في المدينة، افتهان المشهري، الخميس الماضي، وتنديداً بالانفلات الأمني الذي تشهده المدينة المحاصرة منذ سنوات.

وتعرضت المشهري لوابل من النيران أطلقه مسلحون كانوا على متن دراجة نارية وهي في سيارتها، صباح الخميس الماضي، متوجهة إلى مقر عملها، وأسفرت العملية عن وفاتها في الحال بعد إصابتها بأكثر من 18 رصاصة.

وعقب الواقعة تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً للمشهري في محادثة على تطبيق «واتساب» تشتكي فيه من تهديدات بالقتل، وتعرض مبنى صندوق النظافة للاقتحام والإغلاق من قبل مسلحين.

وكشف التسجيل المنسوب إلى المشهري عن أحد الأشخاص الذين تحيط بهم الشبهات في واقعة اغتيال المسؤولة الحكومية، والذي ذكرت فيه أنه كان يحتل المبنى بالقوة، قبل أن تتوصل معه إلى اتفاق ودي يقضي بأن يتولى حراسة المنشأة مقابل السكن في الطابق الأرضي منها.

المشهري رفضت إملاءات النافذين وشبكات الفساد بحسب شهادات السكان عنها (إكس)

إلا أن هذا المسلح استقدم مسلحين آخرين اقتحموا المبنى وأغلقوه بالقوة، وهددوا أمين صندوق النظافة والتحسين بالقتل، وهو ما اضطر المشهري إلى تقديم شكوى إلى النيابة العامة في أغسطس (آب) الماضي، إلا أن الأجهزة الأمنية لم تتدخل في حينه.

وأبدت المشهري، في التسجيل المنسوب لها، استغرابها من عدم جدية أجهزة الأمن في التعامل مع الشكاوى، وعدم ضبط المسلحين الذين يُزعم انتماؤهم إلى وحدات عسكرية في المدينة.

اهتمام رسمي

رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة اليمني، أولى اهتماماً بواقعة اغتيال المشهري، ووجه بمحاكمة مرتكبي الجريمة، مشدّداً على ضرورة قيام الأجهزة الأمنية بالكشف عن الجناة، وتقديمهم للعدالة بسرعة، وعلى أهمية تحويل هذه الجريمة إلى نقطة إجماع وطني لرفض الفوضى والعنف والإرهاب، وضمان المساءلة القانونية وعدم الإفلات من العقاب.

ونعى نبيل شمسان، محافظ محافظة تعز، افتهان المشهري، المدير التنفيذي لصندوق النظافة والتحسين في المحافظة، التي اغتيلت وسط المدينة، ووصف الحادثة بالجريمة الآثمة.

وقال شمسان «إن تعز فقدت برحيل المشهري امرأة مخلصة عُرفت بتفانيها في خدمة المحافظة وأبنائها»، مشيراً إلى أنه أصدر توجيهات صارمة إلى الأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية بسرعة القبض على المتهمين المنتمين إلى أحد الألوية التابعة لوزارة الدفاع، وتقديمهم للعدالة، وأنه وجّه سابقاً بحماية المشهري بعد تلقيها تهديدات، وإغلاق مكتبها.

وحمّل المقصّرين والمتهاونين في تنفيذ تلك التوجيهات المسؤولية الكاملة، متوعداً بمحاسبتهم دون استثناء.

واستغرب مصدر قضائي في تعز خلال حديث لـ«الشرق الأوسط» من مرور أيام على وقوع الجريمة دون أن تباشر النيابة التحقيقات فيها، والسماح بتداول المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي في ظل انعدام الثقة بإجراءات وتحقيقات أجهزة الأمن، خصوصاً أن التسجيل المنسوب للمشهري يكشف عن وجود فشل أو تواطؤ أمني.

اختلالات أمنية وقضائية

ويوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لعدم امتلاكه صلاحيات الحديث لوسائل الإعلام أن القانون اليمني يقضي بتولي القضاء التحقيق المباشر في القضايا الجسيمة مثل هذه الجريمة، وأرجع مخالفة ذلك إلى حالة الانفلات الأمني، وعدم تمكين الجهات القضائية من أداء دورها بالكامل.

وطالب المصدر المسؤولين عن إدارة أمن وشرطة تعز باتباع أعلى درجات السرية عند اتخاذ القرارات، وإصدار التوجيهات بالقبض على المتهمين الخطرين والمسلحين المطلوبين أمنياً، وتغيير الطواقم الإدارية المحيطة بهم بالكامل، وانتداب كفاءات أمنية من الأكاديميات الأمنية المشهود لها بالنزاهة.

وثيقة منسوبة إلى محافظ تعز تكشف عن توجيهات سابقة له بضبط المتهمين بجريمة الاغتيال (إكس)

وأعلنت شرطة تعز، الجمعة، القبض على أحد المتهمين في الواقعة بعد متابعة، وإشراف مباشر من مدير عام شرطة تعز العميد منصور الأكحلي، مؤكدة أنها شدّدت من إجراءاتها لملاحقة بقية الجناة، وضبطهم، وتقديمهم للعدالة، في حين يتهمها المحتجون وناشطون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بالفشل والتواطؤ.

ويكشف مصدر رسمي في محافظة تعز لـ«الشرق الأوسط» أن المتهم بإغلاق مبنى صندوق النظافة وتهديد مسؤوليه بالقتل تمكن من الهرب بعد تسريب معلومات له من داخل أجهزة الأمن بصدور أوامر بالقبض عليه، وهو الأمر الذي يتكرر باستمرار مع المطلوبين أمنياً، والذين تفشل الجهات الأمنية في ضبطهم، وتقديمهم للقضاء.

وأوضح المصدر الذي طلب بدوره عدم الكشف عن هويته لحساسية الموقف الأمني أن هناك جهات تتولى تمكين المطلوبين للأمن من الهروب والاختفاء، وتقديم الحماية لهم داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، ويجري التبرير لكل ذلك بأنهم شاركوا في القتال ضد الجماعة الحوثية.

سيارة المشهري تعرضت لعشرات الطلقات خلال اغتيالها (إكس)

ودعا إلى منع أفراد الحملات الأمنية من حمل الهواتف الجوالة خلال تنفيذ المهام والحملات الأمنية، واتباع إجراءات تفتيش ورقابة مشددة عليهم للتأكد من نزاهتهم، وعدم وجود صلات لهم بالمطلوبين.

فشل سياسي

ويتهم أهالي مدينة تعز شبكات الفساد بالوقوف خلف واقعة اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين، وتعهدت شبكة حقوقية محلية في مدينة تعز بفضح المتورطين في الواقعة من الفاسدين الذين كان للضحية دور في مواجهة ممارساتهم، وتهديداتهم، وابتزازهم، ورفض استغلال عمال النظافة المهمشين، وسعيها لكفالة حقوقهم.

وينبه الكاتب فخر سلطان في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن جريمة اغتيال المشهري حلقة ضمن مسلسل طويل من جرائم الاغتيالات التي ينفذها أفراد محسوبون على وحدات عسكرية، وتصبح حديث الشارع لفترة معينة قبل أن تموت نتيجة مرور الوقت، أو نتيجة حدوث جريمة أخرى تطغى على الجريمة السابقة.

الحرب والحصار الحوثيين فرضا انفلاتاً أمنياً غير مسبوق في تعز (غيتي- أرشيفية)

ويرى أن جميع الأطراف السياسية متورطة بشكل أو بآخر من خلال وجودها في السلطة المحلية، وصمتها عن الاختلالات التي رافقت بناء المؤسسة العسكرية والأمنية، بينما يكمن الأمل الوحيد في وجود تكتل مدني يتبنى الدفاع عن الضحايا أمام القضاء حتى يتم إنصاف الضحايا، وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.

وينوه الكاتب باسم منصور إلى أن هذه الجريمة وجهت ضربة قاسية لدور المرأة اليمنية وحقها في المشاركة في الحياة العامة، وعكست حالة الانفلات الأمني المتصاعد في مدينة تعز، وعجز السلطات المحلية والأجهزة الأمنية عن توفير الحماية للمواطنين.

ولفت في تعليقه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه بات من الواضح أن تكرار الاغتيالات والجرائم يتم في ظل تواطؤ أو حماية مباشرة من قيادات في الجيش والأمن يعملون على تهريب القتلة والمجرمين إلى مناطق تسيطر عليها الميليشيات الحوثية، ما يضاعف من خطورة الوضع الأمني، ويقوض أي أمل في العدالة والاستقرار.


مقالات ذات صلة

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».


العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
TT

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، على رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة في بلاده، أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، مؤكداً أن حماية المركز القانوني للدولة، ووحدة القرار السياسي تمثلان أولوية وطنية لا تقبل المساومة.

وفي إشارة إلى تصعيد مجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، حذّر العليمي من أن أي مساس بوحدة الدولة سيقود إلى فراغات أمنية خطيرة، ويقوض جهود الاستقرار، ليس في اليمن فحسب، بل على أحد أهم خطوط الملاحة الدولية.

جاءت تصريحات العليمي خلال استقباله في الرياض، الأربعاء، سفيرة فرنسا لدى اليمن كاترين قرم كمون، حيث جرى بحث مستجدات الأوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات في المحافظات الشرقية، والدور المعول على المجتمع الدولي في دعم جهود التهدئة التي تقودها السعودية، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة.

وأشاد العليمي - حسب الإعلام الرسمي - بالدور الفرنسي الداعم لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، وبموقف باريس الثابت إلى جانب وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، على النحو الوارد في بيان مجلس الأمن الدولي الصادر، الثلاثاء. كما جدّد تقديره للعلاقات التاريخية بين البلدين، معرباً عن ثقته باستمرار الدعم الفرنسي المتسق مع مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وتطرق اللقاء - وفق ما أوردته وكالة «سبأ» الحكومية - إلى التحديات المتشابكة التي تواجهها القوى الوطنية في مسار استعادة الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، في ظل الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج الأطر الدستورية ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

تحذير من المخاطر

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الدولة ستقوم بواجباتها كاملة في حماية مركزها القانوني، مشدداً على أن هذا المسار يتطلب موقفاً دولياً أكثر وضوحاً لدعم الإجراءات الدستورية والقانونية التي تتخذها مؤسسات الشرعية. وأشاد في هذا السياق بالتوصيف المُقدَّم للأزمة اليمنية الوارد في إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وحذّر العليمي من أن أي تفكك داخلي سيعزز نفوذ الجماعات المتطرفة، ويخلق بيئات رخوة للجريمة المنظمة، مؤكداً أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن يبدأ من استقرار الدولة اليمنية، وليس من شرعنة كيانات موازية أو مكافأة أطراف منقلبة على التوافق الوطني.

حشد في عدن من مؤيدي المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي إلى الانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

وأوضح أن ضبط النفس الذي مارسته القيادة خلال السنوات الماضية لم يكن تعبيراً عن ضعف، بل كان التزاماً وطنياً ومسؤولية سياسية لتجنُّب مزيد من العنف، وعدم مضاعفة معاناة الشعب اليمني، واحتراماً لجهود الأشقاء والأصدقاء الرامية إلى خفض التصعيد.

وجدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام المجلس بحل عادل للقضية الجنوبية، يستند إلى الإرادة الشعبية، والانفتاح على الشراكات السياسية، وخيارات السلام، مع التأكيد على الرفض القاطع لتفكيك الدولة أو فرض الأمر الواقع بالقوة.

وفي سياق متصل، جدّد الاتحاد الأوروبي التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية. وأعلن الاتحاد، في بيان، الأربعاء، تأييده للبيان الصادر عن أعضاء مجلس الأمن، مؤكداً دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن، والعمل من أجل سلام مستدام وازدهار دائم للشعب اليمني.

ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى خفض التصعيد، وتعزيز الجهود الدبلوماسية، مرحباً بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في مسقط بشأن مرحلة جديدة لإطلاق سراح المحتجزين.

كما أدان الاتحاد الأوروبي بشدة استمرار احتجاز الحوثيين لموظفين أمميين وعاملين في منظمات إنسانية ودبلوماسية، مطالباً بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.


«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الجماعة الحوثية لتبادل نحو 2900 أسير ومحتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق أحد أكثر الملفات الإنسانية تعقيداً، بعد سنوات من التعثر والفشل.

فعلى الرغم من الترحيب الواسع بالاتفاق محلياً ودولياً، فإنه لا تزال الشكوك تحيط بآليات التنفيذ، في ظل غياب القوائم النهائية، واستمرار الغموض حول مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان، المختطف منذ قرابة عشرة أعوام.

وحسب مصادر قريبة من المحادثات، فإن الاتفاق الذي رعاه مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، وبمساندة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لا يتجاوز في هذه المرحلة كونه اتفاقاً مبدئياً، يفترض تنفيذه خلال فترة لا تتجاوز شهراً.

العبء الأكبر يقع على الوسطاء لإنجاح الصفقة اليمنية لتبادل الأسرى (إعلام حكومي)

وأوضحت جهات مطلعة على مسار التفاوض لـ«الشرق الأوسط» أن البند الأول من الاتفاق يقتصر على إطلاق سراح أسرى تابعين لتحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان، فيما لا تزال بقية تفاصيل الصفقة، وأسماء المشمولين بها، خاضعة لمقايضات ومفاوضات لاحقة بين الأطراف والوسطاء.

وأشارت المعطيات ذاتها إلى أن ما تم التوصل إليه حتى الآن لا يعني حسم الملف، إذ لطالما ارتبطت جولات التفاوض السابقة بمطالب حوثية معقدة، شملت إدراج أسماء مقاتلين مفقودين في الجبهات، تزعم الجماعة أنهم أسرى لدى الحكومة، من دون تقديم أدلة على ذلك، فضلاً عن رفضها المتكرر إدراج أسماء مختطفين مدنيين بحجة أنهم «قيد القضاء».

تغيّر المفاوضين

رأت الأوساط القريبة من المفاوضات أن ترؤس ممثل الحوثيين في اللجنة العسكرية، يحيى الرزامي، لفريق المفاوضين عن الجماعة، بدلاً من عبد القادر المرتضى، أسهم في تهيئة الأجواء للتوصل إلى هذا الاتفاق المبدئي.

وذكرت أن المرتضى، المتهم بالتورط في تعذيب بعض المعتقلين، كان سبباً رئيسياً في إفشال عدة جولات تفاوض سابقة، بسبب تشدده وإصراره على شروط وصفت بغير الواقعية.

مخاوف حكومية يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

وأضافت تلك الأوساط أن وجود الرزامي على رأس فريق الحوثيين سهّل النقاشات، ومهّد للاتفاق على مبدأ تبادل شامل للأسرى والمعتقلين من الطرفين، وإن كان ذلك لا يزال مشروطاً بمدى التزام الحوثيين بتعهداتهم، وصدق نواياهم في تقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول المحتجزين.

في المقابل، أبدت الحكومة اليمنية، وفق التقديرات نفسها، مخاوف جدية من سعي الحوثيين إلى إفراغ الاتفاق من مضمونه الإنساني، عبر المماطلة، أو إعادة طرح الشروط ذاتها التي أفشلت محاولات سابقة.

وتؤكد هذه المعطيات أن نجاح الصفقة مرهون بجدية الحوثيين في الوفاء بالتزاماتهم، والكشف الكامل عن مصير جميع المختطفين، وفي مقدمتهم محمد قحطان.

قحطان وعقدة الثقة

يظل مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان من أبرز العوائق أمام المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق. فعلى الرغم من إدراج اسمه ضمن المرحلة الأولى من الصفقة، فإن مصيره لا يزال مجهولاً منذ اعتقاله في عام 2015 من إحدى النقاط الأمنية عند مدخل مدينة إب. وحتى اليوم، لم يفصح الحوثيون عما إذا كان الرجل لا يزال على قيد الحياة أم لا.

وحسب المصادر، فإن هذا الغموض قوض تفاهمات سابقة، وأدى إلى إفشال جولات تفاوض سابقة، بعد أن اشترط الحوثيون الحصول على ثلاثين أسيراً في حال كان قحطان حياً، أو ثلاثين جثة إذا ثبت مقتله.

وترى الجهات المعنية بالملف أن هذا السلوك يثير شكوكاً كبيرة حول مصير الرجل، بعد أكثر من عشر سنوات وثمانية أشهر على إخفائه قسراً، ويضعف فرص بناء الثقة اللازمة لإنجاح بقية مراحل اتفاق التبادل.

وتؤكد المصادر أن نجاح أي صفقة تبادل لا يمكن أن يتحقق دون معالجة ملف قحطان بوضوح وشفافية، بوصفه قضية إنسانية وسياسية في آن واحد، واختباراً حقيقياً لمدى التزام الحوثيين بالقانون الدولي الإنساني.

مراحل التنفيذ

وفقاً للتفاهمات المعلنة، فقد جرى الاتفاق على تنفيذ الصفقة عبر ثلاث مراحل رئيسية. المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح أسرى تحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان. وفي المرحلة الثانية، التي تبدأ بعد نحو أسبوع، سيتم تشكيل لجنة مشتركة للقيام بزيارات ميدانية إلى أماكن الاحتجاز، وتوثيق أسماء جميع المحتجزين على ذمة الصراع.

وبعد ذلك، ترفع اللجنة القوائم التي تم التحقق منها إلى مكتب المبعوث الأممي الخاص باليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليجري اعتمادها رسمياً والشروع في تنفيذ عملية التبادل. أما المرحلة الثالثة، فستُخصص لملف «الجثامين»، وتشمل تبادل جثامين القتلى، والبحث عن رفات المفقودين في مناطق المواجهات، وصولاً إلى إغلاق هذا الملف المؤلم.

وتشير المصادر إلى أنه تم الاتفاق على عدد المشمولين بالصفقة من الطرفين، على أن يتم التوافق على أسمائهم خلال شهر، إضافة إلى انتشال جميع الجثامين من مختلف الجبهات وتسليمها عبر الصليب الأحمر. كما اتُفق على تشكيل لجان لزيارة السجون بعد تنفيذ الصفقة، وحصر من تبقى من الأسرى، تمهيداً لإطلاقهم.

وسيكون العبء الأكبر، حسب المصادر، على الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لضمان تنفيذ الاتفاق، ومنع أي طرف من الالتفاف عليه، ووضع آلية زمنية واضحة تبدأ بتجميع الأسرى والمختطفين في نقاط محددة، ومطابقة القوائم، وتحديد يوم البدء بعملية التبادل.