اغتيال مسؤولة حكومية في تعز يهز الشارع اليمني

اتهامات شعبية لشبكات فساد برعاية الانفلات الأمني

مظاهرات حاشدة تشهدها مدينة تعز ضد الانفلات الأمني بعد اغتيال مسؤولة حكومية (إكس)
مظاهرات حاشدة تشهدها مدينة تعز ضد الانفلات الأمني بعد اغتيال مسؤولة حكومية (إكس)
TT

اغتيال مسؤولة حكومية في تعز يهز الشارع اليمني

مظاهرات حاشدة تشهدها مدينة تعز ضد الانفلات الأمني بعد اغتيال مسؤولة حكومية (إكس)
مظاهرات حاشدة تشهدها مدينة تعز ضد الانفلات الأمني بعد اغتيال مسؤولة حكومية (إكس)

شهدت مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، مظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة النطاق، امتدت إلى عددٍ من المناطق الريفية المحيطة بالمدينة رداً على اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين في المدينة، افتهان المشهري، الخميس الماضي، وتنديداً بالانفلات الأمني الذي تشهده المدينة المحاصرة منذ سنوات.

وتعرضت المشهري لوابل من النيران أطلقه مسلحون كانوا على متن دراجة نارية وهي في سيارتها، صباح الخميس الماضي، متوجهة إلى مقر عملها، وأسفرت العملية عن وفاتها في الحال بعد إصابتها بأكثر من 18 رصاصة.

وعقب الواقعة تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً للمشهري في محادثة على تطبيق «واتساب» تشتكي فيه من تهديدات بالقتل، وتعرض مبنى صندوق النظافة للاقتحام والإغلاق من قبل مسلحين.

وكشف التسجيل المنسوب إلى المشهري عن أحد الأشخاص الذين تحيط بهم الشبهات في واقعة اغتيال المسؤولة الحكومية، والذي ذكرت فيه أنه كان يحتل المبنى بالقوة، قبل أن تتوصل معه إلى اتفاق ودي يقضي بأن يتولى حراسة المنشأة مقابل السكن في الطابق الأرضي منها.

المشهري رفضت إملاءات النافذين وشبكات الفساد بحسب شهادات السكان عنها (إكس)

إلا أن هذا المسلح استقدم مسلحين آخرين اقتحموا المبنى وأغلقوه بالقوة، وهددوا أمين صندوق النظافة والتحسين بالقتل، وهو ما اضطر المشهري إلى تقديم شكوى إلى النيابة العامة في أغسطس (آب) الماضي، إلا أن الأجهزة الأمنية لم تتدخل في حينه.

وأبدت المشهري، في التسجيل المنسوب لها، استغرابها من عدم جدية أجهزة الأمن في التعامل مع الشكاوى، وعدم ضبط المسلحين الذين يُزعم انتماؤهم إلى وحدات عسكرية في المدينة.

اهتمام رسمي

رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة اليمني، أولى اهتماماً بواقعة اغتيال المشهري، ووجه بمحاكمة مرتكبي الجريمة، مشدّداً على ضرورة قيام الأجهزة الأمنية بالكشف عن الجناة، وتقديمهم للعدالة بسرعة، وعلى أهمية تحويل هذه الجريمة إلى نقطة إجماع وطني لرفض الفوضى والعنف والإرهاب، وضمان المساءلة القانونية وعدم الإفلات من العقاب.

ونعى نبيل شمسان، محافظ محافظة تعز، افتهان المشهري، المدير التنفيذي لصندوق النظافة والتحسين في المحافظة، التي اغتيلت وسط المدينة، ووصف الحادثة بالجريمة الآثمة.

وقال شمسان «إن تعز فقدت برحيل المشهري امرأة مخلصة عُرفت بتفانيها في خدمة المحافظة وأبنائها»، مشيراً إلى أنه أصدر توجيهات صارمة إلى الأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية بسرعة القبض على المتهمين المنتمين إلى أحد الألوية التابعة لوزارة الدفاع، وتقديمهم للعدالة، وأنه وجّه سابقاً بحماية المشهري بعد تلقيها تهديدات، وإغلاق مكتبها.

وحمّل المقصّرين والمتهاونين في تنفيذ تلك التوجيهات المسؤولية الكاملة، متوعداً بمحاسبتهم دون استثناء.

واستغرب مصدر قضائي في تعز خلال حديث لـ«الشرق الأوسط» من مرور أيام على وقوع الجريمة دون أن تباشر النيابة التحقيقات فيها، والسماح بتداول المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي في ظل انعدام الثقة بإجراءات وتحقيقات أجهزة الأمن، خصوصاً أن التسجيل المنسوب للمشهري يكشف عن وجود فشل أو تواطؤ أمني.

اختلالات أمنية وقضائية

ويوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لعدم امتلاكه صلاحيات الحديث لوسائل الإعلام أن القانون اليمني يقضي بتولي القضاء التحقيق المباشر في القضايا الجسيمة مثل هذه الجريمة، وأرجع مخالفة ذلك إلى حالة الانفلات الأمني، وعدم تمكين الجهات القضائية من أداء دورها بالكامل.

وطالب المصدر المسؤولين عن إدارة أمن وشرطة تعز باتباع أعلى درجات السرية عند اتخاذ القرارات، وإصدار التوجيهات بالقبض على المتهمين الخطرين والمسلحين المطلوبين أمنياً، وتغيير الطواقم الإدارية المحيطة بهم بالكامل، وانتداب كفاءات أمنية من الأكاديميات الأمنية المشهود لها بالنزاهة.

وثيقة منسوبة إلى محافظ تعز تكشف عن توجيهات سابقة له بضبط المتهمين بجريمة الاغتيال (إكس)

وأعلنت شرطة تعز، الجمعة، القبض على أحد المتهمين في الواقعة بعد متابعة، وإشراف مباشر من مدير عام شرطة تعز العميد منصور الأكحلي، مؤكدة أنها شدّدت من إجراءاتها لملاحقة بقية الجناة، وضبطهم، وتقديمهم للعدالة، في حين يتهمها المحتجون وناشطون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بالفشل والتواطؤ.

ويكشف مصدر رسمي في محافظة تعز لـ«الشرق الأوسط» أن المتهم بإغلاق مبنى صندوق النظافة وتهديد مسؤوليه بالقتل تمكن من الهرب بعد تسريب معلومات له من داخل أجهزة الأمن بصدور أوامر بالقبض عليه، وهو الأمر الذي يتكرر باستمرار مع المطلوبين أمنياً، والذين تفشل الجهات الأمنية في ضبطهم، وتقديمهم للقضاء.

وأوضح المصدر الذي طلب بدوره عدم الكشف عن هويته لحساسية الموقف الأمني أن هناك جهات تتولى تمكين المطلوبين للأمن من الهروب والاختفاء، وتقديم الحماية لهم داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، ويجري التبرير لكل ذلك بأنهم شاركوا في القتال ضد الجماعة الحوثية.

سيارة المشهري تعرضت لعشرات الطلقات خلال اغتيالها (إكس)

ودعا إلى منع أفراد الحملات الأمنية من حمل الهواتف الجوالة خلال تنفيذ المهام والحملات الأمنية، واتباع إجراءات تفتيش ورقابة مشددة عليهم للتأكد من نزاهتهم، وعدم وجود صلات لهم بالمطلوبين.

فشل سياسي

ويتهم أهالي مدينة تعز شبكات الفساد بالوقوف خلف واقعة اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين، وتعهدت شبكة حقوقية محلية في مدينة تعز بفضح المتورطين في الواقعة من الفاسدين الذين كان للضحية دور في مواجهة ممارساتهم، وتهديداتهم، وابتزازهم، ورفض استغلال عمال النظافة المهمشين، وسعيها لكفالة حقوقهم.

وينبه الكاتب فخر سلطان في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن جريمة اغتيال المشهري حلقة ضمن مسلسل طويل من جرائم الاغتيالات التي ينفذها أفراد محسوبون على وحدات عسكرية، وتصبح حديث الشارع لفترة معينة قبل أن تموت نتيجة مرور الوقت، أو نتيجة حدوث جريمة أخرى تطغى على الجريمة السابقة.

الحرب والحصار الحوثيين فرضا انفلاتاً أمنياً غير مسبوق في تعز (غيتي- أرشيفية)

ويرى أن جميع الأطراف السياسية متورطة بشكل أو بآخر من خلال وجودها في السلطة المحلية، وصمتها عن الاختلالات التي رافقت بناء المؤسسة العسكرية والأمنية، بينما يكمن الأمل الوحيد في وجود تكتل مدني يتبنى الدفاع عن الضحايا أمام القضاء حتى يتم إنصاف الضحايا، وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.

وينوه الكاتب باسم منصور إلى أن هذه الجريمة وجهت ضربة قاسية لدور المرأة اليمنية وحقها في المشاركة في الحياة العامة، وعكست حالة الانفلات الأمني المتصاعد في مدينة تعز، وعجز السلطات المحلية والأجهزة الأمنية عن توفير الحماية للمواطنين.

ولفت في تعليقه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه بات من الواضح أن تكرار الاغتيالات والجرائم يتم في ظل تواطؤ أو حماية مباشرة من قيادات في الجيش والأمن يعملون على تهريب القتلة والمجرمين إلى مناطق تسيطر عليها الميليشيات الحوثية، ما يضاعف من خطورة الوضع الأمني، ويقوض أي أمل في العدالة والاستقرار.


مقالات ذات صلة

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي دعا عدد من السفراء الأجانب لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن (السفارة البريطانية)

دعوات دولية لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن

العليمي:«الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني، والعسكري».

عبد الهادي حبتور (الرياض)

صراع حوثي على موارد الصحة يُفاقم معاناة المرضى

مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

صراع حوثي على موارد الصحة يُفاقم معاناة المرضى

مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

تفاقمت معاناة المرضى في العاصمة اليمنية المختطفة، صنعاء، مع استمرار التوقف شبه الكلي للعمل في هيئة المستشفى الجمهوري، ثاني أكبر المستشفيات الحكومية في العاصمة؛ نتيجة احتدام الصراع الداخلي بين قيادات الجماعة الحوثية على المناصب وتقاسم الإيرادات، وفق ما كشفته مصادر طبية لـ«الشرق الأوسط».

وأدى هذا الصراع إلى شلل واسع في الخدمات الصحية؛ ما يحرم مئات المرضى يومياً من الحصول على الرعاية والعلاج، وسط اتهامات متكررة للجماعة بتسخير خدمات المستشفى، وغيره من المرافق الصحية، لمصلحة أسر قتلاها وجرحاها العائدين من الجبهات.

وأفادت المصادر بأن النزاع يتجدَّد بين قيادات حوثية تدير ما تُسمى «هيئة الزكاة»، وأخرى في وزارة الصحة التابعة للحكومة غير المعترف بها، على خلفية تعيينات إدارية داخل المستشفى، ومحاولات فرض نفوذ على إدارته وموارده. وأكدت أن هذا الصراع انعكس بصورة مباشرة على مستوى الخدمات، التي تراجعت إلى حدٍّ وصفه العاملون بأنه «الأسوأ منذ سنوات».

ودقَّت مصادر عاملة في هيئة المستشفى الجمهوري ناقوس الخطر للمرة الثالثة خلال فترة وجيزة، محذِّرة من استمرار توقف معظم الخدمات الطبية المقدَّمة للمرضى؛ بسبب ما وصفتها بـ«تدخلات خارجية» في شؤون المستشفى، والسعي إلى إجراء تغييرات إدارية جديدة، تشمل استبدال كادر طبي يفتقر للخبرة والكفاءة بآخر مؤهَّل.

مرضى ومراجعون أمام مركز الطوارئ التابع للمستشفى الجمهوري في صنعاء (فيسبوك)

وأوضح عاملون في القطاع الصحي لـ«الشرق الأوسط» أن المستشفى، الذي ظلَّ لسنوات يقدِّم خدماته حتى في أقسى ظروف الحرب، بات اليوم شبه عاجز عن العمل، ولا يستطيع توفير أبسط الاحتياجات من أدوية ومستلزمات طبية للمرضى الوافدين إليه من صنعاء ومناطق مجاورة.

وحذَّروا من أن استمرار الخلاف قد يقود إلى شلل كامل في عمل المستشفى، محمِّلين الجماعة الحوثية مسؤولية تحويل مؤسسة خدمية حيوية إلى ساحة صراع على النفوذ والإيرادات.

اتهامات بالفساد

كانت «هيئة الزكاة» الحوثية، وهي الجهة التي تقدِّم جزءاً من التمويل للمستشفى، قد طالبت في وقت سابق بإقالة مدير المستشفى، محمد جحاف، متهمةً إياه بالفساد والاستئثار بالمناصب. غير أن وزير الصحة في الحكومة غير الشرعية رفض مطلب الإقالة، ما صعَّد من حدة الصراع بين الجناحَين، وألقى بظلاله الثقيلة على سير العمل داخل المستشفى.

أسِرَّة فارغة من المرضى في المستشفى الجمهوري الخاضع للحوثيين بصنعاء (إكس)

ويتهم أطباء عاملون في المستشفى الهيئةَ الحوثيةَ بتعمد وقف المخصصات المالية المرصودة للمستشفى، بذريعة وجود فساد مستشرٍ في إداراته وأقسامه، في حين يرى هؤلاء أن إيقاف التمويل يُستخدم ورقة ضغط سياسية وإدارية، يدفع ثمنها المرضى والفئات الأشد فقراً.

ويرى ناشطون في صنعاء أن هذا الخلاف يعكس حالة الفوضى المتنامية في المؤسسات الخاضعة لسيطرة الجماعة، حيث تطغى المحسوبية والولاءات على حساب المعايير المهنية والاحتياجات الإنسانية، وسط عجز واضح لدى قيادة الجماعة عن معالجة الفساد والإهمال المتراكمَين.

تدهور مستمر

يتزامن هذا الصراع بين قادة الجماعة الحوثية مع تحذيرات دولية من تدهور غير مسبوق في الوضع الصحي باليمن. فقد أكد تقرير مشترك حديث صادر عن «منظمة الصحة العالمية»، و«مجموعة البنك الدولي» أن أكثر من نصف السكان باتوا خارج مظلة الرعاية الصحية الأساسية، في واحدة من أسوأ الأزمات الصحية عالمياً نتيجة سنوات الحرب والانهيار المؤسسي.

وأوضح التقرير أن نسبة تغطية الخدمات الصحية في اليمن لا تتجاوز 43 في المائة من إجمالي السكان، ما يعني أن نحو 57 في المائة من اليمنيين محرومون من حقهم في الحصول على خدمات صحية أساسية، تشمل الوقاية والعلاج والرعاية المستمرة. وحذَّر من أن استمرار التدهور دون حلول جذرية ودعم دولي مستدام ينذر بكارثة إنسانية أوسع، قد تدفع البلاد إلى مستويات أكثر خطورة من الانهيار الصحي.

وأشار التقرير إلى أن اليمن لا يزال يشهد تفشياً واسعاً للأوبئة والأمراض، إلى جانب الارتفاع الحاد في معدلات سوء التغذية، وازدياد الاحتياجات المرتبطة بالصحة النفسية والأمراض غير السارية، في ظل قدرات محدودة على الاستجابة.

أطفال يمنيون يتلقون اللقاحات على أيدي عاملين صحيين (الأمم المتحدة)

ولفت إلى أن الأزمة لا تقتصر على ضعف الخدمات، بل تمتد إلى العبء المالي القاسي، حيث يواجه 30.1 في المائة من السكان صعوبات اقتصادية تحُول دون قدرتهم على تحمّل تكاليف العلاج، في بلد يتجاوز عدد سكانه 40 مليون نسمة، ويعاني من تدهور حاد في مستوى الدخل والمعيشة.

وأدى الصراع المستمر إلى شلل شبه كامل في البنية التحتية الصحية، وتحولت الاستجابة الطارئة إلى العمود الفقري للنظام الصحي بدلاً من الخدمات المستدامة. كما تسبب العنف وانعدام الاستقرار في إغلاق نحو نصف المرافق الصحية أو تشغيلها بقدرات محدودة، إلى جانب حرمان العاملين في القطاع الصحي من رواتبهم؛ ما دفع كثيراً من الكوادر إلى ترك وظائفهم أو الهجرة، وعمّق الفجوة في تقديم الخدمات الطبية.

وأكد التقرير أن نحو 16.4 مليون يمني باتوا محرومين كلياً من الوصول إلى الرعاية الصحية، في مشهد يعكس حجم الانهيار الذي يعيشه القطاع الصحي، ويضع حياة ملايين المرضى رهينةً لصراعات داخلية لا تكترث بثمنها الإنساني.


هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
TT

هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

أكد مصدر مصري مُطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «القوات المصرية في سيناء موجودة من أجل حفظ الأمن القومي المصري، وهو أمر لا تقبل فيه القاهرة مساومة أو إغراء»، مشدداً على أنه «لم يتم سحب جندي واحد من هناك هذه الفترة تحت أي ضغوط كما يتردد».

وأوضح المصدر: «هذا الأمر يرتبط بتقدير الموقف الخاص بالأجهزة الأمنية المصرية وما تراه فيما يخص أمن البلاد وحدودها مع منطقة تشهد حرباً ضروساً منذ عامين، ومحاولات من جانب إسرائيل لدفع هذه الحرب نحو الأراضي المصرية، ولا يرتبط الأمر أو يخضع لأي قضايا أخرى أو صفقات، وإلا كانت مصر قبلت بإغراءات أكبر في مسألة التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية».

وأضاف: «التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تقليص القوات في سيناء هي ذاتها التي تشكو وتحذر يومياً من زيادة الوجود العسكري المصري هناك»، ونوه بأن «هناك بنوداً مستحدثة بين البلدين على اتفاقية السلام تسمح لمصر بهذا الوجود حفظاً لأمنها وقت الحاجة».

كانت منصة «bhol» الإسرائيلية نشرت أن وزير الطاقة إيلي كوهين أشار إلى وجود رابط مباشر بين صفقة الغاز الكبرى مع مصر، وإعادة تمركز القوات المصرية في سيناء، ونقلت المنصة أن «إذاعة الجيش الإسرائيلي» سألت عن سبب عدم تضمين الصفقة بنداً صريحاً ينظم تحركات الجيش المصري في سيناء، فرد كوهين قائلاً: «إذا قرأتم التقارير التي نُشرت الأسبوع الماضي عن انسحاب قوات مصرية من شبه جزيرة سيناء، فاعلموا أن هذا التصرف لم يأت من فراغ».

التقارير الإسرائيلية نقلت عن كوهين قوله إن أحد أسباب تأجيل الصفقة لأربعة أشهر كان مرتبطاً بما وصفه بـ«مسألة السلام مع مصر»، وهو تعبير يُفهم منه القلق الإسرائيلي إزاء الالتزام المصري بأحكام اتفاق كامب ديفيد بشأن الوجود العسكري في سيناء.

هذه الأنباء تلقفها مدونون معارضون للحكومة المصرية وأخذوا يرددونها مع تأكيدات على تقليص القوات المصرية في سيناء بضغوط من إسرائيل، فيما رد عليهم مدونون محسوبون على السلطات بمصر بأن كل الدلائل تشير إلى خطة لزيادة تمترس القوات في سيناء.

السيسي يلتقي نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017 (رويترز)

كان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان رد على تلك الأحاديث، عبر تصريحات إعلامية، مؤكداً بشكل قاطع أنه «لم يتم تقليص عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء، وأن صفقة الغاز تجارية بحتة وليس لها أي بعد سياسي، وتمت بين شركات وليس بين الحكومات»، مشيراً إلى أنه «في الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن الصفقة فإن مصر لم يصدر عنها أي تصريح بخصوص الصفقة مما يشير إلى أن الأمر ليس ضاغطاً على القاهرة بأي شكل من الأشكال، وكل ما يتردد من الجانب الإسرائيلي متناقض ومحاولة لإيجاد نصر زائف أمام الرأي العام هناك».

كان موقع «أكسيوس» الإخباري أفاد في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الضغط على مصر لتقليص «الحشد العسكري الحالي» في سيناء، وفقاً لما ذكره مسؤول أميركي ومسؤولان إسرائيليان، حسب الموقع.

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين زعمهما أن مصر «تُنشئ بنية تحتية عسكرية -بعضها يمكن استخدامه لأغراض هجومية- في مناطق لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب المعاهدة»، في إشارة إلى معاهدة السلام الموقعة بين البلدَيْن عام 1979.

لكن مدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقاً اللواء سمير فرج قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر ملتزمة باتفاقية السلام تماماً، ولم تخرق أي بند بها على عكس إسرائيل ووجودها المخالف على الحدود المصرية، والوجود العسكري المصري في سيناء هو لحماية الأمن القومي المصري وحفظ أمن الحدود وفق ما تكفله اتفاقية السلام والبنود والآليات المستحدثة عليها».

وشدد على أنه «لم يتم تقليل أو تقليص القوات المصرية في سيناء بسبب صفقة الغاز أو غيره، وهذه أقاويل ترددها حكومة نتنياهو لمحاولة خلق شماعات أمام الرأي العام هناك وتصوير نفسها على أنها هي التي تحافظ على أمن إسرائيل وبدونها ستتعرض إسرائيل للانهيار».

وأكد أن «مصر لم تعلن حتى الآن موقفها بشأن مطالب أميركا بعقد اتفاق بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وليس منطقياً أنهم هم من يطلبون اللقاء ثم يقال إن مصر تستجيب لضغوطهم أو مطالبهم، منوهاً بأن «القاهرة كانت تؤمن بأن صفقة الغاز ستتم في نهاية المطاف لأنها تحقق المصلحة لإسرائيل بالقدر نفسه الذي تحققه لمصر، وهي تمت بين شركات وليس بين حكومات».

وأعلن نتنياهو، مساء الأربعاء الماضي، عن المصادقة رسمياً على صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة إجمالية بلغت 112 مليار شيقل (نحو 35 مليار دولار)، قائلاً: «صدقنا مع مصر على أكبر صفقة غاز في تاريخ قطاع الطاقة الإسرائيلي»، مبيناً أن الصفقة «إنجاز كبير لإسرائيل».

وأوضح نتنياهو أن قرار المصادقة على هذه الصفقة المليارية جاء بعد مشاورات مكثفة لضمان تحقيق كافة المصالح الأمنية العليا لإسرائيل، مشدداً في الوقت ذاته على أنه سيمتنع عن ذكر التفاصيل لاعتبارات أمنية ولحساسيتها، مكتفياً بالتأكيد على أنه تمت المصادقة على الصفقة بشكل كامل.


عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
TT

عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)

بعد جولة على عدد من صيدليات الحي الذي تعيش فيه، لم تستطع المصرية الخمسينية ليلى عبد الله، إيجاد أحد أصناف دواء ضغط الدعم، فنصحها أحد أصدقائها بالاتصال بـ«هيئة الدواء» أو الذهاب إلى صيدلية الإسعاف الحكومية بوسط القاهرة، فاضطرت لإرسال أحد أقاربها لإحضار الدواء من هناك.

ومع تكرار شكاوى «نقص» بعض الأدوية أو عدم توافرها بسهولة، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، الاثنين، بياناً ينفي فيه «نقص أدوية البرد والأمراض المزمنة بالأسواق».

وأوضح المركز في بيان صحافي: «بالتواصل مع هيئة الدواء المصرية، أفادت بأن أدوية علاج البرد، والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، فضلاً عن الأدوية المحتوية على مواد وفيتامينات تعمل على تقوية المناعة خلال موسم الإنفلونزا، متوافرة بالأسواق بشكل منتظم وطبيعي، مع تعدد البدائل الدوائية المتاحة من إنتاج أكثر من شركة».

وحسب «المركز الإعلامي»، فإن «هيئة الدواء المصرية تقوم بمتابعة دورية ومستمرة لموقف توافر الأدوية الحيوية، وتتخذ إجراءات فورية للتعامل مع أي شكاوى تتعلق بنقص الأدوية»، موضحاً أنه «في حال مواجهة أي صعوبة في الحصول على أي دواء حيوي، يمكن للمواطنين التواصل مع الخط الساخن لهيئة الدواء للإبلاغ عن نقص الأدوية».

وشهدت مصر العام الماضي أزمة في توافر بعض الأصناف، وأقر رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بـ«وجود نقص في 580 دواء بالسوق المصرية»، مشيراً خلال زيارته مجموعة من مصانع الأدوية حينها إلى «العمل على توفير نحو 470 دواء منها». وبالفعل بدأت الأزمة في الخفوت مع بداية العام الحالي.

المصرية ليلى عبد الله، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «رغم تحسن الوضع وقلة حدة الأزمة، فإن أصنافاً من الأدوية ما زالت غير متوافرة بسهولة».

الأمر ذاته يقره الموظف الأربعيني طارق إبراهيم، الذي يعيش في حي السيدة زينب بالقاهرة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع أفضل كثيراً عما كان عليه قبل عامين، لكن توجد أصناف نجدها بصعوبة، حتى البدائل غير متوافرة».

عودة شكاوى نقص الأدوية في مصر (وزارة الصحة)

ويرى المدير التنفيذي لـ«جمعية الحق في الدواء» (جمعية أهلية)، محمود فؤاد، أن «نقص الأدوية لم يعد بالحدة التي كان عليها من قبل، لكنه أيضا ما زال موجوداً».

ويقول فؤاد لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة تمكنت من حل جانب كبير من المشكلة، ونجحت في توفير أدوية الأمراض المزمنة، لكن هذه الأدوية يتم توفيرها فقط من خلال صيدليات (الإسعاف) المملوكة للدولة، وعددها 24 صيدلية فقط في كل المحافظات، وما زال كثير من الأصناف غير متوافر».

وحسب فؤاد، فإنه «رغم استقرار سعر الدولار (يعادل 47.5 جنيه) فإن شركات الأدوية أعربت عن رغبتها أكثر من مرة في زيادة الأسعار، وهو ما رفضته هيئة الدواء المسؤولة عن التسعير، على أساس أن تكلفة الإنتاج لم تتغير».

من جهتها، ترى عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب (البرلمان)، الدكتورة إيرين سعيد، أن «النقص يعود إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الدواء لأسباب أخرى، غير سعر الدولار، منها ارتفاع أسعار الخدمات والمرافق، مثل البنزين والوقود والكهرباء، وزيادة الحد الأدنى للأجور».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «زيادة تكلفة الإنتاج خفض هامش ربح الشركات، لذلك تطالب برفع الأسعار، وعندما لا تستجيب هيئة الدواء تقوم بعض الشركات بإيقاف بعض خطوط الإنتاج؛ لأن هامش الربح أصبح أقل».

وفي رأيها: «يجب على الحكومة أن تعيد الاهتمام بشركات قطاع الأعمال التي تعمل في صناعة الدواء؛ لضمان عدم تأثر الأسواق، خصوصاً بالنسبة للأدوية الاستراتيجية».

اجتماع وزير الصحة خالد عبد الغفار لبحث متطلبات تطوير صناعة الدواء (وزارة الصحة المصرية)

وتزامن الحديث عن «نقص» بعض أصناف الأدوية مع تحركات حكومية مكثفة لضمان توافر الأصناف كافة، وعقد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبد الغفار، اجتماعاً، الاثنين، مع ممثلي قطاعات وهيئات الدولة المعنية، لبحث سبل دعم شركات التصنيع الدوائي وتمكينها، وإعداد ورقة عمل متكاملة لتعزيز الإنتاج المحلي، وتوطين صناعة المركبات الحيوية والبيولوجية.

وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور حسام عبد الغفار، في إفادة رسمية، الاثنين، أن الاجتماع ركز على إعداد ورقة عمل تضم المتطلبات الفعلية لتطوير الصناعات الدوائية وقابليتها للتنفيذ على أرض الواقع، مع التركيز على تمكين الشركات المصنعة، وتحفيز الاستثمار المحلي، وطرح حزم استثمارية جديدة في مجالات الأدوية واللقاحات والصناعات الحيوية، كما تناول آليات «الاستفادة من الحوافز الاستثمارية لدعم صناعة الدواء، وبحث الإجراءات التي يمكن أن تقدمها الدولة لتشجيع الاستثمارات، وتعزيز كفاءة الشركات المصنعة وزيادة قدرتها التنافسية».

ويوجد في مصر 172 مصنعاً للدواء، منها 15 مصنعاً دخلت الخدمة آخر 3 سنوات، بالإضافة إلى 120 مصنعاً لمستحضرات التجميل، و116 مصنعاً للمستلزمات والأجهزة الطبية، و4 مصانع لإنتاج المواد الخام والمستحضرات الحيوية التي تدخل في صناعة الدواء، وفق تصريحات لرئيس الحكومة المصرية العام الماضي.