بكين تشدد على سياسة نقدية مرنة وتدابير لجذب رؤوس الأموال العالمية

تثبيت أسعار الفائدة للشهر الرابع وسط تحسن العلاقات مع أميركا

متسوقة في الحي المالي بالعاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
متسوقة في الحي المالي بالعاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
TT

بكين تشدد على سياسة نقدية مرنة وتدابير لجذب رؤوس الأموال العالمية

متسوقة في الحي المالي بالعاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
متسوقة في الحي المالي بالعاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)

أعلنت السلطات المالية والنقدية في الصين، يوم الاثنين، حزمة من المؤشرات والإجراءات التي تعكس استقرار النظام المالي، وسط مساعٍ لتعزيز الثقة وتحقيق نمو اقتصادي عالي الجودة.

وفي مؤتمر صحافي موسَّع لقادة الهيئات المالية، قال محافظ بنك الشعب الصيني (المركزي) بان غونغشنغ، إنه «لن يتطرق إلى أي تعديلات قصيرة الأجل في السياسة»، مشدداً على أن الأولوية هي دعم النمو الاقتصادي عالي الجودة.

وأضاف بان أن ديون مركبات تمويل الحكومات المحلية انخفضت بأكثر من 50 مقارنة بعام 2023، مؤكداً أن البنك سيعزز أنظمة الرصد والإنذار المبكر للمخاطر المالية، إلى جانب تشديد الرقابة على مكافحة الفساد المالي.

كما أكد محافظ البنك المركزي الصيني أن السياسة النقدية ستبقى قائمة على البيانات وتركّز على القضايا المحلية، في إشارة إلى أن بكين لن تتبع بالضرورة خطوات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بعد قرار خفض الفائدة.

وأوضح بان أن السياسة النقدية في الصين «داعمة ومرنة بالقدر المناسب»، وأن السلطات «ستستخدم أدوات متنوعة تبعاً للوضع الاقتصادي»، وأضاف أن الهدف هو خفض تكاليف التمويل الاجتماعي وتعزيز القدرة التنافسية للأسواق المحلية، مع الإبقاء على الاستقرار المالي.

كما كشف عن أن حيازات الأجانب من الأسهم والسندات والودائع الصينية تجاوزت 10 تريليونات يوان حتى نهاية يوليو (تموز)، في دلالة على استمرار تدفقات رأس المال الخارجي. وأشار أيضاً إلى توقيع الصين اتفاقيات مبادلة عملات ثنائية مع 32 دولة وإقليماً، مؤكداً دعم بلاده لإنشاء مركز إقليمي لصندوق النقد الدولي في شنغهاي.

وأشار بان إلى أن بكين ستواصل الترويج لتنسيق السياسات الاقتصادية الكلية على المستوى العالمي، في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي من تباطؤ النمو إلى تقلبات الأسواق المالية.

الحد من المخاطر وزيادة الثقة

من جانبه، أوضح رئيس الهيئة الوطنية للرقابة المالية أن جهود الحد من المخاطر «حققت نتائج مهمة»، حيث انخفض عدد المؤسسات والأصول عالية المخاطر بشكل ملحوظ منذ ذروتها، مؤكداً أن هذا العدد سيواصل التراجع. كما أشار إلى أن المخاطر الناجمة عن البنوك الصغيرة أصبحت تحت السيطرة، مع استمرار دعم معالجة ديون الحكومات المحلية.

وفي موازاة ذلك، قال رئيس هيئة الأوراق المالية الصينية إن بكين ستعمل على تحسين آليات الإدراج في البورصات وصفقات الاندماج والاستحواذ، مع تشديد الرقابة على الأسواق المالية لمنع التجاوزات. وأضاف أن الهيئة تسعى إلى رفع جودة الشركات المدرجة وتعزيز الإفصاح المالي، بما يزيد من ثقة المستثمرين ويجعل السوق أكثر شفافية. وأوضح رئيس هيئة الأوراق المالية أن ثقة المستثمرين وتوقعاتهم تحسنت بشكل كبير، كاشفاً عن أن حيازات الأجانب من الأسهم الصينية وصلت إلى 3.4 تريليون يوان. كما أكد أن الهدف الاستراتيجي للمرحلة المقبلة هو جذب مزيد من رؤوس الأموال العالمية إلى الأسواق الصينية، من خلال إصلاحات هيكلية وتحسين بيئة الاستثمار.

أما الهيئة الوطنية للنقد الأجنبي فأكدت أن نحو 30 في المائة من التجارة عبر الحدود للصين باتت مقوَّمة باليوان، معتبرةً أن البلاد «في وضع جيد لمواجهة المخاطر الخارجية»، بفضل الإصلاحات وتعزيز استخدام العملة الوطنية في التسويات التجارية.

وتشير هذه التصريحات مجتمعةً إلى أن بكين تتحرك في مسارين متوازيين: الأول هو تعزيز ثقة الأسواق عبر دعم الاستثمارات المحلية والأجنبية، وفي الوقت نفسه تشديد الرقابة وإصلاح الثغرات المالية التي قد تشكل مخاطر مستقبلية، بما يضمن استقرار الاقتصاد في ظل التوترات العالمية.

تثبيت الفائدة

جاءت التصريحات عقب إبقاء الصين أسعار الفائدة المرجعية على الإقراض دون تغيير في سبتمبر (أيلول)، وذلك للشهر الرابع على التوالي، في خطوة تعكس حذر السلطات النقدية رغم تباطؤ الاقتصاد المحلي، وذلك في وقت تشهد فيه العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة انفراجاً نسبياً وارتفاعاً ملحوظاً في سوق الأسهم.

وأعلن بنك الشعب الصيني يوم الاثنين، تثبيت سعر الفائدة الرئيسي على القروض لأجل عام عند 3 في المائة، والإبقاء على سعر القروض لأجل خمس سنوات عند 3.5 في المائة، بما يتماشى مع توقعات السوق. وجاء القرار بعد أن ثبّت البنك الأسبوع الماضي سعر إعادة الشراء العكسي لأجل سبعة أيام، الذي يُعد حالياً أداة السياسة النقدية الرئيسية.

ويرى محللون أن الخطوة تعكس رغبة السلطات في الحفاظ على استقرار السيولة، مع تجنّب إجراءات تيسيرية قوية في ظل التوازن بين عوامل داعمة مثل مرونة الصادرات وانتعاش الأسهم، وعوامل ضاغطة مثل تباطؤ الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة، التي سجّلت أضعف وتيرة نمو منذ العام الماضي.

ويأتي القرار أيضاً في خضم تطورات سياسية بارزة، إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه أحرز تقدماً مع نظيره الصيني شي جينبينغ، بشأن اتفاقية «تيك توك»، مشيراً إلى لقاء مرتقب بينهما في كوريا الجنوبية بعد ستة أسابيع، لمناقشة ملفات التجارة والمخدرات غير المشروعة وحرب أوكرانيا.

في الوقت نفسه، يواصل مؤشر «شنغهاي المركب» أداءه القوي مقترباً من أعلى مستوى له في عشر سنوات، وهو ما يمنح السلطات الصينية مساحة أكبر للتمسك بسياسة نقدية مستقرة.

توقعات المؤسسات المالية

وتنوعت التوقعات الاقتصادية من المؤسسات الكبرى؛ فحسب «باركليز» فإن «التحفيز المنتظر قد يُخيب التوقعات إذا استمرت هدنة الرسوم الجمركية، لكننا نتوقع خفضاً بمقدار 10 نقاط أساس في أسعار الفائدة و50 نقطة أساس في نسبة الاحتياطي الإلزامي خلال الربع الرابع».

من جانبها، رأت «سوسيتيه جنرال» أن «الجلسة العامة الرابعة للحزب الشيوعي المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) ستكون محطة مهمة لمراجعة مقترحات الخطة الخمسية الخامسة عشرة»، مؤكدةً في الوقت نفسه الحاجة إلى خفض أسعار الفائدة والاحتياطي الإلزامي بنهاية العام.

وتكشف هذه الخطوة عن استراتيجية صينية مزدوجة تقوم على التمسك بالاستقرار المالي في الداخل، مع استثمار التقارب السياسي مع واشنطن في الخارج، فيما يترقب المستثمرون ما إذا كان بنك الشعب الصيني (المركزي) سيتجه إلى مزيد من التيسير في الربع الأخير من 2025 لمواجهة تباطؤ النمو.


مقالات ذات صلة

«المركزي الأوروبي»: البنك مرتاح لتوقعات التضخم في منطقة اليورو

الاقتصاد مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

«المركزي الأوروبي»: البنك مرتاح لتوقعات التضخم في منطقة اليورو

أعرب مسؤول السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، بيتر كازيمير، يوم الاثنين، عن ارتياح البنك للتوقعات المتعلقة بالتضخم في منطقة اليورو.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

اليابان تتأهب لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم

اتخذت اليابان الخطوة الأخيرة للسماح لأكبر محطة طاقة نووية في العالم باستئناف عملياتها من خلال تصويت إقليمي يوم الاثنين

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)

الين الياباني يترنّح قرب أدنى مستوياته رغم تحذيرات التدخل

دخل الين الياباني أسبوعاً جديداً وهو يراوح قرب مستويات تاريخية متدنية مقابل العملات الرئيسية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العاصمة السعودية الرياض (واس)

الرقم القياسي لتكاليف البناء في السعودية يرتفع 1 % خلال نوفمبر

ارتفع الرقم القياسي لتكاليف البناء السنوية في السعودية إلى 1 %، خلال شهر نوفمبر 2025، مقارنة بنظيره من العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد رجل يحمل مشتروات البقالة على دراجة في أحد شوارع العاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

الألبان الأوروبية تدخل حلقة الرسوم الانتقامية الصينية

ستفرض الصين رسوماً جمركية مؤقتة تصل إلى 42.7 في المائة على بعض منتجات الألبان المستوردة من الاتحاد الأوروبي بدءاً من الثلاثاء

«الشرق الأوسط» (بكين)

كازمير من «المركزي الأوروبي»: البنك مرتاح لتوقعات التضخم في منطقة اليورو

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
TT

كازمير من «المركزي الأوروبي»: البنك مرتاح لتوقعات التضخم في منطقة اليورو

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

أعرب مسؤول السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، بيتر كازيمير، يوم الاثنين، عن ارتياح البنك للتوقعات المتعلقة بالتضخم في منطقة اليورو، لكنه شدد على استعداد البنك للتدخل مجدداً عند الضرورة.

وانضم كازيمير بذلك إلى مجموعة من محافظي البنوك المركزية من مختلف أنحاء منطقة اليورو، التي تضم 20 دولة، في تحذيرهم من المخاطر التي قد تهدد التوقعات المتفائلة التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس، بعد أن أبقى أسعار الفائدة ثابتة للجلسة الرابعة على التوالي، وفق «رويترز».

وقال كازيمير، محافظ البنك المركزي السلوفاكي، في مقال رأي: «من المرجح أن يشهد العام المقبل تحديات جديدة قد تضطر الأسر والشركات، بل سياساتنا النقدية، إلى الاستجابة لها».

وأضاف: «نحن على استعداد كامل للتدخل إذا استدعت التطورات المستقبلية اتخاذ إجراءات إضافية».

وأشار كازيمير إلى أن الأسس الاقتصادية لمنطقة اليورو «تُظهر تصدعات» ينبغي على صانعي السياسات معالجتها عبر إصلاحات هيكلية تهدف إلى دمج أسواق رأس المال الأوروبية وتخفيف العبء البيروقراطي على الشركات.


اليابان تتأهب لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم

رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

اليابان تتأهب لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم

رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
رجل يمر في طريق قرب محطة كاشيوازاكي - كاريوا الكهربائية النووية شمال غربي العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

اتخذت اليابان الخطوة الأخيرة للسماح لأكبر محطة طاقة نووية في العالم باستئناف عملياتها من خلال تصويت إقليمي يوم الاثنين، وهي لحظة فارقة في عودة البلاد إلى الطاقة النووية بعد ما يقرب من 15 عاماً من كارثة فوكوشيما. وكانت محطة كاشيوازاكي - كاريوا، الواقعة على بُعد حوالي 220 كيلومتراً (136 ميلاً) شمال غربي طوكيو، من بين 54 مفاعلاً أُغلقت بعد الزلزال والتسونامي اللذين ضربا محطة فوكوشيما دايتشي عام 2011، في أسوأ كارثة نووية عالمياً منذ كارثة تشيرنوبيل. ومنذ ذلك الحين، أعادت اليابان تشغيل 14 مفاعلاً من أصل 33 مفاعلاً لا تزال تعمل، في محاولة منها لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد. وستكون كاشيوازاكي - كاريوا أول محطة تُشغلها شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» (تيبكو)، التي كانت تُشغل محطة فوكوشيما المنكوبة. ويوم الاثنين، منح مجلس محافظة نيغاتا الثقة لحاكم نيغاتا، هيديو هانازومي، الذي أيّد إعادة التشغيل الشهر الماضي، مما سمح فعلياً للمحطة باستئناف عملياتها. وقال هانازومي للصحافيين بعد التصويت: «هذه محطة مهمة، لكنها ليست النهاية. لا نهاية لضمان سلامة سكان نيغاتا».

وبينما صوّت النواب لصالح هانازومي، كشفت جلسة المجلس، وهي الأخيرة لهذا العام، عن انقسامات المجتمع المحلي حول إعادة تشغيل المحطة، على الرغم من فرص العمل الجديدة واحتمالية انخفاض فواتير الكهرباء. قال أحد أعضاء المجلس المعارضين لإعادة التشغيل لزملائه النواب قبيل بدء التصويت: «هذا ليس إلا تسوية سياسية لا تراعي إرادة سكان نيغاتا».

وفي الخارج، وقف نحو 300 متظاهر في البرد رافعين لافتات كُتب عليها «لا للأسلحة النووية»، و«نحن نعارض إعادة تشغيل محطة كاشيوازاكي - كاريوا»، و«ندعم فوكوشيما».

وقال كينيتشيرو إيشياما، وهو متظاهر يبلغ من العمر 77 عاماً من مدينة نيغاتا، لوكالة «رويترز» بعد التصويت: «أنا غاضب من أعماق قلبي. إذا حدث أي مكروه في المحطة، فسوف نكون نحن من يتحمل العواقب».

وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية «إن إتش كيه» أن شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» تدرس إعادة تشغيل أول مفاعل من أصل سبعة مفاعلات في محطة كاشيوازاكي - كاريوا النووية في 20 يناير (كانون الثاني).

وتبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمحطة 8.2 غيغاواط، وهي كافية لتزويد ملايين المنازل بالكهرباء. ومن شأن إعادة التشغيل المرتقبة أن تُدخل وحدة بقدرة 1.36 غيغاواط إلى الخدمة العام المقبل، ووحدة أخرى بالقدرة نفسها في عام 2030 تقريباً.

وقال ماساكاتسو تاكاتا، المتحدث باسم شركة «طوكيو للطاقة الكهربائية» (تيبكو): «نحن ملتزمون التزاماً راسخاً بعدم تكرار مثل هذا الحادث، وضمان عدم تعرض سكان نيغاتا لأي شيء مماثل». وأغلقت أسهم الشركة مرتفعة بنسبة 2 في المائة في تداولات فترة ما بعد الظهر في طوكيو، متجاوزة بذلك مؤشر «نيكي» الأوسع نطاقاً الذي ارتفع بنسبة 1.8 في المائة.

• قلق من إعادة التشغيل

وتعهدت شركة «تيبكو» في وقت سابق من هذا العام بضخ 100 مليار ين (641 مليون دولار) في المحافظة على مدى السنوات العشر المقبلة، سعياً منها لكسب تأييد سكان نيغاتا، لكنّ استطلاعاً للرأي نشرته المحافظة في أكتوبر (تشرين الأول) أظهر أن 60 في المائة من السكان لا يعتقدون أن شروط إعادة التشغيل قد استُوفيت.

وأعرب ما يقرب من 70 في المائة عن قلقهم بشأن تشغيل شركة «تيبكو» للمحطة. واستقرت أياكو أوغا، البالغة من العمر 52 عاماً، في نيغاتا بعد فرارها من المنطقة المحيطة بمحطة فوكوشيما عام 2011 مع 160 ألف نازح آخرين. وكان منزلها القديم يقع داخل منطقة الحظر الإشعاعي التي يبلغ نصف قطرها 20 كيلومتراً. وانضمت المزارعة والناشطة المناهضة للطاقة النووية إلى احتجاجات نيغاتا. وقالت أوغا: «نعرف من كثب خطر وقوع حادث نووي، ولا يمكننا تجاهله»، مضيفةً أنها لا تزال تعاني من أعراض تشبه اضطراب ما بعد الصدمة جراء ما حدث في فوكوشيما. وحتى حاكم نيغاتا، هانازومي، يأمل أن تتمكن اليابان في نهاية المطاف من تقليل اعتمادها على الطاقة النووية. وقال الشهر الماضي: «أريد أن أرى عصراً لا نضطر فيه إلى الاعتماد على مصادر طاقة تُسبب القلق».

• تعزيز أمن الطاقة

وعُد تصويت يوم الاثنين بمثابة العقبة الأخيرة قبل أن تُعيد شركة «تيبكو» تشغيل المفاعل الأول، الذي قد يُسهم وحده في زيادة إمدادات الكهرباء لمنطقة طوكيو بنسبة 2 في المائة، وفقاً لتقديرات وزارة التجارة اليابانية.

وقد أيدت رئيسة الوزراء، ساناي تاكايتشي، التي تولت منصبها قبل شهرين، إعادة تشغيل المفاعلات النووية لتعزيز أمن الطاقة ومواجهة تكلفة الوقود الأحفوري المستورد، الذي يُشكل ما بين 60 و70 في المائة من إنتاج الكهرباء في اليابان. وأنفقت اليابان 10.7 تريليون ين (68 مليار دولار) العام الماضي على استيراد الغاز الطبيعي المسال والفحم، أي ما يعادل عُشر إجمالي تكاليف استيرادها. ورغم انخفاض عدد سكانها، تتوقع اليابان ارتفاع الطلب على الطاقة خلال العقد المقبل نتيجةً لازدهار مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة. ولتلبية هذه الاحتياجات، والوفاء بالتزاماتها في خفض الانبعاثات الكربونية، حددت اليابان هدفاً يتمثل في مضاعفة حصة الطاقة المتجددة. ويهدف مشروع الطاقة النووية إلى رفع نسبة الطاقة النووية في مزيج الطاقة الكهربائية إلى 20 في المائة بحلول عام 2040.

وقال جوشوا نغو، نائب رئيس قسم آسيا والمحيط الهادئ في شركة «وود ماكنزي» الاستشارية، إن قبول الجمهور إعادة تشغيل محطة كاشيوازاكي - كاريوا سيمثل «محطةً حاسمةً» نحو تحقيق هذه الأهداف.

وفي يوليو (تموز)، أعلنت شركة «كانساي» للطاقة الكهربائية، أكبر مشغل للطاقة النووية في اليابان، أنها ستبدأ بإجراء مسوحات لمفاعل في غرب اليابان، وهو أول وحدة جديدة منذ كارثة فوكوشيما.


الين الياباني يترنّح قرب أدنى مستوياته رغم تحذيرات التدخل

رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
TT

الين الياباني يترنّح قرب أدنى مستوياته رغم تحذيرات التدخل

رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام شاشة تعرض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي وسط العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)

دخل الين الياباني أسبوعاً جديداً وهو يراوح قرب مستويات تاريخية متدنية مقابل العملات الرئيسية، في مشهد يعكس فجوة متوسعة بين تحذيرات الحكومة من «تحركات مفرطة» في سوق الصرف، ونبرة حذِرة لا تزال تطبع تَواصل «بنك اليابان» بعد رفعه الفائدة الأسبوع الماضي. ورغم تلميحات رسمية متكررة بإمكانية التدخل، فإن المتعاملين واصلوا الرهان على ضعف العملة، مدفوعين بغياب إشارات تَشدد واضحة من «البنك المركزي»، واتساع فروق العائد مع الخارج.

وقال كبير مسؤولي العملة في اليابان، أتسوشي ميمورا، إن التحركات الأخيرة في سوق الصرف «أحادية وحادة»، مؤكداً استعداد السلطات لاتخاذ «إجراءات مناسبة» ضد التقلبات المفرطة. وذهب كبير أمناء مجلس الوزراء، مينورو كيهارا، في الاتجاه نفسه، محذّراً من استمرار ضعف الين، ومشدداً على أهمية تحرك العملات «بشكل مستقر يعكس الأساسيات»، مع التلويح بإجراءات تشمل التحركات المضاربية.

هذه الرسائل أعادت إلى الأذهان سيناريوهات تدخّل سابقة، لكنها لم تُفلح حتى الآن في تغيير سلوك السوق. فالمتعاملون يرون أن التحذيرات، على أهميتها، تفتقر عنصر المفاجأة ما لم تُترجم إلى فعل مباشر، خصوصاً في ظل تجربة الأشهر الماضية التي أظهرت أن الين يحتاج مزيجاً من تشدد نقدي أوضح، وتدخل فعلي كي يستعيد زخمه.

قرار الفائدة وتأثير معاكس

وكان من المفترض أن يمنح رفع «بنك اليابان» سعر الفائدة إلى 0.75 في المائة - وهو أعلى مستوى في 3 عقود - دعماً للعملة عبر تضييق الفارق مع الولايات المتحدة. لكن ما حدث كان العكس؛ إذ ركّزت الأسواق على المؤتمر الصحافي لمحافظ «البنك»، كازو أويدا، الذي تمسّك بنبرة حذرة ولم يقدّم جدولاً زمنياً أو وتيرة واضحة لمزيد من الرفع. والنتيجة كانت موجة بيع للين بعد القرار، مع قفزات حادة في عوائد السندات الحكومية اليابانية.

هذا التناقض، بين تشديد مُعلن ونبرة متحفظة، غذّى قناعة المستثمرين بأن مسار الرفع سيكون بطيئاً ومشروطاً بالبيانات؛ مما يُبقي العوائد الحقيقية منخفضة ويحدّ من جاذبية الين في استراتيجيات العائد المرتفع.

لماذا لم تنجح التحذيرات؟

وفق المراقبين، فإن هناك 3 عوامل رئيسية تفسّر محدودية أثر التحذيرات حتى الآن، أولها غياب الإشارة الزمنية، حيث إن السوق تريد معرفة «متى» و«كيف» سيواصل «البنك» التشديد. والعامل الثاني هو فروق العائد العالمية، فحتى بعد الرفع، تبقى الفجوة مع الدولار واسعة؛ مما يدعم صفقات التمويل بالين. وإلى جانب ذلك، يوجد العامل الثالث وهو توقعات التدخل، فالمتعاملون يميلون لاختبار عزيمة السلطات، معتقدين أن التدخل - إن حدث - قد يكون دفاعياً ومحدود الأثر ما لم يُدعَم بتشديد نقدي أسرع.

وتاريخياً، تميل طوكيو إلى التدخل عندما ترى تحركات «مفرطة» وسريعة تُهدد الاستقرار أو تُفاقم تكلفة المعيشة عبر الواردات. ومع ارتفاع أسعار الاستيراد وتأثير ضعف الين على الأسر، تزداد الضغوط السياسية. غير أن التدخل المنفرد غالباً ما يكون قصير الأجل إذا لم يترافق مع رسالة نقدية أقوى؛ مما يجعل الأسواق حذرة من المبالغة في تسعير أثره. وحالياً، ربما تركز الأسواق على مراقبة خطابات تالية لأويدا، تحمل أي تلميح إلى تسريع الوتيرة؛ مما قد يغيّر المعادلة سريعاً. وكذلك بيانات الأجور والتضخم لتأكيد «الدورة الحميدة» بين الأجور والأسعار التي يعوّل عليها «البنك».

ولحين ورود إشارات أقوى، أو اتخاذ الحكومة ردود فعل أشد، فإن الين سيظل عالقاً بين تشديد نقدي محسوب وتحذيرات رسمية لم تُترجم بعد إلى فعل حاسم. ومع أن رفع الفائدة خطوة تاريخية، فإن لغة التواصل لا تزال العامل الحاسم في تسعير العملة. وإلى أن تتضح وتيرة الرفع أو يحدث تدخل فعلي، فسيبقى الين عرضة للاختبار قرب قيعانه، فيما تواصل الأسواق لعب دور الحكم بين النيات والتطبيق.