تصعيد بين «أرض الصومال» وولاية «شمال شرق» الجديدة

اتهامات للإقليم الانفصالي بالتحضير لهجوم عسكري

عبد القادر أحمد أوعلي رئيس ولاية شمال شرق الصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
عبد القادر أحمد أوعلي رئيس ولاية شمال شرق الصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

تصعيد بين «أرض الصومال» وولاية «شمال شرق» الجديدة

عبد القادر أحمد أوعلي رئيس ولاية شمال شرق الصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
عبد القادر أحمد أوعلي رئيس ولاية شمال شرق الصومال (وكالة الأنباء الصومالية)

دخلت العلاقة المتوترة بين الولاية الصومالية الحديثة «شمال شرق»، و«أرض الصومال» مرحلة تصعيدية بعد أحاديث عن تحضيرات الإقليم الانفصالي لهجوم عسكري.

ذلك التوتر الجديد يضاف لمناوشات سابقة طيلة محاولة تدشين الولاية الموالية للحكومة الفيدرالية مع تمسك «أرض الصومال» وولاية بونتلاند بأن حدود الإقليم الجديد جزء من أراضيهما، وهو ما يراه خبير تحدث لـ«الشرق الأوسط» مجرد تصعيد كلامي ليس أكثر، ولن يصل لحد الصدام المسلح لاعتبارات قبلية في المقام الأول، مشيراً إلى أن الحكومة ستقدم دعماً لوجستياً وعسكرياً دون إرسال قوات للولاية الجديدة حال حدث ذلك الهجوم المستبعد حالياً.

وتعد ولاية «شمال شرق الصومال» المعلنة بدعم حكومي رسمي في أغسطس (آب) الماضي، أحدث عضو في النظام الفيدرالي في الصومال الذي تَشكَّل عقب سقوط الحكومة المركزية عام 1991، حيث تشكلت في البلاد عدة إدارات فيدرالية، هي: هيرشبيلي، وغلمدغ، وجنوب الغرب، وغوبالاند، وبونتلاند، إلى جانب العاصمة مقديشو. بخلاف «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عام 1991، وأقامت إدارة مستقلة تسيطر على معظم مناطق شمال غربي البلاد، وتسعى لاعتراف دولي ترفضه الحكومة الفيدرالية، وتعدّها جزءاً منها.

وذكرت وزارة الأمن والدفاع في ولاية «شمال شرق»، أنها تراقب عن كثب التحركات والأنشطة العسكرية على طول الحدود من هرغسيا، واعتبرت ذلك «تحضيراً لهجوم على المجتمعات المقيمة في المنطقة».

وحذرت الوزارة في بيان نقله الموقع الإخباري «الصومال الجديد»، الأربعاء، من أن «(أرض الصومال) ستتحمل مسؤولية أي عواقب قد تترتب على هذه الأعمال»، واصفة الأمر بـ«العدوان».

ودعت ولاية «شمال شرق» الحكومة الفيدرالية الصومالية إلى الوفاء بالتزاماتها الدستورية بحماية وحدة أراضي جمهورية الصومال والدفاع عن مواطنيها، مطالبة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي، بإدانة التحركات العسكرية لـ«أرض الصومال» إدانة قاطعة.

وأواخر يوليو (تموز) الماضي، اختتمت في مدينة لاسعانود، حاضرة إقليم سول، فعاليات مؤتمر بناء وإقرار دستور ولاية شمال شرق الصومال، بعد أيام من المداولات والنقاشات التي جمعت ممثلين عن مختلف فئات المجتمع المحلي في مناطق سول، وسناغ، وبوهودلي، وفي 30 أغسطس (آب) الماضي انتخب برلمان ولاية شمال شرق البلاد عبد القادر أحمد أوعلي رئيساً للولاية.

ولا يرى الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، أي تأثير على مسار استكمال ولاية شمال شرق الصومال، قائلاً: «استُكملت تماماً، ولم يبقَ إلا حفلة تنصيب الرئيس، والولاية ستظل قائمة؛ إذ لن تؤثر مثل هذه الأمور على كيانها»، مستبعداً حدوث «تهديدات عسكرية خارجية».

وأوضح أن «أي تهديدات عسكرية من (أرض الصومال) ضد ولاية شمال شرق غير منطقية، وستكون مجرد تصعيد وتهديدات كلامية لن تصل لصدام مسلح ولا حرب. سبق أن هددوا أثناء تدشين الولاية ولم يحدث شيء».

ولم تعلق «أرض الصومال» على الاتهامات الموجهة إليها من إدارة شمال شرق الصومال ببدء تحركات عسكرية في المناطق الحدودية بين الجانبين.

وسبق أن عقد رئيس إقليم أرض الصومال الانفصالي، عبد الرحمن عرو، اجتماعاً، في أغسطس الماضي، لمناقشة «الإدارة الشمالية الشرقية» المشكّلة قبل أيام، والتي تشمل «مناطق سول وسناغ وتغدير»، حسبما نقل الموقع الإخباري «الصومال الجديد»، الأحد. وأعرب المجلس عن «المعارضة الشديدة للإدارة الجديدة، والرفض القاطع للقبول بها لوقوع مناطقها بالفعل تحت ولايته القضائية».

وعقب الاجتماع، أكد وزير الإعلام في «أرض الصومال»، أحمد ياسين علي، أن إنشاء الإدارة الجديدة يُنظر إليه على أنه «تهديد» لحكمهم، ويجب عليهم «اتخاذ موقف حازم ضد هذا التطور؛ لأنه يقوّض سلطة (أرض الصومال) على أراضيها التي تضم سول وسناغ وتغدير»، لافتاً إلى أن «محاولة الحكومة (الفيدرالية) ممارسة نفوذ سياسي من خلال الانتماءات القبلية هي بداية صراع يُخلق داخل (أرض الصومال)، دون إعلان إجراءات».

وسبق ذلك الرفض معارضة من ولاية بونتلاند باعتبار أن مناطق سول وسناغ وبعض المدن في إقليم تغدير مناطق تقول الولاية و«أرض الصومال» إنها تابعة لهما، ووصف رئيس برلمان بونتلاند، عبد الرزاق أحمد محمد، في بيان آنذاك، الإدارة الجديدة بأنها «هجوم مباشر على وحدة بونتلاند الإقليمية وسلطتها السياسية»، متهماً الحكومة الفيدرالية الصومالية بـ«التواطؤ» فيما سمّاه «تفتيت البلاد، والسعي إلى تقسيمها إلى كيانات إقليمية متنازعة».

وكذلك يتوقع إبراهيم ألا تدخل بونتلاند في سياق الصدام أيضاً، قائلاً: «(أرض الصومال) وبونتلاند وولاية شمال شرق، كلها مبنية على القبائل، فأي هجوم ضد (شمال شرق) لا يعتبر حرباً بين ولايتين، ولكن سيكون حرباً قبلية».

وأضاف: «حال حدث أي هجوم ضد (شمال شرق) سيكون للحكومة الفيدرالية دور بالتأكيد، ولكن في إطار تقديم دعم عسكري ولوجستي وليس إرسال جيش فيدرالي، وحينها سيكون الحل نشر قوات حفظ سلام أفريقية بتلك المنطقة».

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، أن الأزمة الراهنة بين إقليمَي «أرض الصومال» وبونتلاند مع الإدارة الجديدة في شمال شرق الصومال، تتخذ بُعدين رئيسيين؛ أولهما سياسي، وهو أن الحكومة الفيدرالية أعلنت دعمها لقيام الإدارة الجديدة، باعتبارها خطوة في إطار استكمال النظام الفيدرالي. في المقابل، يرى الإقليمان أن هذا الدعم يستهدف تقليص نفوذهما، ويعمّق الخلاف مع الحكومة. ثانياً بُعد اجتماعي - جغرافي حيث تتمدد الإدارة الجديدة لتشمل قبائل ومناطق محسوبة تاريخياً على «أرض الصومال»، وكذلك بونتلاند، وعلى رأسها قبيلة الورسنغلي في إقليمَي سَناغ وداهر؛ ما زاد من حدة الاستقطاب، وأثار مخاوف بونتلاند من فقدان رصيدها الاجتماعي والجغرافي لمصلحة الوافد الجديد، وفق كلني.

وبشأن السيناريوهات المحتملة، يشير كلني إلى أنه في حال لم يُعالج الخلاف سريعاً عبر حلول توافقية، فإن هناك عدة مسارات، بينها «تعثر بناء الإدارة الجديدة وفقدانها الشرعية السياسية، أو إمكانية تدخل عسكري محدود من الحكومة الفيدرالية؛ ما يفاقم الخلاف الثلاثي بين بونتلاند و(أرض الصومال) من جهة، ومقديشو من جهة أخرى»، وهو ما قد ينعكس سلبياً على الانتخابات العامة المقررة في مايو (أيار) 2026، عبر تعطيل التوافقات السياسية المطلوبة، وفق كلني، فضلاً عن إضعاف فرص الحوار مع «أرض الصومال» التي كانت أساساً محدودة، لتزداد احتمالات القطيعة السياسية.


مقالات ذات صلة

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

شمال افريقيا سد النهضة (رويترز)

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر اليوم (الأربعاء) بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
العالم العربي رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري (وكالة الأنباء الصومالية)

ماذا وراء تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو؟

أجلّت السلطات الصومالية الانتخابات المحلية في مقديشو لنحو شهر؛ حيث تُجرى للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، بموازاة تطبيق نظام الاقتراع المباشر في الانتخابات.

محمد محمود (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أثناء مشاركته في القمة الأفريقية - الأوروبية (مجلس الوزراء المصري)

مصر ترسّخ حضورها في القرن الأفريقي بتوسيع التعاون مع جيبوتي

عززت مصر حضورها في منطقة «القرن الأفريقي» بتوسيع التعاون في مجالات مختلفة مع دولة جيبوتي، مع تأكيدها رفض «أي إجراءات أحادية» بتلك المنطقة أو في البحر الأحمر.

أحمد جمال (القاهرة)
أفريقيا «التحالف الإسلامي» يعد شريكاً قوياً لدول الساحل في مواجهة الإرهاب (التحالف الإسلامي)

«التحالف الإسلامي» يطلق برامج تدريبية في النيجر لمحاربة الإرهاب

أطلق التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الاثنين في النيجر، أعمال البرنامج الإعلامي الذي ينفذه التحالف في مواجهة الإرهاب

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر (يمين) والسياسي من ناميبيا أدولف هتلر أونونا (أرشيفية - أ.ف.ب - مجلس أوشانا الإقليمي)

«أدولف هتلر» يتجه للفوز بانتخابات محلية في ناميبيا

من المتوقع أن يفوز سياسي يُدعى أدولف هتلر في انتخابات محلية بناميبيا، لكنه زعم أن والده كان يجهل الزعيم النازي عندما سمى ابنه.

«الشرق الأوسط» (ويندهوك)

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.