أتى إعلان مبكر من رئيس إقليم بونتلاند سعيد عبد الله دني بشأن الترشح للانتخابات الرئاسية في الصومال المقررة في عام 2026، وسط خلافات جذرية مع رئيس البلاد حسن شيخ محمود، لا سيما منذ بداية العام.
تلك الخطوة المبكرة يراها خبير في الشؤون الصومالية والأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، تعطي المشهد السياسي بُعداً استثنائياً وتعمق الاستقطاب السياسي بالصومال وتفتح الباب أمام معادلات وتحالفات جديدة محتملة.
وكشف وزير إعلام بونتلاند، محمود عيديد درر، أن دني سيترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، قائلاً: «حكومة بونتلاند، ذراع الدفاع والتنمية، مستعدة لإنقاذ الدولة الصومالية»، وفق ما أورده الموقع الإخباري الصومال الجديد، الاثنين.
وأضاف: «كما أنقذها سابقاً الرئيس الأسبق عبد الله يوسف أحمد (شغل منصب أول رئيس لبونتلاند من عام 1998 إلى عام 2004) سينقذها مرة أخرى رئيس بونتلاند، سعيد عبد الله دني»، مؤكداً أن «الصوماليين يحتاجون اليوم إلى سعيد عبد الله دني صاحب الإنجازات».
وسبق أن احتل رئيس بونتلاند سعيد عبد الله دني المرتبة الثالثة بعد الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، والرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو في الانتخابات الرئاسية التي عقدت في مقديشو في 15 مايو (أيار) 2022.
وفي أغسطس (آب) 2024، فاز سعيد عبد الله دني في الانتخابات الرئاسية في مدينة غروي عاصمة ولاية بونتلاند في شمال شرقي الصومال، وذلك بفترة رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات في الجولة الثالثة والأخيرة ضد منافسه غوليد صالح بري.
هل ترشحه مفاجئ؟
الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، يرى أن إعلان الرئيس سعيد عبد الله دني مبكراً عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الصومالية 2026 لم يكن مفاجئاً من حيث المبدأ، مع ترقب دوائر سياسية وإعلامية خطوته منذ فترة طويلة، غير أن التوقيت المبكر لهذا الإعلان هو ما أضفى على المشهد بُعداً استثنائياً وأثار أسئلة عديدة حول دوافعه وحساباته الاستراتيجية.
وثمة عوامل عدة عجّلت بقرار دني، بحسب كلني، أبرزها انتهاء فرصته الدستورية في ولاية بونتلاند بعد ولايتين متتاليتين، ما جعل طموحه السياسي يتجاوز حدود الولاية إلى الفضاء الوطني، كما شكل ظهور إدارة الشمال الشرقي المولودة حديثاً مؤخراً بدعم من الرئيس الصومالي تحدياً سياسياً غير مسبوق لدني؛ إذ اعتُبرت ضربة موجعة لهيبته في الداخل وعجز عن احتوائها أو إيجاد تسوية ناجعة لها.
يضاف إلى ذلك «حالة السخط الشعبي المتنامي في بونتلاند تجاه سياساته، حيث يرى قطاع واسع من المواطنين أن نهجه ارتكز على مصالح شخصية ضيقة أكثر من كونه مشروعاً وطنياً جامعاً، ومع ذلك، فإن الدعم غير المعلن الذي تلقّاه من المعارضين السياسيين ضد الحكومة الفيدرالية عزز موقعه وأعاد إليه الثقة والقدرة على خوض مغامرة جديدة في قلب السياسة الصومالية»، وفق كلني.
ولزعيم بونتلاند سعيد عبد الله دني رفقة رئيس إقليم غوبالاند أحمد مدوبي، مواقف مخالفة عديدة لرئيس البلاد، وتختلف الحكومة والولايتان في ملفات عدة محل نقاشات مستمرة منذ سنوات، وفي مقدمتها قضية استكمال الدستور المؤقت في 2012، قبل أن يوافق برلمان الصومال أواخر مارس (آذار) 2024، على تعديلات دستورية، تشمل تغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي، واعتماد نظام الاقتراع العام المباشر، وتمديد الفترة الرئاسية من 4 إلى 5 سنوات، ورفضت ذلك القرار ولايتا بونتلاند وغوبالاند.
وبعدها أسس الرئيس الصومالي في 13 مايو (أيار) الماضي «حزب العدالة والتضامن» ليضُم في صفوفه قيادة الحكومة الفيدرالية، وقادة الولايات الإقليمية، باستثناء رئيس بونتلاند، سعيد عبد الله دني، وغوبالاند، أحمد مدوبي، اللذين غابا عن اجتماع المجلس الاستشاري للبلاد قبل تأسيس الحزب بأيام.
وانتُخب شيخ محمود زعيماً للحزب ومرشحاً له في الانتخابات المباشرة المرتقب عقدها في البلاد عام 2026 بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي تعتمد بشكل رئيس على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس التي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية».
ولاقى الحزب الجديد رفضاً من ولايتي بونتلاند وغوبالاند وقتها في مواقف رسمية منفصلة، وأوائل سبتمبر (أيلول) الجاري أطلقت ولايتا بونتلاند وغوبالاند دعوة للحوار مع الحكومة الفيدرالية في الصومال بشأن أزمة «الانتخابات المباشرة» المقررة في عام 2026، وسط رفض مشروط من الولايتين وقطاعات من المعارضة.
وجاءت دعوة الولايتين غريمتي الحكومة الفيدرالية عقب انشقاقات طالت «منتدى إنقاذ الصومال» المعارض واختيار مسؤولين بارزين فيه مسار رئيس البلاد حسن شيخ محمود لإجراء الانتخابات بنظام الاقتراع المباشر.
وبدأ الرئيس الصومالي جولات للحوار غابت عنها الولايتان، عبر عقد منتدى المشاورات الوطنية في العاصمة مقديشو في 16 يونيو (حزيران) الماضي، لمناقشة القضايا الأربع، بخلاف حوارات في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) مع منتدى الإنقاذ لم تصل لاتفاق، قبل أن يحدث انشقاق بالمنتدى أواخر أغسطس (آب) الماضي ويختار مسؤولون بارزون فيه تأسيس حزب جديد لخوض الانتخابات.
ويتوقع كلني، أن تشهد المرحلة المقبلة تحركات متسارعة بين دني ورموز المعارضة المؤثرين، في إطار لقاءات تنسيقية وتحالفات أولية، قبل أن يعلن بشكل رسمي انضمامه الكامل إلى المنتدى وتعهده بالعمل المشترك تحت مظلته، مؤكداً أن هذه الخطوة، إن تمت، ستغير موازين القوى السياسية في مقديشو، وتفتح الباب أمام مواجهة مفتوحة مع الرئيس حسن شيخ محمود وحزبه الحاكم.
وإعادة ترشح دني تمثل، بحسب كلني، تحذيراً جدياً بضرورة استعداد الحزب الحاكم لخوض معركة انتخابية قد تكون أكثر تعقيداً وشراسة من سابقتها، خصوصاً إذا ما جرت الانتخابات في ظل معطيات سياسية جديدة ونظام انتخابي مختلف.
والتحدي الأكبر أمام دني يكمن في استعداده لاحتمالية الانتقال إلى نظام الاقتراع الشعبي المباشر، وهو خيار تسعى الحكومة الحالية إلى فرضه، وفق كلني، مؤكداً أن رئيس بونتلاند سيتوجب عليه أن يعيد ترتيب أوراقه بعيداً عن تجربة 2022 التي اقتصرت على أصوات أعضاء البرلمان، وعليه أن يقنع قواعده الشعبية في بونتلاند بجدوى المشاركة، وأن يعيد تفعيل المنظمات السياسية داخل الولاية، فضلاً عن حشد دعم شعبي واسع النطاق يتجاوز حدود منطقته.





