حاكمة نيويورك تدعم ممداني رغم التشكيك فيه وخلافات الديمقراطيين

الجمهوريون يعدّونه «شيوعياً» ويرصون الصفوف خلف منافس واحد

المرشح لمنصب رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني خلال مسيرة شارك فيها السناتور بيرني ساندرز في نيويورك (أ.ب)
المرشح لمنصب رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني خلال مسيرة شارك فيها السناتور بيرني ساندرز في نيويورك (أ.ب)
TT

حاكمة نيويورك تدعم ممداني رغم التشكيك فيه وخلافات الديمقراطيين

المرشح لمنصب رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني خلال مسيرة شارك فيها السناتور بيرني ساندرز في نيويورك (أ.ب)
المرشح لمنصب رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني خلال مسيرة شارك فيها السناتور بيرني ساندرز في نيويورك (أ.ب)

بعد أشهر من التشكيك، أيدت حاكمة نيويورك، كاثي هوكول، ترشيح زهران ممداني (33 عاماً) لمنصب رئيس بلدية مدينة نيويورك، وهي الكبرى في الولايات المتحدة، داعية السكان إلى التصويت له، في خطوة هي الأهم حتى الآن من الحزب الديمقراطي، الذي يعاني انقسامات في ظل جهود لإصلاح صورته بعد 9 أشهر من انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب لولاية ثانية.

ويعدّ تأييد هوكول أحدث مؤشر إلى أن القادة الديمقراطيين بدأوا يحشدون الدعم خلف ممداني، الذي يصف نفسه بأنه «اشتراكي ديمقراطي».

ولكن هذا الدعم جاء بعدما عدّ السناتور الديمقراطي كريس فان هولين أن زعماء الديمقراطيين الذين لم يعلنوا بعد دعمهم ممداني منخرطون في «سياسة ضعيفة». وخلال حفل لجمع التبرعات للحزب في أيوا، جادل فان هولين بأن الحزب الديمقراطي «لن يُصلح نفسه»، وبأنه لتشكيل مستقبله؛ فعلى الديمقراطيين البدء بالفوز في الانتخابات الرئيسية في ولايات فرجينيا وأيوا ونيوجيرسي، والوقوف خلف ممداني في الانتخابات المقررة يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وقال إنه «يركز على ضمان قدرة الناس على تحمل تكاليف العيش في مكان عملهم. يجب أن يكون هذا هدفنا في مدينة نيويورك، ومدينة دي موين (في أيوا)، وكل البلدات والمدن في كل أنحاء الولايات المتحدة». ثم انتقد بشدة «كثيراً من الأعضاء الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب الذين يمثلون نيويورك»؛ لأنهم «ظلوا على هامش» السباق، منبهاً إلى أن «هذا النوع من السياسة الضعيفة هو ما سئم الناس منه. عليهم أن يدعموه، وأن يدعموه الآن».

حاكمة نيويورك كاثي هوكول تتحدث إلى الصحافة قبل المشاركة بمسيرة في نيويورك (أ.ف.ب)

تكاليف العيش

بالفعل، أعلنت هوكول بشكل منفصل أنها قررت دعم ممداني. وأقرت في مقال رأي بصحيفة «نيويورك تايمز» بأنها «لا تتفق» مع ممداني في كل شيء، لكنها تشاركه إيمانه بقضايا عدة، مثل «جعل نيويورك أقل تكلفة». وكتبت أنه «في ضوء السياسات البغيضة والمدمرة التي تصدر من واشنطن يومياً، كنت بحاجة إلى معرفة أن رئيس البلدية المقبل لن يكون شخصاً يستسلم قيد أنملة للرئيس ترمب».

وشكر ممداني لهوكول هذا الدعم، قائلاً إنه علامة على أن «حركتنا تزداد قوة». وأضاف أن «الحاكمة هوكول جعلت القدرة على تحمل التكاليف محور عملها. أتطلع إلى النضال إلى جانبها لمواصلة مسيرتها في ضخ الأموال في جيوب سكان نيويورك وبناء مدينة نيويورك أكبر أماناً وقوة، حيث لا يُجبر أحد على المغادرة لمجرد عدم القدرة على تحمل تكاليف إعالة أسرة». وعبر عن امتنانه للحاكمة على «دعمها في توحيد حزبنا، وعلى جهودها في مواجهة الرئيس ترمب، وتوفير وجبات غذاء مجانية لأطفالنا، وتوسيع نطاق الحصول على رعاية الأطفال».

شومر وجيفريز

زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي تشارلز شومر متحدثاً إلى وسائل الإعلام في واشنطن العاصمة (أ.ف.ب)

وحتى الآن، رفض بعض كبار الديمقراطيين في نيويورك، وبينهم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، تأييد ممداني، رغم أنه فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب.

وأفاد الناطق باسم جيفريز، جاستن تشيرمول، في بيان بأن جيفريز «سيدلي بتصريحات أكثر بشأن الانتخابات العامة قبل موعدها المحدد يوم 4 نوفمبر بوقت كافٍ»، عادّاً أن تعليقات فان هولين لن تكون ذات أهمية في نيويورك. وقال: «في هذه الأثناء، يسأل سكان نيويورك المرتبكون أنفسهم السؤال التالي: كريس فان ماذا؟».

زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز يلقي كلمة بمبنى «الكابيتول» في واشنطن العاصمة (إ.ب.أ)

بيد أنه خلال الأسبوع الماضي، أيد النائبان الديمقراطيان جيمي راسكين وبات راين ترشيح ممداني. وشبه راسكين ممداني بالرئيس فرنكلين روزفلت؛ لأنه «يريد حقاً إعادة بناء تحالف فرنكلين روزفلت، وهو ملتزم بشكل أساسي نجاحَ الطبقة العاملة والمتوسطة في مدينته».

ومع ذلك، كشف ترشيح ممداني عن انقسامات داخل الحزب. وأشاد البعض بصعوده المفاجئ، مشيرين إلى مقترحاته الشعبوية وحضوره الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي بوصف ذلك نموذجاً يحتذى لتغيير مسار الحزب بعد انتخابات 2024 الرئاسية المخيبة للآمال. فيما نأى آخرون بأنفسهم عنه، رافضين أنه «اشتراكي» وينتقد إسرائيل، ومطالبين الديمقراطيين بتبني مواقف اقتصادية أفضل وسطية.

وقال السناتور الديمقراطي جون فيترمان، عبر شبكة «سي إن إن»، إن «مدينة نيويورك لا تعكس سياستنا الوطنية»، مضيفاً أن نجاح ممداني «ليس له أي تأثير على حياتي».

الجمهوريون يتحركون

المرشح لمنصب رئيس بلدية نيويورك الحاكم السابق للولاية آندرو كومو خلال إحدى المناسبات في واشنطن العاصمة (أ.ف.ب)

وسعى الجمهوريون إلى الترويج السلبي بشأن ممداني بوصفه واجهة الحزب الديمقراطي. وخلال مقابلة مع إذاعة «دبليو إيه بي سي» في نيويورك، صور الرئيس ترمب ممداني على أنه «شيوعي»، وقال إن «أي شخص أفضل» من ممداني. وكرر أنه لا يعتقد أن أحداً يستطيع هزيمة ممداني إلا إذا صار السباق بين شخصين، ملمحاً إلى أنه يفضل مواجهة بين ممداني وحاكم نيويورك السابق آندرو كومو، الذي خسر أمام ممداني في الانتخابات التمهيدية، ولكنه يترشح الآن مستقلاً. ويترشح أيضاً كل من رئيس البلدية الحالي الديمقراطي أريك آدامز، الذي يترشح الآن مستقلاً، والمرشح الجمهوري كورتيس سليوا.

ووراء الكواليس، يحاول أعضاء إدارة ترمب إغراء آدامز وسليوا بمغادرة السباق من خلال التلويح بمناصب إدارية.

وصرحت رئيسة «لجنة القيادة الجمهورية» في مجلس النواب، أليز ستيفانيك، بأن تأييد هوكول يُشير إلى أن الحاكمة تتجه نحو اليسار. وقالت في بيان إنه «في الوقت الذي يبحث فيه سكان نيويورك عن قيادة قوية من حاكمتهم، في ظل وجود أكثرية تعارض زهران ممداني، تحتضن كاثي هوكول هذا الشيوعي المتهور الذي سيدمر نيويورك ويجعلها أشد صعوبة في تحمل التكاليف وأعلى خطورة؛ مرة أخرى يوضع المجرمون والشيوعيون في المقام الأول، وسكان نيويورك في المرتبة الأخيرة».


مقالات ذات صلة

«فرس نهر» من نحاس يصبح الأغلى في تاريخ المزادات

يوميات الشرق قطعة تحوّلت إلى أسطورة (سوذبيز)

«فرس نهر» من نحاس يصبح الأغلى في تاريخ المزادات

حطَّم عمل فنّي نادر صاغه المُصمّم الفرنسي الراحل فرنسوا كزافييه لالان، على شكل بارٍ مُجسّد في هيئة فرس نهر، الرقم القياسي في مزادات الديزاين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (يمين) يتحدث إلى الصحافيين أثناء لقائه مع رئيس بلدية مدينة نيويورك المنتخب زهران ممداني (يسار) في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (إ.ب.أ) play-circle

«لم يكن لدي أي فكرة»... ممداني يكشف عن أغرب ما رآه بمكتب ترمب البيضاوي

كشف عمدة مدينة نيويورك المنتخب، زهران ممداني، عن أغرب شيء عثر عليه في المكتب البيضاوي خلال لقائه بالرئيس دونالد ترمب الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مركبة للمدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) جيمس كومي والمدعية العامة لنيويورك ليتيسيا جيمس (أ. ف.ب)

انتكاسة قانونية لإدارة ترمب في جهودها لمعاقبة خصومه

تعرَّض الرئيس دونالد ترمب لانتكاسة قانونية في جهوده لمعاقبة خصومه؛ إذ أبطلت قاضية فيدرالية التهم الجنائية ضد المدير السابق لـ«إف بي آي» والمدعية العامة لنيويورك

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي مصافحاً رئيس بلدية نيويورك المنتخب بعد اجتماعهما في البيت الأبيض يوم 21 نوفمبر (إ.ب.أ)

ترمب وممداني يطويان صفحة الخلافات بعد «اجتماع رائع» في البيت الأبيض

بعد أشهر من الهجمات المتبادلة، عكس لقاء الرئيس الأميركي ورئيس بلدية نيويورك المنتخب رغبةً واضحةً في طيّ صفحة الخلاف وفتح أخرى جديدة تقوم على التعاون.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ عمدة مدينة نيويورك المُنتخب زهران ممداني يتحدث إلى الصحافة في حديقة مبنى البلدية بنيويورك قبل اجتماع مقرر مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب... 20 نوفمبر 2025 (د.ب.أ)

ممداني: «جاهز» للّقاء المرتقب مع ترمب

قال رئيس بلدية نيويورك المُنتخب، الاشتراكي زهران ممداني، إنه «جاهز» للقائه المرتقب الجمعة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

إصابة 3 رجال شرطة أميركيين ومقتل مشتبه به بإطلاق نار في نيويورك

عناصر من شرطة نيويورك (أرشيفية - رويترز)
عناصر من شرطة نيويورك (أرشيفية - رويترز)
TT

إصابة 3 رجال شرطة أميركيين ومقتل مشتبه به بإطلاق نار في نيويورك

عناصر من شرطة نيويورك (أرشيفية - رويترز)
عناصر من شرطة نيويورك (أرشيفية - رويترز)

قالت شرطة نيويورك إن ثلاثة من عناصرها تم نقلهم إلى المستشفى، اليوم السبت، إثر إصابتهم بجروح، ولقي مسلح حتفه وأصيب رجل آخر بعدما تحول شجار منزلي إلى «مواجهة مضطربة» في عدة مربعات سكنية في مدينة روتشستر.

وقال قائد شرطة المدينة ديفيد سميث، في مؤتمر صحافي، إن أحد رجال الشرطة في حالة حرجة، وهناك آخر حالته خطيرة، والثالث يتعافى من إصابات أقل خطورة بعد إطلاق النار، مساء أمس الجمعة.

وذكر سميث أن الأحداث بدأت نحو الساعة 10:15 مساء، عندما أبلغ رجل عن محاولة حبيب صديقته السابق اقتحام منزلها، وأنه ربما يحمل سلاحاً نارياً، مضيفاً أن المتصل أبلغ السلطات أنه أيضاً يحمل سلاحاً نارياً.

وأضاف سميث أن الشرطة استجابت، وعثرت على الصديق السابق بجانب المنزل، و«دون سابق إنذار، تم إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة»، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وأصيب شرطيان في ذلك الوقت، وأصيب المتصل بعدة رصاصات في تبادل إطلاق النار الذي أعقب ذلك، وتبادل المشتبه به والرجل الذي اتصل بالطوارئ إطلاق النار. ويخضع للعلاج الآن بالمستشفى وحالته خطيرة.

وفر المشتبه به. وأوضح سميث أنه عندما عثر شرطي آخر على المشتبه به بعد بضعة مربعات سكنية، أطلق المشتبه به عليه النار، وبادله الشرطي وآخرون إطلاق النار ليردوه قتيلاً.

وقال عمدة مدينة روتشستر، مالك إيفانز: «إن مثل هذه الحوادث هي كابوسنا الأكبر في هذا الوقت من العام».


معركة «تصفية حسابات» سياسية في واشنطن

هالي روبسون إحدى الناجيات من اعتداءات إبستين ترفع صورةً لها وهي أصغر سناً خلال مؤتمر صحافي حول قانون شفافية ملفات إبستين خارج مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن (د.ب.أ)
هالي روبسون إحدى الناجيات من اعتداءات إبستين ترفع صورةً لها وهي أصغر سناً خلال مؤتمر صحافي حول قانون شفافية ملفات إبستين خارج مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن (د.ب.أ)
TT

معركة «تصفية حسابات» سياسية في واشنطن

هالي روبسون إحدى الناجيات من اعتداءات إبستين ترفع صورةً لها وهي أصغر سناً خلال مؤتمر صحافي حول قانون شفافية ملفات إبستين خارج مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن (د.ب.أ)
هالي روبسون إحدى الناجيات من اعتداءات إبستين ترفع صورةً لها وهي أصغر سناً خلال مؤتمر صحافي حول قانون شفافية ملفات إبستين خارج مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن (د.ب.أ)

أعاد قرار وزارة العدل الأميركية نشر أكثر من مائة ألف صفحة من الوثائق المرتبطة بجيفري إبستين فتح واحد من أكثر الملفات حساسية وإثارة للجدل في السياسة الأميركية المعاصرة. فالإفراج الجزئي، الذي جاء قبيل مهلة قانونية فرضها «قانون الشفافية لملفات إبستين»، لم ينهِ الجدل بقدر ما فاقمه، وسط اتهامات بالتسييس، وانتقادات حادة من مشرعين من الحزبين، وخيبة أمل لدى الضحايا، وارتباك واضح داخل القاعدة اليمينية المتشددة المعروفة بـ«ماغا».

صورة تُظهر الرئيس السابق بيل كلينتون (وسط) رفقة إبستين (على اليمين) وغيسلين ماكسويل (الثانية يميناً) (أ.ف.ب)

من حيث الكم، بدت الخطوة غير مسبوقة: آلاف الصور، وسجلات الرحلات الجوية، وملفات تحقيق تعود إلى تسعينات القرن الماضي وحتى وفاة إبستين في السجن عام 2019. غير أن المضمون خيّب توقعات كثيرين، بحسب وسائل الإعلام الأميركية. فجزء معتبر من المواد كان منشوراً سابقاً عبر دعاوى مدنية وتحقيقات صحافية، بينما خضعت وثائق أخرى لحجب واسع النطاق، وصل في حالات إلى طمس كامل لمئات الصفحات، بما فيها ملفات لهيئات المحلفين.

وزارة العدل بررت ذلك بالحاجة إلى حماية هويات الضحايا، مؤكدة أنها عثرت على أكثر من 1200 اسم لضحايا أو أقاربهم خلال عملية المراجعة. نائب المدعي العام تود بلانش أقر صراحة بأن الإفراج «غير مكتمل»، متعهداً بدفعات إضافية خلال أسابيع، ومشيراً إلى أن مئات الآلاف من الصفحات الأخرى لا تزال قيد التدقيق.

صورة تجمع بين غيسلاين ماكسويل وجيفري إبستين خلال إعلان المدعي العام توجيه الاتهام إليها (أ.ف.ب)

غضب في الكونغرس

هذا التبرير لم يقنع رعاة التشريع أنفسهم. النائبان الجمهوري توماس ماسي والديمقراطي رو خانا، عدّا الوزارة «خرقت روح القانون»، الذي ينص صراحة على عدم جواز حجب الوثائق لأسباب تتعلق بالإحراج السياسي أو الحساسية. ولوح خانا بخيارات تصعيدية ضد ما وصفه بـ«عرقلة العدالة»، في حين ركّز ماسي على أن المهلة القانونية انتهت دون امتثال كامل.

صورة مركبة للأمير السابق أندرو وفيرجينيا جوفري (أ.ف.ب)

وعلق زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر بشكل حاد، عادّاً أن الإفراج الجزئي للوثائق يمثل انتهاكاً للقانون وغطاءً لتستر سياسي. وأضاف، في بيان، أن القانون الذي أقرّه الكونغرس والرئيس ترمب كان واضحاً تماماً: «يجب نشر جميع ملفات إبستين غير المصنَّفة بحلول الموعد النهائي، وليس مجرد جزء منها». وأكد أن عدم الامتثال لهذا المقتضى يعد خرقاً صريحاً للقانون.

هذا التمرد العابر للحزبين يعكس عمق أزمة الثقة بين الكونغرس ووزارة العدل، ويطرح احتمال جلسات استماع مشحونة أو حتى خطوات قانونية لإجبار الإدارة على الامتثال الكامل.

بالنسبة إلى ضحايا إبستين ومحاميهم، لم يكن الإفراج مناسبة للاحتفاء. فهؤلاء يطالبون منذ سنوات بالكشف عن كيفية فشل السلطات في التعامل مع الشكاوى المبكرة، وعن تفاصيل الصفقات القانونية التي سمحت لإبستين بالإفلات من عقاب رادع عام 2008.

الإفراج الحالي أكد ما يعرفه الضحايا أصلاً؛ أن شكاوى قُدّمت منذ 1996 لم تُتابَع بجدية، وأن النظام أخفق مراراً. لكنه لم يقدم إجابات حاسمة حول المسؤوليات المؤسسية أو السياسية، ما يعزز الشعور بأن العدالة ما زالت منقوصة.

كلينتون في الواجهة وترمب في الظل

سياسياً، بدا واضحاً أن التركيز البصري والإعلامي انصب على صور الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي ظهر مراراً في المواد المنشورة، في مقابل حضور محدود لاسم الرئيس ترمب، رغم اعتراف مسؤولين بأن اسمه ورد عدة مرات في الملفات التي لم تُنشر بعد.

إدارة ترمب، بحسب منتقديها، حاولت استثمار الصور لإعادة توجيه الأنظار نحو خصم ديمقراطي بارز، بينما اتهم معسكر كلينتون البيت الأبيض بـ«استخدام صور قديمة ومجتزأة للتغطية على ما سيأتي لاحقاً».

هذا التباين غذّى الاتهامات بالتسييس الانتقائي للإفراج، خصوصاً أن ترمب كان قد قاوم طويلاً نشر الملفات قبل أن يغيّر موقفه ويوقع القانون تحت ضغط الكونغرس.

زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك) يتحدث خلال مؤتمر صحافي في مبنى الكابيتول الأميركي (أ.ف.ب)

«ماغا» مرتبكة

ربما كانت المفارقة الأبرز هي رد فعل قاعدة «ماغا» (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى). فهذه القاعدة لطالما رأت في ملفات إبستين دليلاً محتملاً على «مؤامرة نخب ديمقراطية». لكن مع صدور الدفعة الأولى دون «اكتشافات كبرى»، خيّم الصمت أو الفتور. غياب ما يؤكد السرديات المؤامراتية، إلى جانب صمت ترمب نفسه عن التعليق، تركا أنصاره في حالة ارتباك: هل الوثائق مخيبة فعلاً، أو أن «الحقيقة» ما زالت محجوبة؟ هذا السؤال قد يظل يغذي الشكوك، حتى مع أي إفراجات مستقبلية.

على المدى القريب، يُرجَّح أن تواجه وزارة العدل ضغطاً متزايداً للإسراع في الإفراج الكامل، مع تدقيق أشد في معايير الحجب. وقد يتحول الملف إلى عبء سياسي إضافي على إدارة ترمب، خصوصاً إذا كشفت الدفعات المقبلة عن إشارات أكثر وضوحاً إلى شخصيات نافذة من الحزبين.

أما على المدى الأبعد، فيعيد الملف طرح أسئلة أعمق حول شفافية العدالة الأميركية، وحدود حماية الضحايا مقابل حق الرأي العام في المعرفة، وخطورة تسييس الوثائق القضائية. في المحصلة، لم تُغلق «ملفات إبستين» الجرح المفتوح، بل كشفت عن أن معركة الحقيقة القانونية والسياسية والأخلاقية، لا تزال في بدايتها.


ماراثون ميامي على مسارين لإنهاء حرب أوكرانيا

دميترييف (وسط) ويتكوف (يمين) وكوشنر (رويترز)
دميترييف (وسط) ويتكوف (يمين) وكوشنر (رويترز)
TT

ماراثون ميامي على مسارين لإنهاء حرب أوكرانيا

دميترييف (وسط) ويتكوف (يمين) وكوشنر (رويترز)
دميترييف (وسط) ويتكوف (يمين) وكوشنر (رويترز)

تتجه الأنظار إلى ميامي، لا بوصفها مدينة ساحلية أميركية فحسب، بل بوصفها مسرحاً دبلوماسياً لمحاولة جديدة قد تكون الأكثر حساسية منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ففي الوقت الذي يلتقي فيه مسؤولون أميركيون مع وفدين منفصلين من روسيا وأوكرانيا، وبمشاركة أوروبية غير مسبوقة، يستضيف مبعوث الرئيس الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وصهر الرئيس جاريد كوشنر، في ميامي، كبير المفاوضين الأوكرانيين رستم عمروف، وممثلين لبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي محاطاً بقادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين في برلين يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

يعود السؤال المركزي إلى الواجهة: هل ما زال بالإمكان التوصل إلى تسوية سياسية، أم أن هذه المفاوضات ليست سوى محطة إضافية في إدارة حرب طويلة الأمد؟ شهد يوم الجمعة انطلاق جولة مشاورات موسعة ضمت مسؤولين أميركيين وأوكرانيين وأوروبيين، استمرت حتى السبت، بالتزامن مع قنوات اتصال مفتوحة بين واشنطن وموسكو. يقود الفريق الأميركي المفاوض ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، وهما رجلان يمثلان الثقة الشخصية المطلقة لترمب، بعيداً عن البروتوكولات التقليدية لوزارة الخارجية. وفي المقابل، يبرز كيريل دميترييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كطرف روسي مفوض، عبّر عن تفاؤله الحذر بنشره مقطع فيديو من ميامي تحت تعليق: «النور يشع من بين غيوم العاصفة».

ورغم هذه الأجواء، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الطريق لا يزال طويلاً، واصفاً القضايا العالقة بأنها «الأصعب»، ومشيداً في الوقت ذاته بروح «بنّاءة» لدى الوفد الأوكراني بقيادة رستم عمروف.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطابه السنوي مع نهاية العام في موسكو (أ.ف.ب)

غير أن جولة ميامي تأتي في سياق دولي مختلف نسبياً عن الجولات السابقة. الولايات المتحدة، تبدو أكثر استعجالاً لإنتاج «صفقة» تنهي الحرب، أو على الأقل تجمّدها. هذا الاستعجال عبّر عنه ترمب علناً حين حضّ كييف على «التحرك سريعاً»، محذّراً من أن إطالة أمد التفاوض تمنح موسكو فرصة لتغيير مواقفها أو تحسين شروطها على الأرض.

في المقابل، تحضر موسكو إلى هذه المباحثات وهي في موقع عسكري أكثر راحة، وفق ما عكسه خطاب الرئيس فلاديمير بوتين الاخير، الذي يؤكد أن «المبادرة الاستراتيجية» باتت بيد القوات الروسية، وأن أهداف الحرب «لم تتغير». هذا التباين بين منطق الصفقة السريعة في واشنطن ومنطق النفس الطويل في موسكو يشكل الخلفية الحقيقية لمحادثات ميامي.

قال الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، السبت، ‌إن أي ‌انتخابات ‌في أوكرانيا ⁠لا ​يمكن ‌أن تُجرى في المناطق التي تحتلها روسيا ⁠في البلاد، ولا ‌يمكن ‍إجراء عملية التصويت قبل ضمان الأمن. وأضاف أن وزير الخارجية ​الأوكراني بدأ إجراءات أولية ⁠في البنية التحتية اللازمة لتمكين الأوكرانيين المقيمين في الخارج من التصويت.

غياب الطاولة الجامعة

أحد أبرز ملامح هذه الجولة هو غياب أي اجتماع ثلاثي مباشر يجمع الأميركيين والروس والأوكرانيين على طاولة واحدة. فالمحادثات تجري عبر مسارين متوازيين: مسار أميركي - أوكراني - أوروبي، ومسار أميركي - روسي. هذا الترتيب يعكس حجم انعدام الثقة، لكنه في الوقت نفسه يحدّ من فرص تحقيق اختراق سريع، إذ إن كل طرف يسمع قراءة أميركية لمواقف الطرف الآخر، لا الموقف مباشرة. كما أن المشاركة الأوروبية المباشرة تمثل عنصراً جديداً مقارنة بالجولات السابقة، في إشارة إلى رغبة العواصم الأوروبية في استعادة دورها في تقرير مصير أكبر حرب تشهدها القارة منذ ثمانية عقود، خصوصاً في ظل شعورها بالتهميش في قنوات التواصل الأميركية - الروسية.

تسوية غير مكتملة

رغم التكتم على التفاصيل النهائية للخطة الأميركية المعدلة، فإن الخطوط العريضة باتت معروفة. فهي تقوم على معادلة شديدة الحساسية: تنازلات أوكرانية محدودة على صعيد الأراضي، في مقابل ضمانات أمنية غربية «قوية جداً». وقد ألمح مسؤولون أميركيون إلى ضمانات تشبه، من حيث المبدأ، المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، وإن جاءت خارج إطار الناتو الرسمي.

الرئيس الأوكراني مع كوشنر وويتكوف في برلين 15 ديسمبر 2025 (رويترز)

لكن هذه المعادلة تصطدم بعقبتين أساسيتين: الأولى، الرفض الروسي القاطع لأي وجود عسكري غربي على الأراضي الأوكرانية أو لأي صيغة تُفسَّر كالتزام دفاعي ملزم. والأخرى، الحساسية السياسية والدستورية داخل أوكرانيا نفسها، حيث يرفض الشارع الأوكراني بغالبية ساحقة التخلي عن أراضٍ بالقوة، ويخشى الرئيس فلوديمير زيلينسكي من أن أي تنازل غير محاط بضمانات صلبة قد يفتح الباب أمام اضطرابات داخلية خطيرة.

يكرر الرئيس الروسي أن أي سلام حقيقي يجب أن يعالج «الأسباب الجذرية» للنزاع، وهي عبارة تختصر عملياً ثلاثة مطالب: الاعتراف بالمكاسب الإقليمية الروسية، وتحييد أوكرانيا استراتيجياً، ومنع توسع الناتو شرقاً. ورغم إشارات روسية إلى «مرونة تكتيكية»، مثل التخلي عن المطالبة الكاملة بكل الأراضي التي أعلنت موسكو ضمها، فإن جوهر الموقف الروسي لم يتغير. من هذا المنظور، تبدو موسكو معنية بالمفاوضات ليس بالضرورة لإنهاء الحرب سريعاً، بل لاختبار مدى استعداد واشنطن وكييف لتقديم تنازلات أكبر، مستفيدةً من تقدمها الميداني ومن إرهاق الغرب سياسياً ومالياً.

أوروبا تعزز موقع كييف

في هذا السياق، لا يمكن فصل مفاوضات ميامي عن القرار الأوروبي الأخير بتقديم قرض ضخم لأوكرانيا بقيمة 105 مليارات دولار، يغطي جزءاً كبيراً من احتياجاتها المالية للعامين المقبلين. هذا القرار لا يمنح كييف فقط متنفساً اقتصادياً، بل يعزز موقعها التفاوضي، ويفوّت على موسكو ورقة الضغط القائلة إن أوكرانيا على وشك الانهيار المالي.

لكن في المقابل، يسلط هذا التطور الضوء على تراجع الدور الأميركي في تمويل الحرب، مما يزيد من رغبة إدارة ترمب في الوصول إلى مخرج سياسي يقلل من الأعباء الأميركية، حتى لو لم يلبِّ بالكامل تطلعات الحلفاء الأوروبيين.

الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي خلال لقائه رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتينيغرو في كييف (إ.ب.أ)

تثير تركيبة الفريق الأميركي المفاوض تساؤلات إضافية. وحسب تقرير في صحيفة «وول ستريت جورنال» المحسوبة على الجمهوريين، فإن تصدُّر شخصيات من عالم الأعمال، مثل ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، على حساب الدبلوماسية والمؤسسات التقليدية، يعكس أسلوب ترمب القائم على الصفقات والعلاقات الشخصية. غير أن هذا الأسلوب، الذي قد يفتح قنوات مباشرة مع الكرملين، يحمل في الوقت نفسه أخطار سوء التقدير في ملف بالغ التعقيد والحساسية بين قوتين نوويتين.

ويحذر دبلوماسيون سابقون من أن غياب القنوات المؤسسية، وتهميش الخبرات الاستخباراتية والدبلوماسية، قد يؤدي إلى اتفاقات هشة أو غامضة، سرعان ما تنهار عند أول اختبار ميداني.

جاريد كوشنر وستيف ويتكوف (رويترز)

في المحصلة، تبدو مفاوضات ميامي أقرب إلى اختبار نيات منها إلى محطة حاسمة للسلام. فالفجوة بين شروط بوتين وما يمكن لأوكرانيا تحمله لا تزال واسعة، فيما تسعى واشنطن إلى تسويق تقدم تدريجي دون ضمان اختراق فعلي. وعليه، فإن الرهان الحقيقي لا يكمن في توقيع اتفاق قريب، بل في معرفة ما إذا كانت هذه المفاوضات ستؤسس لمسار تفاوضي مستدام، أم أنها ستنتهي، كما سابقاتها، بإدارة الصراع بدل إنهائه. فهل تنجح «دبلوماسية رجال الأعمال» التي ينتهجها ترمب في إيجاد مخرج للصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية؟

ميدانياً، تواصل روسيا استهداف البنى التحتية الأوكرانية؛ فقد أدى إطلاق صاروخ باليستي، مساء الجمعة، إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة خمسة عشر قرب أوديسا، وفق ما أعلن الحاكم المحلي أوليغ كيبر. وأعلنت موسكو، السبت، سيطرتها على قريتين في منطقتَي سومي (شمال) ودونيتسك (شرق).

قال أوليكسي كوليبا، نائب رئيسة الوزراء ‌الأوكرانية، ‌إن ‌هجوماً ⁠روسياً ​استهدف، السبت، خزانات في ميناء بيفديني جنوب أوكرانيا، ⁠وذلك بعد ‌يوم ‍من هجوم صاروخي أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص هناك. وأضاف ​كوليبا على تطبيق «تلغرام» ⁠أن قوات موسكو تستهدف عمداً طرق الإمدادات المدنية في منطقة أوديسا. وقال ‌الرئيس الأوكراني، السبت، ‌إن الوضع في منطقة أوديسا ⁠الساحلية ‌الجنوبية «‍صعب» بعد ‍أن كثفت روسيا هجماتها ​في محاولة لمنع أوكرانيا ⁠من الوصول إلى البحر الأسود.

مواطن أوكراني يتفقد نتائج ضربة روسية في زابوريجيا جنوب شرقي أوكرانيا (إ.ب.أ)

بدوره أعلن جهاز الأمن الأوكراني، السبت، تدمير مقاتلتين روسيتين في مطار داخل شبه جزيرة القرم التي ضمَّتها روسيا. وقالت أوكرانيا إن طائراتها المسيَّرة هاجمت منصة ​نفط روسية تابعة لشركة «لوك أويل» في بحر قزوين وسفينة دورية عسكرية بالقرب من المنصة.

وتبعد المنطقة أكثر من 1800 كيلومتر عن الساحل الأوكراني. وقالت هيئة الأركان العامة إن سفينة أوتشوتنيك (الصياد) كانت تقوم بدورية قرب منصة لإنتاج النفط والغاز لدى قصفها.

هذا الهجوم، الذي قالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إنه ‌وقع الجمعة، ‌هو حلقة ‌في ⁠سلسلة ​من ‌الضربات التي استهدفت البنية التحتية الروسية لاستخراج النفط في بحر قزوين خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولكنه أول هجوم يعترف به الجيش الأوكراني رسمياً.

Your Premium trial has endedYour Premium trial has endedYour Premium trial has ended