أثار فوز «ميتا بلاتفورمز» و«تيك توك» في معركتهما القانونية ضد الرسوم الإشرافية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، بموجب قواعد قانون الخدمات الرقمية، تساؤلات بشأن قدرة الحكومات على تنظيم عمل المنصات في ضوء عقبات قانونية قد تعيق الإجراءات التنظيمية. ولكن في حين اعتبر خبراء أن الحكم «أحدث صدعاً» في جهود تنظيم عمل المنصات، فإنهم رجّحوا استمرار المعركة التشريعية بين الحكومات وشركات التكنولوجيا.
وكانت «ميتا» و«تيك توك» قد رفعتا دعوى قضائية ضد المفوضية الأوروبية، بعد رسوم إشرافية بنسبة 0.05 في المائة من صافي دخلهما السنوي العالمي فرضها الاتحاد الأوروبي لتغطية تكلفة مراقبة امتثالهما لقانون الخدمات الرقمية. وخلال الأسبوع الماضي انتقدت ثاني أعلى محكمة في أوروبا الجهات التنظيمية بشأن طريقة حساب هذه الرسوم، ومنحتها 12 شهراً لتعديل منهجيتها وفق أساس قانوني مختلف.
ويذكر أن قانون الخدمات الرقمية، الذي دخل حيز التنفيذ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، يُلزم المنصات بذل جهود إضافية لمعالجة المحتوى غير القانوني والضارّ على مواقعها، وإلا تتعرَّض لغرامات تصل إلى 6 في المائة من إجمالي مبيعاتها السنوية العالمية.
حول هذا الموضوع، عدت الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي في ليبيا، والباحثة في الإعلام الرقمي، الحكم «انتصاراً جزئياً لشركتي (ميتا) و(تيك توك) واعترافاً ضمنياً بالقوة الاقتصادية والإعلامية التي تتمتعان بها». وأردفت مي عبد الغني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكم «حلقة من حلقات صراع أزلي مع الحكومات التي ترى في هذه الشركات منافساً قوياً... ويتخذ هذا الصراع أشكالاً عدة منها السياسي والاقتصادي والتشريعي».
وتستبعد مي عبد الغني أن يتوقف الصراع عند هذا الحد، وترى أنه «سيمتد ليشمل جوانب أخرى من التشريعات الخاصة بتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي بسبب سعي الاتحاد الأوروبي الدؤوب لضبط السيطرة المتنامية لتلك الشركات على الجوانب الاقتصادية والإعلامية والتكنولوجية».
من جانبه، قال رامي الطراونة، مدير إدارة الإعلام الرقمي في «مركز الاتحاد للأخبار» بدولة الإمارات العربية المتحدة، لـ«الشرق الأوسط» إن آلية الطعن والفوز به «أحدثت صدعاً في جدران قوانين تنظيم عمل المنصات في أوروبا... وما فعلته (ميتا) و(تيك توك) يُعد ضربة بعد مناورة ذكية هزّت ما يمكن وصفه بحصن التشدد الأوروبي ضد عمالقة التقنية عموماً، ومنصات التواصل الاجتماعي خصوصاً».
وأردف الطراونة أن «(ميتا) و(تيك توك) لم تخوضا معركة ضد القانون نفسه... ذلك أن القانون وضع بهدف حماية المستخدمين عبر تعزيز الشفافية ومكافحة الأخبار المضللة وحماية البيانات وتمويل الرقابة عبر رسوم محددة. وبالتالي، فأي محاولة للطعن في القانون ذاته كانت ستُظهر الشركتين وكأنهما ضد جوهر القانون وروحه، مما سيضعهما في مواجهة خاسرة ضد المشرّعين والرأي العام على حد سواء». وتابع موضحاً: «أن الشركتين ناورتا في التفاصيل المالية والإجرائية فقط، وهو ما أكسبهما تأييد المحكمة الأوروبية التي أقرّت بأن الآلية لم تُقرّ بالمسار التشريعي الصحيح».
واستطرد الطراونة شارحاً أن «هذه المناورة لم تؤدِ إلى إسقاط القانون ولا الرسوم من حيث المبدأ، لكنها جعلت أوروبا مُجبرة الآن على إعادة صياغة القواعد الناظمة للمنصات بشكل قانوني أدق... وبالتالي، ما حدث كان حافزاً لشركات التكنولوجيا، وشكّل قناعة واضحة لديها بأن ما أكسبها هذه الجولة كفيل بأن يكسبها جولات إضافية». وتابع: «الحكم يعطي دفعة لشركات أخرى لتسير في المسار نفسه إذا شعرت أن القوانين ضدها، مما سيدفع الحكومات حول العالم للتأني أكثر في صياغة تشريعات محصنة قانونياً ضد الطعون».


