«قرص الشمس المتألق» يُضيء المتحف المصري بالتحرير

بعد ترميم جداريات أمنحتب الثالث بخبرات ألمانية وأميركية

تمثال مهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي في المتحف المصري (الشرق الأوسط)
تمثال مهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي في المتحف المصري (الشرق الأوسط)
TT

«قرص الشمس المتألق» يُضيء المتحف المصري بالتحرير

تمثال مهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي في المتحف المصري (الشرق الأوسط)
تمثال مهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي في المتحف المصري (الشرق الأوسط)

خلف التمثال الثنائي المهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي، يستقبل زائر المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً دائماً يضم جداريات وتماثيل من منشآت ومشاريع الملك، أبرزها جداريات قصره في «الملقطة» غرب الأقصر، التي عُثر عليها في أواخر القرن التاسع عشر، في تجربة تبرز جماليات الفن المصري القديم.

لا يكتفي المعرض بعرض الجداريات والتماثيل، بل يقدّم لمحات معرفية واسعة من قصة أمنحتب الثالث الذي لُقب بـ«قرص الشمس المتألق في جميع الأراضي»، وتولى الحكم في الفترة ما بين 1388 - 1351 قبل الميلاد، وهو أحد أبرز ملوك مصر القديمة بالأسرة الثامنة عشر، وأكثرهم تأثيراً في تاريخ الدولة الحديثة التي امتدت ما بين 1550 - 1070 ق.م.

ويستفيد المعرض من موقعه المفتوح في قلب المتحف المصري العريق، ليُقرّب الزائر من السياق التاريخي لعصر أمنحتب الثالث، فالجداريات الضخمة الملونة، التي نُقلت من جدران قصره الملكي، تحولت إلى نقطة جذب للسائحين والزُوار، يتوقفون أمامها لالتقاط الصور، وأبرزها لوحة ضخمة تمثل الجدار الشمالي لمعبد الملك في وادي السِبع بالنوبة (جنوب مصر) يظهر فيها وهو يقدّم القرابين للإله آمون رع في مشهد يرسّخ الطابع الديني الرسمي لعصره.

جانب من اللوحات الإرشادية لمشروع المعرض الدائم بالمتحف المصري (الشرق الأوسط)

ويصف المرشد المتحفي، محمد أشرف، عصر أمنحتب الثالث بأنه «من أزهى الفترات الثقافية والسياسية في مصر القديمة، حيث شهدت البلاد استقراراً داخلياً، وتأميناً للحدود، وازدهاراً إدارياً وعسكرياً، وقد انعكس هذا الازدهار على الفنون والعمارة التي تميزت بثراء وزخم كبيرين»، كما يقول في كلمته لـ«الشرق الأوسط».

كانت وزارة السياحة والآثار المصرية أعلنت الأسبوع الماضي أن هذه المجموعة التي يعود تاريخ اكتشافها للقرن التاسع عشر، تُعرض لأول مرة في مكان واحد بعد أعمال ترميم مطولة، أُنجزت بالتعاون مع جامعة ميونيخ الألمانية، وبتمويل من «مركز البحوث الأميركي» بالقاهرة. وخلال افتتاح المعرض، أشار الدكتور علي عبد الحليم، مدير عام المتحف المصري، إلى أن هذه الجداريات «تتميز بألوانها الزاهية وزخارفها غير التقليدية، إذ كانت تُزين جدران وأرضيات وسقوف القصر الملكي، مانحةً إياه قيمة استثنائية، بوصفه نموذجاً لفن العمارنة الذي أثّر لاحقاً في فنون عصر الملك إخناتون».

جدارية معروضة من معبد أمنحتب الثالث في وادي السبوع (الشرق الأوسط)

ويتوقف الزائر أمام تفاصيل صغيرة تنتمي لعصر أمنحتب الثالث، منها تمثال يُجسد رأس الملكة «تي»، زوجته، يعلو رأسها تاج يُصوّر حيّة الكوبرا التي تمثل رمزاً للحماية الملكية، وكذلك يبرز تمثال أمنحتب ابن حابو، وهو المهندس المعماري للملك أمنحتب الثالث، الذي قربه وكافأه ببناء تمثال له داخل معبد آمون رع بالكرنك (جنوب مصر) ليُرفع مكانه إلى مصاف الملوك، ويصوّره التمثال وهو يحمل لفافة بردي، بينما تعلو كتفه الأيسر محبرة للكتابة، في دلالة على تقدير لدور الكاتب والمعماري في البلاط الملكي.

جدارية ضخمة تظهر الملك أمنحتب الثالث وهو يقدم القرابين إلى آمون رع (الشرق الأوسط)

وحسب الدكتورة هبة نشأت، أستاذة الآثار بجامعة حلوان، تكمن أهمية هذا المعرض في أنه «يعكس ثمرة جهود بحثية طويلة امتدت لسنوات من العمل الميداني والترميم الدقيق، بين خبراء مصريين وألمان وأميركيين، وهو ما يبرز أهمية التعاون الدولي في حماية التراث»، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كما تمنح هذه التجربة بعداً إضافياً للمتحف المصري، إذ يُحوله من مجرد قاعة عرض إلى تجربة تجمع مزيجاً حياً بين التاريخ والبحث العلمي».

جانب من المعرض الدائم بعد ترميم اللوحات (المتحف المصري)

ولا تغيب التفاصيل الطبيعية والزخرفية عن المعرض، بما فيها من طيور وغزلان بريّة ونباتات منقوشة بدقة تحتفظ بألوانها الدافئة رغم مرور آلاف السنين عليها، كما تلفت الأنظار جدارية ضخمة تتجاوز 3 أمتار، يشير إليها المرشد المتحفي محمد أشرف، ويقول إنها «تُظهر في جزئها العلوي الملك أمنحتب الثالث وهو يقدم القرابين إلى آمون رع، بينما يضم جزؤها السفلي نصاً مطولاً يصف بتفاصيل دقيقة تجهيزات المعابد وعبادة آمون رع خلال عهده»، على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

«مقبرة الملك تحتمس الثاني» بالأقصر ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية لعام 2025

يوميات الشرق جدارية من عصر الملك تحتمس الثاني (المتحف المصري الكبير)

«مقبرة الملك تحتمس الثاني» بالأقصر ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية لعام 2025

جاءت مقبرة الملك تحتمس الثاني ضمن قائمة أهم 10 اكتشافات أثرية على مستوى العالم لعام 2025، وفقاً لما أعلنته مجلة الآثار الأميركية «Archaeology».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المعارض الأثرية المؤقتة بالخارج جذبت ملايين الزوار (وزارة السياحة والآثار)

العاصمة البريطانية تتأهب لاستقبال «رمسيس وذهب الفراعنة»

بدأت الاستعدادات في قاعة «Neon Battersea Power Station» بلندن، لاستقبال المعرض الأثري المصري المؤقت «رمسيس وذهب الفراعنة» المقرر افتتاحه في 28 فبراير المقبل.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)

أشعة الليزر تعيد الحياة لعمود ماركوس أوريليوس في روما

ظل عمود ماركوس أوريليوس في وسط روما القديمة قائماً متحدياً الزمن منذ تشييده منذ 1840 عاماً، غير أن العمر الطويل كانت له آثار سلبية على العمود المصنوع من الرخام.

«الشرق الأوسط» (روما)
ثقافة وفنون كؤوس فخارية من موقع مليحة في الشارقة

كؤوس فخارية من موقع مليحة في الشارقة

كشفت أعمال المسح والتنقيب المتواصلة منذ بضعة عقود في دولة الإمارات العربية المتحدة عن سلسلة من المواقع الأثرية، من أبرزها مستوطنة مليحة.

محمود الزيباوي
يوميات الشرق اكتشافات أثرية جديدة في دادان تسدّ الفجوة الزمنية بين الفترتين النبطية والإسلامية في وادي القرى بالعُلا (واس)

اكتشافات أثرية جديدة في وادي القرى بالعُلا

وثق بحث علمي محكّم جديد نشره فريق مشترك من الهيئة الملكية لمحافظة العُلا والمركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية اكتشافات أثرية في وادي القرى بـالعلا.

«الشرق الأوسط» (العلا)

14 طريقة لخفض سكر الدم دون أدوية

شخص يُجري فحصاً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كولومبيا البريطانية)
شخص يُجري فحصاً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كولومبيا البريطانية)
TT

14 طريقة لخفض سكر الدم دون أدوية

شخص يُجري فحصاً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كولومبيا البريطانية)
شخص يُجري فحصاً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كولومبيا البريطانية)

يُعد خفض سكر الدم والحفاظ عليه ضمن المستويات الطبيعية أمراً بالغ الأهمية للصحة العامة، إذ يسهم في تحسين الطاقة والمزاج والقدرة على التركيز، ويقلل من مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة خطيرة مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، وتلف الكلى، ومشكلات البصر.

وتشمل الطرق الطبيعية لخفض مستويات السكر في الدم، دون اللجوء إلى الأدوية، إدخال تعديلات بسيطة على نمط الحياة، مثل المشي بعد الوجبات وزيادة استهلاك الألياف، بحسب موقع «هيلث» الطبي.

وفيما يلي 14 طريقة مدعومة بنتائج الأبحاث لتنظيم سكر الدم بشكل طبيعي:

1- تناول الكربوهيدرات في نهاية الوجبة

تشير أبحاث إلى أن تناول الكربوهيدرات بعد الخضراوات يخفف ارتفاع سكر الدم بعد الأكل، ويوصي الباحثون بترتيب تناول الطعام كالتالي: أطعمة غنية بالماء والألياف (مثل الخضراوات)، ثم البروتين، ثم الدهون والزيوت، يليها الكربوهيدرات المعقدة بطيئة الهضم، وأخيراً السكريات أو الكربوهيدرات البسيطة.

2- زيادة الألياف القابلة للذوبان

تساعد هذه الألياف على إبطاء الهضم وتقليل الارتفاع المفاجئ للسكر، وتوجد في التفاح، والأفوكادو، والفاصوليا، والبذور.

3-اختيار الحبوب الكاملة بدلاً من المكررة

يسهم تناول الحبوب الكاملة في تحسين مستويات الغلوكوز وتقليل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وتشمل أبرز أصناف الحبوب الكاملة: الشعير، والأرز البني، والحنطة السوداء، والشوفان، والكينوا.

4-المشي بعد الوجبات

يساعد المشي بعد الأكل الجسم على استخدام السكر بوصفه مصدراً للطاقة، مما يؤدي إلى خفض مستوياته في الدم، وحتى الوقوف قد يكون مفيداً.

5-ممارسة تمارين المقاومة

أظهرت دراسات أن تمارين القوة قبل أو بعد الوجبات تقلل من ارتفاع سكر الدم، خصوصاً لدى المصابين بمقدمات السكري.

6-الإكثار من البقوليات

تتميز البقوليات (الفاصوليا، والعدس، والبازلاء، والحمص) بمزيج فريد من البروتين والكربوهيدرات الغنية بالألياف، ما يساعد على تحسين ضبط السكر على المديين القصير والطويل.

7-تناول إفطار غني بالبروتين

يساعد الإفطار الغني بالبروتين على تقليل الارتفاعات المفاجئة في سكر الدم خلال اليوم مقارنة بالإفطار منخفض البروتين.

8-الإكثار من الأفوكادو

يحتوي الأفوكادو على دهون صحية وفيتامينات ومعادن ومضادات أكسدة وألياف. وقد ثبت أن إدخاله ضمن الوجبات يساعد على تنظيم سكر الدم.

9-الإكثار من الأطعمة المخمرة

تشمل الأطعمة المخمرة الكفير، والكومبوتشا، والملفوف المخمر، والتمبيه، والناتو، والميسو، والكيمتشي، وخبز العجين المخمر.

10-تقليل السكريات المضافة

السكريات المضافة تُمتص بسرعة، وتسبب ارتفاعاً حاداً في سكر الدم. ويوصي خبراء القلب بألا يتجاوز الاستهلاك اليومي 25 غراماً للنساء و36 غراماً للرجال، للحد من مخاطر السكري وأمراض القلب والخرف والسمنة.

11-تناول خل التفاح

قد يساعد خل التفاح عند تناوله يومياً على تحسين التحكم في سكر الدم والدهون لدى المصابين بالسكري.

12-الحصول على ما يكفي من فيتامين «د»

نقص فيتامين «د» قد يؤثر سلباً في تنظيم السكر. وأظهرت مراجعة علمية أن مكملات فيتامين «د» حسّنت ضبط السكر، وخفّضت مستويات السكر التراكمي لدى المصابين بالسكري من النوع الثاني.

13-تجربة الصيام المتقطع

أظهرت دراسات أن الصيام المتقطع يحسّن النتائج الصحية لدى الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع سكر الدم والكولسترول.

14-الحفاظ على الترطيب

يرتبط شرب كميات كافية من الماء بانخفاض خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني وتحسين المؤشرات الصحية العامة. كما أن شرب الماء قبل الوجبات قد يساعد على تقليل السعرات الحرارية وخفض الوزن ومحيط الخصر، ومستويات الدهون الضارة.


السودان: نزوح من كادوقلي جراء تصاعد العمليات العسكرية

جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)
جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)
TT

السودان: نزوح من كادوقلي جراء تصاعد العمليات العسكرية

جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)
جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)

نزحت عشرات العائلات السودانية من مدن كادوقلي والدلنج في ولاية جنوب كردفان، مع استمرار تمدد «قوات الدعم السريع» وحلفيتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في البلدات المجاورة للمدينة التي انسحب منها الجيش السوداني.

وشهدت جبهات القتال في إقليم كردفان الكبرى هدوءاً نسبياً، الأسبوع الماضي، ما عدا عمليات قصف مدفعي وهجمات للطيران المسّير التابع لـ«الدعم السريع» على مواقع داخل كادوقلي.

وأفاد سكان في المدينة بأن تصاعد المواجهات العسكرية في عاصمة الولاية كادوقلي أدى إلى فرار أعداد كبيرة من المدنيين إلى المناطق الآمنة في الأيام القليلة الماضية. وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»، إن تدهور الأوضاع الإنسانية زاد من وتيرة موجات النزوح بصورة لافتة، جراء توقف تدفق الإمدادات الغذائية والصحية، بسبب الحصار المفروض على المدينة. وتابعت المصادر أن المنظمات الإنسانية في كادوقلي شرعت فعلياً في إجلاء طواقهما العاملة هناك بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، عقب استهداف مقر بعثة الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أسفر عن مقتل وجرح العشرات من قوات حفظ السلام (يونيسفا).

لقطة من فيديو نشرته «قوات الدعم السريع» في 23 أبريل 2023 أثناء عبورهم أحد شوارع منطقة شرق النيل في الخرطوم الكبرى (أ.ف.ب)

وتجدد القتال بضراوة في مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية بعد انضمام «الحركة الشعبية» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، إلى جانب «قوات الدعم السريع»، وفصائل عسكرية أخرى في «تحالف السودان التأسيسي» (تأسيس).

ومطلع الأسبوع الحالي سيطرت «قوات تأسيس» على بلدة برنو، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة كادوقلي، وبدأت تتوغل في المناطق الجبلية المحيطة بها.

من جهة ثانية، أفادت مصادر عسكرية بأن الجيش السوداني شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على مواقع عدة لتمركزات «قوات الدعم السريع» حول مدينتي كادوقلي والدلنج، في محاولة لإيقاف تقدمها في الولاية.

وكانت منصات «الدعم السريع» قد تحدثت في الأيام الماضية عن تحشيد كبير لقواتها في مناطق بالقرب من كادوقلي بهدف تكثيف الضغط على الجيش والقوات المتحالِفة معه، وتعزيز مواقعها للارتكاز في مناطق استراتيجية بهدف تمهيد الطريق لمهاجمة المدينة.

وأدى الحصار الخانق على حاضرة جنوب كردفان إلى خلق أزمة إنسانية كبيرة جراء النُّدرة الكبيرة في السلع الغذائية والدوائية.

ويستمر، منذ أشهر، خروج الرجال والنساء والأطفال من المدينة المحاصَرة، إلى مناطق تقع بالقرب من معقل سيطرة قوات «الحركة الشعبية» في مدينة كاودا في منطقة جبال النوبة.

وتسيطر «قوات تأسيس» فعلياً على كل المناطق حول مدن جنوب كردفان، وفي الوقت نفسه تفرض رقابة مشددة على حركة التجارة، وتقطع طرق وخطوط الإمداد للجيش السوداني والفصائل المسلحة المتحالفة معه، المحاصرة داخل كادوقلي.

وفي وقت سابق سيطرت «الحركة الشعبية» على مناطق الكرقل والدشول، الواقعة على الطريق الرئيسي المؤدي إلى الدلنج، ثاني أكبر مدن الولاية، التي تعاني من أوضاع مماثلة لما تشهده عاصمة الولاية. ويتهم تحالف «تأسيس» الجيش السوداني والقوات المتحالفة، بعدم السماح للمدنيين بالمغادرة واستخدامهم دروعاً بشرية، على غرار ما حدث في الفاشر.

وحسب المصادر ذاتها، إن «قوات تأسيس» تُرابط على امتداد الطرق لتأمين خروج المدنيين المرضى وكبار السن من كادوقلي الفاشر إلى كل الجهات الآمنة نسبياً، مقارنة بالأوضاع في المدينة.

وذكرت وكالات الإغاثة العاملة في المنطقة أن مئات الأسر الفارّة بسبب القصف المدفعي والمسّيرات في كادوقلي تتجه إلى المناطق الآمنة حولها، لكنها بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة.


قوى المعارضة الجزائرية تقرر العودة للمنافسة الانتخابية

جانب من مظاهرات الحراك الشعبي عام 2019 (أرشيفية)
جانب من مظاهرات الحراك الشعبي عام 2019 (أرشيفية)
TT

قوى المعارضة الجزائرية تقرر العودة للمنافسة الانتخابية

جانب من مظاهرات الحراك الشعبي عام 2019 (أرشيفية)
جانب من مظاهرات الحراك الشعبي عام 2019 (أرشيفية)

تستعدّ قوى المعارضة الجزائرية للعودة إلى المشاركة في المنافسة الانتخابية، في تحوّل لافت عن سياسة المقاطعة والابتعاد التي وًسَمت انتخابات عام 2021 في ظل الحراك الشعبي المعارض آنذاك. ومع اقتراب الاستحقاقات التشريعية والبلدية المرتقبة قبل نهاية عام 2026، أعلنت تشكيلات سياسية عدة عن قرارها رسمياً بالانخراط في السباق، مُنهية بذلك فترة طويلة من الغياب والترقب السياسي.

وفي سياق التحضيرات للانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة، كان آخر حزب أعلن مشاركته هو «جيل جديد»، حيث قررت هيئاته القيادية في اجتماعها يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي المشاركة بشكل «مبدئي» في الاستحقاقات المقبلة. وبرّر الحزب قراره بالاعتقاد أن «العمل السياسي السلمي والمنظم يظل أداة أساسية للتغيير الديمقراطي وبناء دولة القانون»، وفق بيان صادر عنه. كما قدّم تشخيصاً حاداً للوضع الوطني، مشيراً إلى «أزمة ثقة مستمرة بين المواطنين والمؤسسات»، إلى جانب «بطء الإصلاحات الهيكلية وتضييق الفضاءين السياسي والإعلامي».

رئيس حزب «جيل جديد» لخضر أمقران (إعلام حزبي)

وأكد الحزب، الذي تسلم قيادته حديثاً الطبيب لخضر أمقران خلفاً لسفيان جيلالي، أن الدولة شهدت بعض الجوانب الإيجابية المتعلقة باستقرارها، مشدداً على ضرورة إطلاق «حوار وطني شامل» بوصفه السبيل الوحيد لإعادة تأسيس الدولة واسترجاع شرعية المؤسسات.

مشاركة مشروطة

ومع ذلك، تبقى المشاركة في الانتخابات مشروطة بمطالب عدة، وفقه، أبرزها «فتح حقيقي للمجال السياسي، واحترام الحريات العامة، والإفراج عن معتقلي الرأي، وحياد الإدارة، ومراجعة قانون الانتخابات، وتعزيز صلاحيات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات».

يذكر أن الرئيس عبد المجيد تبون صرّح في مارس (آذار) الماضي بأنه ملتزم إطلاق «حوار وطني شامل مع نهاية عام 2025 أو بداية عام 2026»، مؤكداً أن هذا الموعد يتيح فرصة لمعالجة المشكلات الموروثة وسدّ الثغرات قبل الانطلاق في النقاش السياسي الواسع، دون تحديد القضايا التي سيناقشها الحوار المرتقب.

رئيس حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» عثمان معزوز (إعلام حزبي)

وفي خطوة وُصفت بـ«المفاجأة السياسية»، قرر «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، الذي يمثل المعارضة الراديكالية، إنهاء سياسة المقاطعة التاريخية، معلناً دخول المعركة الانتخابية. وعدّ رئيس الحزب، عثمان معزوز، خلال اجتماع لـ«المجلس الوطني» للحزب، أن العودة إلى المسار الانتخابي تمثل «مسؤولية تاريخية»، مؤكداً أن قوى المعارضة «لا يمكنها الاكتفاء بالانسحاب الذي قد يترك المجال مفتوحاً أمام التعسف، بل وجب إيصال صوت التغيير إلى مراكز القرار حتى داخل الفضاءات» التي وصفت بأنها «غير مكتملة ومغلقة». وبالنسبة إلى الحزب، فإن الانخراط المؤسساتي لا يعني الصمت، «بل هو استثمار في الميدان لنقل الصراع الديمقراطي إلى الداخل والدفاع عن سيادة المواطن»، محذراً في الوقت ذاته من مخاطر التلاشي السياسي والاستسلام الجماعي.

وعلى غرار «جيل جديد»، ربطت قوى المعارضة مشاركتها بـ«ضمانات» واشتراطات، على رأسها «الفتح الفعلي للمجالين السياسي والإعلامي»، وإطلاق إجراءات تهدئة تشمل الإفراج عن معتقلي الرأي، مع التشديد على ضرورة حياد الإدارة ووقف التدخلات الأمنية في المسار الانتخابي لضمان شفافية الاقتراع.

الأمينة العامة لـ«حزب العمال» لويزة حنون (إعلام حزبي)

تعهدات رئاسية

وتتقاطع هذه التحركات مع تعهدات الرئيس تبون بإطلاق حوار وطني شامل مع نهاية عام 2025 أو بداية عام 2026، وهو الموعد الذي يراه الرئيس فرصة لمعالجة المشكلات الموروثة، وسد الثغرات، قبل الانطلاق في النقاش السياسي الواسع، وفق تصريحات له بهذا الشأن أطلقها في مارس الماضي، بينما تعتزم المعارضة تحويل المجالس المنتخبة المقبلة إلى «منابر للمقاومة الديمقراطية وكشف تجاوزات النظام».

وبهذا التحول، يلتحق حزبا «جيل جديد» و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» بكل من «جبهة القوى الاشتراكية» المعروف اختصاراً بـ«أفافاس»، و«حزب العمال»، اللذين كانا قد استبقا الجميع بإعلان نية العودة إلى صناديق الاقتراع. وقد رسم «أفافاس» موقفه رسمياً خلال دورة «مجلسه الوطني» مطلع الشهر الماضي، واصفاً هذا الخيار بأنه «قرار قناعة ومسؤولية يقع في قلب استراتيجيتنا النضالية».

السكرتير الأول لـ«جبهة القوى الاشتراكية» يوسف أوشيش (إعلام حزبي)

وبالنسبة إلى أقدم حزب معارض في البلاد، فإن الغاية من المشاركة تبدو واضحة في أبعادها، وهي «إعادة الاعتبار للعمل السياسي الجاد، وترميم جسور الثقة المنهارة بين المواطن والمؤسسات»، وصولاً إلى «إفراز مجالس منتخبة تملك صلاحيات فعلية لممارسة الرقابة على السلطة». ومع ذلك، فإن قرار «القوى الاشتراكية» لم يخرج عن قاعدة «المشاركة المشروطة» التي تبنتها بقية أطياف المعارضة؛ إذ رهن الحزب نجاح هذا المسار بتوفر «قواعد لعب عادلة، ومراجعة جذرية لقانون الانتخابات، وتقديم ضمانات سياسية ملموسة تكون كفيلة بكسر حاجز العزوف الشعبي ومواجهة مناخ انعدام الثقة السائد».

وتأتي هذه الديناميكية الجماعية لعودة المعارضة إلى المسار الانتخابي في توقيت سياسي بالغ التعقيد؛ حيث تتقاطع طموحات التغيير من الداخل مع مخاوف قديمة من التزوير أو إعادة إنتاج الممارسات السابقة. ويصطدم هذا الرهان، في تقدير مراقبين، بواقع اقتصادي - اجتماعي ضاغط، يجعل من مهمة تعبئة الشارع وإقناع المواطن بجدوى الصندوق تحدياً مصيرياً أمام أحزاب تجد نفسها اليوم في اختبار صعب: إما إثبات قدرتها على التأثير من داخل المؤسسات، وإما المجازفة بالتلاشي في ظل مناخ سياسي لا يزال يفتقر إلى كثير من مقومات الانفتاح.

Cannot connect to https://api-fallback.languagetool.org/v2/check—please check your internet connection or try again in a minute (#1, code=0)