خلف التمثال الثنائي المهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي، يستقبل زائر المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً دائماً يضم جداريات وتماثيل من منشآت ومشاريع الملك، أبرزها جداريات قصره في «الملقطة» غرب الأقصر، التي عُثر عليها في أواخر القرن التاسع عشر، في تجربة تبرز جماليات الفن المصري القديم.
لا يكتفي المعرض بعرض الجداريات والتماثيل، بل يقدّم لمحات معرفية واسعة من قصة أمنحتب الثالث الذي لُقب بـ«قرص الشمس المتألق في جميع الأراضي»، وتولى الحكم في الفترة ما بين 1388 - 1351 قبل الميلاد، وهو أحد أبرز ملوك مصر القديمة بالأسرة الثامنة عشر، وأكثرهم تأثيراً في تاريخ الدولة الحديثة التي امتدت ما بين 1550 - 1070 ق.م.
ويستفيد المعرض من موقعه المفتوح في قلب المتحف المصري العريق، ليُقرّب الزائر من السياق التاريخي لعصر أمنحتب الثالث، فالجداريات الضخمة الملونة، التي نُقلت من جدران قصره الملكي، تحولت إلى نقطة جذب للسائحين والزُوار، يتوقفون أمامها لالتقاط الصور، وأبرزها لوحة ضخمة تمثل الجدار الشمالي لمعبد الملك في وادي السِبع بالنوبة (جنوب مصر) يظهر فيها وهو يقدّم القرابين للإله آمون رع في مشهد يرسّخ الطابع الديني الرسمي لعصره.

ويصف المرشد المتحفي، محمد أشرف، عصر أمنحتب الثالث بأنه «من أزهى الفترات الثقافية والسياسية في مصر القديمة، حيث شهدت البلاد استقراراً داخلياً، وتأميناً للحدود، وازدهاراً إدارياً وعسكرياً، وقد انعكس هذا الازدهار على الفنون والعمارة التي تميزت بثراء وزخم كبيرين»، كما يقول في كلمته لـ«الشرق الأوسط».
كانت وزارة السياحة والآثار المصرية أعلنت الأسبوع الماضي أن هذه المجموعة التي يعود تاريخ اكتشافها للقرن التاسع عشر، تُعرض لأول مرة في مكان واحد بعد أعمال ترميم مطولة، أُنجزت بالتعاون مع جامعة ميونيخ الألمانية، وبتمويل من «مركز البحوث الأميركي» بالقاهرة. وخلال افتتاح المعرض، أشار الدكتور علي عبد الحليم، مدير عام المتحف المصري، إلى أن هذه الجداريات «تتميز بألوانها الزاهية وزخارفها غير التقليدية، إذ كانت تُزين جدران وأرضيات وسقوف القصر الملكي، مانحةً إياه قيمة استثنائية، بوصفه نموذجاً لفن العمارنة الذي أثّر لاحقاً في فنون عصر الملك إخناتون».

ويتوقف الزائر أمام تفاصيل صغيرة تنتمي لعصر أمنحتب الثالث، منها تمثال يُجسد رأس الملكة «تي»، زوجته، يعلو رأسها تاج يُصوّر حيّة الكوبرا التي تمثل رمزاً للحماية الملكية، وكذلك يبرز تمثال أمنحتب ابن حابو، وهو المهندس المعماري للملك أمنحتب الثالث، الذي قربه وكافأه ببناء تمثال له داخل معبد آمون رع بالكرنك (جنوب مصر) ليُرفع مكانه إلى مصاف الملوك، ويصوّره التمثال وهو يحمل لفافة بردي، بينما تعلو كتفه الأيسر محبرة للكتابة، في دلالة على تقدير لدور الكاتب والمعماري في البلاط الملكي.

وحسب الدكتورة هبة نشأت، أستاذة الآثار بجامعة حلوان، تكمن أهمية هذا المعرض في أنه «يعكس ثمرة جهود بحثية طويلة امتدت لسنوات من العمل الميداني والترميم الدقيق، بين خبراء مصريين وألمان وأميركيين، وهو ما يبرز أهمية التعاون الدولي في حماية التراث»، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كما تمنح هذه التجربة بعداً إضافياً للمتحف المصري، إذ يُحوله من مجرد قاعة عرض إلى تجربة تجمع مزيجاً حياً بين التاريخ والبحث العلمي».

ولا تغيب التفاصيل الطبيعية والزخرفية عن المعرض، بما فيها من طيور وغزلان بريّة ونباتات منقوشة بدقة تحتفظ بألوانها الدافئة رغم مرور آلاف السنين عليها، كما تلفت الأنظار جدارية ضخمة تتجاوز 3 أمتار، يشير إليها المرشد المتحفي محمد أشرف، ويقول إنها «تُظهر في جزئها العلوي الملك أمنحتب الثالث وهو يقدم القرابين إلى آمون رع، بينما يضم جزؤها السفلي نصاً مطولاً يصف بتفاصيل دقيقة تجهيزات المعابد وعبادة آمون رع خلال عهده»، على حد تعبيره.
