«قرص الشمس المتألق» يُضيء المتحف المصري بالتحرير

بعد ترميم جداريات أمنحتب الثالث بخبرات ألمانية وأميركية

تمثال مهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي في المتحف المصري (الشرق الأوسط)
تمثال مهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي في المتحف المصري (الشرق الأوسط)
TT

«قرص الشمس المتألق» يُضيء المتحف المصري بالتحرير

تمثال مهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي في المتحف المصري (الشرق الأوسط)
تمثال مهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي في المتحف المصري (الشرق الأوسط)

خلف التمثال الثنائي المهيب للملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي، يستقبل زائر المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً دائماً يضم جداريات وتماثيل من منشآت ومشاريع الملك، أبرزها جداريات قصره في «الملقطة» غرب الأقصر، التي عُثر عليها في أواخر القرن التاسع عشر، في تجربة تبرز جماليات الفن المصري القديم.

لا يكتفي المعرض بعرض الجداريات والتماثيل، بل يقدّم لمحات معرفية واسعة من قصة أمنحتب الثالث الذي لُقب بـ«قرص الشمس المتألق في جميع الأراضي»، وتولى الحكم في الفترة ما بين 1388 - 1351 قبل الميلاد، وهو أحد أبرز ملوك مصر القديمة بالأسرة الثامنة عشر، وأكثرهم تأثيراً في تاريخ الدولة الحديثة التي امتدت ما بين 1550 - 1070 ق.م.

ويستفيد المعرض من موقعه المفتوح في قلب المتحف المصري العريق، ليُقرّب الزائر من السياق التاريخي لعصر أمنحتب الثالث، فالجداريات الضخمة الملونة، التي نُقلت من جدران قصره الملكي، تحولت إلى نقطة جذب للسائحين والزُوار، يتوقفون أمامها لالتقاط الصور، وأبرزها لوحة ضخمة تمثل الجدار الشمالي لمعبد الملك في وادي السِبع بالنوبة (جنوب مصر) يظهر فيها وهو يقدّم القرابين للإله آمون رع في مشهد يرسّخ الطابع الديني الرسمي لعصره.

جانب من اللوحات الإرشادية لمشروع المعرض الدائم بالمتحف المصري (الشرق الأوسط)

ويصف المرشد المتحفي، محمد أشرف، عصر أمنحتب الثالث بأنه «من أزهى الفترات الثقافية والسياسية في مصر القديمة، حيث شهدت البلاد استقراراً داخلياً، وتأميناً للحدود، وازدهاراً إدارياً وعسكرياً، وقد انعكس هذا الازدهار على الفنون والعمارة التي تميزت بثراء وزخم كبيرين»، كما يقول في كلمته لـ«الشرق الأوسط».

كانت وزارة السياحة والآثار المصرية أعلنت الأسبوع الماضي أن هذه المجموعة التي يعود تاريخ اكتشافها للقرن التاسع عشر، تُعرض لأول مرة في مكان واحد بعد أعمال ترميم مطولة، أُنجزت بالتعاون مع جامعة ميونيخ الألمانية، وبتمويل من «مركز البحوث الأميركي» بالقاهرة. وخلال افتتاح المعرض، أشار الدكتور علي عبد الحليم، مدير عام المتحف المصري، إلى أن هذه الجداريات «تتميز بألوانها الزاهية وزخارفها غير التقليدية، إذ كانت تُزين جدران وأرضيات وسقوف القصر الملكي، مانحةً إياه قيمة استثنائية، بوصفه نموذجاً لفن العمارنة الذي أثّر لاحقاً في فنون عصر الملك إخناتون».

جدارية معروضة من معبد أمنحتب الثالث في وادي السبوع (الشرق الأوسط)

ويتوقف الزائر أمام تفاصيل صغيرة تنتمي لعصر أمنحتب الثالث، منها تمثال يُجسد رأس الملكة «تي»، زوجته، يعلو رأسها تاج يُصوّر حيّة الكوبرا التي تمثل رمزاً للحماية الملكية، وكذلك يبرز تمثال أمنحتب ابن حابو، وهو المهندس المعماري للملك أمنحتب الثالث، الذي قربه وكافأه ببناء تمثال له داخل معبد آمون رع بالكرنك (جنوب مصر) ليُرفع مكانه إلى مصاف الملوك، ويصوّره التمثال وهو يحمل لفافة بردي، بينما تعلو كتفه الأيسر محبرة للكتابة، في دلالة على تقدير لدور الكاتب والمعماري في البلاط الملكي.

جدارية ضخمة تظهر الملك أمنحتب الثالث وهو يقدم القرابين إلى آمون رع (الشرق الأوسط)

وحسب الدكتورة هبة نشأت، أستاذة الآثار بجامعة حلوان، تكمن أهمية هذا المعرض في أنه «يعكس ثمرة جهود بحثية طويلة امتدت لسنوات من العمل الميداني والترميم الدقيق، بين خبراء مصريين وألمان وأميركيين، وهو ما يبرز أهمية التعاون الدولي في حماية التراث»، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كما تمنح هذه التجربة بعداً إضافياً للمتحف المصري، إذ يُحوله من مجرد قاعة عرض إلى تجربة تجمع مزيجاً حياً بين التاريخ والبحث العلمي».

جانب من المعرض الدائم بعد ترميم اللوحات (المتحف المصري)

ولا تغيب التفاصيل الطبيعية والزخرفية عن المعرض، بما فيها من طيور وغزلان بريّة ونباتات منقوشة بدقة تحتفظ بألوانها الدافئة رغم مرور آلاف السنين عليها، كما تلفت الأنظار جدارية ضخمة تتجاوز 3 أمتار، يشير إليها المرشد المتحفي محمد أشرف، ويقول إنها «تُظهر في جزئها العلوي الملك أمنحتب الثالث وهو يقدم القرابين إلى آمون رع، بينما يضم جزؤها السفلي نصاً مطولاً يصف بتفاصيل دقيقة تجهيزات المعابد وعبادة آمون رع خلال عهده»، على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

يوميات الشرق الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)

مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

تجددت الانتقادات والجدل في أوساط الآثاريين والمهتمين بالسياحة بمصر حول استخدام المواقع الآثارية في استضافة الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الصاخبة.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق جدارية من عصر الملك تحتمس الثاني (المتحف المصري الكبير)

«مقبرة الملك تحتمس الثاني» بالأقصر ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية لعام 2025

جاءت مقبرة الملك تحتمس الثاني ضمن قائمة أهم 10 اكتشافات أثرية على مستوى العالم لعام 2025، وفقاً لما أعلنته مجلة الآثار الأميركية «Archaeology».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المعارض الأثرية المؤقتة بالخارج جذبت ملايين الزوار (وزارة السياحة والآثار)

العاصمة البريطانية تتأهب لاستقبال «رمسيس وذهب الفراعنة»

بدأت الاستعدادات في قاعة «Neon Battersea Power Station» بلندن، لاستقبال المعرض الأثري المصري المؤقت «رمسيس وذهب الفراعنة» المقرر افتتاحه في 28 فبراير المقبل.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)

أشعة الليزر تعيد الحياة لعمود ماركوس أوريليوس في روما

ظل عمود ماركوس أوريليوس في وسط روما القديمة قائماً متحدياً الزمن منذ تشييده منذ 1840 عاماً، غير أن العمر الطويل كانت له آثار سلبية على العمود المصنوع من الرخام.

«الشرق الأوسط» (روما)

إدارة ترمب تستعيد سفراء لا تعدهم ضمن «أميركا أولاً»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً ويبدو وزير الخارجية ماركو روبيو خلفه (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً ويبدو وزير الخارجية ماركو روبيو خلفه (أ.ف.ب)
TT

إدارة ترمب تستعيد سفراء لا تعدهم ضمن «أميركا أولاً»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً ويبدو وزير الخارجية ماركو روبيو خلفه (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً ويبدو وزير الخارجية ماركو روبيو خلفه (أ.ف.ب)

أمرت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، زهاء 30 سفيراً من بعثاتها حول العالم بالعودة إلى الولايات المتحدة خلال أسابيع، مكثفةً جهودها لفرض التزام الأجندة الرئاسية «أميركا أولاً»، رغم أنها تُحدث فراغاً كبيراً في السلك الدبلوماسي الأميركي.

وبدءاً من الأسبوع الماضي، تلقت مجموعة محددة من السفراء في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا اتصالات هاتفية من وزارة الخارجية في واشنطن العاصمة تأمرهم بإخلاء مناصبهم بحلول منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل. ولم يقدم هذا الاتصال أي تفسير للاستدعاء، وشمل 30 من الدبلوماسيين المحترفين الذين خدموا في عهود رؤساء جمهوريين وديمقراطيين. ولكن جميع السفراء الذين جرى استدعاؤهم تلقوا ترقياتهم الأخيرة في عهد الرئيس السابق جو بايدن، وصادق مجلس الشيوخ على تعيينهم.

وأثار هذا التوجيه غضب موظفي وزارة الخارجية الذين يرون أنه سيترك سفارات رئيسية من دون قيادة، ويمكن أن ينهي فعلياً مسيرة عديد من السفراء الذين لن يُمنحوا سوى 90 يوماً لإيجاد وظائف جديدة في الوزارة، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل محدودية المناصب الرفيعة المتاحة حالياً.

«رسالة خطيرة»

وأكدت نقابة الدبلوماسيين المحترفين أن هذه هي المرة الأولى التي يُستدعى فيها دبلوماسيون محترفون يشغلون مناصب سفراء أو رؤساء بعثات بهذا الشكل الجماعي. وقالت الناطقة باسم رابطة الخدمة الخارجية الأميركية نيكي غامر: «أفاد المتضررون بتلقيهم إخطارات مفاجئة، عادة عبر الهاتف، من دون أي توضيح. هذه الطريقة غير مألوفة على الإطلاق». وأضافت أن «غياب الشفافية والإجراءات يتعارض بشكل صارخ مع الأعراف الراسخة» في وزارة الخارجية، منبهةً إلى أن «إقالة هؤلاء الدبلوماسيين الكبار من دون سبب أو مبرر توجه رسالة خطيرة» لأنها «توحي لموظفينا العموميين بأن الولاء للوطن لم يعد كافياً، وأن الخبرة والقسم بالدستور يتراجعان أمام الولاء السياسي». ولفتت إلى أنه بعد مراجعة أرشيفاتها، فإن الرابطة «يمكنها أن تؤكد بشكل قاطع أن مثل هذا الاستدعاء الجماعي لم يحدث قط منذ تأسيس السلك الدبلوماسي بشكله الحالي».

ورد مسؤول رفيع في وزارة الخارجية بأن «هذا إجراء معتاد في أي إدارة»، موضحاً أن «السفير هو الممثل الشخصي للرئيس، ومن حق الرئيس ضمان وجود أفراد في هذه الدول يدعمون أجندة: أميركا أولاً».

محترفون ومعيَّنون سياسياً

ويوجد نوعان من السفراء: الدبلوماسيون المحترفون، وأولئك المعينون سياسياً. وغالباً ما يكون المعينون سياسياً من المتبرعين أو أصدقاء الرئيس، ويتوقع أن يقدموا استقالاتهم مع بداية ولاية الإدارة الجديدة. وحصل ذلك بالفعل عندما تولى ترمب منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، حين قَبِلَ الاستقالات فوراً. ومع ذلك، لا يُعدّ هذا هو المعتاد للدبلوماسيين المحترفين، الذين غالباً ما يخدمون لسنوات في الإدارة الجديدة. ولم تُقدم إدارة ترمب أي سبب للاستدعاءات ولم تُعلنها رسمياً.

وتداولت وسائل الإعلام قائمة غير رسمية للدبلوماسيين الذين استردتهم الإدارة، تُظهر استدعاء سفراء من مختلف أنحاء العالم، مع توجيه نحو 12 سفيراً لمغادرة مناصبهم في أفريقيا جنوب الصحراء. وأكد عدد من الدبلوماسيين دقة القائمة إلى حد كبير. ولم يُعيّن ترمب مرشحين لعدد من مناصب السفراء الشاغرة في أفريقيا جنوب الصحراء. وتشهد عشرات السفارات الأميركية حول العالم شغوراً في مناصب السفراء. وفي هذه الحالات، يتولى نائب رئيس البعثة، وهو عادةً دبلوماسي محترف، مهمات رئيس البعثة.

وحذر مسؤولون سابقون من أن يُؤدي هذا الاستدعاء الجماعي إلى مزيد من التراجع في معنويات الدبلوماسيين المحترفين العاملين تحت قيادة وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي أشرف هذا العام على «إعادة هيكلة» للوزارة، معلناً في يوليو (تموز) الماضي تسريح نحو 1300 موظف، بينهم 264 دبلوماسياً.

في وقت ما من هذا العام، أُبلغ نحو 12 دبلوماسياً محترفاً رفيع المستوى، ممن كانوا قد عُيّنوا قبل بدء إدارة ترمب نواباً لرؤساء البعثات الدبلوماسية في الخارج، بأنهم لن يحتفظوا بتلك الوظائف. وكان معظمهم من النساء أو من ذوي البشرة الملونة.


تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
TT

تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)

كشف مصدر قضائي لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط» أن التحقيقات في اختفاء ضابط متقاعد في الأمن العام قبل أسبوع، ترجح اختطافه من قبل إسرائيل، بعد «عملية استدراج ذات طابع استخباراتي»، على خلفية الاشتباه بعلاقته بملف اختفاء الطيار الإسرائيلي رون آراد في جنوب لبنان عام 1986.

وأشار المصدر إلى أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي «تكثّف تحرياتها منذ تسجيل فقدان النقيب المتقاعد في الأمن العام أحمد شكر قبل نحو أسبوع في منطقة البقاع». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن فرع التحقيق «عمل على تتبع حركة كاميرات المراقبة وتحليل بيانات الاتصالات، وتوصل إلى خيوط أولية تشير إلى أن شكر تعرّض لعملية استدراج محكمة انطلقت من مسقط رأسه في بلدة النبي شيت (البقاع الشمالي)، قبل أن يُفقد أثره في نقطة قريبة جداً من مدينة زحلة، حيث ينصب الجهد الأمني هناك لكشف مصيره».

استدراج استخباراتي

ومع تضارب الروايات حول أسباب وملابسات اختفاء شكر، بدأت تتقدّم فرضية وقوف إسرائيل خلف عملية اختطافه على سواها، مستندة إلى معطيات أولية كشفتها التحقيقات الجارية.

ما يعزز العامل الأمني - الاستخباراتي، وجود شبهات عن أشخاص غير لبنانيين مرتبطين بالحادثة. ويوضح المصدر القضائي أن المعلومات المستقاة من التحقيقات الأولية وعمليات الرصد والاستقصاء تفيد بأن «عملية الاستدراج نُفّذت من قبل شخصين سويديين، أحدهما من أصل لبناني، وصلا إلى لبنان قبل يومين فقط من وقوع الحادثة عبر مطار رفيق الحريري الدولي. وغادر الأول عبر المطار في اليوم نفسه الذي اختفى فيه شكر، ما يثير علامات استفهام كبيرة حول دوره المحتمل في العملية».

أما الشخص الثاني الذي تعود أصوله إلى لبنان، فيُرجّح المصدر أنه «شارك في عملية الاستدراج، ولا يزال موجوداً داخل لبنان، إذ أثبتت كشوفات الأمن العام في المطار وعبر المعابر البرية والبحرية أنه لم يغادر البلاد، إلّا إذا كان غادر بطريقة غير شرعية». ولا يسقط المصدر نفسه إمكانية «مشاركة أشخاص آخرين في لبنان في عملية مراقبة أحمد شكر، وتهيئة الأجواء لاستدراجه وخطفه».

تصفية أم اختطاف؟

تتعدد السيناريوهات المطروحة حول مصير الضابط المتقاعد، بين احتمال تصفيته، على غرار ما نُسب إلى جهاز «الموساد» في قضية اغتيال الصراف أحمد سرور المرتبط بـ«حزب الله» العام الماضي، وبين فرضية أكثر خطورة لكنها الأكثر واقعية، وهي نقله إلى خارج لبنان، أي إلى إسرائيل.

عناصر من «حزب الله» خلال محاكاة لاختطاف جندي إسرائيلي في جنوب لبنان عام 2023 (د.ب.أ)

وفي هذا السياق، يشير المصدر القضائي المشرف على التحقيق الأولي إلى أن شعبة المعلومات «لم تعثر حتى الساعة على أي أثر مادي أو تقني يدل على وجود شكر داخل الأراضي اللبنانية، ما يعزز فرضية تخديره وخطفه إلى إسرائيل، إما جواً في عملية معقّدة، أو بحراً بواسطة زورق انطلق من السواحل اللبنانية، كما حصل في عملية اختطاف القبطان البحري عماد أمهز من على شاطئ مدينة البترون (شمال لبنان) في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي».

صلات بملف رون آراد

لا تقف القضية عند حدود حادثة اختفاء فردية، بل تتقاطع مع ملف أمني تاريخي بالغ الحساسية بين لبنان وإسرائيل. إذ كشفت مصادر مقرّبة من عائلة شكر لـ«الشرق الأوسط» أن الضابط المفقود هو شقيق حسن شكر الذي قُتل مع ثمانية آخرين في معركة ميدون (البقاع الغربي) التي وقعت بين مقاتلي «المقاومة الإسلامية» ومجموعات مسلحة أخرى، وقوات الاحتلال الإسرائيلي في 22 أيار (مايو) 1988.

وترجّح المعلومات أن حسن شكر «كان مقاتلاً ضمن المجموعة التي كان يقودها مصطفى الديراني (كان يتبع لحركة «أمل» يومذاك قبل أن ينتقل إلى صفوف «حزب الله» لاحقاً)، والتي شاركت في أسر الطيار الإسرائيلي رون آراد إثر إسقاط طائرته في جنوب لبنان في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1986، وأن المجموعة المسلحة التي أسرته نقلته إلى منزل أحد أنسباء شكر في بلدة النبي شيت البقاعية، قبل نقله إلى مكان مجهول واختفاء أثره كلياً».

الطيار الإسرائيلي رون آراد الذي فُقد عام 1986 في جنوب لبنان (سلاح الجو الإسرائيلي)

وشكر هو من عائلة الرجل الثاني في «حزب الله» فؤاد شكر الذي سبق ان اغتالته في 30 يوليو (تموز) 2024 في غارة جوية على مبنى في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت.

ويعيد هذا العمل الأمني الخطير فتح سجل طويل من العمليات الإسرائيلية التي استهدفت أشخاصاً على صلة مباشرة أو غير مباشرة بملف رون آراد، سواء عبر الاغتيال أو الاختطاف أو محاولات التجنيد. وفي ضوء ذلك، يبدي المصدر القضائي تخوفه من أن يكون اختفاء أحمد شكر «حلقة جديدة في هذا المسار من العبث الإسرائيلي بالساحة اللبنانية».


مصر تنتظر 3.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خلال أسابيع

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تنتظر 3.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خلال أسابيع

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تنتظر مصر أن يصرف صندوق النقد الدولي نحو 3.8 مليار دولار ضمن برنامج القرض الممتد، بجانب جزء آخر من صندوق الاستدامة والصلابة، وذلك بعد الاتفاق على مستوى الخبراء مع القاهرة بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة.

ورغم أن الصندوق لم يعلن موعداً محدداً لصرف الدفعة الذي وافق عليها، فإنه من المتوقع أن تكون خلال يناير (كانون الثاني) أو بالأكثر أول فبراير (شباط) المقبل.

وقالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى ​مصر فلادكوفا هولار في بيان صحافي: «جهود الاستقرار حققت مكاسب مهمة، والاقتصاد المصري يُظهر مؤشرات على نمو قوي».

ويتضح من طريقة صياغة الصندوق للتقرير، تراجع وتيرة حدة الكلمات التي كان يستخدمها على نطاق واسع في بياناته عن مصر، خصوصاً فيما يتعلق بأزمة الدولار، والتضخم، وزيادة الديون.

يشار إلى أن مصر حققت ضعف معدل النمو الاقتصادي خلال العام المالي الماضي، فقد سجل نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.4 في المائة خلال العام المالي 2024 - 2025، مقارنة بـ2.4 في المائة خلال العام السابق، وأسهمت إيرادات السياحة، وتحويلات المصريين في الخارج، ونمو الصادرات غير النفطية، في تقليص عجز الحساب الجاري الذي تراجع خلال العام المالي الماضي بنسبة 25.9 في المائة، ليصل إلى 15.4 مليار دولار مقابل 20.8 مليار دولار خلال العام المالي 2023 - 2024.

وسجل الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري أعلى مستوى في تاريخه عند 56.9 مليار دولار.

المراجعتان الخامسة والسادسة

دمج الصندوق المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج الدعم المقدم لمصر، كي يمنح السلطات مزيداً من الوقت. وأضاف الصندوق في بيان أنه توصل أيضاً إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الأولى لبرنامج تمويلي آخر قائم، هو تسهيل الصلابة والاستدامة، وهو ما قد ‌يتيح لمصر ‌إمكانية الوصول إلى تمويل إضافي يصل ‌إلى ⁠1.​3 ‌مليار دولار.

ولا يزال الاتفاق كل ذلك بحاجة إلى موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي.

وتوصلت مصر في مارس (آذار) 2024 إلى اتفاق بشأن قرض قيمته ثمانية مليارات دولار لمدة 46 شهراً، في وقت كانت تواجه فيه تضخماً مرتفعاً ونقصاً في العملة الأجنبية.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، تمكنت مصر من كبح التضخم الذي بلغ ⁠ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2023. وبلغ معدل التضخم السنوي ‌في المدن المصرية 12.3 في المائة ‍في نوفمبر (تشرين الثاني).

لكن حدة نقص العملة الأجنبية في البلاد خفت بدعم من برنامج قرض صندوق النقد الدولي، وإيرادات سياحية قياسية، وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، واتفاقات استثمارية مع دول خليجية، بينها الإمارات، بقيمة عشرات المليارات من الدولارات.

وأضاف ⁠الصندوق أن الإصلاحات الهيكلية لا تزال بحاجة إلى تسريع، بما في ذلك التخارج من الأصول المملوكة للدولة، وهو محور أساسي في اتفاق القرض يرى الصندوق أن التقدم فيه يحرز تقدماً بطيئاً.

دور الدولة في الاقتصاد

في أغسطس (آب)، أقرت مصر تعديلات تشريعية تهدف إلى تسريع بيع الأصول المملوكة للدولة.

وقالت هولار: «نمضي قُدماً، ينبغي تسريع الجهود الرامية إلى تقليص دور الدولة. ويشمل ذلك إحراز تقدم كبير إضافي في أجندة التخارج، وبذل جهود إضافية لضمان تكافؤ الفرص».

على صعيد متصل، وضمن جهود زيادة الإيرادات الدولارية للدولة، أعلنت ​هيئة قناة السويس، أن السفينتين «سي إم إيه سي جي إم جاك سعادة»، ‌و«سي إم إيه سي ⁠جي ​إم ‌أدونيس» عبرتا القناة الثلاثاء، إلى جانب السفينة «سيباروك» التابعة لشركة ⁠«ميرسك».

كان شركة «ميرسك» قد أعلنت يوم ‌الجمعة أن ‍إحدى ‍سفنها عبرت البحر ‍الأحمر ومضيق باب المندب لأول مرة منذ نحو عامين، ​في الوقت الذي تدرس فيه شركات ⁠الشحن العودة إلى قناة السويس التي تُشكّل ممراً تجارياً حيوياً بين آسيا وأوروبا.

يأتي هذا بالتزامن مع تخفيف التوترات في البحر الأحمر، من جانب جماعة الحوثي اليمنية، التي كانت تستهدف السفن المارة في البحر الأحمر، نتيجة استمرار حرب إسرائيل في غزة.