لا جدوى من إعادة إنتاج فيلم سبق أن اشتُهر في الثمانينات، إن لم يكن ثمة شيءٌ جديد يقدّمه. في هذا التحدّي تحديداً نجح The Roses العائد بعد 36 عاماً على نسخة مايكل دوغلاس وكاثلين تورنر، ببطولة نجمَي السينما البريطانية أوليفيا كولمان وبينيديكت كمبرباتش.
يقدّم المخرج جاي روتش وكاتب السيناريو توني ماك نامارا، فيلماً يصحّ فيه القول إنه «خارج العلبة» إلى حدّ الجنون، شكلاً ومضموناً وتمثيلاً. يفتتح بمشهدٍ داخل عيادة مستشارة علاقات زوجية تحاول، من دون جدوى، ترميم ما انكسر بين «ثيو» (كمبرباتش) و«آيفي» (كولمان).
سرعان ما ينتقل المُشاهد في رجعةٍ زمنيّة إلى بداية العلاقة، والتعارف السريع الذي حصل بين الثنائي. على أثر سهم الحب الذي أصابهما، قررا الزواج، والانتقال من لندن إلى كاليفورنيا.
نقلة زمنية جديدة يذهب فيها الجمهور هذه المرة إلى المنزل العائلي في كاليفورنيا، حيث صار للزوجَين توأم في العاشرة. تُمضي آيفي وقتها في المطبخ وهي تبدع في ابتكار قوالب حلوى جميلة، تنتهي في بطون أفراد عائلتها. بالموازاة، يُراكم ثيو النجاح والشهرة في مجال الهندسة المعمارية. هذا لا يمنعه من رؤية موهبة زوجته، فيفتح لها مطعماً يفشل في استقطاب أكثر من 3 زبائن يومياً.

لكنّ الليلة التي تضرب فيها عاصفة رعديّة ضخمة الساحل الغربي الأميركي تقلب حياة الزوجَين رأساً على عقب. بفعل الرياح والأمطار، يتحطّم مبنى المتحف الذي شيّده ثيو بعد ساعاتٍ على افتتاحه. تنتشر فيديوهات لانهياره أمام المشهد، وتنتهي مسيرته في اليوم التالي. في المقابل، يمتلئ مطعم آيفي بالأشخاص الهاربين من الفيضانات، ومن بينهم ناقدة طعام في إحدى أهم الصحف الأميركية.
يستفيق الثنائي في الصباح التالي على عناوين صحافية تشيد بمطعم آيفي، وفيديوهات تسخر من فشل ثيو. تبدأ هنا مرحلة جديدة من العلاقة يتولّى فيها الزوج الاهتمام بشؤون البيت ورعاية الأولاد، بينما تنطلق الزوجة في رحلة نجاحها كإحدى أمهر الطاهيات في الولايات المتحدة.

هل سيصمد الزواج أمام حروب الأنا، وتحقيق الذات، والطموح، والشرخ المالي المستجدّ بين الأمّ المعيلة والأب العاطل عن العمل؟ وكيف ستحافظ آيفي على حب ولدَيها لها، بعد أن تفرّغ زوجها لتربيتهما على طريقته الصارمة، والهادفة لتحويلهما إلى عدّاءَين محترفَين؟
لا داعي للدراما. هذا هو الشعار الذي يرفعه فريق الفيلم. فرغم الحب الذي يتحوّل تدريجياً إلى ضغينة، ومن الأجواء المسالمة التي تصير أشبَه بحلبة ملاكمة، لا يخرج The Roses عن خانة الكوميديا السوداء. فمهما بلغت المواقف من سوء وسوداويّة، ثمة مساحة دائمة للابتسامة والفكاهة. النصّ المكتوب بحنكة هو المحرّك الأساسي لتلك الطاقة الإيجابية التي لا تغيب. أما روح الفيلم فتكمن في أداء كولمان وكمبرباتش الماهر. يتبادل الممثلان الكرة باحتراف وكيمياء لا يهتزّان. ولعلّ بريقهما هو الذي يخطف الأضواء من باقي الممثلين، ومعظم هؤلاء يؤدّون شخصيات أصدقاء الثنائي الذين يشهدون على الانهيار التدريجي للعلاقة الزوجية.

وكأنّ الفيلم يطلب من متابعيه أن يأخذوا جانباً مع أحد البطلَين، مع ميلٍ واضح للتعاطف مع الزوج. فهو الذي خسر إمبراطوريته المهنية بين ليلةٍ وضُحاها، لا يلاقي سنداً حقيقياً من زوجته المنشغلة بقصة نجاحها الشخصية، والتي تهمل عائلتها وبيتها بأنانية جليّة. يمضي وقته في غسل الملابس، وترتيب المنزل، والإشراف على تمارين الولدَين الرياضية. في الأثناء، تتحوّل هي إلى نجمة على أغلفة المجلات، وتفتتح فروعاً جديدة لمطعمها.
ينتج عن ذلك غضبٌ دفين، وتباعدٌ لا يتأخّران في الظهور من خلال تبادل للكلام الجارح. وعندما يقترح ثيو أن تعود الأمور إلى نصابها، وترجع هي إلى دور الأم ليبحث هو عن عمل من جديد، ترفض آيفي بشكلٍ قاطع. إلا أنّ ما بات في حوزتها من مال يتيح لها شراء عقار سينشغل ثيو بتشييد بيت الأحلام عليه.

بطريقة غير مباشرة، تمنحه عملاً جديداً وتسدّد فواتير البناء الباهظة. إلا أن ما كان من المفترض أن يقرّبهما، باعدَ أكثر ما بينهما، ليتفجّر الموقف على مأدبة عشاء أمام الأصدقاء الآتين للاحتفال بالمنزل الجديد. يبلغ الفيلم إحدى ذرواته الكثيرة في هذا المشهد، لتتلاحق بعده اللحظات الصادمة حتى النهاية، بما فيها من تحطيمٍ متبادل بين شخصَين جمعهما الحب يوماً، ثم فرّقتهما الأموال، والأنانية.
ربما ليس The Roses مادة مناسبة للشاشة الكبيرة في زمننا هذا، وكان من الممكن الاكتفاء بعرضه على إحدى المنصات، لكن فكاهته البريطانية، وتقنياته الهوليوودية تجعلان منه مادة ترفيهية دسمة. يعتمد إيقاعاً سردياً تصاعدياً لا يصيب الحبكة بالملل. أما أبرز خصوصيات الفيلم فهي أنه ينجح في اختصار قضايا الحب الذي يتحول بغضاً، والتحديات الجندريّة بين الإناث والذكور، وذلك بواقعيةٍ خفيفة الظلّ، وخالية من السوداويّة.



