الحراك الاجتماعي في فرنسا: تجمعات ومسيرات وأعمال عنف وإغلاق طرق

حريق التهم مطعماً في باريس وامتد إلى الشقق السكنية وتوقيف المئات

تجمع رئيسي في ساحة «لا ريبوبليك» وسط باريس الأربعاء في إطار الحراك الاحتجاجي (أ.ب)
تجمع رئيسي في ساحة «لا ريبوبليك» وسط باريس الأربعاء في إطار الحراك الاحتجاجي (أ.ب)
TT

الحراك الاجتماعي في فرنسا: تجمعات ومسيرات وأعمال عنف وإغلاق طرق

تجمع رئيسي في ساحة «لا ريبوبليك» وسط باريس الأربعاء في إطار الحراك الاحتجاجي (أ.ب)
تجمع رئيسي في ساحة «لا ريبوبليك» وسط باريس الأربعاء في إطار الحراك الاحتجاجي (أ.ب)

عكست فرنسا، الأربعاء، للعالم صورة محزنة. فمن جهة، هناك الأزمة السياسية المتمثلة بسقوط حكومة فرنسوا بايرو وتكليف وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو بتشكبل حكومة بديلة. ومن جهة ثانية، هناك المظاهرات والإضرابات والمسيرات، وخصوصاً أعمال العنف والشغب التي اجتاحت البلاد بمناسبة يوم «لنشل كل شيء» الذي انطلقت دعوته على شبكات التواصل الاجتماعي قبل أن تكبر دوائرها وتحظي بدعم سياسي خصوصاً من اليسار المتشدد الممثل بـ«فرنسا الأبية».

وشارك جان لوك ميلونشون، زعيم الحزب المذكور، في التجمهر الذي حصل في ساحة «لا ريبوبليك» وسط باريس. واستبق وزير الداخلية، برونو روتايو، الحراك بالإعلان عن تعبئة 80 ألف رجل شرطة ودرك وأمني لتأطير التجمعات والمظاهرات ومنع الشغب وأعمال العنف على كل الأراضي الفرنسية.

حريق التهم مطعماً كورياً في حي «لي هال» وسط باريس وقد امتد إلى الشقق السكنية (أ.ف.ب)

الحراك في باريس

بيد أن هذه التعبئة لم تكن كافية، فمنذ الصباح الباكر بدأت التجمعات والمسيرات والمظاهرات التي ضمت عشرات الآلاف من الأشخاص؛ تنديداً بسياسات التقشف الحكومية وانعدام المساواة وصعوبات الحياة، بحيث شملت عشرات المدن على رأسها باريس وليون ونانت ورين وروان.

وحتى منتصف النهار فقط، كانت وزارة الداخلية قد أحصت إلقاء القبض على 300 شخص، بينهم مئتان في باريس، تم توقيف نصفهم وفق المدعية العامة في العاصمة لور بيكو التي قالت عصراً إن «الأرقام مرشحة لأن تكبر» مع مرور الوقت. وأمر الادعاء العام، بعد اندلاع حريق في مطعم كائن في حي «لي هال» وسط باريس، بفتح تحقيق قضائي لجلاء ظروف الحريق الذي امتد إلى الشقق السكينة القائمة فوق المطعم.

وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو الذي عينه ماكرون رئيساً جديداً للوزراء (إ.ب.أ)

كذلك أُحصي 271 تجمعاً عبر البلاد. وبحسب الادعاء، فإن من بين الأشخاص الذين تم توقيفهم مجموعة تشكلت من أجل «ارتكاب أعمال عنف»، و«إعاقة السير». وفي باريس، سعى المتظاهرون إلى إقفال السير على الطريق الدائري وفي عدد من مداخل العاصمة. وحاول مجموعة من نحو ألف شخص الدخول إلى «محطة الشمال» للقطارات التي تعد الأكبر في أوروبا. غير أن الشرطة الموجودة بقوة في المكان حالت دون ذلك. لكنها واجهت، لاحقاً، تجمهر نحو 300 شاب بعضهم جاء مقنعاً، أمام المحطة المذكورة.

وأضر الحراك بمعالم أثرية رئيسية في فرنسا مثل «قصر فرساي» التاريخي، و«قوس النصر» الواقع أعلى جادة الشانزليزيه ومتحف اللوفر ومتحف بيكاسو وقصر - قلعة فانسان والأرشيف الوطني... وأضر الحراك بحركة القطارات والمترو في باريس وضواحيها، وأغلقت محطة «شاتليه» الواقعة وسط العاصمة بطلب من مديرية الشرطة. كذلك أغلق المركز التجاري الضخم الواقع فوق المحطة، وشمل ذلك المحال التجارية وصالات السينما والمسبح. وحصلت مناوشات في الحي المذكور الذي يرتاده السياح من كل أنحاء العالم بوصفه الحي التاريخي في العاصمة.

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد يشارك في مظاهرة باريس وإلى جانبه إريك كوريل النائب عن الحزب المذكور ورئيس اللجنة المالية في البرلمان الفرنسي (أ.ف.ب)

وفي المناطق

ما عرفته باريس جزء مما شهدته المناطق الفرنسية في منطقة رون آلب كما في مدينة كليرمون فيران، وسط البلاد، حيث سعى متظاهرون لإقامة ما سموه «منطقة محتلة مؤقتاً» قريباً من مصانع ميشلان للإطارات الكاوتشوكية. لكن قوة أمنية حالت دون ذلك. إلا أن ثلاثة من أفردها أصيبوا بجروح في مناوشات مع المحتجين.

وحصلت تجمعات في مدنية ليون، ثاني مدن فرنسا ومحيطها. كذلك عمت الاحتجاجات منطقة «بروتاني» الواقعة غرب فرنسا، وفي مدنها الرئيسية مثل رين، حيث قُطع الطريق الدائري الذي يلف المدنية، وأقيم حاجز على مدخل «ساحة ألما»، وتم إحراق حافلة ركاب انفجرت لاحقاً تحت جسر، وثمة شكوك بأن الجسر قد تضرر. ولاحقاً، نجحت مدرعات للدرك في إعادة فتح مدخل الساحة. كذلك حصلت مظاهرات على الطريق الدائري لمدينة نانت، كبرى مدن المنطقة، أدت إلى قطعه في عدة أماكن. وفي المدينة المذكورة، حصلت مظاهرة جمعت عدة آلاف من الأشخاص.

وما شهده غرب فرنسا، حصل مثله في شرقها، حيث قطع الطريق السريع الموصل إلى مدينة ستراسبوغ المعروفة، والتي تضم البرلمان الأوروبي والعديد من المؤسسات الأوروبية. والسيناريو نفسه تكرر في منطقة «أكيتين» التي تضم مدينة بوردو، حيث قطع الطريق السريع رقم 10 قريباً من مدينة بواتيه. وكما في ستراسبورغ، فقد تجمع العشرات من الشبان الذين يرتدون ثياباً سوداء، ويظن أنهم ينتمون لمجموعة «بلاك بلوك» اليسارية المعروفة التي كان لها دور فاعل في مظاهرات «السترات الصفراء».

حريق في مطعم في حي «لي هال» الواقع في قلب باريس في إطار أعمال العنف التي شهدتها العاصمة الفرنسية الأربعاء بمناسبة حراك «شل العمل» في فرنسا (أ.ب)

وشارك، الأربعاء، العديد من المزارعين الذين وصلوا على متن جراراتهم الزراعية إلى الطريق السريع رقم 20. ولم تشذ منطقة النورماندي الواقعة شمال غربي فرنسا ولا الشاطئ المتوسطي، عن الحراك؛ سواء أكانت مدينة مارسيليا أو آكس أو بروفانس. ورغم ما سبق، فإن التعبئة التي توفرت، الأربعاء، جاءت إلى حد كبير متواضعة.

ويترقب الفرنسيون ما سيحصل يوم 18 الحالي، حيث دعت النقابات الرئيسية إلى إضرابات ومظاهرات ينتظر أن تعم كافة المناطق بالنظر لأهمية النقابات وقدرتها على التعبئة.


مقالات ذات صلة

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

شمال افريقيا جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير المقبل، احتجاجاً على ما عده «قيوداً على الحقوق والحريات».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من مظاهرة سابقة نظمها اتحاد الشغل التونسي في ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

«اتحاد الشغل» التونسي يتظاهر من أجل «مزيد من الحريات»

قاد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، الخميس، مسيرة داعمة للمنظمة النقابية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا جانب من المظاهرة المطالبة بالحريات وسط العاصمة التونسية (أ.ف.ب)

مسيرات حاشدة في تونس للمطالبة بالحريات

شارك متظاهرون في مسيرة تطالب بالحريات وسط العاصمة تونس، السبت، وهي الثانية خلال أسبوع.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا جانب من مظاهرات بنغازي (مديرية الأمن)

مظاهرات في مدن ليبية للمطالبة بإجراء «انتخابات رئاسية فورية»

شهدت المناطق الخاضعة لنفوذ قائد الجيش الوطنى المشير خليفة حفتر، في الشرق والوسط والجنوب، مظاهرات «جمعة الانتخابات» للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية فورية.

خالد محمود (القاهرة)
أوروبا مسيرة احتجاجية ضد الحكومة الإيطالية في روما (د.ب.أ)

إيطاليا: احتجاجات ضد دعم الحكومة لإسرائيل تتسبب في إلغاء رحلات جوية

تسببت حركات إضراب واحتجاجات في إيطاليا، الجمعة، ضد حكومة جورجيا ميلوني في إلغاء عشرات الرحلات الجوية، وتعطل خدمات القطارات بجميع أنحاء البلاد.

«الشرق الأوسط» (روما)

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
TT

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمس (الجمعة)، أن الدرع الواقية في محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا، التي تم بناؤها لاحتواء المواد المشعة الناجمة عن كارثة 1986، لم تعد بإمكانها أداء وظيفتها الرئيسية للسلامة، بعد تعرضها لأضرار بسبب طائرة مسيرة، وهو ما اتهمت أوكرانيا روسيا بالمسؤولية عنه، بحسب «رويترز».

وقالت الوكالة إن عملية تفتيش الأسبوع الماضي لهيكل العزل الفولاذي الذي اكتمل في عام 2019، وجدت أن تأثير الطائرة المسيرة في فبراير (شباط)، أي بعد 3 سنوات من الصراع الروسي في أوكرانيا، أدى إلى تدهور الهيكل.

وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة في بيان، إن «بعثة التفتيش أكدت أن (هيكل الحماية) فقد وظائف الأمان الأساسية، بما في ذلك القدرة على الاحتواء، ولكنها خلصت أيضاً إلى أنه لم يكن هناك أي ضرر دائم في هياكله الحاملة أو أنظمة المراقبة».

وأضاف غروسي أنه تم بالفعل إجراء إصلاحات «ولكن لا يزال الترميم الشامل ضرورياً لمنع مزيد من التدهور، وضمان السلامة النووية على المدى الطويل».

وذكرت الأمم المتحدة في 14 فبراير، أن السلطات الأوكرانية قالت إن طائرة مسيرة مزودة برأس حربي شديد الانفجار ضربت المحطة، وتسببت في نشوب حريق، وألحقت أضراراً بالكسوة الواقية حول المفاعل رقم 4 الذي دُمر في كارثة عام 1986.

وقالت السلطات الأوكرانية إن الطائرة المسيرة كانت روسية، ونفت موسكو أن تكون قد هاجمت المحطة.

وقالت الأمم المتحدة في فبراير، إن مستويات الإشعاع ظلت طبيعية ومستقرة، ولم ترد تقارير عن تسرب إشعاعي.

وتسبب انفجار تشرنوبل عام 1986 في انتشار الإشعاع بجميع أنحاء أوروبا، ودفع السلطات السوفياتية إلى حشد أعداد هائلة من الأفراد والمعدات للتعامل مع الحادث. وتم إغلاق آخر مفاعل يعمل بالمحطة في عام 2000.

واحتلت روسيا المحطة والمنطقة المحيطة بها لأكثر من شهر في الأسابيع الأولى من غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، حيث حاولت قواتها في البداية التقدم نحو العاصمة الأوكرانية كييف.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أجرت التفتيش في الوقت نفسه الذي أجرت فيه مسحاً على مستوى البلاد للأضرار التي لحقت بمحطات الكهرباء الفرعية، بسبب الحرب التي دامت نحو 4 سنوات بين أوكرانيا وروسيا.


قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
TT

قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)

كشفت تقارير مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عن حجم القلق الأوروبي من النهج الأميركي الجديد في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو.

التسارع الأميركي الملحوظ، خصوصاً بعد زيارة المبعوثَين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى موسكو من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء، عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة، قبل تثبيت أي التزامات أمنية صلبة تمنع روسيا من استغلال ثغرات مستقبلية، حسب المحادثة التي نشرتها صحيفة «دير شبيغل» الألمانية ولم تكن بروتوكوليةً.

وحذَّر ميرتس مما وصفه بـ«ألعاب» واشنطن، ومن «احتمال خيانة واشنطن لكييف»، في حين أشار ماكرون إلى احتمال أن تتعرَّض كييف لضغط غير مباشر لقبول تسويات حدودية قبل الاتفاق على منظومة ردع حقيقية.


المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)
مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)
TT

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)
مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)

اعتبر نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مامي ماندياي نيانغ، اليوم (الجمعة)، أن عقد جلسات استماع في غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو أمر «وارد».

وقال مامي ماندياي نيانغ، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»: «اختبرنا هذا الأمر في قضية كوني. إنها فعلاً آلية معقدة. لكننا جربناها، وأدركنا أنها ممكنة ومفيدة».

وكان يشير إلى جلسة «تأكيد الاتهامات» التي عقدت غيابيّاً في وقت سابق هذا العام بحقّ المتمرد الأوغندي الفارّ جوزيف كوني.