في زمن مضى، كانت نجاحات الأندية في سوق الانتقالات تُقاس بمدى جودة اللاعبين القادمين، أما في عصر قواعد الربحية والاستدامة، فقد أصبح النجاح مرهوناً أيضاً بقدرة الأندية على البيع المربح وذلك وفقاً لشبكة The Athletic.
في هذا الصدد، يبرز نادي ليفربول إلى جانب مانشستر سيتي بوصفهما من أفضل الأندية الإنجليزية في إتمام الصفقات المربحة.
فخلال الصيف الماضي، جمع بطل الدوري الإنجليزي ما يقارب 194 مليون جنيه إسترليني من عمليات البيع، لتغطية جزء من إنفاق ضخم بلغ نحو 419 مليون جنيه، في وقت عانى فيه مانشستر يونايتد صعوبة في التخلص من لاعبيه الزائدين عن الحاجة، ووجد آرسنال صعوبة مماثلة في البيع مقارنة بسهولة التعاقدات الجديدة.
في الحقيقة، لم يتفوق على ليفربول في حجم العائدات سوى تشيلسي وبورنموث وأسهم الدوري السعودي للمحترفين في تضخيم هذه الأرقام، حيث دفعت أندية مثل الهلال مبالغ تفوق نظيراتها الأوروبية لضم داروين نونيز (53 مليون يورو)، بعدما كان جوردان هندرسون وفابينيو قد سبقا بالانتقال إلى الدوري السعودي بمبالغ كبيرة.
لكن اللافت أكثر هو الأموال التي انتزعها ليفربول من أندية أوروبية كبرى، بعدما تمسك النادي بالحصول على تقييماته المالية الخاصة. فقد باع لويس دياز ونونيز وكاويمهين كيليهير بأسعار مرتفعة، وحقق أرباحاً صافية من لاعبين شباب مثل جاريل كوانساه، وهارفي إليوت، وبن دوك، وتايلر مورتون. حتى أن ريال مدريد دفع 8.4 مليون جنيه لضم ترينت ألكسندر - أرنولد مبكراً استعداداً لكأس العالم للأندية، بعدما فشل ليفربول في تجديد عقده.

جزء كبير من نجاح ليفربول يعود إلى مايكل إدواردز، المدير الرياضي السابق الذي عاد عام 2024 رئيساً تنفيذياً لكرة القدم في مجموعة «فينواي» المالكة للنادي. إدواردز يمتلك سجلاً لامعاً في البيع، ولعل أبرز صفقاته كانت بيع فيليبي كوتينيو إلى برشلونة مقابل 142 مليون جنيه عام 2018، إلى جانب صفقات أخرى مربحة، مثل رحيل جوردان آيب ومامادو ساخو وريان
أما اليوم، فإن الدور الأبرز يعود إلى ريتشارد هيوز، الذي تولى منصب المدير الرياضي، وأبرم صفقات بيع بقيمة تقارب 290 مليون جنيه خلال ثلاث فترات انتقال، مواصلاً النهج الناجح الذي تبناه سابقاً مع بورنموث. فقد اشتهر ببيع لاعبين، مثل دومينيك سولانكي، وناثان آكي، وآرون رامسديل وتايرون مينغز بصفقات مربحة، قبل أن يكرر النجاح في «أنفيلد».
يعدّ بيع الشاب بن دوك مثالاً نموذجياً. فقد اشتراه ليفربول بـ600 ألف جنيه فقط عام 2022، ولم يشارك سوى في ثلاث مباريات بالدوري. ومع ذلك، تمكن هيوز من تسويقه جيداً عبر رفض عروض إعارة، والإصرار على البيع النهائي فقط. وفي النهاية، وافق بورنموث على دفع 20 مليون جنيه ترتفع إلى 25 مليوناً، مع تضمين بند إعادة الشراء؛ ما يمنح ليفربول فرصة الاستفادة مستقبلاً.
يعتمد ليفربول على سياسة إعارات مدروسة، حيث يتم اختيار الأندية بناءً على معايير تشمل أسلوب اللعب وسمعة النادي في تطوير اللاعبين.

كما يرسل النادي وفوداً لمعاينة مرافق الأندية المحتملة، ويحرص على متابعة اللاعبين المعارين بشكل مباشر، مثلما حدث مع زيارة إدواردز ومدير التقنية جوليان وارد للاعب دوك خلال إعارته إلى ميدلسبره.
رغم تمسك المدرب الجديد آرنه سلوت بعدم بيع بعض الأسماء، فإن النادي لا يتردد في البيع إذا ما تحقق عائد مالي استثنائي. حدث ذلك مع لويس دياز، الذي كان من المفترض بقاؤه، لكن عرض بايرن ميونيخ البالغ 75 مليون يورو ثالث أكبر صفقة في تاريخ النادي الألماني دفع ليفربول للموافقة، خاصة بعد مقارنة البيانات التي أظهرت أن سبعة لاعبين فقط تجاوزوا هذا السعر وهم فوق سن 28.
الأمر ذاته تكرر مع لاعبين أقل بروزاً؛ فمثلاً، باع النادي الثنائي سيب فان دن بيرغ وفابيو كارفاليو لبرينتفورد مقابل 52.5 مليون جنيه، رغم قلة مشاركاتهما. كذلك أدار هيوز المفاوضات مع أندية مثل أستون فيلا وباير ليفركوزن بذكاء، مضيفاً بنوداً مثل إعادة الشراء أو نسبة من البيع المستقبلي لضمان استفادة ليفربول على المدى الطويل.
سر نجاح ليفربول يكمن في بنية إدارية واضحة: إدواردز يرفع تقاريره إلى مجلس إدارة فينواي، وهيوز يرفع لإدواردز، بينما يتواصل سلوت مع هيوز بانتظام حول احتياجات الفريق. هذه المنظومة تضمن التوازن بين الطموحات الرياضية والالتزامات المالية، وتفسر كيف يستطيع النادي أن يُنفق ببذخ على صفقات كبيرة مثل فلوريان فيرتز وألكسندر إيزاك، مع المحافظة على ميزانية مستقرة.
اليوم، يُنظر إلى ليفربول بوصفه نموذجاً في فن البيع، حيث لا يفرط في لاعبيه بأقل من قيمتهم، ويحول حتى اللاعبين الاحتياطيين إلى مصدر أرباح، وبينما تعجز أندية كبرى مثل آرسنال ومانشستر يونايتد عن تحقيق عوائد مشابهة، يواصل ليفربول استغلال السوق بذكاء، ليبني فريقاً قادراً على المنافسة، وفي الوقت ذاته يضمن ميزانية متوازنة ومستقبلاً آمناً.
