قالت المخرجة اليابانية موموكو سيتو إن فيلمها الطويل الأول «أوديسة الهندباء» يمثل خلاصة سنوات من العمل على تحويل الطبيعة إلى كائن سينمائي نابض بالحياة، موضحةً أنها انطلقت من شغفها بالتفاصيل الصغيرة التي لا يلتفت إليها كثيرون، مثل النباتات والحشرات، فكانت الفكرة الرئيسية مرتبطة برغبتها في منح هذه الكائنات البسيطة دور البطولة، لتصبح مرآة لحكاية إنسانية كبرى عن التدمير وإعادة الخلق.
وعُرض الفيلم المدعوم من «سوق البحر الأحمر» في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي ضمن برنامج Centerpiece، بعد أن افتتح رحلته العالمية من خلال «أسبوع النقاد» في مهرجان «كان السينمائي» بنسخته الماضية، حيث نال جائزة الاتحاد الدولي للنقاد «الفبيرسي» قبل أن يواصل حضوره في «مهرجان آنسي الدولي لأفلام الرسوم المتحركة» ويحصد جائزة «بول غريمو».
وأكدت المخرجة اليابانية لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه المشاركات أضافت ثقة بالغة لمشروعي، فقبول فيلم بلا ممثلين أو حوار إنساني في مهرجانات كبرى مثل (كان) و(تورونتو) يعكس اتساع أفق استقبال السينما المعاصرة للأعمال التجريبية».
ويمزج الفيلم بين الخيال العلمي والتجريب البصري، إذ يروي رحلة أربع بذور من نبات «الهندباء» تهرب من الأرض بعد دمار نووي شامل، لتدخل عبر ثقب أسود إلى كوكب متجمد تبحث فيه عن تربة تحتضنها.

وبين تصوير الطبيعة في آيسلندا واليابان وفرنسا، يقدم العمل لوحات بصرية مدهشة تعكس قدرة الطبيعة على خلق حكايات بديلة عن الإنسان، معتمدة على الزمن المتسارع والتقنيات الدقيقة في تصوير نمو النباتات وحركة الكائنات الصغيرة.
وقالت موموكو سيتو إن «القصة الأساسية للفيلم انطلقت من رمز بسيط هو بذور الهندباء التي تتطاير مع الرياح، لكنها حوَّلتها إلى أبطال يهربون من الأرض بعد أن دمرتها القنابل الذرية»، مشيرةً إلى أنها اعتمدت على تصوير الطبيعة في مواقع متعددة لإعادة بناء العالم البصري للفيلم.
وأوضحت أن «مشاهد الكوكب المتجمد صُوّرت في آيسلندا باستخدام طائرات مسيّرة وكاميرات متطورة التقطت الجليد والأنهار والجبال البركانية، ثم انتقلت إلى جزيرة ياكوشيما في اليابان لتصوير نمو الطحالب عبر تقنية التصوير البطيء، حيث وفرت الجزيرة أكثر من ستمائة نوع مختلف من الطحالب».
أمضت المخرجة اليابانية تسعة أشهر كاملة في الريف الفرنسي لتصوير النباتات والحشرات، مؤكدةً أن «هذه المشاهد لم تكن مجرد لقطات طبيعية، بل بُنيت بعناية لتتحول إلى عوالم خيالية تحمل ملامح شخصيات»، مشيرةً إلى أنها صنعت عشرين بيئة بصرية مختلفة، كل منها يمثل محطة جديدة في رحلة البذور، بما يشبه عبور أبطال فيلم مغامرات عبر عوالم متباينة.

وأوضحت المخرجة أن «الصعوبة الكبرى لم تكن في التنقل بين البلدان أو مواجهة الظروف المناخية، بل في إيجاد طريقة لإبقاء الجمهور مشدوداً إلى شخصيات من دون أي ممثلين أو حوار»، مضيفةً: «كان التحدي هو صناعة العاطفة من خلال الصور فقط. كيف أجعل المُشاهد يتعاطف مع بذرة أو طحلب أو حشرة؟ هذا كان أصعب ما واجهته».
ورأت أن عرض الفيلم في «تورونتو» ساعد على جذب فضول النقاد والجمهور على السواء، خصوصاً أنه فيلم يخلو من الممثلين أو الحوارات، ويعتمد فقط على الطبيعة، لافتةً إلى أن ذلك أثار أسئلة عديدة لدى المشاهدين حول كيفية صناعة فيلم كامل يستمر لأكثر من ساعة من دون وجود بشر.
وأكدت المخرجة اليابانية أن هذه التجربة خلقت نوعاً من التحدي الإبداعي بالنسبة إليها، «وجدت نفسي مضطرة إلى البحث عن أدوات جديدة للحفاظ على تماسك السرد البصري، فاستخدامي الحشرات والطحالب والنباتات لم يكن مجرد رصد للطبيعة، بل بناء لشخصيات لها ملامح ومسار وغاية، مما جعل الفيلم يتجاوز كونه مجرد عمل تجريبي إلى تجربة وجدانية بصرية كاملة». وأوضحت أنها لم تحسم بعد عرض الفيلم في أي مهرجان عربي آخر، لكنها تتطلع لإمكانية تقديمه في المنطقة، مشيرةً إلى أن مشاركتها في جلسات مهرجان «البحر الأحمر» جعلتها أكثر اهتماماً بالتواصل مع الجمهور العربي.
وأكدت موموكو أن ما يهمها الآن هو أن يجد الفيلم طريقه للجمهور في مختلف أنحاء العالم، «لأن رسالته إنسانية وكونية، وليست مرتبطة بحدود جغرافية محددة، وأغلب ردود الفعل تركز على الجانب العاطفي للفيلم رغم غياب الحوار أو الممثلين»، وفق قولها. مشددةً على أن هذا النجاح جعلها أكثر إصراراً على مواصلة هذا النوع من السينما الذي يعتمد على الطبيعة بوصفها فاعلاً أساسياً، لأن ما يهمها دائماً هو «أن تبقى السينما مساحة للتأمل والدهشة وإعادة النظر في علاقتنا بالعالم من حولنا»، على حد تعبيرها.













