مع ترشيح فيلم «عيد ميلاد سعيد» لتمثيل مصر في منافسات «الأوسكار» الـ98، تتجدد الآمال في أن تحظى السينما المصرية بتمثيل مشرف في أهم المسابقات العالمية ضمن فئة «أفضل فيلم أجنبي» غير ناطق بالإنجليزية، التي تتنافس عليها أفضل الأفلام من جميع أنحاء العالم، لكن الواقع يؤكد أن السينما الأكبر والأقدم في المنطقة العربية اعتادت على أن تغادر السباق في التصفيات الأولى منذ أكثر من نصف قرن، وتحديداً منذ ترشح فيلم «باب الحديد» عام 1958 للمخرج يوسف شاهين، أحد أهم كبار مخرجي السينما المصرية.
ولم يحظ في أي مرة فيلم مصري بالوصول للقائمة القصيرة التي حققتها أفلام عربية أخرى، على غرار «الجنة الآن» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، و«كفر ناحوم» للمخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي، والفيلم الأردني «ذيب» من إخراج ناجي أبو نوار.

فلماذا غادر الفيلم المصري السباق مبكراً رغم عراقته؟ وهل الأزمة تتعلق بمستواه الفني وسيطرة الأفلام التجارية، أم تتعلق بمرحلة ما بعد الترشح التي تتطلب دعاية وعرضه بالولايات المتحدة، وحاجته لإنفاق منظم في هذه المرحلة.
مستوى ضعيف
ترى الناقدة هويدا حمدي، التي شاركت بعضوية تحكيم جوائز «غولدن غلوب» بالولايات المتحدة، أن الفيلم المصري لا يلقى تقديراً، وبررت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» لأنه لا يرقى لمستوى المنافسة في مسابقة بحجم «الأوسكار»، لا سيما أن «معظم الأفلام المصرية التي تترشح تكون ضعيفة فنياً بالمقارنة بالأفلام التي تتنافس أمامها من كل أنحاء العالم، فهي أقوى مسابقة في العالم (الأوسكار) والتنافس فيها يكون على أشده، لذا لا تصل أفلامنا حتى للقائمة الأولى التي تضم 15 فيلماً، ويتم استبعادها بمجرد مشاهدة الدقائق الأولى؛ لأنه لا تزال لدينا مشكلات في الصوت، وقد لاحظت ذلك خلال عرض فيلم (البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو)، ولا أعرف كيف فات ذلك على صنّاعه».

وتنفي الناقدة المصرية أن تكون هناك معوقات مالية تواجه الفيلم المرشح، مؤكدة أن «تكلفة استئجار قاعة صغيرة لعرض الفيلم وإرسال دعوات للأكاديمية التي تحولها لكل أعضائها لا تتطلب سوى إنفاق محدود، والفيلم الجيد يفرض نفسه في جميع الأحوال».
وتلفت هويدا حمدي إلى ضرورة تدخل الدولة في إنتاج عدد محدود من الأفلام للمشاركة بها في المهرجانات الدولية، مثلما تفعل دول كثيرة؛ لأن المنتج الخاص يسعى لتقديم أفلام تجارية لا ترقى لمستوى المنافسات الدولية. وتشير إلى أن فيلم «عيد ميلاد سعيد» مناسب في موضوعه للناقد الغربي «لكن المشكلة في الأفلام الجيدة التي يتنافس معها».
ووفقاً للمخرج أمير رمسيس، فإن الوصول لمنافسات «الأوسكار» يتعلق بحجم وجود السينما المصرية عالمياً، وليس عبر مهرجان أو آخر، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن ترشح فيلم لـ«الأوسكار» مجرد خطوة، لكن كيف يستمر الفيلم في مسيرة «الأوسكار» وكيف تتمكن الشركة الموزعة من إدارة حملة ذات تكلفة كبيرة تُتيح للفيلم الوجود في الإعلام مع أعضاء لجنة «الأوسكار»، وأن يحظى بموزع أميركي؛ هذه كلها عوامل تحدث فارقاً وتحظى بدعم الدول، لأن وجود الفيلم في «الأوسكار» يمنحه فرصاً توزيعية واسعة، لكننا نرسل كل سنة فيلماً وينتهي الأمر، لذلك فإنه يخرج من السباق مع أول تصويت.
الأفكار الجريئة
لكن الناقد طارق الشناوي يوجه الاتهام إلى الرقابة التي تُجهض كثيراً من الأفكار منذ البداية، وتخفض سقف الحريات في التعبير، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاشتباك مع قضايا المجتمع غير مطلوب رقابياً، «فحين نشارك بفيلم في الخارج تلاحقه الاتهامات، مثلما اتهم البعض فيلم (ريش) بأنه يعادي الوطن، وبسبب الضغوط اضطر صناعه إلى سحبه من العرض، وبالتالي حُرم من المشاركة بالأوسكار».

ويضيف أنه «تم منع عرض فيلم (شرق 12) للمخرجة هالة القوصي في مصر، ولم يتمكن من المشاركة بمهرجانات مصرية، لكن رئيس الرقابة الحالي المؤلف عبد الرحيم كمال منحه فرصة للعرض التجاري، فالمسألة ليست قوانين، لكن مدى تفهم الرقيب للعمل الفني».
توقف دعم الدولة
ويلفت الشناوي إلى توقف دعم الدولة للسينما رغم أهمية ذلك في تمويل الأفلام الجيدة، لافتاً إلى وجود مبدعين كبار في مجال السينما تشارك أفلامهم بمهرجانات دولية مثل سارة جوهر مخرجة فيلم «عيد ميلاد سعيد»، التي قدمت فيلماً رائعاً، لكن معركة «الأوسكار» في فئة الفيلم الأجنبي تتسم بالشراسة، والمنافسة تكون بين أقوى الأفلام العالمية، «لكن تظل لدينا بارقة أمل في مخرجة جديدة قدمت طرحاً إنسانياً جميلاً».






