سلطات طرابلس أمام «تحديات» إبعاد المقار العسكرية عن الأحياء السكنية

بعد انفجار مخزن للذخيرة في مصراتة

مظاهرات في مصراتة للمطالبة بإخراج مخازن الأسلحة من المناطق السكنية (وكالة الأنباء الليبية)
مظاهرات في مصراتة للمطالبة بإخراج مخازن الأسلحة من المناطق السكنية (وكالة الأنباء الليبية)
TT

سلطات طرابلس أمام «تحديات» إبعاد المقار العسكرية عن الأحياء السكنية

مظاهرات في مصراتة للمطالبة بإخراج مخازن الأسلحة من المناطق السكنية (وكالة الأنباء الليبية)
مظاهرات في مصراتة للمطالبة بإخراج مخازن الأسلحة من المناطق السكنية (وكالة الأنباء الليبية)

بينما يطالب مواطنون من مدينة مصراتة، بغرب ليبيا، بضرورة إبعاد المقار العسكرية ومخازن الأسلحة من المناطق المأهولة بالسكان، يرى متابعون أن تنفيذ هذه المطالب يكتنفه عدد من «العراقيل والتحديات».

وكان انفجار مخزن للذخيرة في مصراتة قبل أسبوع قد أسفر عن إصابة 16 شخصاً بجروح طفيفة، في حين لا تزال التحقيقات جارية لمعرفة أسبابه.

وأعاد حادث مصراتة إلى الواجهة المطالب الشعبية بضرورة إخلاء الأحياء السكنية من أي مقرات عسكرية أو أمنية في المنطقة الغربية.

وعاشت العاصمة طرابلس خلال الأسبوعين الماضيين تصعيداً عسكرياً بين حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، و«جهاز الردع».

ونظم سكان بمدينة مصراتة مظاهرات احتجاجية للمطالبة بنقل المقرات العسكرية ومخازن الذخيرة بعيداً عن المناطق السكنية.

الملايين من قطع الأسلحة

قال وزير الدفاع الليبي الأسبق محمد البرغثي لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود أي مقر عسكري أو مخزن سلاح، سواء تابع لقوى نظامية أو غيرها، يشكل خطراً مباشراً على المدنيين».

وأشار البرغثي إلى ما ترصده تقارير أممية عن «وجود نحو 20 مليون قطعة سلاح في ليبيا، وامتلاك مجموعات عدة أسلحة حديثة، من بينها طائرات مسيّرة؛ ما يضاعف احتمالات وقوع كارثة».

وحذر من «إمكانية استهداف مقار عسكرية أو مخازن ذخائر في مدن مثل الزاوية، التي تعد البوابة الغربية للعاصمة، حيث تتمركز مجموعات مسلحة من المرجح أنها تملك مخازن أسلحة وذخائر داخل مقراتها».

وأضاف: «مصراتة نفسها قد تواجه السيناريو ذاته إذا لم تلتزم السلطات بتعهداتها بعد الانفجار، خاصة مع تمركز عشرات المجموعات المسلحة فيها أيضاً»، مشيراً إلى دعم مجموعات مسلحة محلية في مصراتة «لابن مدينتهم الدبيبة في مواجهته مع (جهاز الردع)؛ ما يجعلها طرفاً مباشراً في الصراع».

الدبيبة يزور مصابي «انفجار مستودع مصراتة» (حكومة الوحدة)

ورأى البرغثي أن منطقة «سوق الجمعة» بالعاصمة، حيث تقع مقرات «جهاز الردع»، ستكون بدورها عرضة لضربات جوية إذا اندلعت المواجهة، وهو ما يهدد حياة المدنيين هناك.

وكان وكيل وزارة الدفاع بغرب ليبيا عبد السلام الزوبي، قد أصدر قراراً بتشكيل لجنة لتحديد مواقع بديلة لتخزين الأسلحة خارج الأحياء السكنية بمصراتة.

«غياب الخرائط وقواعد البيانات»

واستبعد الباحث والناشط السياسي أسامة الشحومي تنفيذ القرار «بسرعة أو بشكل كامل». واستشهد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بـ«تجارب سابقة، حين تعرضت المدينة لانفجار مماثل قبل سنوات، من دون اتخاذ إجراءات حقيقية للمعالجة».

وبحسب الشحومي، فإن «الحكومة في طرابلس تتعامل بازدواجية مع المجموعات المسلحة؛ فالبعض منها تعتبره خصماً والبعض الآخر حليفاً، ومن المرجح جداً ألا يتسم التنفيذ بالجدية إذا تعلق الأمر بمخازن ومقرات الحلفاء».

وأضاف أن «غياب خرائط وقاعدة بيانات دقيقة عن مواقع المخازن في مدن الغرب الليبي يمثل عاملاً آخر يزيد من صعوبة التنفيذ»، مشيراً إلى أن كثيراً من قادة المجموعات يخشون استهداف مقراتهم؛ ما يدفعهم لتخزين ترساناتهم في أماكن سرية مثل المنازل والمزارع.

في المقابل، يلفت عدد من المراقبين وأصحاب الخبرات العسكرية إلى أن «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، اعتمد على استخدام معسكرات ومخازن الجيش في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، والتي تقع في الغالب بعيداً عن المناطق السكنية.

قوات من الشرطة التابعة لحكومة «الوحدة» في شوارع طرابلس بغرب ليبيا (وزارة الداخلية)

ويتوقع الناشط السياسي الليبي وعضو «حزب الجبهة الوطنية»، همام غليو، أن تلتزم السلطات بتعهداتها بنقل نحو 70 في المائة من مخازن السلاح والذخيرة التي تكتظ بها مصراتة منذ سقوط نظام القذافي.

ولفت غليو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الاعتراضات الشعبية التي أعقبت الانفجار لم تواجه بمعارضة من قبل المجموعات المسلحة المنتشرة في المدينة»، مرجعاً ذلك إلى «خشية قادة هذه المجموعات على ذويهم من سكان مصراتة».

ويرى غليو أن الاحتجاجات قد تتجدد إذا لم تُنفذ التعهدات، في ظل إدراك الجميع أن «سرعة الاستجابة بإجلاء السكان من المناطق القريبة من مخزن الذخيرة ساهمت في تقليص حجم الخسائر».

معضلة أمنية

ويرى المحلل السياسي فرج فركاش أن انتشار السلاح وتخزينه «باتا يمثلان معضلة أمنية منذ سقوط نظام القذافي» في ظل بروز المجموعات المسلحة وتصاعد الصراعات بالبلاد خلال العقد الماضي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تجارب دولية يمكن الاستفادة منها في نقل المخازن خارج المدن، لكن في الحالة الليبية ثمة عراقيل سياسية وأمنية قد تعوق التنفيذ، مثل عدم توثيق مواقع المخازن، أو تبعيتها لمجموعات مسلحة محلية تمتلك حاضنة شعبية».

ولفت فركاش إلى أن بعض هذه المجموعات يرفض التفريط في الذخائر التي تعتبرها المجموعات مصدر قوتها، وتقلل من قدرة السلطة الحاكمة على تنفيذ القرار؛ نظراً لانشغالها بصراعات أخرى وضغوط دبلوماسية مرتبطة بالوضع السياسي المعقد بالبلاد.

وتتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» التي تتخذ من العاصمة مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان وتدير الشرق وبعض مدن الجنوب بقيادة أسامة حماد.

وانتهى فركاش إلى أن الحل «يكمن في تشكيل لجنة وطنية ودولية مشتركة تشرف على نقل المخازن». وهو يرى أن ذلك «لن يتحقق إلا إذا دفعت العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، نحو توحيد المؤسسة العسكرية في الشرق والغرب، بما يمهد لتنفيذ برامج نزع السلاح وإعادة دمج المجموعات المسلحة تحت سلطة الدولة».


مقالات ذات صلة

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شمال افريقيا شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

أُقيمت في العاصمة الليبية طرابلس، السبت، مراسم تأبين رسمية وعسكرية مهيبة لرئيس أركان قوات حكومة «الوحدة» (المؤقتة)، محمد الحداد، ومرافقيه.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)

«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

دفعت الشكاوى المتصاعدة بشأن «تكدس مراكز الاحتجاز» وتردّي أوضاع السجناء، حكومتي شرق وغرب ليبيا إلى إعادة فتح ملف السجون.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)

ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

عدَّ المحلل السياسي، فرج فركاش، أن غياب رئيس الأركان الليبي، الفريق أول محمد الحداد، بهذا الشكل المفاجئ «يشكل ضربة قوية للمؤسسة العسكرية في غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا لجنة التحقيق في حادثة سقوط الطائرة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بطرابلس)

نقل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي إلى ألمانيا للتحقيق

توقع مصدر ليبي مقرب من المجلس الرئاسي وصول جثامين ضحايا الطائرة المنكوبة إلى البلاد، السبت، وذلك عقب انتهاء مراسم تأبينهم بقاعدة مرتد العسكرية في أنقرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا شكّل التراجع النسبي لنفوذ «جهاز الردع» محطةً مفصليةً في هذا التحول عززت سيطرة «الوحدة» على العاصمة (الشرق الأوسط)

سقوط قادة ميليشيات يُعيد رسم خريطة النفوذ الأمني في العاصمة الليبية

يرى مراقبون ليبيون أن التحول الأبرز في المشهد المسلح بغرب ليبيا تمثل في مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز «دعم الاستقرار»، قبل سبعة أشهر، ثم التخلص من الدباشي.

جاكلين زاهر (القاهرة)

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
TT

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)

قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية لمياء عبد الغفار، اليوم الأحد، إن رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس سيباشر مهامه من العاصمة الخرطوم في «غضون الأيام المقبلة».

وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن الوزيرة أطلعت خلال زيارة إلى العاصمة الخرطوم على «ترتيبات انتقال الوزارات إلى المقار التي تم تحديدها لاستئناف أعمالها مع بداية العام الجديد»، مؤكدة «تقديم الدعم الكامل لحكومة الولاية لاستكمال منظومة الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه».

وأوضحت الوكالة الرسمية أن والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، أطلع الوزيرة على «مجمل الأوضاع بالولاية ومدى الاستعداد لعودة الحكومة للخرطوم»، مشدداً على «استمرار العمل لمزيد من التهيئة في كافة النواحي من أجل العودة الكاملة للمواطنين والحكومة».

وأشارت الوكالة إلى أن وزيرة شؤون مجلس الوزراء ووالي الخرطوم تفقدا مطار الخرطوم ومنشآت أخرى استعداداً لعودة الحكومة للعمل من العاصمة.

وانتقلت الحكومة للعمل من مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر بشرق البلاد عقب اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع في أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
TT

استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)

يعوّل الصومال على دعم عربي وإسلامي لمواجهة اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً، وقد استجابت جامعة الدول العربية لطلبه بعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين، اليوم.

وأكَّد السفير الصومالي في القاهرة والمندوب الدائم لدى الجامعة، علي عبدي أواري، لـ«الشرق الأوسط» أنَّ «بلاده تتحرَّك على المستويين العربي والإسلامي، لرفض ما أعلنت عنه تل أبيب، والدفاع عن السيادة الصومالية»، وقال: «من بين التحركات طلب اجتماع للجامعة العربية بشكل عاجل». وأشار إلى أنَّ «بلاده تدعو لاجتماع قمة عربية إسلامية قريباً، ضمن تحركاتها الدبلوماسية».

وحرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من السلطة الفلسطينية و«حماس» ومقديشو، من أنَّه يحمل احتمالاً لأن يكون هذا الإقليم موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت إليه إسرائيلُ منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

وأشار خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى مخاوفَ من أنَّ الخطوة الإسرائيلية ستُعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك، وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

وسط طوفان ردود فعل على الخطوة الإسرائيلية، وبخلاف الرفض العربي، جاء موقف لافت من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ طغى عليه «السخرية من ذلك الإقليم». فقد أعلن ترمب عن رفضه الاعترافَ باستقلال «أرض الصومال»، متسائلاً: «هل يعرف أحدٌ ما هي أرض الصومال، حقّاً؟».


بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

دخلت بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك للمرة الأولى منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنَّ بعثة تقييم وصلت إلى مدينة الفاشر، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة، مضيفاً أنَّ البعثة تضمُّ وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية.

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، وقال في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول جاء عبر مسار يسَّرتْه الولايات المتحدة.