تصاعد «حديث الحرب» بين مصر وإسرائيل، على خلفية أزمة «تهجير الفلسطينيين» من قطاع غزة، في ظل «توتر غير مسبوق» للعلاقات بين البلدين، لا يرقى، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إلى حد التصعيد العسكري، لا سيما مع «حرص البلدين على السلام، وإن أظهرت التصريحات الإعلامية غير ذلك».
وشهدت الآونة الأخيرة تصاعداً في حدة «التوتر» بين مصر وإسرائيل، عكسته تصريحات إعلامية من الجانبين، وانتقل إلى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي لتتصدر هاشتاغات، مثل: «#الجيش_المصري_قادر_وجاهز»، و«#عاش_الجيش_المصري_عاش»، مدفوعةً بدعوات إعلامية؛ حيث طالب الإعلامي المصري، أحمد موسى، رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر هاشتاغ الجيش المصري حتى «يزلزل منصة (إكس)».
عايزين من فضلكم الهاشتاج ده يزلزل منصة x :# عاش_الجيش_المصرى_عاش
— أحمد موسى - Ahmed Mousa (@ahmeda_mousa) September 5, 2025
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة من بيان للمتحدث العسكري المصري عن تفقّد رئيس أركان حرب القوات المسلحة للمنظومة التعليمية في المعاهد العسكرية، ظهر في خلفيتها لوحة كُتِب عليها «المبادئ العامة للعمليات الهجومية الإسرائيلية».
وقال المدوِّن المصري، لؤي الخطيب، عبر حسابه على منصة «إكس»، إن «هذه الصورة تقول إن الضباط يتعلمون كيف يتعاملون مع العدو الإسرائيلي عسكرياً، وهو شيء يستعد له الجيش طوال الوقت، لكنه زاد أخيراً، نتيجةَ وصول التوتر لمستويات غير مسبوقة».
"المبادئ العامة للعمليات الهجومية الإسرائيلية"الصورة دي من بيان المتحدث العسكري عن تفقد رئيس أركان حرب القوات المسلحة، للمنظومة التعليمية في المعاهد العسكرية التخصصية لضباط القوات المسلحة..المنظومة التعليمية داخل القوات المسلحة مش حاجة جانبية، دي بتلازم الضباط من أول لحظة... pic.twitter.com/ojYSVA5iSK
— Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb) September 5, 2025
في المقابل، نشرت وسائل إعلام عبرية تحذيرات من «تعزيز مصر لوجودها العسكري في سيناء». وقال الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي، أرييل كاهانا، لصحيفة «يسرائيل هيوم» إن «مصر تنتهك اتفاق السلام، بزيادة الحشود العسكرية في سيناء». بينما نشر موقع «JDN» الإسرائيلي تقريراً تضمن تساؤلات بشأن «مدى استعداد إسرائيل لمواجهة عملية عسكرية مصرية».
هذا الحديث المتواتر عن الحرب جاء مدفوعاً بسجال سياسي بين مصر وإسرائيل، على خلفية أزمة «التهجير»، تصاعد أخيراً عقب تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، قال فيها: «هناك خطط مختلفة لكيفية إعادة إعمار غزة، لكن نصف السكان يريدون الخروج. هذا ليس طرداً جماعياً، وأستطيع أن أفتح لهم معبر رفح، لكن سيتم إغلاقه فوراً من مصر».
وعقب حديثه، قال رئيس «هيئة الاستعلامات» الرسمية بمصر، ضياء رشوان، في مقابلة متلفزة، إن نتنياهو يريد فتح معبر رفح من أجل «المنافي للفلسطينيين والشتات مرة أخرى».
كما أعربت مصر، في بيان لوزارة الخارجية، الجمعة، عن «بالغ استهجانها» للتصريحات، مؤكدة أنها «لن تكون أبداً شريكاً في هذا الظلم، من خلال تصفية القضية الفلسطينية، أو أن تصبح بوابة التهجير، وأن هذا الأمر يظل خطاً أحمر غير قابل للتغيير».
ولم ينتهِ السجال؛ حيث قال نتنياهو، في بيان صادر عن مكتبه، مساء الجمعة، إن «وزارة الخارجية المصرية تفضل سَجن سكان غزة الذين يريدون مغادرة منطقة الحرب ضد إرادتهم».

بدوره، قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت، إن وصف تهجير الفلسطينيين بالطوعي «هراء». وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مع المفوض العام لوكالة «الأونروا»، فيليب لازاريني، أن «مسألة التهجير خط أحمر للأردن ومصر والدول العربية، ولن يتم السماح به تحت أي ظرف من الظروف... إذا كانت هناك مجاعة مِن صنع البشر، فهذا لدفع السكان للخروج من أرضهم. هذا هراء؛ أن نقول إن هناك تهجيراً طوعياً».
وتداولت وسائل إعلام محلية وعربية السجال الدائر، وعدَّ الإعلامي المصري، عمرو أديب، في برنامج «الحكاية»، على فضائية «إم بي سي مصر»، مساء الجمعة، ما يحدث «ذروة التوتر في العلاقات بين مصر وإسرائيل... لم يرَ مثله بينهما منذ فترة طويلة».
ووصف الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، ما يحدث بأنه «حرب كلامية نفسية للضغط على مصر وحركة (حماس)، ودفعهم للقبول بتنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار وملف التهجير»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الحرب الكلامية لن تصل إلى حد المواجهة العسكرية».
وقال إن «إسرائيل تعرف حجم وقوة الجيش المصري، والتدريب العسكري الأخير بين مصر والولايات المتحدة أرسل رسالة واضحة بشأن مدى قوة واستعداد الجيش المصري لأي مواجهة».
وانطلقت، نهاية أغسطس (آب) الماضي، فعاليات التدريب المصري - الأميركي المشترك، «النجم الساطع (2025)»، الذي تستضيفه مصر بمشاركة 43 دولة.
وبينما أكد عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية في البرلمان)، الدكتور عبد المنعم سعيد، وجود «توتر» في العلاقات بين مصر وإسرائيل، قال إنه «لا يرقى للقول إن البلدين على شفا حرب». وأوضح سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث هو مواجهة سياسية - دبلوماسية، في ظل محاولات نتنياهو الدفع نحو تنفيذ مخطط التهجير الذي رفضته القاهرة مراراً».
وأشار إلى أن «الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يدفعان نحو الحرب، في مباراة إعلامية دبلوماسية لم تتحول إلى مواجهة حقيقية».

واتفق معه مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، مشيراً إلى أن «التصعيد الإعلامي والسياسي بين مصر وإسرائيل حدث من قبل، وكان أشد في حوادث سابقة، مثل انتفاضة عام 2000». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «بالمقارنة بالأوضاع في آخر عشر سنوات، ما يحدث الآن هو أقسى تصعيد بين البلدين، لكنه لا يزال في طور التصعيد الإعلامي والسياسي، في ظل تمسك البلدين بمعاهدة السلام».
وهو ما أكده خبير الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التلاسن بين مصر وإسرائيل لا يعكس الموقف الرسمي للبلدين الحريص على السلام»، مشيراً إلى أن «مصر تتعامل مع استفزازات إسرائيل بعقلانية، ولا تسير وراء تصعيد منصات التواصل».
وعزا مساعد وزير الخارجية الأسبق، عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير رخا أحمد حسن، «التوتر الحالي»، إلى «استفزازات إسرائيل التي لا تتفق مع السلام»، لكنه أكد لـ«الشرق الأوسط» أن التصعيد بين البلدين «يظل في إطار القوى الناعمة والدبلوماسية. وقد يتطور لمناحٍ اقتصادية».
والأسبوع الماضي، تصاعد السجال بين مصر وإسرائيل، على خلفية تسريبات تحدثت عن اعتزام نتنياهو «عدم تمديد اتفاق الغاز مع مصر»، وهو ما دفع رئيس «هيئة الاستعلامات» في مصر إلى الرد، محذراً من «عواقب إلغاء الاتفاق». ووصف ضياء رشوان، في لقاء تلفزيوني، حرب عام 1973 بين مصر وإسرائيل بأنها كانت «نزهة». وقال: «الآن الأسلحة تطوّرت، والمسافات قصرت، والقدرة على استخدام الأوراق العسكرية مختلفة؛ إذ حشدت تل أبيب 5 فرق لمحاولة السيطرة على قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 356 كيلومتراً، فماذا ستفعل في مواجهة جيوش نظامية حقيقية في المنطقة؟!».

والشهر الماضي، حذرت مصر من الاقتراب من حدودها. وقال محافظ شمال سيناء، اللواء خالد مجاور، في تصريحات متلفزة، إن أي محاولة للاقتراب من الحدود ستواجَه بـ«رد مفاجئ».
وفي رأي الشوبكي، فإن «التصعيد الحقيقي سيحدث إذا ما أقدم نتنياهو على دفع الفلسطينيين إلى الحدود نحو سيناء»، لكنه أشار إلى أن «إسرائيل تبحث عن بدائل كثيرة، وتتحرك بالمغريات المالية والهجرة الطوعية لتلافي هذا السيناريو».
ودعا مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق إلى «استغلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للضغط على إسرائيل من أجل إيقاف الحرب».
بينما عوّل عضو مجلس الشيوخ المصري على «تضافر جهود الدول التي لديها علاقات سياسية أو تجارية مع إسرائيل، واستغلال هذه الورقة في الضغط على نتنياهو لوقف الحرب»، فيما وصفه بـ«تكتل دول السلام من أجل إقامة السلام».
وتشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل «توتراً»، منذ بدء الحرب في غزة، بدأت ملامحه في البداية باتهامات متبادلة بالمسؤولية عن إغلاق معبر رفح، وتصاعد تباعاً، لا سيما مع حديث عن انتهاك إسرائيل لمعاهدة السلام بالوجود في «محور فيلادلفيا»، واتهامات إسرائيلية للقاهرة بخرق المعاهدة عبر «تحديث البنية العسكرية في سيناء». لكنه «توتر» لم يؤثر حتى الآن على معاهدة السلام بين البلدين، ولم يمنع استمرار التواصل عبر لجان أمنية من الجانبين، إضافة إلى جهود وساطة مستمرة من جانب القاهرة بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة.







