احتفالٌ بالموسيقى الكلاسيكية في «الجامعة الأميركية»: نغمات تتخطَّى الزمن

فنٌ يتجدَّد مع كلّ جيل بالوفاء للإرث وجرأة الابتكار

أصوات شابّة تمنح الإرث العريق وجهاً جديداً (الشرق الأوسط)
أصوات شابّة تمنح الإرث العريق وجهاً جديداً (الشرق الأوسط)
TT

احتفالٌ بالموسيقى الكلاسيكية في «الجامعة الأميركية»: نغمات تتخطَّى الزمن

أصوات شابّة تمنح الإرث العريق وجهاً جديداً (الشرق الأوسط)
أصوات شابّة تمنح الإرث العريق وجهاً جديداً (الشرق الأوسط)

في قاعة «الأسمبلي هول» العريقة بالجامعة الأميركية في بيروت، اجتمع عشّاق الموسيقى الكلاسيكية. المقاعد ازدحمت بالطلاب والمهتمّين والمُحبّين، فبدا المكان فضاء يتّسع لكلّ مَن يودّ أن يجد في الموسيقى ملاذاً من فوضى الأيام. كان الحفل دعوة إلى الإصغاء بوعي مختلف، حيث كلّ مقطوعة نافذة على عالم خاص، وكلّ لحن يفتح باباً على سؤال أو ذكرى.

الموسيقى حضور يتجدّد كلما أصغينا بقلوبنا (الشرق الأوسط)

أول الأصوات التي انبعثت في القاعة كانت للسوبرانو جندة علي منصور، مع ميشال أبو جودة على البيانو. أدّت آريا من أوبرا لموتسارت، فجاءت مَرِحة وساخرة في آن، إذ سخرت شخصية «ديسبينا» من إخلاص الرجال، فجمعت بين الدعابة الاجتماعية وخفّة النغم، لتكشف عن روح موتسارت التي تُوازن بين السخرية والمرح المُتقن. ومع سرعة الإيقاع وبريق الجُمل القصيرة، بدا الحضور كأنهم أمام حوار كوميدي تقوده الموسيقى بدهاء. لكن جندة منصور سرعان ما بدَّلت الجوّ وانتقلت مع شوبرت إلى أغنيته الشهيرة «أنت السلام». هناك انكشف بُعد آخر لصوتها. فالأغنية، التي كتبها شوبرت على نصّ لروكرت، تحوّلت إلى أنشودة هدوء أتاحت للحضور اختبار إحساس داخلي عميق.

أبو جودة نفسه عاد منفرداً ليُقدّم لمندلسون «ورقة الألبوم»؛ مقطوعة قصيرة وبسيطة، لكنها مُكثّفة بالعاطفة. تراءت مثل رسالة شخصية، تُذكّر بأنّ الجمال قد يختبئ في أبسط الأشكال وأكثرها شفافية. هنا، بدا الحفل كأنه يتوقّف ليلتقط أنفاسه قبل إكمال الرحلة.

ما بين النغمة والأخرى فراغٌ يمتلئ بما نشعر نحن به (الشرق الأوسط)

ثم جاء عزف ثيودور الحاج على إحدى مقطوعات شوبرت للبيانو. الموسيقى تماوجت بين الرقّة والانفعال، وبين الوضوح واشتعال العاطفة. لُمحت اليدان تعملان في مسارَيْن مختلفَيْن، لكنهما اجتمعتا في أثر واحد يصل إلى النفس.

وفي الغناء مجدّداً، أطلّ التينور غارين كازانجيان برفقة كيفن يوسف. أدّيا معاً أغنية بوتشيني «الأرض والبحر»؛ مقطوعة مبكرة تُشبه تمهيداً للأوبرا التي سيصنع بها مجده لاحقاً. الأغنية بدت مثل ميزان حسّاس بين حنين اليابسة وإغواء البحر. ثم ارتفع كازانجيان إلى قمة درامية في آريا «سلام عليك يا عايدة» لفيردي، حيث لقاء القوة العسكرية بالشجن الإنساني، لتتجلّى في لحن واسع يُكثّف عبقرية الأوبرا الإيطالية التي تجمع بين البطولة والوجدان.

كيفن يوسف، الذي رافقه، جلس منفرداً إلى البيانو ليُقدّم إحدى أكثر مقطوعات رحمانينوف شهرةً. بدأ بضربات افتتاحية حادّة، ثم اندفع إلى قسم وسطيّ عاصف، قبل أن يُعيد السامعين إلى الهدوء الأول. كان المشهد أشبه بمسير تحت رياح هوجاء، تُذكّر بأنّ رحمانينوف كان يكتب بذاكرة مُثقلة وبروح روسية مشبَّعة بالنوستالجيا والأسى.

البيانو يبوح بما تعجز عنه الحروف (الشرق الأوسط)

ومن روسيا إلى فرنسا، انتقل مارك إميل بستاني بالمستمعين إلى فضاء انطباعي مع موريس رافيل وقطعة «قارب على المحيط». هنا، بدا الحضور كأنهم يُبحرون فعلاً في بحر بلا شطآن، يترقّبون تبدُّل الأفق عند كلّ موجة.

ثم جاء دور الأرغن، حين جلس خليل شاهين ليعزف مقطوعة سيزار فرنك؛ «الصلاة». بدأت الألحان متأمِّلة وبطيئة، كأنها ترسم مساراً روحياً صاعداً، ثم راحت تبني نفسها تدريجياً حتى بلغت الذروة، قبل أن تخبو بسكينة. مقطوعة أشبه بتضرُّع موسيقي يترك في النفوس أثراً يُشبه الخشوع.

وأخيراً، كان لا بدّ من الإصغاء إلى صوت معاصر، فظهر المؤلِّف والعازف اللبناني الشاب، وئام حداد، ليُقدّم عمله «البريلود والنوكتورن». البريلود جاء مشدود الإيقاع في بنيته، فراحت الجُمل القصيرة تتّسع وتتصاعد مُمهِّدةً لاستعادة هدوئها. أما النوكتورن، فأتاح التأمُّل والغرق في الغنائية الحالمة، بفيضه بخطوط لحنيّة ممتدّة كأنها مرثية لليل. في هذه اللحظة، اكتمل الحفل بإدراك الجمهور أنّ الكلاسيكية حاضرٌ يتجدّد بأقلام وأصابع شباب يكتبون سطورهم الخاصة في ذاكرة الموسيقى.

اللحن يترك أثره كما يترك الموج شكلاً على الرمل (الشرق الأوسط)

كان الحفل شهادة على أنّ الموسيقى الكلاسيكية أبعد من أن تكون رمزاً للأناقة أو تقليداً متجمّداً. إنها فعل تمرُّد وثورة على الصمت، وأثر لا ينقطع بين جيل وآخر. فمِن بيتهوفن الذي كتب ليهزّ صالونات فيينا، إلى إيغور سترافينسكي الذي أشعل صخباً في أوبرا «طقس الربيع»، ومن كلارا شومان التي كسرت جدار الصمت المفروض على النساء، إلى باخ الذي جعل النظام نفسه مغامرة، يؤكد هذا الفنّ أنه لا يعيش إلا بجرأة كسر القاعدة.

والأمسية لم تكن فعلاً فردياً معزولاً، فهي جزء من مشروع ثقافي متواصل يقوده «نادي الموسيقى الكلاسيكية» في الجامعة الأميركية. هذا النادي، الذي جمع منذ تأسيسه بين الهواة والموسيقيين الشباب، جعل من بيروت مركزاً يتّسع للتراث والحداثة معاً. فهو يُنظّم الحفلات، ويقيم ندوات ومحاضرات، ويعمل على إحياء شغف الموسيقى الكلاسيكية في مجتمع يتعطَّش للجمال وسط الصخب.

وئام حداد، الذي قدَّم مقطوعته في الحفل، هو رئيس النادي وأحد مؤسّسَيْه مع مهدي عناني، مما يجعل حضوره الفنّي والإداري دليلاً على رؤية واضحة: أنّ الموسيقى الكلاسيكية، رغم جذورها الأوروبية، يمكن أن تزدهر في لبنان، وأن تُعاد كتابتها بأصوات معاصرة. فالعازفون والمغنّون من جيل شاب لا يدّعي الاحتراف ولا يُقدّم نفسه صوتاً مُكتمل التجربة. يطلّون على الخشبة بخطوات قد تتعثَّر أحياناً، لكنّها تحمل حرارة البحث عن معنى. وهم على الأرجح لا ينظرون إلى الكلاسيكيات على أنها تدريب أكاديمي أو مهارة تقنية، وإنما نافذة على عالم يُضيء دواخلهم. يجدون في موسيقى عريقة نشأت في قاعات بعيدة وأزمنة أخرى لغة شخصية قادرة على منحهم سبباً للاستمرار. وهنا تكمن القيمة الحقيقية.


مقالات ذات صلة

الأوبرا المصرية تستقبل الكريسماس بحفل عالمي في الإسكندرية

يوميات الشرق أغاني عيد الميلاد في أوبرا الإسكندرية (دار الأوبرا المصرية)

الأوبرا المصرية تستقبل الكريسماس بحفل عالمي في الإسكندرية

استقبلت دار الأوبرا المصرية احتفالات الكريسماس لهذا العام بحفل غنائي في مسرح سيد درويش «أوبرا الإسكندرية» تضمن عزف مقطوعات موسيقية من أشهر الأعمال الكلاسيكية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الوتر السادس عمرو سليم لـ«الشرق الأوسط»: أفكر في العودة إلى التلحين

عمرو سليم لـ«الشرق الأوسط»: أفكر في العودة إلى التلحين

قال الموسيقار وعازف البيانو المصري عمرو سليم إن بينه وبين المطرب مدحت صالح كيمياء خاصة جعلتهما يشكلان ثنائياً ناجحاً في الحفلات الغنائية.

انتصار دردير (القاهرة)
الوتر السادس شيراز لـ«الشرق الأوسط»: النجومية لا تكتسب بل تولد مع صاحبها

شيراز لـ«الشرق الأوسط»: النجومية لا تكتسب بل تولد مع صاحبها

في كل مرة تبتعد فيها الفنانة شيراز عن الساحة الفنية تعود بعمل يفاجئ جمهورها وتتحوّل إلى حديث الناس.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تفاعل الجماهير في مسرح «ساوندستورم 2025» (ميدل بيست)

ختام «ساوندستورم 2025» يرسخ مفهوم المدينة الموسيقية في الرياض

أسدل مهرجان «ساوندستورم 2025» الذي تنظمه شركة «ميدل بيست» الستار على نسخة استثنائية حوَّلت أرض المهرجان في الرياض إلى مدينة موسيقية.

فاطمة القحطاني (الرياض)
يوميات الشرق تحتفي جوائز «جوي أواردز» بنجوم السينما والدراما والموسيقى والإخراج والرياضة والمؤثرين العرب (هيئة الترفيه)

انطلاق التصويت لجوائز «جوي أواردز 2026»

انطلق التصويت لجوائز صُنَّاع الترفيه «جوي أواردز 2026»، التي تُعدّ الأرقى والأضخم في المنطقة، بعد اكتمال مرحلة التسمية التي شهدت تفاعلاً واسعاً من الجمهور.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

حكم قضائي يعاقب مها الصغير بالحبس لـ«انتهاك حقوق الملكية الفكرية»

الإعلامية مها الصغير (حسابها على موقع فيسبوك)
الإعلامية مها الصغير (حسابها على موقع فيسبوك)
TT

حكم قضائي يعاقب مها الصغير بالحبس لـ«انتهاك حقوق الملكية الفكرية»

الإعلامية مها الصغير (حسابها على موقع فيسبوك)
الإعلامية مها الصغير (حسابها على موقع فيسبوك)

أصدرت محكمة القاهرة الاقتصادية، السبت، حكمها على الإعلامية المصرية مها الصغير بالحبس لمدة شهر وغرامة مالية قدرها 10 آلاف جنيه (الدولار يساوي نحو 47 جنيهاً مصرياً)، بعد اتهامها بانتهاك حقوق الملكية الفكرية في قضية «اللوحات» الفنية الشهيرة، التي ثبت ملكيتها لعدد من الفنانين العالميين، وأثيرت في مصر قبل عدة أشهر، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة حينها.

وأثيرت الواقعة بعدما ظهرت المذيعة مها الصغير في برنامج «معكم منى الشاذلي»؛ إذ أفادت بأنها رسمت اللوحات التي عرضت خلال الحلقة، بينما تبين لاحقاً أنها ليست ملكها، وهو ما اعترفت به على حسابها على «فيسبوك»، مؤكدة أن اللوحات تعود ملكيتها لفنانة دنماركية.

وحذف برنامج «معكم منى الشاذلي»، حديث الصغير من حساباته الرسمية على «السوشيال ميديا»، بينما استدعى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسؤولي القناة لمعرفة تفاصيل الواقعة.

وبدورها، نشرت الفنانة التشكيلية الدنماركية ليزا اللوحة على حسابها على موقع «إنستغرام»، وأوضحت تفاصيل ادعاء مها الصغير بملكية اللوحة، بينما علقت الإعلامية منى الشاذلي على الحلقة، وأكدت تواصل فريق عمل برنامجها مع الرسامين أصحاب اللوحات، وتوجيه الدعوة لهم ليكونوا ضيوفاً على إحدى الحلقات، في خطوة اعتبرها البعض تداركاً للخطأ الذي وقعوا فيه لعدم تحري الدقة.

وكان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، قد تلقى شكاوى من مؤسسات فنية أوروبية خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، أفادت باستخدام مها الصغير أعمالاً تخص عدداً من الفنانين دون الحصول على إذن منهم، حيث عرض البرنامج لوحات محمية بحقوق «الملكية الفكرية»، دون الرجوع إلى أصحابها أو الجهات المالكة لها، وهو ما اعتبرته النيابة تعدياً.

وأصدر المجلس حينها قراراً بمنع مها الصغير من الظهور إعلامياً لمدة 6 أشهر، لمخالفة المعايير والأكواد الصادرة عنه، إلى جانب إحالة الشكاوى إلى النيابة العامة للتحقيق، والتي قررت إحالة الصغير إلى المحاكمة، كما قام المجلس بلفت نظر فريق عمل برنامج «معكم منى الشاذلي»؛ لعدم تحرِي الدقة.

من جانبه، أكد المحامي المصري، صبرة القاسمي، أن الحكم يمكن الاستئناف عليه وتخفيفه، موضحاً أن «هناك 3 سيناريوهات متوقعة أمام محكمة الجنح المستأنفة، إما الاستئناف ووقف التنفيذ، وإما تخفيف الحكم، وإما إلغاؤه، و​قد تقرر المحكمة الاكتفاء بالعقوبة المالية (الغرامة) وإلغاء عقوبة الحبس تماماً، خصوصاً إذا قدم الدفاع ما يثبت عدم القصد الجنائي، أو إذا تم الصلح أو التسوية مع أصحاب الحقوق الأصليين، على الرغم من أن الحق الأدبي يظل قائماً»، وفق قوله.

​وأشار القاسمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «في حالات الملكية الفكرية، غالباً ما تميل المحاكم للتخفيف إذا ثبت أن الغرض لم يكن بهدف التربح التجاري».

الإعلامية مها الصغير هي ابنة مصفف الشعر محمد الصغير، وعملت بالتقديم التلفزيوني منذ سنوات عبر برنامج «الستات ميعرفوش يكذبوا»، وقبل ذلك عملت في برنامج «It’s Show time»، وكان من المفترض أن تقدم أحد البرامج الحوارية أخيراً، لكن القناة التي أعلنت عنه أوقفته عقب إثارة أزمة اللوحات.


مصر: انتقادات تدفع مسؤولين للتراجع عن منع جلوس السيدات بجوار سائقي «الميكروباص»

قرار منع السيدات من الجلوس بجوار السائقين تم إلغاؤه (صفحة إدارة المواقف العامة بمحافظة البحيرة)
قرار منع السيدات من الجلوس بجوار السائقين تم إلغاؤه (صفحة إدارة المواقف العامة بمحافظة البحيرة)
TT

مصر: انتقادات تدفع مسؤولين للتراجع عن منع جلوس السيدات بجوار سائقي «الميكروباص»

قرار منع السيدات من الجلوس بجوار السائقين تم إلغاؤه (صفحة إدارة المواقف العامة بمحافظة البحيرة)
قرار منع السيدات من الجلوس بجوار السائقين تم إلغاؤه (صفحة إدارة المواقف العامة بمحافظة البحيرة)

تسبب القرار الذي صدر بمنع السيدات من الجلوس بجوار سائقي الأجرة بمحافظة البحيرة (شمال مصر) في انتقادات، ما استدعى محافظة البحيرة للتدخل وإلغاء القرار والتأكيد على احترام وتقدير المرأة وتعظيم دورها في المجتمع.

وكان القرار الذي نشرته صفحة بعنوان «مشروع مجمع مواقف البحيرة» بتخصيص الكرسي المجاور للسائق للرجال قد أثار جدلاً وانتقادات وشكاوى، وصلت إلى ديوان محافظة البحيرة، وأصدرت المحافظة بياناً، السبت، يلغي هذا القرار، مؤكدة أنها تكنّ كل التقدير والاحترام لجميع المواطنين على حد سواء، «خصوصاً المرأة البحراوية التي نسعى للحفاظ على كل حقوقها وتعزيز تلك الحقوق، وتعظيم دورها في المجتمع»، وفق ما ورد بالبيان.

مع التأكيد أنه تم إلغاء ما صدر في هذا الشأن، وأن الهدف الأساسي الذي نسعى إليه هو تحقيق بيئة آمنة ومناسبة للجميع مع التركيز والتأكيد على حقوق كل أفراد المجتمع، وتحقيق الصالح العام. وأشار البيان إلى أن «ما تم تداوله على صفحة مشروع مجمع المواقف عقب ورود عدد من الشكاوى، لا يعكس السمة الأساسية للغالبية العظمي من سائقي البحيرة من الشهامة والكفاءة».

وحقوقياً، أبدت مبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، وهي مؤسسة نسوية معنية بالدفاع عن حقوق النساء والفتيات وتعزيز مبادئ المساواة وعدم التمييز، عن بالغ قلقها إزاء ما تم تداوله بشأن صدور توجيهات إدارية بمنع السيدات والفتيات من الجلوس بجوار سائقي الميكروباصات ووسائل النقل الجماعي بمحافظة البحيرة، حتى وإن جرى التراجع عنها لاحقاً.

وتؤكد المؤسسة، في بيان، السبت، أن «مثل هذه القرارات، سواء طُبّقت أو لم تُطبّق، تمثل انتهاكاً صريحاً لأحكام الدستور المصري، وتعكس منطقاً تمييزياً خطيراً في إدارة المرافق والخدمات العامة».

وعدّت رئيسة مؤسسة «مبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة»، هبة عادل، «التذرع بمفهوم الآداب العامة لتبرير مثل هذه القرارات يمثل توسعاً خطيراً في تقييد الحقوق»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن التراجع السريع عن القرار يُعد خطوة صحيحة، فإنه يكشف عن خلل في آليات اتخاذ القرار وغياب المراجعة الدستورية المسبقة، وهو ما يستدعي إصلاحاً مؤسسياً وتشريعياً حقيقياً».

وأكدت ضرورة «إقرار القانون الموحد لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، بوصفه الإطار التشريعي القادر على منع مثل هذه الانتهاكات»، على حد تعبيرها.

وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي تعليقات متنوعة على هذا القرار، رغم التراجع عنه، وهو ما عدّه المتخصص في علم النفس الدكتور جمال فرويز، قراراً تم اتخاذه نتيجة موقف فردي من سائق تجاه سيدة بجواره، ومثل العادة تم التعميم، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تم التراجع عن القرار مثل الكثير من القرارات الانفعالية التي تصدر من دون دراسة علمية».

وتوالت التعليقات التي أخذت القرار على محمل قد يتسبب في «وصم غير مفهوم لسيدات وسائقين»، وفق الخبير السوشيالي، معتز نادي، الذي رصد انتشار هذا القرار بشكل واسع، وأرجع ذلك لـ«كونه تصرفاً مثيراً للجدل ويفتح باباً للسخرية والتندر، ويثير علامة تعجب حول اتخاذه والتراجع عنه بسرعة»، وفق تصريحاته لـ«الشرق الأوسط».


هل يصلح النرجسيون للعمل معاً؟

عادة ما تكون العلاقة بين الأشخاص النرجسيين آسرة ومضرة (رويترز)
عادة ما تكون العلاقة بين الأشخاص النرجسيين آسرة ومضرة (رويترز)
TT

هل يصلح النرجسيون للعمل معاً؟

عادة ما تكون العلاقة بين الأشخاص النرجسيين آسرة ومضرة (رويترز)
عادة ما تكون العلاقة بين الأشخاص النرجسيين آسرة ومضرة (رويترز)

يُنظر إلى النرجسية عادةً على أنها صفة فردية. فالنرجسيون، المقتنعون بقدراتهم ومواهبهم، يبدو أنهم مصممون على شق طريقهم بأنفسهم نحو القمة. وعندما يلتقي نرجسيان، قد نتوقع أن يكره كل منهما الآخر بدلاً من السعي إلى التآلف والانسجام معاً. ومع ذلك، تستند نتائج دراسة جديدة إلى كتابات عالم النفس والفيلسوف الألماني الأميركي، إريك فروم، لتُظهر كيف يمكن أن يألف النرجسيون العمل معاً في جماعات.

تأتي الدراسة الجديدة بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى 125 لميلاد فروم، الذى يُعد من أبرز مفكري القرن العشرين الذين مزجوا بين التحليل النفسي وعلم الاجتماع والفلسفة.

والنرجسية هي سمة شخصية يعاني أصحابها من التركيز المفرط على الذات، وعادة ما يكون ذلك على حساب الآخرين. ويتصف النرجسيون بالأنانية، وبالتوق إلى الإعجاب بأنفسهم، وغالباً ما يُظهرون نقصاً في التعاطف والتواصل مع الآخرين. وبدلاً من ذلك، ينظرون إلى العلاقات على أنها فرص لتعزيز سيطرتهم عليهم.

كتبت الدكتورة سوزان كراوس ويتبرن، الأستاذة الفخرية في العلوم النفسية والدماغية في جامعة ماساتشوستس أمهيرست بالولايات المتحدة، في تعليق لها على نتائج الدراسة، المنشورة الجمعة، على موقع «سيكولوجي توداي»، كان فروم قد تناول في ستينات القرن العشرين ظاهرة أطلق عليها اسم «النرجسية الجماعية»، وربطها بمصطلح نفسي ظهر في منتصف القرن العشرين يُعرف باسم «الشخصية السلطوية». إذ يعارض الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الصفات أي مفاهيم للحرية، ويسعون جاهدين لقمع أي تعبير عن الاستقلالية لدى الآخرين.

يُعيد الباحث فولفغانغ فريندته، من جامعة فريدريش شيلر في ألمانيا، إحياء هذا المصطلح ليُطبّق على ما يعتقده الكثيرون بأنه عودةٌ حاليةٌ للسياسات الاستبدادية، مشيراً إلى أن «الأشخاص ذوي التوجه القوي نحو الهيمنة يُقيّمون الآخرين بناءً على انتمائهم الجماعي، ويعتقدون أن مجموعتهم أفضل أو أكثر قيمةً من مجموعات الآخرين». ومن ثم، ينتقل الارتباط من الاستبداد إلى النرجسية الجماعية عبر مسار توجه الهيمنة الاجتماعية.

ويؤكد فريندته على أن النرجسية الجماعية تندرج ضمن هذا التفسير، إذ إن الرغبة في استمرار وجود المجموعة تضمن بقاء أفرادها. وكما هي الحال في النرجسية الفردية السامة، ينتج عن هذا الشكل من النرجسية الجماعية رغبة في سحق من ليسوا ضمن المجموعة، مما يؤدي إلى التمركز العرقي والقومية المتطرفة.

ووفق الدراسة، تسعى هذه الجماعات إلى قادة يميلون هم أنفسهم إلى النرجسية السامة، ساعين إلى تعزيز شعور المجموعة بالتفوق وقمع الغرباء. فمن خلال التماهي مع جماعتهم، لم يعودوا يشعرون بالوحدة، ولا يضطرون لمواجهة أسئلة مُقلقة حول معنى الحياة.

ويعتمد فريندته على نتائج دراسات سابقة كشفت أيضاً أن مشجعي الفرق الرياضية المتنافسة عادة ما يقعون ضحية لهذا التحيز بسهولة. تخيل حجم العداء الذي قد ينشأ بين أشخاص كان من الممكن أن يكونوا أصدقاء لولا كراهيتهم لفريق كل منهم المفضل.

ويؤكد على أن الخروج من هذه المعضلة يتطلب فهم مفهوم «الحرية الإيجابية»، وهو مصطلح آخر مستوحى من فروم. فالحرية الإيجابية تُمكّنك من رؤية نفسك ككائن مستقل، حتى وإن كنت تُعرّف نفسك من خلال انتمائك إلى جماعة.