«ضي» ينافس في دور العرض المصرية بعد جولته بالمهرجانات

بطولة أسيل عمران وبدر محمد وإسلام مبارك

أبطال الفيلم الأربعة في مشهد من الفيلم (الجهة المنتجة)
أبطال الفيلم الأربعة في مشهد من الفيلم (الجهة المنتجة)
TT

«ضي» ينافس في دور العرض المصرية بعد جولته بالمهرجانات

أبطال الفيلم الأربعة في مشهد من الفيلم (الجهة المنتجة)
أبطال الفيلم الأربعة في مشهد من الفيلم (الجهة المنتجة)

يخوض الفيلم السعودي المصري (ضي - سيرة أهل الضي) منافسات أفلام الموسم الصيفي في مصر، حيث انطلقت عروضه تجارياً، الأربعاء، بعد مشاركته في عدد من المهرجانات، وكان قد شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» في دورته الرابعة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، وتلاه عرضه بمهرجان «برلين السينمائي الدولي» ضمن قسم «أجيال» في دورته الـ75، في فبراير (شباط) 2025.

وحاز الفيلم 4 جوائز من مهرجان «هوليوود للفيلم العربي» وهي جوائز «الأفق الذهبي» لعام 2025، وأفضل مخرج لكريم الشناوي، وأفضل سيناريو لمؤلفه هيثم دبور، كما حازت الفنانة السودانية إسلام مبارك جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وشارك الفيلم أيضاً في مهرجان «مالمو للسينما العربية»، ومهرجان «سفر السينمائي» في بريطانيا.

وتنطلق أحداث الفيلم من أسوان (جنوب مصر)، من خلال الصبي «ضي»، ويمثل شخصيته بدر محمد، المصاب في الواقع بمرض البطل نفسه «الألبينو» أو «عدو الشمس» الذي لا يتحمل مرضاه مواجهة أشعة الشمس بسبب حساسيتهم الشديدة لها، ويواجه «ضي» صعوبات بسبب مظهره الفريد، ويتعرض للتنمر من قبل أقرانه في المدرسة، ويبقى أسير المنزل بتعليمات والدته التي تلعب دورها الفنانة السودانية إسلام مبارك.

المخرج كريم الشناوي مع أبطال فيلمه في العرض الخاص (الجهة المنتجة)

وتكتشف مدرسة الموسيقى (صابرين) التي تؤدي دورها الفنانة السعودية أسيل عمران موهبة الصبي، وأنه يتمتع بصوت واعد، فتقدم له في برنامج للمسابقات الغنائية، في حين تواجه تعنت الأم ورفضها سفر ابنها، ولكن المدرّسة تصرّ على إبراز موهبة الفتى، وتصطحبهما بسيارتها لحضور المسابقة، ويسافر معها (ضي) ووالدته وشقيقته التي تلعب دورها حنين سعيد في رحلة صعبة يقطعها الأربعة، يتعرضون خلالها لأحداث تهدد وصولهم للحاق بالبرنامج.

يطل «الكينج» محمد منير، في الفيلم ضيف شرف بمشهد واحد ويتفاجأ به «ضي» داخل المستشفى، ويتجه إليه وهو لا يصدق نفسه ويروي لمنير قصته وولعه بأغنياته ويغني «ضي» لمنير «علموني عنيكي أسافر»، ليتردد مقطع الفيديو في كل أنحاء مصر، ويضم الفيلم 11 من ضيوف الشرف، من بينهم الفنان أحمد حلمي، ومحمد ممدوح، ومحمد شاهين والإعلامية لميس الحديدي، والفيلم من إنتاج أحمد يوسف، وكريم الشناوي، وهيثم دبور، وشارك في الإنتاج كل من «بلوبرنت» و«فيلم سكوير» و«سينرجي» و«سيني ويفر».

وأُقيم عرض خاص للفيلم، الثلاثاء، بحضور طاقم عمله المخرج كريم الشناوي، والمؤلف هيثم دبور، وأبطال الفيلم أسيل عمران، وبدر محمد، وحنين سعيد، كما حضره عدد من الفنانين وصناع الأفلام، من بينهم يسرا اللوزي، وهنا شيحة، وأحمد مجدي، ورشا مهدي، وأمير صلاح الدين، والمخرجان أمير رمسيس ومحمد العدل.

ورغم مشاركته اللافتة في مهرجانات عدّة، يؤكد المؤلف هيثم دبور أن الفيلم صُنع أساساً للجمهور، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «إنه فيلم تجاري من نوع خاص، يصلح لمشاهدة الأسرة مجتمعة، وكان هدفنا الأساسي تقديم فيلم عائلي ممتع ذي قيمة فنية عالية للجمهور، وليس للمهرجانات التي اجتذبها الفيلم بفضل تميزه الفني».

ويشير دبور إلى أن الفيلم سيستمر في المشاركة في مهرجانات عدّة خلال الشهر الحالي، من بينها «مهرجان بغداد».

محمد منير يفتح الطريق أمام موهبة «ضي» (الجهة المنتجة)

وعن توقيت عرضه ومدى قدرته على المنافسة في الموسم الصيفي، يقول: «هذا قرار الموزعين وهم شركاء في الفيلم ونثق باختياراتهم، وأتمنى أن تكون لدينا حظوظ جيدة في المشاهدة، لأن الفيلم حين ينال فرصة بقائه في دور العرض سيجذب جمهوراً أكبر فهو من نوعية الأفلام التي تحقق دعايتها من خلال الجمهور».

وعَدّ الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، فيلم «ضي» من أعمق الأفلام التي شاهدها في الآونة الأخيرة، مؤكداً أنه «الفيلم الأهم في عروض السينما المصرية لأنه يعالج قضية مهمة عن (الآخر) الذي قد يكون في الدين أو الشكل أو اللون»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العمق الإنساني الذي يعزف الفيلم على أوتاره هو أنه لا يوجد آخر، لذا فالبطل (الألبينو) الذي نُطلق عليه بالتعبير الشعبي المصري (عدو الشمس)، هو آخر مختلف يقوم على هذه الجزئية العميقة التي يقفز الفيلم فوقها ويضعنا أمام حالة ساحرة حققها المخرج كريم الشناوي مع المؤلف هيثم دبور».

الفنانة أسيل عمران (الجهة المنتجة)

ويتابع الشناوي: «فيلم (ضي) ينطبق عليه توصيف (سينما الطريق)، فهو يطل على مصر من أقاصي الصعيد إلى القاهرة، على عكس ما يحدث غالباً، ويقدم قراءة عكسية جميلة عبر منطق نفسي ودرامي وجمالي، ويدعونا إلى نزع الأقنعة عن وجوهنا».

ويعود المؤلف هيثم دبور ليؤكد: «النجاح، في رأيي، يتمثل في أن يشاهد الفيلم جمهور متباين ويستمتع به. فأن يجد صدى طيباً لدى الجمهور في جدة ولدى العرب المهاجرين في هوليوود، فهذا يعني أن الفيلم استطاع الوصول إلى جمهور مختلف». وأوضح أن «المهرجانات ليست سبباً في مشاهدة الجمهور للفيلم، بل يعود ذلك إلى كونه فيلماً جيداً ومسلياً ولطيفاً، وهذا ما نراهن عليه».

غير أن طارق الشناوي يرى أن «عرض الفيلم يُعد اختباراً للجمهور نفسه وليس للفيلم، فكثيراً ما طالب صناع السينما بتقديم أعمال ذات مضمون يناقش قضايانا، فهل سيُقبل الجمهور على فيلم يفتقر لنجوم الشباك؟». وأضاف أن «ضيوف الشرف من النجوم لا يمكن أن يكونوا بديلاً للبطل الذي تتجه نحوه أنظار الجمهور. وبطل الفيلم يمثل للمرة الأولى، كما أن أسيل عمران ممثلة رائعة، وإسلام مبارك السودانية كذلك، لكنهما ليستا نجوم شباك».

وأكد أن «قوة العمل وجرأته، والحميمية التي يتضمنها السيناريو، بالإضافة إلى التعبير الإبداعي والجمالي الذي حققه كريم الشناوي، كلها عوامل تسهم في جذب الجمهور».


مقالات ذات صلة

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

يوميات الشرق المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

يقدّم فيلم «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق خيرية نظمي في مشهد من فيلم «هجرة» (الشرق الأوسط)

خيرية نظمي لـ«الشرق الأوسط»: حياتي الفنّية بدأت بعد الخمسين

تعود خيرية نظمي إلى فكرة السلام الداخلي، مؤكدةً أنها تعيش حالة رضا وتصالح مع الذات...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

المخرج البريطاني روان أثالي: أمير المصري أبهرني في «العملاق»

قال المخرج البريطاني روان أثالي إن اختيار المشهد الافتتاحي لفيلم «العملاق» لم يكن قراراً مفاجئاً، بل كان محدداً منذ المراحل الأولى للكتابة.

أحمد عدلي (جدة )
يوميات الشرق لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)

حسن هادي: «مملكة القصب» كوميديا سوداء من ذاكرة الحصار

أكد حسن هادي أنَّ الفيلم حاول عكس صورة المجتمع خلال التسعينات، بسبب الحصار والعقوبات المفروضة.

داليا ماهر (الدوحة)
سينما أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)

فيلم «أڤاتار: نار ورماد»... نقاط ضعف وحسنات

كل ما يحدث في «أڤاتار: نار ورماد» على مدى ثلاث ساعات و17 دقيقة كان يمكن له أن يحدث على كوكب الأرض فيما لو قرر جيمس كاميرون وكاتبا السيناريو ذلك.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا) )

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
TT

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)

اختارت مبادرة «نوابغ العرب» البروفسور اللبناني بادي هاني للفوز بالجائزة عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البروفسور هاني، مؤكداً أن استدامة النمو الاقتصادي المرن والمتوازن تُعد ركناً أساسياً لتقدم المجتمعات وازدهار الحضارة الإنسانية. وقال في منشور على منصة «إكس» إن هاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز، قدّم «إسهامات استثنائية» في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه نشر أكثر من 200 بحث علمي، وأن كتابه في تحليل نماذج البيانات الاقتصادية بات مرجعاً للباحثين حول العالم.

وأشار الشيخ محمد بن راشد إلى حاجة المجتمعات العربية إلى اقتصاديين محترفين، مؤكداً أن السياسات الفاعلة تُبنى على علم راسخ وبيانات دقيقة، وأن «اقتصاد الأمة يُصنع بعقولها»، معبّراً عن تطلعه إلى «فصل عربي جديد» في مسيرة استئناف الحضارة العربية.

وجاء منح جائزة الاقتصاد هذا العام للبروفسور بادي هاني تقديراً لإسهاماته في تطوير أدوات التحليل الاقتصادي، خصوصاً في مجال «تحليل لوحة البيانات الاقتصادية»، الذي يعزز دقة دراسة البيانات عبر دمج معلومات من فترات زمنية ومصادر متعددة. وأسهمت ابتكاراته، بحسب المبادرة، في تحسين تقييم آثار السياسات الاقتصادية على المدى البعيد وعبر مناطق مختلفة، ما دفع حكومات ومؤسسات إلى تبنّي أساليبه في قياس كفاءة السياسات والإنفاق العام والأطر التنظيمية.

كما قدّم هاني دورات تدريبية لمختصين اقتصاديين ضمن مؤسسات دولية، بينها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنوك مركزية عدة. ونشر أكثر من 200 بحث علمي، وله مؤلفات أكاديمية مؤثرة، أبرزها كتاب «تحليل نماذج البيانات الاقتصادية» المرجعي. وهو يحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من الجامعة الأميركية في بيروت، والماجستير من جامعة كارنيجي ميلون، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

وفي إطار الإعلان عن الجائزة، أجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفسور بادي هاني أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، مشيراً إلى أهمية الأبحاث والنظريات والأدوات التي طورها على مدى عقود، والتي أصبحت ركيزة أساسية في التحليل الاقتصادي الاستراتيجي القائم على المعطيات والبيانات الدقيقة لاستشراف مستقبل التنمية وتعظيم فرصها.

واعتبر القرقاوي أن فوز هاني يمنح «دافعاً قوياً» لجيل جديد من الباحثين والمحللين والاقتصاديين العرب للإسهام في رسم المرحلة المقبلة من التنمية الشاملة في المنطقة.


آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
TT

آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

احتشد آلاف الأشخاص ورقصوا حول «ستونهنج» في إنجلترا، بينما ارتفعت الشمس فوق الدائرة الحجرية ما قبل التاريخ، اليوم (الأحد)، في الانقلاب الشتوي.

وتجمعت الحشود، العديد منهم مرتدون زي الدرويد والمشعوذين الوثنيين، قبل الفجر، منتظرين بصبر في الحقل البارد والمظلم في جنوب غربي إنجلترا. وغنى بعضهم، وضربوا الطبول، بينما أخذ آخرون وقتهم للتأمل بين الأعمدة الحجرية الضخمة.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

يقوم كثيرون بزيارة هذه الدائرة الحجرية كل صيف وشتاء، معتبرين ذلك تجربة روحية. ويعد النصب القديم، الذي بني بين 5000 و3500 سنة مضت، مصمماً ليتوافق مع حركة الشمس خلال الانقلابات، وهي تواريخ رئيسية في التقويم بالنسبة للمزارعين القدماء.

وقالت منظمة إنجلش هيريتاج، المسؤولة عن إدارة «ستونهنج»، إن نحو 8500 شخص احتفلوا يوم السبت بالموقع في سالزبوري بلين، على بعد نحو 75 ميلاً (120 كيلومتراً) جنوب غربي لندن. وأضافت أن البثّ المباشر للاحتفالات جذب أكثر من 242 ألف مشاهدة من جميع أنحاء العالم.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

واليوم (الأحد)، هو أقصر يوم في السنة شمال خط الاستواء، حيث يشير الانقلاب الشتوي إلى بداية الشتاء الفلكي. أما في نصف الكرة الجنوبي، فهو أطول يوم في السنة ويبدأ الصيف.

ويحدث الانقلاب الشتوي عندما تصنع الشمس أقصر وأدنى قوس لها، لكن العديد من الأشخاص يحتفلون به كوقت للتجديد، لأن الشمس بعد يوم الأحد ستبدأ بالارتفاع مجدداً، وستزداد مدة النهار يوماً بعد يوم حتى أواخر يونيو (حزيران).


«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
TT

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

يقدّم الفيلم العراقي «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل، مدينة الجراح المفتوحة، بعد سنوات من محاولته الابتعاد عن العراق وصراعاته، فبعد نجاح فيلمه السابق «لا مكان للاختباء» وما تركه من أثر عاطفي ثقيل عليه، كان المخرج يؤكد لنفسه أنه لن يصوّر في المنطقة مرة أخرى.

لكن المُوصل كما يقول لـ«الشرق الأوسط» أعادت جذبه ببطء حين رأى الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب مع تنظيم «داعش»، وواجه أسئلة لم يتمكن من تجاهلها حول كيفية سقوط مدينة بهذا التاريخ أمام 800 مقاتل فقط، وكيف يحاول سكانها اليوم النهوض من جديد.

الفيلم الذي حصد التانيت الفضي للفيلم الوثائقي الطويل ضمن فعاليات الدورة الـ36 من «أيام قرطاج السينمائية»، بتونس، بدأت رحلة مخرجه من فكرة مختلفة تماماً، إذ كان يبحث عن تحفة أثرية، تُعرف باسم «بطارية بغداد»، ظنّ أنها سُرقت بعد عام 2003، قبل أن يكتشف وجودها في قبو المتحف الوطني.

وثّق الفيلم جانباً من الأضرار التي لحقت بالموصل (الشركة المنتجة)

لكن زيارة إلى الموصل بدّلت مسار الفيلم، ففي أحد الأزقة الضيقة للمدينة القديمة، وقف أمام منزل دُمر بالكامل، ولم يبقَ منه سوى بوابة رخامية، يعلوها أسدان منحوتان، كأنهما الحارسان الأخيران لزمنٍ مضى، هذا المشهد كان كافياً ليقرر أنه أمام قصة أكبر من مجرد بحث أثري، بل أمام ذاكرة مدينة بأكملها.

تعرف أحمد خلال تلك الرحلات إلى بشّار، الصياد ابن الموصل وصاحب المنزل المدمر، 4 أجيال من عائلته عاشت في ذلك البيت، واليوم لم يبقَ لهم سوى هذين الأسدين، في نظر بشّار لم يكونا حجارة، بل كانا امتداداً لعائلته، لذكرياته، لروحه كلها، يذهب يومياً إلى الأطلال ليحرسهما، ويواجه محاولات سرقة متكررة، ويقاوم شعوراً لا ينتهي بأن الدولة تخلّت عنه، وأن مدينته فقدت القدرة على ضمّه، مأساته في الفيلم ليست فقدان منزل فقط، بل فقدان هوية، وفشل محاولات الإقناع بأن الوقت قد حان للبدء من جديد.

رصد الفيلم جوانب مختلفة من الحياة في الموصل (الشركة المنتجة)

وفي مقابل بشار، يظهر فخري، الشخصية التي تضيف بعداً مختلفاً للفيلم، رجلاً ستينياً، جمع على مدى سنوات أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية أنقذها من بيوت مهجورة وبقايا خراب الحرب، وحوّل منزله إلى متحف مفتوح للناس، باع سيارته، ومقتنيات زوجته، ومدخراته كلها ليحافظ على جزء من هوية الموصل. في البداية، كان يحلم بأن يضم باب منزل بشّار إلى مجموعته، معتقداً أنه يحمي تاريخ المدينة من الضياع.

لكن مع الوقت تبدأ تحولات داخلية عميقة تظهر في شخصيته، خصوصاً حين يواجهه صديقه الموسيقار فاضل بأن التاريخ ليس سلعة، وأن ما تبقى لبشّار ليس حجراً بل حياته نفسها، فيصبح هذا الصراع الإنساني بين رجلين يحبان مدينتهما على طريقتين مختلفتين محوراً أساسياً ينبني عليه الفيلم.

أما فاضل، الموسيقار الذي عاش 3 سنوات من الرعب تحت حكم «داعش»، فكان يخفي آلته الموسيقية خشية إعدامه. يخرج اليوم إلى الشارع، يعزف وسط الأنقاض، يعلّم جيلاً جديداً من الشباب ومعظمهم من الفتيات ويعيد الموسيقى إلى مدينة حاول التطرف أن يخنق صوتها، وجوده في الفيلم لا يقدّم بعداً موسيقياً جمالياً فقط، بل يعكس التغيّر الأعمق الذي عاشته الموصل بعد التحرير، انفتاحاً ثقافياً مفاجئاً وغير متوقع، وعودة للحياة المدنية من خلال الفن، لا السياسة.

التصوير كان رحلة محفوفة بالمخاطر كما يؤكد المخرج، فالكاميرا في العراق ليست موضع ترحيب، الناس يخشونها، السلطات تشك فيها، والمخابئ والممرات تحت الأرض كانت لا تزال مليئة بالألغام وبقايا العبوات، كثيراً ما أوقفته الشرطة أو اتهمه البعض بالتجسس، بينما كان يحاول الحفاظ على سلامة فريقه وسلامة الشخصيات التي ترافقه داخل أحياء مهدمة. ومع ذلك، كان الإحساس بأن الوقت ضيق والمدينة تتغير بسرعة دافعاً له للاستمرار، كما لو أنه يصوّر آخر فرصة لتوثيق ما تبقى من ذاكرة شفافة قبل أن تذوب.

خلال 5 سنوات من العمل، جمع المخرج أكثر من 600 ساعة تصوير، لم يكن يعتمد على سيناريو ثابت، بل على تطور القصة من قلب الواقع، وعلى اللحظة التي يلتقطها بعفوية، وعلى مشاهد تنشأ من الصمت أو من جملة يقولها بشّار أو فخري أو فاضل. ولهذا يبدو الفيلم حياً، غير مشكَّل مسبقاً، أقرب إلى تسجيل نبض مدينة تبحث عن روحها.

عودة الروح والموسيقى إلى الموصل بعد تحريرها من أيدي «داعش» (الشركة المنتجة)

يمتد أثر الفيلم إلى ما يتجاوز الشخصيات، فالموصل التي يظهرها أحمد ليست مجرد مدينة مدمرة، بل مدينة تحاول استعادة معمارها وروحها وذاكرتها، حيث نساء يخرجن إلى الساحات من جديد، فنانون يعيدون افتتاح المسرح، موسيقيون يدرّبون أطفالاً صغاراً، ومتحف وطني يُرمَّم بعد أن دمّره «داعش»، كل تفصيلة تتحرك داخل الفيلم باعتبارها جزءاً من سؤال أكبر؛ هل يمكن لمدينة فقدت كل شيء أن تستعيد هويتها؟ وهل يستطيع الإنسان أن يشفى من ذاكرة الحرب؟

ورغم أن الموصل اليوم أكثر أماناً، فإن المخرج يذكّر بأن الأفكار المتطرفة لا تختفي بسهولة، ويرى أن المدينة مثل مرآة للمنطقة كلها، وأن ما يحدث فيها يعكس ما يمكن أن يحدث في مدن أخرى إذا تُركت بلا دعم حقيقي أو دون إعادة بناء للثقة والوعي والانتماء.