كييف: روسيا تشن هجوماً جوياً كاسحاً تزامناً مع حضور بوتين العرض العسكري الصيني

الكرملين: آراء ميرتس بشأن محادثات أوكرانيا لا تهم بعد تصريحاته عن بوتين

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
TT

كييف: روسيا تشن هجوماً جوياً كاسحاً تزامناً مع حضور بوتين العرض العسكري الصيني

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

دوّت صفارات الإنذار لساعات في مختلف أنحاء أوكرانيا، حيث سُمعت أصوات الانفجارات في تسع مناطق من أصل أربع وعشرين، امتدت من العاصمة كييف إلى لفيف وفولين غرباً. وقالت وكالات دولية عدة إن روسيا أطلقت أكثر من 500 طائرة مسيَّرة و24 صاروخاً على أوكرانيا خلال الليل، نقلاً عن السلطات المحلية، الأربعاء.

وتزامنت الهجمات مع حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرضاً عسكرياً في بكين إحياءً لذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، حذَّر خلاله الرئيس الصيني شي جينبينغ من أن العالم أمامه خيار بين السلام والحرب.

رجال إطفاء يعملون في موقع دمار مرائب شركة سيارات تضررت خلال غارات روسية بطائرات مُسيَّرة وصواريخ في خملنيتسكي بأوكرانيا (رويترز)

وأعلنت قيادة القوات المسلحة في بولندا، المجاورة لأوكرانيا من الغرب والعضو في حلف شمال الأطلسي، أنها فعَّلت طائراتها وطائرات حلفاء لها لضمان السلامة. وكتبت قيادة العمليات على «إكس»: «تنفذ روسيا مرة أخرى ضربات تستهدف الأراضي الأوكرانية».

وقالت القوات الجوية الأوكرانية إنها أسقطت 430 من أصل 502 طائرة مسيَّرة و21 من 24 صاروخاً أطلقتها روسيا خلال الليل، مضيفة أن ثلاثة صواريخ و69 طائرة مسيَّرة ضربت 14 موقعاً.

وذكرت شركة السكك الحديدية الأوكرانية المملوكة للدولة عبر «تلغرام» أن عدداً من عمالها في منطقة كيروفوهراد بوسط البلاد نُقلوا إلى المستشفى عقب إصابتهم جراء الهجوم الروسي خلال الليل، مشيرة إلى تأخيرات وصلت إلى سبع ساعات في عشرات الرحلات نتيجة تضرر مرافقها.

وذكرت هيئة الطوارئ الأوكرانية على «تلغرام» أن عمال السكك الحديدية كانوا بين خمسة جرحى في مركز السكك الحديدية الرئيسي في زناميانكا بمنطقة كيروفوهراد، حيث تضرر 28 منزلاً أيضاً.

وقال فياتشيسلاف تشاوس، حاكم منطقة تشيرنيهيف، إن الهجوم تسبب في انقطاع الكهرباء عن 30 ألف شخص وألحق أضراراً بالبنية التحتية المدنية الحيوية في شمال المنطقة.

وقالت إدارة مدينة خملنيتسكي في غرب أوكرانيا عبر «تلغرام» إن وسائل النقل العام في المدينة واجهت «اضطرابات كبيرة في جدولها الزمني» عقب الهجوم؛ إذ أشار حاكم المنطقة إلى اندلاع حرائق وأضرار لحقت بمبانٍ سكنية وغيرها.

وقالت هيئة الطوارئ إن رجال الإطفاء في منطقة إيفانو فرانكيفسك كانوا يكافحون ألسنة اللهب التي التهمت نحو تسعة آلاف متر مربع من مرافق التخزين.

ولم يصدر تعليق حتى الآن من روسيا. وينفي الجانبان استهداف المدنيين في ضرباتهما خلال الحرب التي شنتها روسيا بغزو شامل لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

ويواصل الرئيس الأوكراني والقادة الأوروبيون المباحثات التي تهدف إلى تعزيز الدفاعات الأوكرانية، وإضافة زخم إلى جهود السلام غير الناجحة حتى الآن التي تقودها الولايات المتحدة. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن الهجمات الروسية استهدفت البنية التحتية المدنية، خاصة منشآت الطاقة، وذلك مع اقتراب فصل الشتاء. ووصف زيلينسكي الهجمات بـ«الاستعراضية». وكتب زيلينسكي عبر منصة «تلغرام»: «بوتين يتباهى بحصانته»، مناشداً فرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا. وأضاف: «بسبب الافتقار للضغط الكافي، خاصة على اقتصاد الحرب، تواصل روسيا عدوانها».

وأضاف زيلينسكي أنه يتوقع حصول أوكرانيا على «تعزيز ملموس» من قمة الدول الثماني بشمال أوروبا - البلطيق المنعقدة في الدنمارك الأربعاء. ويشار إلى أن الدول الثماني بشمال أوروبا - البلطيق تتضمن الدنمارك، وفنلندا، وآيسلندا، والنرويج والسويد، بالإضافة إلى إستونيا، ولاتفيا وليتوانيا. ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء أن زيلينسكي يعتزم إجراء مباحثات ثنائية في فرنسا مساء الأربعاء قبل لقاء حلفاء أوكرانيا الخميس.

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في أنكوريج بألاسكا 15 أغسطس 2025 (رويترز)

يعتقد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، مارك روته، أن «تحالف الراغبين» الذي يضم الدول المستعدة لردع روسيا عن شن هجوم جديد بمجرد تحقق السلام في أوكرانيا، سيتوصل قريباً إلى اتفاق بشأن مفهوم الضمانات الأمنية لكييف. وفي حديثه الأربعاء، بعد اجتماعه مع الرئيس الإستوني آلار كاريس في بروكسل، قال روته إنه يتوقع «أن يتضح لنا ما يمكننا تقديمه بشكل جماعي، غداً أو بعد غد بقليل». وأضاف: «يعني ذلك أننا يمكننا التعاون بفاعلية أكبر، مع الجانب الأميركي أيضاً». ومن المقرر أن يعقد الاجتماع المقبل لـ«تحالف الراغبين»، الذي يضم نحو 30 دولة تدعم كييف ضد الغزو الروسي الشامل الذي بدأ في فبراير من عام 2022، في باريس الخميس.

من جانب آخر، قال الكرملين، الأربعاء، إنه ينبغي تجاهل آراء المستشار الألماني فريدريش ميرتس بشأن محادثات السلام الأوكرانية بعد أن أدلى بما وصفته موسكو بسلسلة من التصريحات «غير الملائمة» عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال ميرتس في مقابلة مع شبكة «برو زيبن» الألمانية، بُثت الثلاثاء، إن بوتين «ربما يكون مجرم الحرب الأخطر في عصرنا»، وإنه لا مكان للتسامح مع مثل هؤلاء الأفراد.

وينفي الكرملين أن تكون قواته ارتكبت أي جرائم حرب في أوكرانيا. ورفض مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في عام 2023 بحق بوتين والتي اتهمت فيها الزعيم الروسي بارتكاب جريمة حرب بخطف مئات الأطفال من أوكرانيا. ووصف الكرملين المذكرة بأنها «مشينة».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل مؤتمر صحافي في كييف الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، رداً على سؤال خلال زيارة للصين حول اقتراح ميرتس بأن تكون جنيف مكاناً لمحادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا «أدلى ميرتس بالكثير من التصريحات غير الملائمة في الساعات القليلة الماضية؛ لذلك من الصعب وضع رأيه في الحسبان في الوقت الحالي». ورداً على سؤال عن التصريحات التي يقصدها، قال بيسكوف «عن رئيسنا».

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة نُشرت الأربعاء، أن روسيا تسعى إلى اعتراف دولي بالمناطق الأوكرانية التي ضمتها بوصفها جزءاً من أراضيها؛ وذلك لضمان سلام «دائم».

وقال لافروف في مقابلة نُشرت على موقع وزارة الخارجية الروسية: «لكي يكون السلام دائماً، يجب الاعتراف بالواقع الجديد على الأرض... وإضفاء الطابع الرسمي عليه وفقاً للقانون الدولي».

ورد نظيره الأوكراني أندريه سيبيغا سريعاً على هذه التصريحات، قائلاً على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي: «سلسلة جديدة من الإنذارات القديمة. لم تغير روسيا أهدافها الوحشية، ولا تبدي أي استعداد للدخول في مفاوضات جدية». وأضاف: «هذا يثبت أن شهية المعتدي تزداد عندما لا يخضع للضغوط والقوة. حان الوقت لضرب آلة الحرب الروسية بعقوبات قاسية جديدة».

دمار مرائب شركة سيارات تضررت خلال غارات روسية بطائرات مُسيَّرة وصواريخ في خملنيتسكي بأوكرانيا (رويترز)

من جانب آخر، شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون على مساعدته روسيا في إخراج القوات الأوكرانية من منطقة كورسك، قائلاً إن جنود بيونغ يانغ قاتلوا «ببسالة». وأشاد بوتين أثناء اجتماعه مع كيم في بكين بـ«الثقة والصداقة» بين البلدين، وأشار إلى أن إرسال الجنود كان فكرة الزعيم الكوري الشمالي. وباتت كوريا الشمالية من بين أبرز حلفاء موسكو منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا؛ إذ أرسلت آلاف الجنود وحاويات مليئة بالأسلحة لمساعدة الكرملين على دفع القوات الأوكرانية للانسحاب من غرب روسيا بعد عملية عسكرية مباغتة نفذتها كييف في المنطقة العام الماضي.

وقال بوتين في مستهل اجتماع مع نظيره الكوري الشمالي صورته «وكالة الصحافة الفرنسية»: «بمبادرة منكم، كما هو معروف، شاركت قواتكم الخاصة في تحرير منطقة كورسك». وأضاف: «جاء ذلك في تطابق تام مع اتفاقنا الجديد. أود الإشارة إلى أن جنودكم قاتلوا بشجاعة وبسالة». وتابع: «لن ننسى قط التضحيات التي قدمتها قواتكم المسلحة وعائلات جنودكم».

أظهر مقطع فيديو نشره الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الأربعاء، إلى زيارة روسيا بعد أن أجرى معه محادثات في بكين. وقال كيم بالاستعانة بمترجم، وهو يعانق بوتين مودعاً بعد المحادثات التي استمرت ساعتين ونصف الساعة: «أراك قريباً». ورد بوتين: «نحن في انتظارك، تعال لزيارتنا». وكان كيم قد تعهد في وقت سابق بتقديم دعمه الكامل لبوتين، ووعد ببذل «كل ما بوسعي لمساعدة» موسكو، بينما عبّر بوتين عن شكره لبيونغ يانغ على إرسال قوات لقتال أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

أوروبا محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

قد تؤدّي ضربة روسية إلى انهيار الملجأ المضاد للإشعاعات داخل محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)

حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

تقف حرب أوكرانيا عند مفترق حساس: مفاوضات مكثفة لكنها غير حاسمة، واقتصاد روسي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة، وتحذيرات أميركية من الوقوع في وهم «السلام السريع».

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا صورة للواء الآلي الرابع والعشرين التابع للقوات المسلحة الأوكرانية في 22 ديسمبر 2025 تُظهر الدمار الذي لحق بمدينة كوستيانتينيفكا في منطقة دونيتسك أوكرانيا (إ.ب.أ)

الجيش الأوكراني ينسحب من مدينة سيفرسك في شرق البلاد

أعلن الجيش الأوكراني انسحابه من بلدة سيفرسك، شرق البلاد، بعدما كانت القوات الروسية أعلنت في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي السيطرة عليها.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

زيلينسكي: المفاوضات الجارية يمكن أن تغير الوضع جذرياً

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، إن المفاوضات الجارية حالياً بشأن الحرب الروسية - الأوكرانية يمكن أن تُحدِث تغييراً جذرياً في الوضع.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجل إنقاذ يعمل على إخماد نيران اندلعت جراء القصف الروسي الثلاثاء (أ.ب)

ضربات روسية واسعة النطاق على أوكرانيا

تشنّ روسيا ضربات على أوكرانيا كل ليلة تقريباً، مستهدفةً بشكل خاص البنى التحتية للطاقة، خصوصاً خلال فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

رئيس وزراء غرينلاند: مصير الإقليم يُحسم على أراضيه

رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
TT

رئيس وزراء غرينلاند: مصير الإقليم يُحسم على أراضيه

رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)

أكد رئيس وزراء غرينلاند، الثلاثاء، أن القرارات المتعلقة بمستقبل الجزيرة تُتَّخذ على أراضيها، وذلك ردّاً على محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتكررة لضمّ هذا الإقليم الدنماركي المتمتع بحكم ذاتي.

وكتب ينس فريدريك نيلسن، عبر «فيسبوك»: «غرينلاند بلدنا. قراراتنا تُتَّخذ هنا». وأعرب عن «حزن» بعد سماعه ترمب يُكرر رغبته في السيطرة على غرينلاند.

وكان ترمب كرّر، الاثنين، أنّ بلاده «بحاجة» إلى غرينلاند؛ لضمان أمنها في مواجهة الصين وروسيا. وسبق له أن أدلى بهذا التصريح بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.

وقال نيلسن: «هذه الكلمات تختزل بلدنا في مسألة أمن وسلطة. هذه ليست نظرتنا إلى أنفسنا، ولا يمكن ولا يجوز أن تُوصف حالتنا في غرينلاند بهذه الطريقة».

وشكر شعب غرينلاند على ردّ فعله «الهادئ والراقي». وأعرب عن امتنانه لدعم عدد كبير من الدول، مضيفاً: «هذا الدعم يؤكد أننا لسنا وحدنا هنا على أرضنا».

في غضون ذلك، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن غرينلاند «ملك لشعبها» وأن «الدنمارك هي ضامنتها». وكتب عبر منصة «إكس»: «أضمّ صوتي إلى أصوات الأوروبيين لأعرب عن تضامننا الكامل».


الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)

قد تؤدّي ضربة روسية إلى انهيار الملجأ المضاد للإشعاعات داخل محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا، بحسب ما قال مدير المنشأة سيرغي تاراكانوف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وصرّح تاراكانوف خلال مقابلة أجرتها معه «وكالة الصحافة الفرنسية» الأسبوع الماضي: «في حال أصابه صاروخ أو مسيّرة مباشرة أو حتّى سقط في محيطه مثلاً صاروخ من نوع (إسكندر)، لا قدّر الله، فقد يُحدث ذلك زلزالاً صغيراً في المنطقة».

وأكّد أن «لا أحد في وسعه أن يضمن أن الملجأ سيبقى قائماً بعد ذلك. وهذا هو أكبر تهديد».

والمحطّة النووية مدّعمة بهيكل من الفولاذ والإسمنت من الداخل أقيم على عجالة بعد الكارثة النووية سنة 1986 وهي مغلّفة أيضاً بغلاف خارجي حديث وعالي التطوّر يطلق عليه اسم «عازل الأمان الجديد» (NSC).

وقد تعرّض الغلاف الخارجي لأضرار كبيرة إثر ضربة بمسيّرة روسية في فبراير (شباط) تسبّبت في حريق ضخم في التكسية الخارجية للهيكل الفولاذي.

وأشار تاراكانوف إلى أن «عازلنا خسر الكثير من مهامه الرئيسية. ونحن بحاجة إلى ثلاث أو أربع سنوات لإعادة هذه الخصائص».

وما زال مستوى الإشعاعات في الموقع «مستقرّاً وبحدود العادة»، وفق المدير.

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع الشهر أن بعثة تفتيش لاحظت أن الملجأ «فقد مهامه الأمنية الأساسية، لا سيّما قدراته العازلة، لكن ما من أضرار دائمة في الهيكليات الداعمة أو أنظمة المراقبة».

وتمّت تغطية الفجوة التي خلّفتها الغارة الروسية بستار حامٍ، بحسب تاراكانوف، لكن لا بدّ من سدّ 300 ثغرة صغيرة أحدثها عناصر الإطفاء لمكافحة النيران.

وكان الجيش الروسي قد استولى على المحطّة في بداية الحرب سنة 2022 قبل أن ينسحب منها بعد بضعة أسابيع.


حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)

في وقت تدخل فيه الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الرابع، تتقاطع مسارات التفاوض الدبلوماسي مع مؤشرات متزايدة على ضغوط اقتصادية عميقة داخل روسيا، وتحذيرات سياسية صريحة في واشنطن من مغبة تقديم تنازلات للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وبينما تتحدث كييف عن اقتراب المفاوضات من «نتيجة حقيقية»، تصف موسكو التقدم بأنه «بطيء»، في مشهد يعكس فجوة التوقعات وحساسية اللحظة السياسية والعسكرية.

تباين روسي أوكراني

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن، الاثنين، أن المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية باتت «قريبة جداً من تحقيق نتيجة حقيقية» لإنهاء الحرب. وجاء ذلك بعد سلسلة اجتماعات عقدها وفد أوكراني رفيع برئاسة رستم أوميروف مع مبعوثين أميركيين وأوروبيين، بينها لقاءات استضافتها ولاية فلوريدا خلال الأيام الماضية. وفي الوقت نفسه، أجرى المفاوض الروسي كيريل ديمترييف، مبعوث بوتين، محادثات منفصلة مع مسؤولين أميركيين في الولاية نفسها، في مؤشر على تعدد القنوات وحرص واشنطن على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الطرفين.

زيلينسكي أوضح، في تجمع مخصص للدبلوماسيين الأوكرانيين، أن المفاوضات تتركز على خطة من 20 نقطة طرحها المبعوثون الأميركيون، ولا تزال قيد النقاش منذ أسابيع. وأشار إلى أن مسودات الاتفاق الحالية تتضمن نحو 90 في المائة من مطالب كييف، مع إقراره بأن أياً من الطرفين لن يحصل على كل ما يريده. غير أن الرئيس الأوكراني شدد على ضرورة أن يطلع الكونغرس الأميركي على الوثيقة الثنائية، مع الإبقاء على بعض التفاصيل والملاحق السرية، في محاولة لتأمين غطاء سياسي داخلي لأي اتفاق محتمل.

في المقابل، بدت نبرة موسكو أكثر تحفظاً. نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف تحدث عن «تقدم بطيء» في المحادثات مع الولايات المتحدة.

واقع اقتصادي صعب

هذا التباين في التوصيف بين «تقدم قوي» من وجهة نظر كييف و«بطء» من وجهة نظر موسكو، يعكس واقعاً أكثر تعقيداً على الأرض. فالحرب لم تُحسم عسكرياً، لكن كلفتها الاقتصادية والسياسية باتت أثقل على روسيا بشكل متزايد. تقارير اقتصادية غربية تشير إلى أن موسكو استنزفت معظم احتياطياتها النقدية التي اعتمدت عليها في تمويل طفرة الإنفاق العسكري، فيما تتزايد المخاوف من أزمة مصرفية محتملة في عام 2026 إذا استمرت الضغوط الحالية.

وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن العقوبات الأميركية والأوروبية، ولا سيما تلك التي استهدفت قطاع الطاقة، بدأت تترك آثاراً ملموسة.

عائدات النفط والغاز الروسية تراجعت بنسب كبيرة، مع اضطرار موسكو لبيع نفطها بخصومات حادة، في وقت صُممت فيه موازنة عام 2025 على أسعار أعلى بكثير. كما اضطرت الحكومة إلى رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية لكبح التضخم، ما أضر بالاستثمار وأثقل كاهل الشركات والأسر. ويحذر اقتصاديون من أن توسع الإقراض للقطاع الدفاعي، في ظل ضوابط أقل صرامة، خلق «كتلة معتمة» من الديون داخل النظام المصرفي قد تتحول إلى مصدر عدم استقرار واسع.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث لصحافيين في كييف الاثنين (إ.ب.أ)

أصوات أميركية تحذر

هذه المعطيات دفعت أصواتاً نافذة في الولايات المتحدة إلى التحذير من سوء قراءة ميزان القوى. في مقال مشترك في صحيفة «واشنطن بوست»، أكد السيناتوران جين شاهين (ديمقراطية) وميتشل ماكونيل (جمهوري) أن «روسيا لا تنتصر»، محذرين من الوقوع في فخ رواية بوتين القائلة إن أوكرانيا عاجزة عن الصمود.

وأشارا إلى أن موسكو تكبدت خسائر بشرية ومادية فادحة، وأن اقتصادها يدفع ثمناً باهظاً للحرب، ما يجعل إطالة أمد الصراع خياراً اضطرارياً لا تفضيلاً استراتيجياً.

ويرى هؤلاء أن أي تسوية تفاوضية حقيقية لا يمكن أن تنجح إلا إذا جاءت نتيجة تعزيز موقف أوكرانيا، لا إضعافه. فالتنازل لروسيا عما عجزت عن تحقيقه بالقوة، وفق هذا المنطق، لن يؤدي إلى سلام دائم، بل سيشجع موسكو على مواصلة سياسة فرض الأمر الواقع، ليس في أوكرانيا وحدها، بل في فضاءات أمنية أوروبية أوسع.

وفي الاتجاه نفسه، حذّر مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، من أن أخطر ما يواجه أوكرانيا حالياً لا يكمن في الهزيمة العسكرية، بل في الأخطاء السياسية الغربية. واعتبر بولتون أن تردد الاتحاد الأوروبي وفشله في التوافق على استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم كييف، بعث برسالة ضعف واضحة إلى موسكو، عززت قناعة بوتين بأن عامل الوقت يعمل لمصلحته. وانتقد بولتون ما وصفه بـ«الدبلوماسية الموالية لروسيا» التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترمب، معتبراً أن السعي إلى إنجاز اتفاق سلام سريع، من دون استراتيجية أمن قومي واضحة أو ضمانات حقيقية لأوكرانيا، يخدم الكرملين أكثر مما يخدم الاستقرار الأوروبي.

جدل داخلي

في هذا السياق، يبرز جدل داخلي في واشنطن حول نهج الإدارة الأميركية الحالية. فبينما يروج الرئيس ترمب لدوره كصانع سلام محتمل، يشكك منتقدون في جدوى مقاربة تركز على «إنجاز اتفاق» بأي ثمن، من دون تغيير حقيقي في موازين القوة. كما يلفتون إلى أن المفاوضات المتكررة مع موسكو لم تُفضِ حتى الآن إلى تنازلات روسية جوهرية، سواء على الأرض أو على طاولة التفاوض.

جنود من الجيش الروسي يقودون دبابة في أحد شوارع دونيتسك الأوكرانية (أرشيفية - رويترز)

أما أوروبا، فتواجه بدورها اختباراً صعباً. فالتردد في استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا، والانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن حجم ونوعية الدعم، يبعثان برسائل ضعف، وفق منتقدين غربيين. ومع تراجع الدعم الشعبي في بعض الدول الأوروبية، تتزايد المخاوف من أن يراهن الكرملين على عامل الوقت وتآكل وحدة الغرب.

في المحصلة، تقف حرب أوكرانيا عند مفترق حساس: مفاوضات مكثفة لكنها غير حاسمة، واقتصاد روسي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة، وتحذيرات أميركية من الوقوع في وهم «السلام السريع».