تحشيدات طرابلس... ولاءات آيديولوجية تفاقم مخاوف الليبيين من مواجهة وشيكة

تسليح خفيف ومتوسط للميليشيات المتناحرة

عناصر تابعة لجهاز «الردع» خلال طابور عسكري في العاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)
عناصر تابعة لجهاز «الردع» خلال طابور عسكري في العاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)
TT

تحشيدات طرابلس... ولاءات آيديولوجية تفاقم مخاوف الليبيين من مواجهة وشيكة

عناصر تابعة لجهاز «الردع» خلال طابور عسكري في العاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)
عناصر تابعة لجهاز «الردع» خلال طابور عسكري في العاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)

تُسلط تحشيدات الميليشيات المتناحرة في العاصمة الليبية طرابلس الضوء على تنازع الولاءات لتيارات دينية، وسباق على النفوذ داخل مؤسسات ومرافق سيادية، راسمة خريطة لمكامن قوة الخصوم في العاصمة الليبية طرابلس، على وقع رعب متزايد لليبيين من احتمال مواجهة وشيكة.

وتهيمن فصائل متحالفة وتابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على مناطق في غرب وجنوب طرابلس، فيما تقع أجزاء من شرقها تحت نفوذ خصومها، وتتمثل في عناصر «قوة الردع الخاصة». أما منطقة التماس بين الطرفين فتسيطر عليها سبعة ألوية وكتائب مسلحة من خارج العاصمة طرابلس، وتحديداً من مصراتة.

وحسب محللين ليبيين وتقارير محلية، فإن من أبرز مظاهر الولاءات الآيديولوجية في المشهد الحالي، تحالف رئيس حكومة الوحدة مع المفتي المعزول، الصادق الغرياني، الذي يقود تياراً محسوباً على ما يعرف بـ«الإسلام السياسي».

الدبيبة خلال اجتماع مع آمر المنطقة العسكرية الساحل الغربي الفريق صلاح النمروش منتصف الشهر الماضي (مكتب رئيس الحكومة)

ويُعرف الغرياني بين الليبيين بأنه حليف غير معلن لجماعات الإسلامي السياسي، وخصوصاً «الإخوان» في ليبيا، وهي وجهة نظر يتبناها المحلل العسكري الليبي، محمد الترهوني، وفق ما ذكر لـ«الشرق الأوسط». وقد دأب المفتي المعزول على قيادة حملة إعلامية داعمة للدبيبة ضد ميليشيا «الردع»، عبر قناة محلية، تتمحور حول سجناء ينتمي بعضهم إلى تنظيم «داعش» المتشدد وتنظيمات متطرفة في سجن معيتيقة، الذي يخضع لسيطرة جهاز «الردع».

وأشار الترهوني إلى وجود عناصر سابقة من تنظيمي ما يعرف بـ«مجلس شورى ثوار بنغازي»، و«مجلس شورى مجاهدي درنة»، بين صفوف قوتين تخضعان لسلطة الدبيبة، وهما «اللواء 444» بقيادة محمود حمزة، و«اللواء 111» بقيادة عبد السلام الزوبي. علماً بأن التنظيمين المتطرفين خاضا قبل سنوات حرباً ضد قوات «الجيش الوطني الليبي» في بنغازي ودرنة، في إطار ما يعرف بـ«الحرب على الإرهاب».

أما حليف الدبيبة القوي الثالث فهو ميليشيا «الأمن العام»، بقيادة عبد الله الطرابلسي، شقيق وزير الداخلية عماد الطرابلسي، وهو غير مصنف آيديولوجياً، لكنه يندرج ضمن ما يصفه محللون بأنه علاقة «تحالف نفعي»، فيما بات يعرف بـ«حكم العائلات» في ليبيا.

وكيل وزارة الدفاع في حكومة الدبيبة عبد السلام الزوبي يتوسط عدداً من أعيان مصراتة (الصفحة الرسمية للواء 111)

أما في معسكر خصوم الدبيبة، فإن ميليشيا ما يعرف بـ«جهاز الردع»، بقيادة عبد الرؤوف كارة، يتبنى فكر «السلفية المدخلية»، التي تكن خصومة آيديولوجية ضد جماعات «الإسلام السياسي»؛ وهو ما يفسر لدى محللين صداماته السابقة مع كتائب أو شخصيات محسوبة على هذه الأطياف في طرابلس.

وفي فريق الخصوم أيضاً، يبدو موقف ميليشيا ما تعرف بكتيبة «رحبة الدروع» في تاغوراء، تجسيداً لجانب من شبكة تقليدية من «تحالفات مرنة وغير مستقرة». ورغم صراع «رحبة الدروع» السابق مع ميليشيا «الردع» قبل ست سنوات، وعلاقة قائدها بشير خلف الله، المعروف بـ«البقرة»، مع المفتي الغرياني، فإن استشعارها بالخطر جعلها ربما تصطف بشكل غير معلن مع «الردع».

هذا الاصطفاف طفا على السطح بعد مقتل قائد ميليشيا «جهاز دعم الاستقرار»، عبد الغني الككلي «غنيوة»، وما تبعه من اقتحام معقله على يد قوات موالية للدبيبة في 12 مايو (أيار) الماضي. علماً بأن ميليشيا «جهاز دعم الاستقرار»، الذي تراجع نفوذه بشدة بعد مقتل قائده «غنيوة»، لا يعرف عنه انتماءات آيديولوجية.

وفي مسار متداخل مع هذا الصراع الآيديولوجي، تبدو شبكة النفوذ السيادية والأمنية والاقتصادية حاضرة في مشهد التحشيدات الميليشياوية في طرابلس.

ويتبلور ذلك في معركة النفوذ على مطار معيتيقة في طرابلس، وسجن معيتيقة الخاضع لسلطة «الردع»، إذ يطالب الأخير بتسليمه إلى سلطة حكومته تحت شعار «فرض هيبة الدولة».

وحسب الترهوني، فإن رئيس حكومة «الوحدة» يريد تشديد سلطة حكومته على «المرافق الحكومية والجهات السيادية، كالمصرف المركزي والشركات والمؤسسات، دون منافس حقيقي».

ومعلوم أن تغلغل الميليشيات في طرابلس أدى إلى ظهور «اقتصاد الحرب»، حيث أصبحت تعمل كـ«كارتل»، وتسيطر على المؤسسات الاقتصادية، وتستفيد من احتكار التهريب، والتحكّم في الدعم والسلع الموزّعة بأسعار مدعومة، وهي أيضاً تقديرات «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن.

وعلى صعيد موازين قوى النزاع المسلح في طرابلس، فإنه لا توجد تقديرات رسمية لقوى الحشد والقدرات التسليحية للميليشيات، لكنها وفق تقديرات دولية، تمتلك قدرة تعبئة سريعة، وآليات مدرعة خفيفة ومتوسطة، ومضادات أرضية، وأسلحة ثقيلة متنقلة.

عناصر تابعة للتشكيل المسلح «اللواء 444» خلال تأمين إحدى لجان الانتخابات البلدية في طرابلس (الصفحة الرسمية للتشكيل)

ويبدو حلفاء الدبيبة هم الأعلى كعباً في موازين التسليح، وتحديداً في ميليشيا «444» و«111»، وفق الترهوني، إذ إنها «الأقوى تسليحاً، استناداً إلى الدعم المالي الحكومي لوزارة الدفاع الذي قدرته بيانات المصرف المركزي بنحو 2.6 مليار دينار منذ مطلع العام الجاري». كما أن استخدام قوات حكومة الدبيبة لـ«المُسيرات» في اشتباكات مايو الماضي، طرح تساؤلات حول إمكانية دخول هذا السلاح في أي معركة مرتقبة، أخذاً في الاعتبار تقارير تتحدث عن استيراد سلطات طرابلس لمسيرات أوكرانية، ولم تقابل بنفي حكومي صريح.

في المقابل، فإن خصم الدبيبة في قوة «الردع»، يبدو على قدر عال من «الانضباط»، وفق الترهوني، حيث يمتلك قوة قوامها آلاف المقاتلين، وتسليحاً خفيفاً ومتوسطاً، مع قدرات تدخل خاص داخل العاصمة.

وأخيراً تسلط الضوء على التشكيلات العسكرية المرجحة لأي حرب محتملة، خصوصاً مع تسارع وتيرة التدفقات العسكرية الموالية للدبيبة، والقادمة من عدد من مدن الغرب الليبي إلى طرابلس.

وتمثل التشكيلات المسلحة في مدينة مصراتة، وعدد من مدن الغرب الليبي، «فرس رهان» لدى أنصار معسكر الدبيبة في أي مواجهة محتملة مع «الردع»، إذ تشير تقديرات غير رسمية إلى أن أعدادها تتجاوز 17 ألف مقاتل. ويبرز من بين التشكيلات المسلحة الموالية للدبيبة في مصراتة «قوة العمليات المشتركة»، التي يقودها عمر بوغدادة، إلى جانب مجموعات مسلحة في مدن الزاوية والزنتان وغريان.

المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» (رويترز)

وفي جانب بعيد عن المشهد، يترقب الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر (شرق)، مسارات ومآلات الأحداث في طرابلس.

وفي هذا السياق تستبعد تقديرات «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية» تكرار أي تدخل مباشر من جانب حفتر في معادلة الصراع، تأسيساً على «تغير مفردات وقواعد المعادلة على مستوى القوى، واللاعبين الموجودين في المشهد عما كان عليه قبل حرب طرابلس، التي شنها في أبريل (نيسان) 2019».

وتلوح في الأفق راهناً أنباء عن بوادر اتفاق شامل بين حكومة «الوحدة» وخصومها برعاية المجلس الرئاسي، قد ينزع فتيل الأزمة.

إلا أن الباحث السياسي، محمد الأمين، يرى «ضرورة وجود خطوات ملموسة تنهي عسكرة العاصمة، وتُخضع الجميع لسلطة القانون، وعكس ذلك هو اتفاق شكلي سيعيد الصراع».


مقالات ذات صلة

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شمال افريقيا شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

أُقيمت في العاصمة الليبية طرابلس، السبت، مراسم تأبين رسمية وعسكرية مهيبة لرئيس أركان قوات حكومة «الوحدة» (المؤقتة)، محمد الحداد، ومرافقيه.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)

«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

دفعت الشكاوى المتصاعدة بشأن «تكدس مراكز الاحتجاز» وتردّي أوضاع السجناء، حكومتي شرق وغرب ليبيا إلى إعادة فتح ملف السجون.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا تركيا أقامت مراسم عسكرية رسمية لوداع جثامين ضحايا طائرة الحداد ومرافقيه قبل نقلها إلى طرابلس السبت (الدفاع التركية - إكس)

تركيا تودّع ضحايا طائرة الحدّاد بمراسم عسكرية... وطرابلس تقيم تأبيناً رسمياً

تم نقل جثامين رئيس أركان الجيش الليبي محمد على الحداد ومرافقيه الذين كانوا على متن طائرة تحطمت ليل الثلاثاء الماضي عقب مباحثات رسمية في أنقرة

«الشرق الأوسط» (أنقرة - القاهرة)
شؤون إقليمية يؤدي المسؤولون الصلاة بجوار نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين الذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز) play-circle 00:32

وصول جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه إلى طرابلس

أفادت وزارة الدفاع التركية بأنّ جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه الذين قضوا في حادث تحطم طائرة قرب أنقرة ستُعاد إلى البلاد اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شمال افريقيا الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل لبيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، التي كانت تقل رئيس الأركان.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)

مصر تعزز علاقاتها الاقتصادية بجيبوتي بالتوازي مع تطور توافقهما السياسي

كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)
كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تعزز علاقاتها الاقتصادية بجيبوتي بالتوازي مع تطور توافقهما السياسي

كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)
كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)

تُعزز مصر علاقتها الاقتصادية مع جيبوتي، وذلك بالتوازي مع توافق البلدين السياسي في ملفات مختلفة بينها «أمن البحر الأحمر»، وأخيراً الموقف الموحد تجاه إدانة إعلان إسرائيل الاعتراف بإقليم «أرض الصومال» دولة مستقلة.

ويقوم نائب رئيس الوزراء المصري، وزير الصناعة والنقل، كامل الوزير بزيارة إلى جيبوتي لـ«تعزيز التعاون في مجالي الصناعة والنقل»، وأكد، السبت، أن «زيارته تأتي في إطار عمق العلاقات بين البلدين».

وأكدت مصر وجيبوتي والصومال وتركيا، في بيان، مساء الجمعة، «الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية»، وأشارت تلك الدول إلى أن «الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول يُعد سابقة خطيرة وتهديداً للسلم والأمن الدوليين».

مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السابق، السفيرة منى عمر، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن زيارة نائب رئيس الوزراء المصري «تأتي في توقيت بالغ الأهمية ولديها مدلول قوي؛ إذ إن جيبوتي بموقعها الاستراتيجي من أهم الموانئ الموجودة عند مدخل البحر الأحمر، ومن ثم هناك ضرورة للتوافق بين الدولتين في المواقف لمواجهة خرق سيادة الصومال، وإنهاك القانون الدولي باعتراف إسرائيل بأحد الأقاليم الصومالية على أساس أنه دولة مستقلة».

نقطة انطلاق

وبحسب إفادة لـ«مجلس الوزراء المصري»، السبت، أكد كامل الوزير «استعداد الشركات المصرية لتنفيذ مشروعات بجيبوتي في الطرق والنقل البحري والسكك الحديدية والمناطق الصناعية، فضلاً عن التعاون الاقتصادي».

وافتتح الوزير المصري محطة الطاقة الشمسية بقرية «عمر كجع» في منطقة «عرتا» بجيبوتي في حضور وزير الطاقة والموارد الطبيعية الجيبوتي، يونس علي جيدي، ووزير البنية التحتية والتجهيزات، حسن حمد إبراهيم، وعدد من المسؤولين.

وقال إن «افتتاح المحطة ترجمة عملية لمخرجات الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي في أبريل (نيسان) الماضي، والتي شكلت نقطة انطلاق جديدة لمسار التعاون بين البلدين، خصوصاً في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والتنمية الصناعية»، مضيفاً أن «تلك الزيارة الرئاسية أكدت أن التعاون المصري - الجيبوتي يقوم على رؤية استراتيجية شاملة تستهدف دعم مسارات التنمية المستدامة في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، انطلاقاً من إيمان راسخ بأن أمن واستقرار وتنمية هذه المنطقة تمثل مصلحة استراتيجية مشتركة».

وتُعد منطقة القرن الأفريقي جزءاً ممتداً غرب البحر الأحمر وخليج عدن، وتشمل 4 دول رئيسة هي «الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا»، بينما تتسع المنطقة من زوايا سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.

السيسي خلال زيارته إلى جيبوتي ولقائه غيله في أبريل الماضي (الرئاسة المصرية)

علاقات تاريخية

السفيرة منى عمر قالت إن «العلاقات بين مصر وجيبوتي تاريخية، ومتطورة جداً على المستوى الاقتصادي والتدريب وبناء القدرات»، لافتة إلى أن اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» يرفع «علامة الخطر بالنسبة للدول المشاطئة للبحر الأحمر ودول القرن الأفريقي التي لن تسكت إزاء هذا الانتهاك».

وشدد السيسي خلال زيارته إلى جيبوتي ولقاء نظيره الجيبوتي إسماعيل عمر غيله، في أبريل الماضي، على «رفض أي ممارسات تؤثر في حرية الملاحة البحرية». وأكدت المحادثات بين السيسي وغيله حينها «رفض تهديد أمن وحرية الملاحة في البحر الأحمر»، بوصفه شرياناً تجارياً دولياً حيوياً.

ودعت القاهرة وجيبوتي حينها إلى «أهمية تفعيل (مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر) ليضطلع بمسؤولياته الأصلية، في تعزيز التنسيق بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وخليج عدن».

ويضم «مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر»، الذي تأسس عام 2020، 8 دول عربية وأفريقية، هي «المملكة العربية السعودية، ومصر، واليمن، والأردن، والسودان، والصومال، وجيبوتي، وإريتريا»، ويستهدف «تعزيز الأمن والتنمية بين أعضائه».

نائب رئيس الوزراء المصري يؤكد تعزيز التعاون مع جيبوتي في مجالي الصناعة والنقل (مجلس الوزراء المصري)

تنسيق مكثف

ووفق وزير الصناعة والنقل المصري، السبت، فإن محطة الطاقة الشمسية الجديدة نقطة انطلاق حقيقية لمسار أوسع من التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، ويسهم في خلق فرص عمل مستدامة، ونقل الخبرات والتكنولوجيا، ورفع كفاءة الكوادر الوطنية، إلى جانب تعزيز التكامل الاقتصادي والتنموي».

ومحطة الطاقة الشمسية في قرية «عمر كجع» تهدف إلى «توفير كهرباء نظيفة ومستدامة، ضمن إطار تعزيز التعاون الثنائي في قطاع الطاقة»، وسبق أن تم الإعلان عن المشروع في يونيو (حزيران) الماضي.

وزير الطاقة والموارد الطبيعية الجيبوتي، قال من جانبه إن «المحطة تُعد نموذجاً حياً وشهادة صادقة على متانة وعمق علاقات الصداقة والتعاون القائمة مع مصر، والمحطة ثمرة شراكة استراتيجية مستدامة، ستسهم بلا شك وبشكل ملموس في تعزيز العلاقات والتعاون الاقتصادي».

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وجيبوتي نحو 122.4 مليون دولار خلال عام 2024 مقابل 161.9 مليـون دولار في 2023، بحسب «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر في أبريل الماضي. وأشار «المركزي» إلى أن قيمة الصـادرات المصرية لجيبوتي بلغت 108.6 مليــون دولار خـلال 2024 مقابل 152.3 مليون دولار في 2023، بينما بلغت قيمة الواردات المصرية من جيبوتي 13.8 مليون دولار في 2024 مقابل 9.6 مليون دولار خلال 2023.

جانب من زيارة كامل الوزير إلى جيبوتي (مجلس الوزراء المصري)

وتوقعت مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السابق أن «يحدث مزيد من التكثيف في العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر وجيبوتي خلال الفترة المقبلة؛ لأن جيبوتي من الدول الصديقة التي تحتاج لكثير من الاستثمار»، موضحة أن «مصر سوف تكثف التنسيق القائم بالفعل مع دول القرن الأفريقي كافة والدول المشاطئة للبحر الأحمر، من أجل مواجهة القرار الإسرائيلي»، لافتة إلى «ضرورة خلق رأي عام قاري ودولي لمواجهة هذا الخرق الإسرائيلي للقانون».


هل يقلل «رفض ترمب» جدوى قرار الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»؟

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
TT

هل يقلل «رفض ترمب» جدوى قرار الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»؟

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

طوفان ردود فعل اجتاح موقف الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، وبخلاف الرفض العربي، كان تفاعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«السخرية من ذلك الإقليم»، وعدم الانضمام لمسار الموافقين.

ذلك الرفض الأميركي، يراه خبراء «لم يكن حاسماً؛ حيث لم يُدِن موقف إسرائيل، وينتظر رؤية حجم الموقف العربي لإعطاء موقف واضح ومباشر؛ لكنه سيمنع أي تحرك دولي يدعم حكومة بنيامين نتنياهو في هذا الاعتراف»، ولفتوا إلى أن «الصومال عليه واجب أكبر في تعزيز الجهود العربية والسعي لنيل دعم دولي رافض لهذا الاعتراف».

وأعلن ترمب رفضه الاعتراف باستقلال «أرض الصومال»، وذلك عقب اعتراف إسرائيل رسمياً بالجمهورية المعلنة من طرف واحد والمنفصلة عن الصومال.

وأجاب ترمب بـ«لا» عندما سُئل في مقابلة مع صحيفة «نيويورك بوست»، نشرت الجمعة، إن كان سيحذو حذو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويعترف بها، متسائلاً: «هل يعرف أحد ما هي أرض الصومال، حقاً؟»، من دون أن يدين موقف إسرائيل. فيما قال نتنياهو إنَّ الإعلان «يتماشى مع روح (اتفاقيات إبراهيم) التي وقعت بمبادرة من الرئيس ترمب».

وبشأن عرض «أرض الصومال» استضافة قاعدة بحرية أميركية قرب مدخل البحر الأحمر، قلّل ترمب من أهمية المقترح، قائلاً: «أمر غير مهم... كل شيء قيد الدراسة، سوف ندرس الأمر... أنا أدرس الكثير من الأشياء وأتخذ دائماً قرارات عظيمة وتتبين صحتها لاحقاً».

ورغم امتناع الولايات المتحدة عن إعلان موقف رسمي داعم للاعتراف الإسرائيلي، فإن ذلك لا يعني غيابها عن المشهد، بل يعكس سياسة ترقب وحساب دقيق لردود الفعل الدولية، وخاصة في العالمين العربي والإسلامي، وفق تقديرات الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني. وقال لـ«الشرق الأوسط» يُلاحظ أن غياب موقف أميركي حاسم قد يُضعف زخم الاعتراف، لكنه في الوقت ذاته لا يوقف بالضرورة المسار الذي رسمته الدول الداعمة لهذا التوجه.

ويعتقد المحلل السياسي في الشؤون الأميركية، الدكتور سعيد صادق، أن حديث ترمب، ليس صريحاً ويحمل اعترافاً ضمنياً، خاصة أنه جاء ضمن اتفاقات التطبيع التي تسعى لها واشنطن سراً وعلناً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن ترمب لم يتجه لتأييد صريح لعدم التصادم مع الموقفين العربي والإسلامي.

منظر عام لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدينة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)

وهذا الموقف الأميركي السريع جاء بعد ساعات من توالي المواقف العربية والإسلامية الرافضة لتلك الخطوة. ورفضت السعودية وقطر ومصر والأردن وجيبوتي وتركيا ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، تلك الخطوة الإسرائيلية، معتبرين إياها تجاوزاً خطيراً لمبادئ القانون الدولي وسيادة ووحدة الصومال، وفق بيانات منفصلة صادرة عن وزارات الخارجية، الجمعة.

وعادت مصر، السبت، للتأكيد على دعمها الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، مشددة على رفضها للاعتراف بأي كيانات موازية أو انفصال بطرق غير شرعية وغير قانونية.

ويرى كلني أن الاعتراف بـ«أرض الصومال» أثار حراكاً واسعاً على المستويين العربي والدولي، باعتباره تطوراً خطيراً يمس وحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية، ويكشف عن تحولات أعمق في توازنات القوى داخل منطقة القرن الأفريقي، وفي ظل تنافس دولي محموم على النفوذ في القرن الأفريقي، وسعي قوى إقليمية ودولية لإعادة رسم خرائط التأثير في الممرات البحرية والمواقع الاستراتيجية.

ولا يعتقد صادق أن الرفض الدولي المتوقع بعد نظيره العربي، ليس ارتباطاً بموقف ترمب، لكن رفضاً لمخالفة القانون الدولي الذي يرفض الانفصال، مثلما يرفض الغرب أي مواقف للانفصال بالنسبة لأوكرانيا.

وداخلياً، تعهّدت حركة «الشباب» الصومالية المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، في بيان السبت، مواجهة أي محاولة من جانب إسرائيل «للمطالبة بأجزاء من أرض الصومال أو استخدامها»، مضيفة: «لن نقبل بذلك، وسنحاربه».

وهذا الحراك الصومالي، وفق كلني، «يأتي في ظل إدراك أن هذا الاعتراف تهديد مباشر لوحدة الصومال وسيادته، كما يفتح الباب أمام تدخلات خارجية أوسع في الشأن الداخلي الصومالي»، لافتاً إلى أن «الموقع الاستراتيجي للصومال، المطل على أهم الممرات البحرية العالمية، يعد عاملاً رئيسياً في استهدافه ضمن صراعات النفوذ الإقليمي والدولي».

وقال: «ستظل قدرة الصومال على مواجهة هذه التحديات مرهونة بمدى تماسك جبهته الداخلية، ووحدة موقفه الوطني، وقدرته على تعبئة دعم إقليمي ودولي فعّال»، وأكد أنه بينما تتراجع فاعلية التضامن في العالم الإسلامي، تبقى مسؤولية الدفاع عن السيادة الوطنية الصومالية مسؤولية مشتركة بين الداخل الصومالي وحلفائه الحقيقيين على الساحة الدولية، فيما أشار صادق إلى أن نجاح الموقف الصومالي سيبقىل مرتبطاً بتطورات الاعتراف وتداعياته.


تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
TT

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

شهدت مدن غرب ليبيا، مساء الجمعة، موجة احتجاجات شعبية واسعة، تنديداً بتردي الأوضاع المعيشية والأمنية، وللمطالبة برحيل حكومة الدبيبة، والإسراع بإجراء الانتخابات المؤجلة.

وشهدت العاصمة طرابلس تحركات احتجاجية في مناطق متفرقة، حيث أغلق المتظاهرون بعض الطرق، وأشعلوا الإطارات في بلدية سوق الجمعة شرق المدينة، ومنطقتَي الظهرة ووسط المدينة، إضافة إلى احتجاجات عند إشارة فشلوم المرورية. كما رفع المحتجون لافتات تنتقد فشل الحكومة في تحسين الأوضاع المعيشية والأمنية، محمّلين إياها مسؤولية الانفلات الأمني واستمرار الأزمات الخدمية.

ورصدت وسائل إعلام محلية، عبر لقطات مصورة، إشعال الإطارات وإغلاق الطريق بجزيرة القادسية في طرابلس، كما عبّر متظاهرون في ميدان الجزائر وسط العاصمة عن رفضهم «حكم العائلة» و«حكم العسكر»، مطالبين بالاستفتاء على الدستور وإنهاء المرحلة الانتقالية.

كما شهدت مدينة مصراتة مظاهرة شعبية للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات، تزامناً مع احتجاجات مماثلة عند بوابة الصمود، المدخل الشرقي لمدينة الزاوية، حيث ركّز المشاركون على تدهور الأوضاع الأمنية إلى جانب الضغوط المعيشية، مؤكدين أن المواطن بات يدفع ثمن الصراعات السياسية واستمرار الحكومات المؤقتة.

في سياق متصل، أصدر أهالي ومكونات بلدية صبراتة بياناً أعربوا فيه عن رفضهم قرار حكومة الدبيبة، القاضي بتخصيص مقر إذاعة اليتيم لصالح جهة مسلحة، معتبرين القرار مساساً بالمؤسسات المدنية والإعلامية، ومؤشراً على تغوّل التشكيلات المسلحة على حساب الدولة.

والأسبوع الماضي، دعا حراك ما يُعرف بـ«انتفاضة شعب» كل الليبيين إلى المشاركة في اعتصام شعبي مفتوح بـ«ميدان الشهداء»، وسط العاصمة طرابلس، وذلك للمطالبة بإسقاط حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.

وسبق أن خرجت مظاهرات في مناطق عدة بالعاصمة تطالب بإسقاط حكومة الدبيبة ومحاسبتها، الأمر الذي دفع حينها عدداً من وزرائها إلى تقديم استقالاتهم انحيازاً لمطالب المحتجّين.

وجدَّد حراك «انتفاضة شعب»، الذي ينطلق من مدينة مصراتة، والذي يقوده عدد من النشطاء، في بيانه، دعوته «جميع الليبيين شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً» إلى تنظيم اعتصام سلميّ لحين تنفيذ مطالب الشعب، المتمثلة في رحيل الحكومة.

وحضّ الحراك جميع أطياف الليبيين على «المشاركة في «الاعتصام ورفع سقف المطالب في مظاهرات يحميها الشعب والقانون، بعيداً عن الحزبية والجِهوية والقبلية». وقال إن المشاركة في هذا الاعتصام «واجب وطني»، مؤكداً أن «السلمية قوة الأحرار، ووحدة الصف سلاح إسقاط الفساد».

ورأى الحراك أن «الوطن يقف اليوم على حافة الضياع، وما يُدار باسمه في الغرف المغلقة ليس حلاً، بل مؤامرة مكرّرة لإطالة عمر الفشل، وتمديد الأجسام البالية المنتهية الصلاحية». وذهب إلى أن «تغيير العناوين، وتسويق مسرحيات سياسية جديدة، لن يغيّرا الحقيقة؛ فالشعب يريد قراره، لا وصاية عليه، ولا تسويفاً بعد اليوم».