تحشيدات طرابلس... ولاءات آيديولوجية تفاقم مخاوف الليبيين من مواجهة وشيكة

تسليح خفيف ومتوسط للميليشيات المتناحرة

عناصر تابعة لجهاز «الردع» خلال طابور عسكري في العاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)
عناصر تابعة لجهاز «الردع» خلال طابور عسكري في العاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)
TT

تحشيدات طرابلس... ولاءات آيديولوجية تفاقم مخاوف الليبيين من مواجهة وشيكة

عناصر تابعة لجهاز «الردع» خلال طابور عسكري في العاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)
عناصر تابعة لجهاز «الردع» خلال طابور عسكري في العاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للجهاز)

تُسلط تحشيدات الميليشيات المتناحرة في العاصمة الليبية طرابلس الضوء على تنازع الولاءات لتيارات دينية، وسباق على النفوذ داخل مؤسسات ومرافق سيادية، راسمة خريطة لمكامن قوة الخصوم في العاصمة الليبية طرابلس، على وقع رعب متزايد لليبيين من احتمال مواجهة وشيكة.

وتهيمن فصائل متحالفة وتابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على مناطق في غرب وجنوب طرابلس، فيما تقع أجزاء من شرقها تحت نفوذ خصومها، وتتمثل في عناصر «قوة الردع الخاصة». أما منطقة التماس بين الطرفين فتسيطر عليها سبعة ألوية وكتائب مسلحة من خارج العاصمة طرابلس، وتحديداً من مصراتة.

وحسب محللين ليبيين وتقارير محلية، فإن من أبرز مظاهر الولاءات الآيديولوجية في المشهد الحالي، تحالف رئيس حكومة الوحدة مع المفتي المعزول، الصادق الغرياني، الذي يقود تياراً محسوباً على ما يعرف بـ«الإسلام السياسي».

الدبيبة خلال اجتماع مع آمر المنطقة العسكرية الساحل الغربي الفريق صلاح النمروش منتصف الشهر الماضي (مكتب رئيس الحكومة)

ويُعرف الغرياني بين الليبيين بأنه حليف غير معلن لجماعات الإسلامي السياسي، وخصوصاً «الإخوان» في ليبيا، وهي وجهة نظر يتبناها المحلل العسكري الليبي، محمد الترهوني، وفق ما ذكر لـ«الشرق الأوسط». وقد دأب المفتي المعزول على قيادة حملة إعلامية داعمة للدبيبة ضد ميليشيا «الردع»، عبر قناة محلية، تتمحور حول سجناء ينتمي بعضهم إلى تنظيم «داعش» المتشدد وتنظيمات متطرفة في سجن معيتيقة، الذي يخضع لسيطرة جهاز «الردع».

وأشار الترهوني إلى وجود عناصر سابقة من تنظيمي ما يعرف بـ«مجلس شورى ثوار بنغازي»، و«مجلس شورى مجاهدي درنة»، بين صفوف قوتين تخضعان لسلطة الدبيبة، وهما «اللواء 444» بقيادة محمود حمزة، و«اللواء 111» بقيادة عبد السلام الزوبي. علماً بأن التنظيمين المتطرفين خاضا قبل سنوات حرباً ضد قوات «الجيش الوطني الليبي» في بنغازي ودرنة، في إطار ما يعرف بـ«الحرب على الإرهاب».

أما حليف الدبيبة القوي الثالث فهو ميليشيا «الأمن العام»، بقيادة عبد الله الطرابلسي، شقيق وزير الداخلية عماد الطرابلسي، وهو غير مصنف آيديولوجياً، لكنه يندرج ضمن ما يصفه محللون بأنه علاقة «تحالف نفعي»، فيما بات يعرف بـ«حكم العائلات» في ليبيا.

وكيل وزارة الدفاع في حكومة الدبيبة عبد السلام الزوبي يتوسط عدداً من أعيان مصراتة (الصفحة الرسمية للواء 111)

أما في معسكر خصوم الدبيبة، فإن ميليشيا ما يعرف بـ«جهاز الردع»، بقيادة عبد الرؤوف كارة، يتبنى فكر «السلفية المدخلية»، التي تكن خصومة آيديولوجية ضد جماعات «الإسلام السياسي»؛ وهو ما يفسر لدى محللين صداماته السابقة مع كتائب أو شخصيات محسوبة على هذه الأطياف في طرابلس.

وفي فريق الخصوم أيضاً، يبدو موقف ميليشيا ما تعرف بكتيبة «رحبة الدروع» في تاغوراء، تجسيداً لجانب من شبكة تقليدية من «تحالفات مرنة وغير مستقرة». ورغم صراع «رحبة الدروع» السابق مع ميليشيا «الردع» قبل ست سنوات، وعلاقة قائدها بشير خلف الله، المعروف بـ«البقرة»، مع المفتي الغرياني، فإن استشعارها بالخطر جعلها ربما تصطف بشكل غير معلن مع «الردع».

هذا الاصطفاف طفا على السطح بعد مقتل قائد ميليشيا «جهاز دعم الاستقرار»، عبد الغني الككلي «غنيوة»، وما تبعه من اقتحام معقله على يد قوات موالية للدبيبة في 12 مايو (أيار) الماضي. علماً بأن ميليشيا «جهاز دعم الاستقرار»، الذي تراجع نفوذه بشدة بعد مقتل قائده «غنيوة»، لا يعرف عنه انتماءات آيديولوجية.

وفي مسار متداخل مع هذا الصراع الآيديولوجي، تبدو شبكة النفوذ السيادية والأمنية والاقتصادية حاضرة في مشهد التحشيدات الميليشياوية في طرابلس.

ويتبلور ذلك في معركة النفوذ على مطار معيتيقة في طرابلس، وسجن معيتيقة الخاضع لسلطة «الردع»، إذ يطالب الأخير بتسليمه إلى سلطة حكومته تحت شعار «فرض هيبة الدولة».

وحسب الترهوني، فإن رئيس حكومة «الوحدة» يريد تشديد سلطة حكومته على «المرافق الحكومية والجهات السيادية، كالمصرف المركزي والشركات والمؤسسات، دون منافس حقيقي».

ومعلوم أن تغلغل الميليشيات في طرابلس أدى إلى ظهور «اقتصاد الحرب»، حيث أصبحت تعمل كـ«كارتل»، وتسيطر على المؤسسات الاقتصادية، وتستفيد من احتكار التهريب، والتحكّم في الدعم والسلع الموزّعة بأسعار مدعومة، وهي أيضاً تقديرات «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن.

وعلى صعيد موازين قوى النزاع المسلح في طرابلس، فإنه لا توجد تقديرات رسمية لقوى الحشد والقدرات التسليحية للميليشيات، لكنها وفق تقديرات دولية، تمتلك قدرة تعبئة سريعة، وآليات مدرعة خفيفة ومتوسطة، ومضادات أرضية، وأسلحة ثقيلة متنقلة.

عناصر تابعة للتشكيل المسلح «اللواء 444» خلال تأمين إحدى لجان الانتخابات البلدية في طرابلس (الصفحة الرسمية للتشكيل)

ويبدو حلفاء الدبيبة هم الأعلى كعباً في موازين التسليح، وتحديداً في ميليشيا «444» و«111»، وفق الترهوني، إذ إنها «الأقوى تسليحاً، استناداً إلى الدعم المالي الحكومي لوزارة الدفاع الذي قدرته بيانات المصرف المركزي بنحو 2.6 مليار دينار منذ مطلع العام الجاري». كما أن استخدام قوات حكومة الدبيبة لـ«المُسيرات» في اشتباكات مايو الماضي، طرح تساؤلات حول إمكانية دخول هذا السلاح في أي معركة مرتقبة، أخذاً في الاعتبار تقارير تتحدث عن استيراد سلطات طرابلس لمسيرات أوكرانية، ولم تقابل بنفي حكومي صريح.

في المقابل، فإن خصم الدبيبة في قوة «الردع»، يبدو على قدر عال من «الانضباط»، وفق الترهوني، حيث يمتلك قوة قوامها آلاف المقاتلين، وتسليحاً خفيفاً ومتوسطاً، مع قدرات تدخل خاص داخل العاصمة.

وأخيراً تسلط الضوء على التشكيلات العسكرية المرجحة لأي حرب محتملة، خصوصاً مع تسارع وتيرة التدفقات العسكرية الموالية للدبيبة، والقادمة من عدد من مدن الغرب الليبي إلى طرابلس.

وتمثل التشكيلات المسلحة في مدينة مصراتة، وعدد من مدن الغرب الليبي، «فرس رهان» لدى أنصار معسكر الدبيبة في أي مواجهة محتملة مع «الردع»، إذ تشير تقديرات غير رسمية إلى أن أعدادها تتجاوز 17 ألف مقاتل. ويبرز من بين التشكيلات المسلحة الموالية للدبيبة في مصراتة «قوة العمليات المشتركة»، التي يقودها عمر بوغدادة، إلى جانب مجموعات مسلحة في مدن الزاوية والزنتان وغريان.

المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» (رويترز)

وفي جانب بعيد عن المشهد، يترقب الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر (شرق)، مسارات ومآلات الأحداث في طرابلس.

وفي هذا السياق تستبعد تقديرات «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية» تكرار أي تدخل مباشر من جانب حفتر في معادلة الصراع، تأسيساً على «تغير مفردات وقواعد المعادلة على مستوى القوى، واللاعبين الموجودين في المشهد عما كان عليه قبل حرب طرابلس، التي شنها في أبريل (نيسان) 2019».

وتلوح في الأفق راهناً أنباء عن بوادر اتفاق شامل بين حكومة «الوحدة» وخصومها برعاية المجلس الرئاسي، قد ينزع فتيل الأزمة.

إلا أن الباحث السياسي، محمد الأمين، يرى «ضرورة وجود خطوات ملموسة تنهي عسكرة العاصمة، وتُخضع الجميع لسلطة القانون، وعكس ذلك هو اتفاق شكلي سيعيد الصراع».


مقالات ذات صلة

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

شمال افريقيا عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

أدى التصادم المسلح بين تشكيلين في مدينة الزواية غرب ليبيا إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

النيابة العامة تحقق في قضية تزوير «أوراق وطنية»

قال مكتب النائب العام الليبي إن التحقيقات انتهت من فحص تسعة قيود عائلية وتبين للمحقق تآمر موظف بمكتب السجل المدني مع تسعة أشخاص غير ليبيين

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً المبعوثة الأممية في مكتبه بطرابلس الأربعاء (مكتب الدبيبة)

محادثات أممية - كندية حول سبل تنفيذ «خريطة الطريق» الليبية

ناقشت المبعوثة الأممية إلى ليبيا مع الدبيبة آليات تطبيق «خريطة الطريق»، بما في ذلك إطلاق «الحوار المهيكل» وقضايا أخرى تتعلق بتطورات العملية السياسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا على الرغم من قبول البعض بمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية فإنهم أبدوا مخاوفهم من عقبات كبيرة تعترض المسار الذي اقترحته المفوضية (مفوضية الانتخابات)

كيف يرى الليبيون إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل؟

رفض مجلس حكماء وأعيان طرابلس إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وجود دستور، وذهب إلى ضرورة تجديد الشرعية التشريعية أولاً عبر الانتخابات البرلمانية.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا محادثات صدام حفتر وقائد «أفريكوم» (الجيش الوطني)

«الجيش الوطني» الليبي يناشد واشنطن رفع «حظر التسليح»

دعا الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الولايات المتحدة عبر قيادتها العسكرية في أفريقيا «أفريكوم» لرفع حظر التسليح المفروض دولياً منذ 2011

خالد محمود (القاهرة )

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».


بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».