​في انقلاب على قرارات بايدن... ترمب يعلن نقل مقر قيادة الفضاء الأميركية من كولورادو إلى ألاباما

احتفاء بين الجمهوريين في ألاباما وخيبة أمل في كولورادو المؤيدة للديمقراطيين

صورة أرشيفية للرئيس ترمب مع قادة مركز قيادة الفضاء الأميركية يستعرضون علم القيادة خلال لقاء بالبيت الأبيض في 15 مايو 2020 (أ.ب)
صورة أرشيفية للرئيس ترمب مع قادة مركز قيادة الفضاء الأميركية يستعرضون علم القيادة خلال لقاء بالبيت الأبيض في 15 مايو 2020 (أ.ب)
TT

​في انقلاب على قرارات بايدن... ترمب يعلن نقل مقر قيادة الفضاء الأميركية من كولورادو إلى ألاباما

صورة أرشيفية للرئيس ترمب مع قادة مركز قيادة الفضاء الأميركية يستعرضون علم القيادة خلال لقاء بالبيت الأبيض في 15 مايو 2020 (أ.ب)
صورة أرشيفية للرئيس ترمب مع قادة مركز قيادة الفضاء الأميركية يستعرضون علم القيادة خلال لقاء بالبيت الأبيض في 15 مايو 2020 (أ.ب)

بعد ساعات من التكهنات والجدل حول الإعلان المرتقب من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أكدت عدة مصادر في البيت الأبيض أن ترمب سيعلن نقل مقر قيادة الفضاء الأميركية من ولاية كولورادو، إلى مدينة هانتسفيل، بولاية ألاباما، ليلغي بذلك قراراً اتخذه الرئيس السابق جو بايدن عام 2023 بالإبقاء على القاعدة المؤقتة للقيادة في كولورادو.

وتُحيي هذه الخطوة خطة ترمب الأصلية من ولايته الأولى، كونه أراد وضع القيادة - المسؤولة عن العمليات العسكرية في الفضاء، بما في ذلك الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، والتحذيرات الصاروخية، واتصالات القوات - في ولاية لطالما ارتبطت بمركز مارشال لرحلات الفضاء التابع لـ«ناسا»، وبصناعة الفضاء التجارية المتنامية.

ويُمثل هذا الإعلان، الذي يعلنه الرئيس الأميركي في المكتب البيضاوي الساعة الثانية ظهراً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، أول تصريحات لترمب أمام الكاميرات منذ يوم الثلاثاء السابق. ووصفت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، هذا الإعلان بأنه «إعلان مثير يتعلق بوزارة الدفاع»، وأكدت مصادر مطلعة على القرار اتساع الجدل السياسي الدائر حول موقع القيادة.

قيادة الفضاء

صورة أرشيفية للرئيس دونالد ترمب من طائرة الرئاسة الأميركية بعد وصوله إلى مطار هانتسفيل الدولي 22 سبتمبر 2017 (أ.ب)

أُسست قيادة الفضاء عام 2019 بوصفها جزءاً من قوة الفضاء الأميركية في عهد إدارة ترمب الأولى، وكان مقرها في البداية مؤقتاً في قاعدة بيترسون لقوة الفضاء في كولورادو سبرينغز. في يناير (كانون الثاني) 2021 قُبيل مغادرته منصبه، اختار ترمب ترسانة ريدستون في هانتسفيل مقراً دائماً بعد عملية اختيار تنافسية قيّمت عوامل مثل البنية التحتية، وتوافر القوى العاملة، والتكلفة.

ومع ذلك، بعد توليه منصبه، بدأت إدارة الرئيس جو بايدن مراجعة القرار وسط مخاوف من المشرعين والمسؤولين العسكريين في كولورادو. في يوليو (تموز) 2023 اختار بايدن إبقاء المقر في كولورادو سبرينغز، مشيراً إلى الجاهزية التشغيلية والاضطرابات المحتملة الناجمة عن النقل. أشارت التقارير آنذاك أيضاً إلى أن قوانين الإجهاض الصارمة في ألاباما، التي سُنّت بعد قضية رو ضد وايد، زادت تحديات تجنيد العسكريين، مما أثر على قرار البقاء في كولورادو.

وقد أثار قرار بايدن غضب الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس عن ولاية ألاباما، بمن فيهم السيناتور تومي توبرفيل والسيناتورة كاتي بريت، اللذان جادلا بأن النظام البيئي الراسخ لصناعة الطيران والفضاء في هانتسفيل، موطن شركات مقاولات كبرى مثل «لوكهيد مارتن»، يجعلها الخيار الأفضل. واتهموا الإدارة بتسييس العملية لصالح ولاية متأرجحة مثل كولورادو.

يأتي تراجع ترمب وسط مناقشات أوسع نطاقاً حول نقل الوكالات الفيدرالية، حيث طرح الرئيس أيضاً أفكاراً لنقل مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى ألاباما، على الرغم من عدم صدور أي إعلان رسمي في هذا الشأن.

ردود فعل المشرعين

أثارت الأخبار ردود فعل حزبية حادة. احتفى مسؤولو ولاية ألاباما بالقرار بوصفه نعمة لاقتصاد الولاية، إذ من المحتمل أن يوفر آلاف الوظائف، ويعزّز مكانة مدينة هانتسفيل بوصفها «مدينة الصواريخ». أشاد السيناتور توبرفيل بهذه الخطوة على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً إنها «تصحح خطأً»، وتكافئ ولاية ملتزمة بالدفاع الوطني.

في المقابل، أعرب ممثلو كولورادو عن خيبة أملهم، محذّرين من التداعيات الاقتصادية على كولورادو سبرينغز، حيث توظف القيادة نحو 1400 فرد، وتدعم اقتصاداً محلياً مرتبطاً بالمنشآت العسكرية. ووصف السيناتور الديمقراطي مايكل بينيت هذا التراجع بأنه «قصر نظر»، مشدداً على التكامل السلس للقيادة في كولورادو، واحتمالية حدوث تأخير في تحقيق القدرة التشغيلية الكاملة. وسلطت وسائل الإعلام المحلية، مثل إذاعة كولورادو العامة، الضوء على المخاوف بشأن فقدان الوظائف وتعطيل المهام الجارية.

وصف المعلقون المحافظون على منصة «إكس» هذا التحول بأنه توبيخ استراتيجي لـ«الولايات الزرقاء المتطرفة»، على أساس أنه يحفز السياسات المؤيدة للجيش، كما انتقدت الأصوات التقدمية هذا القرار، عادّةً إياه محاباة سياسية للولايات الجمهورية، وربما على حساب الكفاءة العسكرية.

التداعيات على الأمن القومي

ويشير الخبراء إلى أنه على الرغم من أن نقل المقر الرئيسي لن يؤثر بشكل مباشر على البصمة التشغيلية لقيادة الفضاء - إذ لا تزال الوحدات الميدانية موزعة على مستوى البلاد - فإنه قد يؤثر على استقطاب الكفاءات والشراكات مع شركات الفضاء الخاصة. وقد يُعزز قرب هانتسفيل من منشآت «ناسا»، وشركات مثل «روكيت لاب» الابتكار، لكنّ المنتقدين يحذرون من تكاليف انتقالية تُقدر بمئات الملايين.

لم يقدم البنتاغون جدولاً زمنياً لهذه الخطوة، لكنّ المسؤولين أشاروا إلى أنها قد تستغرق عدة سنوات لإتمامها، بما في ذلك تحديث البنية التحتية، لكنهم شددوا على أنه مع ازدياد التنافس على الفضاء في ظل التنافس مع الصين وروسيا، يبقى استقرار القيادة أمراً بالغ الأهمية.


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

ترمب سيتوجه إلى ولاية ديلاوير لاستقبال جثامين جنود الحرس الوطني الذين قتلوا بسوريا

يعتزم دونالد ترمب التوجه إلى قاعدة دوفر الجوية في ولاية ديلاوير للمشاركة في مراسم استقبال رسمي مهيب لجثماني اثنين من أفراد الحرس الوطني في ولاية آيوا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث يسير في مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن 16 ديسمبر 2025 (رويترز)

هيغسيث وروبيو يدافعان عن ضربات واشنطن في الكاريبي

دافع وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان أمام الكونغرس، الثلاثاء، عن الضربات الجوية التي استهدفت سفناً تشتبه واشنطن بتهريبها المخدرات في منطقة الكاريبي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب في حديقة البيت الأبيض (رويترز) play-circle

ترمب: «ضرر كبير» سيلحق بالمتورطين في هجوم تدمر

توعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأحد، الأشخاص المتورطين في هجوم أدى لمقتل جنود أميركيين في سوريا بـ«ضرر كبير سيلحق بهم».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

ترمب: سنرد على تنظيم «داعش» في سوريا إذا هاجمنا مجدداً

قال الرئيس الأميركي، تعليقا على مقتل ثلاثة من أفراد الجيش الأميركي على يد مسلح في سوريا، إن الولايات المتحدة سترد على تنظيم «داعش» إذا تعرضت قواته لهجوم آخر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«مكارثية» جديدة؟... إدارة ترمب تطلق حملة لملاحقة «اليسار»

دونالد ترمب وخلفه مدير «إف بي آي» كاش باتيل (رويترز)
دونالد ترمب وخلفه مدير «إف بي آي» كاش باتيل (رويترز)
TT

«مكارثية» جديدة؟... إدارة ترمب تطلق حملة لملاحقة «اليسار»

دونالد ترمب وخلفه مدير «إف بي آي» كاش باتيل (رويترز)
دونالد ترمب وخلفه مدير «إف بي آي» كاش باتيل (رويترز)

مع انقضاء المهلة التي حددتها وزيرة العدل الأميركية بام بوندي لجميع وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية لتسليم ملفاتها الاستخبارية بشأن الجماعات اليسارية، وعلى رأسها «أنتيفا» (حركة يسارية معادية للفاشية ترفض العنف) والأنشطة المرتبطة بها، تدخل الولايات المتحدة مرحلة جديدة من الجدل الحاد حول حدود الأمن القومي والحريات الدستورية. فالخطوة، التي تقودها وزارة العدل بالتنسيق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، تُقدَّم رسمياً باعتبارها حملة لمكافحة «الإرهاب المحلي اليساري»، لكنها في نظر منتقدين كثر تحمل مؤشرات على توسّع غير مسبوق في مراقبة الخطاب السياسي، بما قد يشكل انتهاكاً مباشراً للتعديل الأول من الدستور الأميركي.

تجمع احتجاجي ضد أفراد إدارة إنفاذ قوانين الهجرة دفاعاً عن مجتمع المهاجرين في شيكاغو (رويترز)

البرنامج الذي أطلقته إدارة الرئيس دونالد ترمب يأتي ضمن رؤية أوسع أعلنتها الإدارة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، تقوم على اعتبار «أنتيفا» تنظيماً إرهابياً داخلياً، واعتبار العنف الموجَّه ضد ما تصفه الجماعات اليسارية بـ«الفاشية» أحد المحركات الأساسية لما تسميه الإدارة «الإرهاب المحلي المعاصر». وبحسب مذكرة بوندي المؤرخة في 4 ديسمبر (كانون الأول)، فإن المطلوب من الوكالات الفيدرالية تنسيق تسليم معلوماتها الاستخبارية إلى «إف بي آي»، لاستخدامها في إعداد قوائم بأميركيين وأجانب يُشتبه في ضلوعهم بأنشطة عنيفة مرتبطة بأجندات يسارية.

مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل يستمع إلى سؤال خلال مؤتمر صحافي مشترك بالقرب من البيت الأبيض (د.ب.أ)

البيت الأبيض دافع عن الخطوة بلهجة حازمة، زاعماً أنها ضرورية لمواجهة العنف، مستشهداً بحوادث مثل مقتل الناشط اليميني تشارلي كيرك. وقالت المتحدثة باسمه، أبيغيل جاكسون، إن منظمات يسارية «أجّجت أعمال شغب عنيفة، ونظمت هجمات على رجال الأمن، ونسقت حملات تشهير غير قانونية، ورتبت نقاط تسليم للأسلحة ومواد الشغب». ووفق هذا المنطق، ترى الإدارة أن الحملة ليست سوى استجابة ضرورية لتهديد أمني متصاعد داخل المجتمعات الأميركية.

خريطة طريق بوندي

غير أن منتقدي الخطة، من مشرعين وخبراء أمن وقانونيين، يحذرون من أن تعريف التهديد في مذكرة بوندي فضفاض إلى حد خطير. فالمذكرة تُدرج ضمن «الأجندات» التي قد تستدعي التحقيق، مواقف سياسية وآيديولوجية واسعة، مثل «معاداة الرأسمالية»، و«معاداة المسيحية»، و«معارضة تطبيق قوانين الهجرة»، و«العداء للقيم التقليدية للأسرة والدين والأخلاق». ويرى هؤلاء أن هذا التوصيف يفتح الباب أمام استهداف نشطاء سياسيين سلميين، ومنظمات مجتمع مدني، بل حتى فئات اجتماعية كاملة، تحت مظلة «مكافحة الإرهاب».

دان بونجينو نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي أعلن استقالته (أ.ف.ب)

هذا التوسع في تعريف التهديد يثير قلق المشرعين، وعلى رأسهم السيناتور الديمقراطي رون وايدن، الذي وصف الحملة بأنها «ارتداد إلى الحقبة المكارثية، وأسوأ انتهاكات مكتب التحقيقات الفيدرالي في عهد هوفر»، مؤكداً أن استخدام أدوات إنفاذ القانون ضد الأميركيين لمجرد معارضتهم سياسات الرئيس يعد سابقة خطيرة.

تجاهل اليمين وتضخيم اليسار

ويتعاظم القلق مع غياب أي إشارة موازية إلى تهديدات اليمين المتطرف، رغم تاريخه الطويل في العنف السياسي داخل الولايات المتحدة. ويشير منتقدون إلى أن المذكرة لا تذكر التطرف اليميني إلا عرضاً، إن ذكرته أصلاً، ما يعكس، في رأيهم، توجهاً انتقائياً في استخدام أدوات الدولة الأمنية.

في المقابل، تستند الإدارة إلى وقائع أمنية حديثة لتبرير تشددها. فقد أعلن المدعي الفيدرالي في لوس أنجليس توقيف أربعة أشخاص يُشتبه في انتمائهم إلى «جبهة تحرير جزيرة السلحفاة»، بتهمة التخطيط لتفجيرات ليلة رأس السنة. كما نسبت الإدارة صدامات بين متظاهرين وعناصر من وكالة الهجرة والجمارك إلى نشاطات يسارية منظمة، وربطت خطابياً بين تلك الأحداث وحوادث إطلاق نار شهدتها منشآت مرتبطة بالهجرة، رغم أن التحقيقات في بعض هذه القضايا لم تُثبت وجود انتماء سياسي واضح للمنفذين.

السيناتور الأميركي آدم شيف (ديمقراطي من كاليفورنيا) يتحدث أمام لافتة عليها صورة مدير «مكتب التحقيقات الفيدرالي» كاش باتيل في أثناء إدلائه بشهادته أمام لجنة القضاء في مجلس الشيوخ يوم 16 سبتمبر 2025 (رويترز)

التكنولوجيا في خدمة الأمن

الجدل لا يقتصر على البعد السياسي، بل يمتد إلى الأدوات المستخدمة. فالحكومة الفيدرالية تمتلك، منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، صلاحيات واسعة في مجال المراقبة، تشمل تقنيات التعرف على الوجوه، وتتبع لوحات السيارات، ورصد مواقع الهواتف الجوالة، واستخدام الطائرات المسيّرة، إضافة إلى التنصت واختراق الأجهزة بإذن قضائي. ومع تزايد تبادل البيانات بين الوكالات، يخشى خبراء من أن تُسخَّر هذه القدرات، المصممة أصلاً لمواجهة الإرهاب الدولي، ضد مواطنين أميركيين بسبب نشاطهم السياسي الداخلي.

عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي يغادرون مكتب جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن (إ.ب.أ)

بعض الخبراء يلفتون إلى أن أخطر ما في الحملة ليس منح صلاحيات جديدة، بل توجيه الصلاحيات القائمة نحو فئة آيديولوجية محددة. ويرى هؤلاء أن الجديد هو «حشد أدوات المراقبة القائمة على نطاق واسع ضد خصوم سياسيين للإدارة، بدلاً من استخدامها بشكل انتقائي ومحايد». ويضيف آخرون أن الغموض المحيط بمفهوم «أنتيفا»، بوصفها آيديولوجيا أكثر منها تنظيماً هرمياً، يجعل تحديد الأهداف الأمنية عملية محفوفة بالانزلاق نحو التعميم.

في مواجهة هذه الانتقادات، يؤكد الـ«إف بي آي» التزامه بحماية الأمن القومي مع احترام الحقوق الدستورية، مشيراً إلى أن أدلته الإجرائية تفرض «عناية خاصة» عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير والاحتجاج. كما يرى بعض القانونيين المحافظين أن التحقيق في نشاطات عنيفة محتملة لا يتعارض بالضرورة مع التعديل الأول، شريطة ألا يكون الاستهداف مبنياً على الآيديولوجيا وحدها.

ضابط من فرقة «الخدمة السرية» يرتدي الزي الرسمي يقف حارساً خارج البيت الأبيض في واشنطن العاصمة يوم 27 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

لكن التجارب التاريخية الأميركية، من ملاحقة اليسار في زمن الحرب الباردة إلى الجدل حول مراقبة اليمين المتطرف في إدارات سابقة، تُظهر أن الخط الفاصل بين الأمن والحريات هشّ وقابل للانتهاك. ومع توسع حملة ترمب ضد ما تسميه إدارته «شبكات يسارية عنيفة»، يبقى السؤال الجوهري: هل تنجح الدولة في حماية أمنها دون المساس بجوهر الديمقراطية الأميركية، أو أن الخوف من العنف سيقود إلى تآكل تدريجي لحرية التعبير التي يشكل التعديل الأول ركيزتها الأساسية؟


الموازنة الدفاعية... التشريع الذي لا يفشل

ترمب في المكتب البيضاوي في 11 ديسمبر 2025 (رويترز)
ترمب في المكتب البيضاوي في 11 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

الموازنة الدفاعية... التشريع الذي لا يفشل

ترمب في المكتب البيضاوي في 11 ديسمبر 2025 (رويترز)
ترمب في المكتب البيضاوي في 11 ديسمبر 2025 (رويترز)

وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على موازنة الدفاع الضخمة للعام المقبل التي وصلت قيمتها إلى نحو 900 مليار دولار. موازنة لا تقتصر على الأرقام، بل ترسم ملامح السياسات الأميركية في الداخل والخارج، وتكشف عن توجهات واشنطن وخياراتها المقبلة؛ ألغت عقوبات قيصر على سوريا، وقيّدت تحركات الإدارة الأميركية حيال أوكرانيا وفنزويلا، وتحدّت استراتيجية الأمن القومي الجديدة حيال الصين، وعززت من دعم القوات الأميركية في الداخل، وموّلت قبة ترمب الذهبية، وغيرها من بنود وردت في نص يتجاوز 3 آلاف صفحة توافق عليها الحزبان في إجماع نادر. فموازنة الدفاع هي التشريع الذي لا يفشل في الكونغرس، رغم كل الانقسامات.

يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، أولويات الإنفاق العسكري الأميركي وانعكاساته على التحالفات والحروب والنفوذ، إضافة إلى أبرز البنود التي شملتها الموازنة.

ترمب يوقع على قرار تنفيذي في 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

تشريع لا يفشل

منذ عام 1961، نجح «الكونغرس» في إقرار الموازنة الدفاعية سنوياً، على الرغم من الانقسامات الحزبية، ما جعلها تُعدّ لدى المشرّعين «مركبة تشريعية» تُدرج ضمنها بعض المشروعات التي لا تحظى بدعم واسع. ويقول ويليام ثايبو، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية والضابط السابق في الجيش الأميركي، إن هذا المشروع يُعرف بـ«القانون الذي لا بدّ من إقراره»، نظراً لأهميته البالغة في ضمان بقاء الجيش، على وجه الخصوص، على اطلاع دائم ومواكباً للتهديدات في عالم اليوم.

ويضيف: «في كل عام تقريباً، يُقرّ قانون الدفاع الوطني في مجلسَي (الشيوخ) و(النواب)، ويعثر المشرّعون على سبل لإدراج بنود لا تمتّ بصلة مباشرة إلى الدفاع أو الحرب ضمنه. غير أنني أرى أن هذا الأمر يُثير قدراً من الاستياء لدى الشعب الأميركي، إذ يعكس حقيقة أن واشنطن العاصمة تعمل وفق نمط مختلف عن بقية الولايات المتحدة».

من ناحيته، يرى كيفين بارون، المدير التحريري السابق في «بوليتيكو لايف»، أنه على الرغم من الإجماع الواسع على مشروع القانون، فإنه بات يعكس أيضاً حدة الانقسامات الحزبية، مشيراً إلى أن 20 سيناتوراً صوّتوا ضده هذا العام، وهو عدد أعلى مما كان عليه في السابق.

ويقول بارون إن سبب تصويت هؤلاء ضده يعود إلى معارضتهم قرار ترمب إرسال الحرس الوطني إلى ولاياتهم، لكنه يضيف: «ومع ذلك، يظل هذا مشروع القانون الذي يدرك الجميع أنه سيُمرَّر بحلول نهاية العام؛ لذا، إذا كنت عضواً في الكونغرس، ولديك بند ترغب في تمريره، فمن الأفضل إدراجه ضمن هذا المشروع».

الرئيس الأوكراني مع كوشنر وويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (رويترز)

تصدّعات حزبية حول أوروبا وأوكرانيا والصين

أما جينيفر غافيتو، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركية سابقاً، فقد سلّطت الضوء على أن مشروع القانون يتضمن بعض البنود التي تكشف عن تصدعات حزبية وتتعارض مع رؤية ترمب، ولا سيما فيما يتعلّق بسياساته تجاه أوروبا والحرب «الروسية-الأوكرانية». إذ يشمل المشروع بنوداً تخصص تمويلاً لأوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار للعامين المقبلين، كما يفرض قيوداً على قدرة ترمب على سحب القوات الأميركية من أوروبا.

ويقول بارون إن الكونغرس يوظّف هذه البنود للتذكير بالسلطة التي يتمتع بها المشرعون، لكنه في الوقت نفسه يخفف من حدتها، ولا سيما فيما يتعلق بمنع سحب القوات الأميركية من أوروبا. ويوضح قائلاً: «الكونغرس لم يقل للرئيس إنه لا يستطيع سحب القوات، بل فرض قيوداً بسيطة على عدد القوات التي يمكن سحبها، وعلى مدة السحب من دون إخطار الكونغرس». ويضيف: «إنه مجرد تذكير بأننا لن ننسحب من حلف (الناتو)، ولن ننفذ بعض هذه الخطوات بالطريقة التي يريدها الرئيس».

ورغم أن إدارة ترمب خففت من لهجتها حيال الصين في استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي فإن المشرعين حرصوا على التذكير بالتهديد الصيني، فقيّدوا من الاستثمارات الأميركية هناك، وعزّزوا تمويل تايوان من 300 مليون إلى مليار دولار، حسب القانون الجديد.

لكن ثايبو يذكر بدور الرئيس قائداً للقوات المسلحة، ويعدّ أنه ورغم القيود المفروضة في القانون فإنه «عندما يحين وقت الحسم، فسيكون هو صاحب القرار، خصوصاً في سياق الأمن القومي والسياسة الخارجية»، لكنه يعقب قائلاً: «من المهم أن نفهم أن هناك حزبين جمهوريين في أميركا. هناك (الحزب الجمهوري) في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في عهد جورج بوش، وهناك (الحزب الجمهوري) في عهد دونالد ترمب. وأعتقد، بصراحة، أن الغالبية العظمى من الناخبين الجمهوريين يتفقون مع استراتيجية الرئيس للأمن القومي. ومع ذلك، هناك جزء بسيط من (الحزب الجمهوري) التقليدي ومؤيديه الذين يحاولون استعادة النفوذ والسلطة والاحتفاظ بهما من خلال موازنة الدفاع الوطني».

ويوافق بارون على نقطة وجود حزبين جمهوريين في الولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق يقول إن قاعدة ترمب الشعبية لا تدعم استخدام القوات المسلحة الأميركية للإطاحة بالأنظمة وتكرار ما حدث في أفغانستان وفي العراق وفي سوريا، ويضيف: «لذا، فإن أهم تطور عسكري في الوقت الحالي هو فنزويلا؛ حيث يختبر ترمب قاعدته الشعبية التي تعارض خطوات تذكرهم بالعراق أو أفغانستان».

إلغاء عقوبات قيصر ستفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية في سوريا (رويترز)

إلغاء قيصر

موازنة الدفاع ألغت نهائياً عقوبات قيصر القاسية على سوريا مع شروط غير ملزمة، كما تضمنت بنداً يربط المساعدات للجيش اللبناني بنزع سلاح «حزب الله»، وألغت تفويض الحرب في العراق.

ورأت جينيفر غافيتو أن رفع العقوبات عن سوريا يُعدّ القرار الصائب، إذ سيشكّل بمثابة «نفحة أكسجين» تُمنح لهذا البلد، وتفتح الباب أمام الاستثمارات وإسهامات الشركات الأميركية والغربية للدخول إلى سوريا، والبدء بتقديم الخدمات في مختلف القطاعات.

لكنها تُعرب عن دهشتها من عدم تضمين إلغاء العقوبات شروطاً ملزمة، خصوصاً في ظل تشكيك بعض أعضاء الكونغرس في تعاطي حكومة الشرع مع التحديات الأمنية وحماية الأقليات في سوريا، وتُضيف: «إن شروطاً من هذا النوع يمكن أن تكون فعّالة، ليس من أجل المساءلة فحسب، بل أيضاً لكي تتمكن الحكومة السورية نفسها من إثبات أنها تتخذ الإجراءات المطلوبة للحصول على الدعم الدولي».

لكن بارون أعرب عن دهشته من أنه، وبالتزامن مع رفع العقوبات عن سوريا، أعلنت إدارة ترمب فرض قيود على دخول السوريين إلى الولايات المتحدة، قائلاً: «لا أفهم ما الذي تفعله الإدارة في سوريا؛ ففي الوقت الذي أنهت فيه هذه العقوبات، وضع الرئيس سوريا على قائمة حظر السفر. فهل هي تدعم سوريا أم لا؟ الأمر معقّد، ولا أفهم لماذا تُمنع سوريا من السفر في وقت تشهد فيه تطورات إيجابية مثل رفع العقوبات».

من ناحيته، يصف ثايبو البيئة الجيوسياسية في سوريا بغير المستقرة بعد، ويُشير إلى احتمال أن تعمد الإدارة إلى إعادة فرض بعض العقوبات «بشكل ما»، في حال تكررت حوادث مشابهة لتلك التي أودت بحياة 3 أميركيين هناك. لكنه يعدّ في الوقت نفسه أن إلغاء عقوبات قيصر هي دليل على أن نظام العقوبات الأميركي بحاجة ماسة للإصلاح، قائلاً: «أعتقد أننا يجب أن نُعيد العقلانية إلى نظام العقوبات الأميركية، فنحن نتجه نحو عالم تكتسب فيه العقوبات أهمية ملموسة ويتم تنفيذها وتطبيقها بشكل متسق، وليس من خلال فرض عشوائي».

عناصر من الجيش اللبناني بالقرب من الحدود مع إسرائيل في 28 نوفمبر 2025 (رويترز)

المساعدات للجيش اللبناني

ويتضمن القانون بنداً يربط دعم أميركا للجيش اللبناني بجهوده لنزع سلاح «حزب الله» تحت طائلة تعليق المساعدات. ويلزم وزير الدفاع بتقديم تقرير للكونغرس نهاية يونيو (حزيران) يُقيم «التقدم الذي أحرزته القوات المسلحة اللبنانية في نزع سلاح الحزب وخيارات لوقف المساعدات في حال تبيّن عدم استعدادها لنزعه».

وفيما يقول بارون إن هذا البند من شأنه أن يضغط على اللبنانيين لتحديد مسار بلادهم والخطوات المقبلة، تُشير جينيفر غافيتو إلى أن هذه التهديدات بقطع تمويل الجيش من قبل بعض المشرعين ليست جديدة، لكنها تذكر بوجود إجماع نسبي بين الحزبين لضرورة تمويل الجيش الذي يعدّ «حجر زاوية من أجل المضي قدماً في تحدي (حزب الله)».

وتضيف: «إن قانون الموازنة يُمثل إدراكاً وإقراراً بهذه اللحظة المهمة جداً في المنطقة، وأداة يجب استخدامها من أجل إعادة التشديد على أهمية قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ الإجراءات اللازمة من أجل وضع الجيش اللبناني في موقف للحفاظ على السيادة والاستقرار على الأراضي اللبنانية».

عناصر من القوات العراقية في بغداد 10 ديسمبر 2025 (رويترز)

إلغاء تفويض الحرب في العراق

وفيما يتعلق بإلغاء تفويض الحرب في العراق الذي أقرّه الكونغرس عام 2002، يؤكد ثايبو أن هذا البند يُعدّ من أبرز البنود المرفقة في القانون. ويوضح قائلاً: «إن إلغاء تفويض استخدام القوة العسكرية في العراق يُعدّ دليلاً على وجود توافق بين الحزبين على ضرورة إعادة النظر في سلوكنا في تلك الحرب في الشرق الأوسط، وعلى أننا لا يمكن أن نكرر أبداً تجربة نشر الديمقراطية عبر الحرب أو تغيير الأنظمة. ونأمل أن يبعث ذلك برسالة مفادها أن الشعب الأميركي يتوقع من الرئيس والكونغرس قدراً أكبر من الحذر عند النظر في مثل هذه الحروب واستخدام القوة العسكرية مستقبلاً، احتراماً لحياة الأميركيين الذين يُطلب منهم الذهاب إلى تلك المناطق، وانعكاس ذلك على السياسة الخارجية للولايات المتحدة».


ترمب يعين جنرالاً من «المارينز» على رأس «قيادة أميركا اللاتينية»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
TT

ترمب يعين جنرالاً من «المارينز» على رأس «قيادة أميركا اللاتينية»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

عيّن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جنرالاً في قوات مشاة البحرية (مارينز) قائداً للقوات الأميركية لأميركا اللاتينية، خلفاً لأدميرال انتقد، بحسب الصحافة، الضربات على قوارب تقول الولايات المتحدة إنها تهرّب مخدرات قبالة سواحل فنزويلا، وفق ما نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأعلن وزير الدفاع بيت هيغسيث الجمعة، في بيان على موقع «البنتاغون»، أن ترمب عيّن الجنرال في المارينز فرنسيس ل. دونوفان على رأس «القيادة الأميركية الجنوبية» (ساوثكوم) المسؤولة عن أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى، وهو منصب يشرف على الانتشار العسكري الأميركي الجاري في بحر الكاريبي.

ودونوفان هو حالياً مساعد قائد العمليات الخاصة الأميركية، بحسب وزارة الدفاع، ويتعين أن يصادق مجلس الشيوخ على تعيينه قبل أن يتولى مهامه الجديدة.

وسيخلف الأدميرال ألفين هولسي الذي أعلن في منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، أنه سيغادر منصبه في 12 ديسمبر (كانون الأول)، «للتقاعد من البحرية».

وكشفت وسائل إعلام أميركية أنه أعرب عن تحفظات بشأن الضربات التي نفذها «البنتاغون» على قوارب في بحر الكاريبي والمحيط الهادئ.

واكتفى هولسي وهيغسيث بالإشارة إلى «التقاعد»، بعد عام فقط من تولي المنصب، على غرار كثير من القادة العسكريين الأميركيين الذين غادروا مناصبهم، أو أُبعدوا منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، من دون ذكر أي سبب لذلك.

وتنشر الولايات المتحدة منذ الصيف أسطولاً بحرياً ضخماً في بحر الكاريبي، بهدف معلن هو مكافحة تهريب المخدرات في أميركا اللاتينية، ونفذت عدداً من الضربات على قوارب مقبلة من فنزويلا قالت إنها تشتبه بأنها تحمل مخدرات، فيما شكك خبراء ومنظمات غير حكومية ومسؤولون بالولايات المتحدة، في قانونية هذه العمليات.

ويلوح ترمب منذ أسابيع بتدخل بري في فنزويلا التي يترأسها نيكولاس مادورو، عدو الولايات المتحدة.

وأبقى الرئيس الأميركي احتمال الحرب مع فنزويلا مطروحاً في مقابلة نشرت الجمعة، وذلك بعد تصعيد حملة الضغط الأميركية على كاراكاس بفرض حصار نفطي.