«قلعة» متحركة... ماذا نعرف عن قطار الزعيم الكوري الشمالي المُصفح؟ (صور)

مطلي دائماً باللون الأخضر ويقدّم أجواءً فاخرة أثناء سفره

TT

«قلعة» متحركة... ماذا نعرف عن قطار الزعيم الكوري الشمالي المُصفح؟ (صور)

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون ينزل من القطار أثناء زيارة لمنطقة متضررة من الفيضانات بالقرب من الحدود مع الصين (رويترز)
زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون ينزل من القطار أثناء زيارة لمنطقة متضررة من الفيضانات بالقرب من الحدود مع الصين (رويترز)

عندما يبحث المسؤولون الغربيون عن مؤشرات على مغادرة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في رحلة خارجية، يحاولون تحديد موقع قطاره الأخضر الداكن، وفقاً لصحيفة «التلغراف».

نادراً ما يلجأ زعيم كوريا الشمالية إلى أسطول طائرات بلاده القديم، بل يعتمد على العربات المصفحة التي لطالما فضّلتها بيونغ يانغ لعقود لنقله في رحلات خارج البلاد.

ومنذ توليه السلطة عام 2011، قام كيم بتسع رحلات دولية وعبر الحدود إلى كوريا الجنوبية مرّتين، مستخدماً قطاره الخاص المضاد للرصاص في الجزء الأكبر من تنقلاته.

تُوفّر قطارات كيم البطيئة، المطلية دائماً بلون أخضر مميز، أجواءً فاخرة لرحلاته.

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (وسط) يترجل من القطار لدى وصوله إلى محطة للسكك الحديدية في بكين (أ.ب)

يوم الاثنين، انطلق قطار كيم المدرّع من بيونغ يانغ إلى بكين، حيث سيكون ضيف الشرف، إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لحضور عرض عسكري بمناسبة نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويسافر الزعيم الكوري الشمالي براحة كبيرة في القطار، حيث تم تصوير العربات وهي تتحرك عبر إحدى ضواحي بكين بسرعة متواضعة تبلغ 37 ميلاً في الساعة.

تتضمن روايات رحلات قادة كوريا الشمالية صناديق مليئة بالمشروبات وجراد البحر الحي، مُخزنة بطريقة جيدة ليُعدّها الطهاة لوجبات فاخرة.

ما هو معروف عن القطارات مستقى من تقارير استخباراتية وروايات مسؤولين مُصرّح لهم بالسفر على متنها، حسب «التلغراف».

قطار يُعتقد أنه يضم الزعيم كيم جونغ أون يصل إلى بكين (أ.ف.ب)

ماذا نعرف عن القطار؟

يُعتقد أن هناك نحو 90 عربة مُدرّعة بكثافة تحت تصرف كيم.

عند السفر إلى الخارج، عادةً ما تتكون القطارات من 10 إلى 15 عربة، لإيواء مرافقيه من حراس الأمن والطاقم الطبي والمستشارين.

كل عربة مُستخدمة مُدرّعة بشكل كبير؛ ما يعني أن القطارات تتحرك ببطء شديد وهي تشق طريقها عبر شبكة السكك الحديدية القديمة في البلاد.

قطار أخضر اللون يحمل الزعيم كيم جونغ أون (أ.ف.ب)

تفيد تقارير بأن عائلة كيم تملك عدداً من القطارات الخاصة المتطابقة تقريباً والتي يصنعها معمل في بيونغ يانغ. ويتضمن القطار الذي يستخدمه كيم حالياً نوافذ مضادة للرصاص وجدراناً معززة وأرضية تقي من المتفجرات، حسب محللين.

وقال الأستاذ لدى «معهد دراسات الشرق الأقصى» في جامعة كيونغنام ليم إيول-شول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» عن القطار: «يُقال إنه قادر على مقاومة معظم القذائف المدفعية. إنه حقاً أشبه بقلعة».

وأضاف: «أعتقد أنه مزوّد بإمكانات دفاعية وهجومية لتحمّل تقريباً أي معركة عسكرية».

ورغم كونه أبطأ من الطائرة، يقول خبراء إن القطار يتميّز بأمور مهمة، من بينها المرونة الأكبر في حال وقوع أي هجمات غير متوقعة.

عَلم كوريا الشمالية يرفرف على قطار يُعتقد أنه يحمل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون عند وصوله إلى بكين (رويترز)

التصميم الداخلي الفاخر

كما أن التصميمات الداخلية للقطار تبدو فاخرة؛ إذ يُظهر مقطع فيديو من رحلة كيم الأخيرة إلى الصين عام 2019 عربةً مُزينة بأرائك وردية.

وظهر مكتبه، الذي يحتوي على كرسي وخريطة للصين وشبه الجزيرة الكورية، في اللقطات نفسها.

في عام 2020، أظهرت لقطات تلفزيونية رسمية كيم وهو يستقل قطاراً لزيارة منطقة ضربها إعصار؛ ما يُظهر لمحةً عن عربة مُزينة بإضاءة على شكل زهور وكراسي قماشية بطبعة حمار وحشي.

بعد ثلاث سنوات، شوهد كيم، محاطاً بجنرالاته، وهو يلوّح بيده من باب القطار الأخضر أثناء مغادرته بيونغ يانغ إلى أقصى شرق روسيا للقاء بوتين.

كما سلّطت تقارير مسؤولين أجانب الضوء على فخامة القطار هذا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يلوّح بيديه من قطاره أثناء وصوله إلى محطة السكة الحديد في فيتنام عام 2019 (أ.ب)

كتب كونستانتين بوليكوفسكي، المسؤول الروسي الذي رافق والد كيم خلال رحلة عبر روسيا قبل 20 عاماً، في كتاب صدر عام 2002 بعنوان «قطار الشرق السريع»: «كان من الممكن طلب أي طبق من المطبخ الروسي والصيني والكوري والياباني والفرنسي».

بالإضافة إلى دورها في المشاريع الخارجية، كانت القطارات أيضاً محور دعاية الدولة حول قيام عائلة كيم الحاكمة برحلات طويلة بالقطار للقاء الكوريين الشماليين العاديين في جميع أنحاء البلاد.

في عام 2022، أظهر التلفزيون الرسمي كيم في عربة قطار وهو يلمس أوراق الذرة ويناقش محاصيل الذرة أثناء تدخينه سيجارة، قائلاً إن الزعيم الكوري الشمالي يأمل في «يوتوبيا شيوعية» أثناء «جولة قطار مرهقة».

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يلوّح بيده من قطار في بيونغ يانغ (أ.ب)

علاقة عائلية

يعرف عن عائلة كيم حبها للقطارات.

كان الزعيم المؤسس لكوريا الشمالية، كيم إيل سونغ، جد كيم، يسافر إلى الخارج بالقطار بانتظام أثناء حكمه حتى وفاته في عام 1994.

وكان كيم جونغ إيل معروفاً بخوفه من الطيران، وبالتالي اقتصرت زياراته الخارجية على الرحلات البريّة إلى الصين وروسيا على متن قطار مصفّح.

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (وسط) على متن قطار خاص في طريقه إلى الصين (د.ب.أ)

وعام 2001، ركب كيم الأب قطاره من العاصمة بيونغ يانغ إلى موسكو، في رحلة استغرقت نحو 24 يوماً قطع خلالها 20 ألف كيلومتر ذهاباً وإياباً.

وحسب الرواية الكورية الشمالية الرسمية، كان كيم جونغ إيل على متن قطار في زيارة «توجيه ميداني» عام 2011 عندما توفي بنوبة قلبية.

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (يسار) أثناء مغادرته بيونغ يانغ على متن قطار خاص لزيارة الصين (أ.ف.ب)

رسالة سياسية

يعدّ اختيار القطار على الطائرة استراتيجية محسوبة أيضاً.

وبحسب الأستاذ الفخري للدراسات الكورية الشمالية في «جامعة دونغوك» الكورية الجنوبية كوه يو-هوان، فإن «السفر بالقطار يستغرق وقتاً طويلاً، لكنه يجذب في الوقت ذاته أنظار العالم».

وأضاف: «قبيل الفعاليات الدبلوماسية الكبرى، يتابع العالم من كثب تحرّكاته وتساعد الرحلة الطويلة في إبقاء الأضواء مسلّطة عليه».


مقالات ذات صلة

تركيا: تجاذب حول قانون أوجلان للسلام والاعتراف بـ«المشكلة الكردية»

شؤون إقليمية سحب حزب «العمال الكردستاني» في 26 أكتوبر الماضي 25 من مقاتليه من الأراضي التركية إلى شمال العراق بإطار عملية السلام مع تركيا (رويترز)

تركيا: تجاذب حول قانون أوجلان للسلام والاعتراف بـ«المشكلة الكردية»

فجّرت المطالب الكردية بشأن «عملية «السلام» في تركيا التي تمر عبر حل حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته تجاذباً على الساحة السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (أ.ب) play-circle

كوريا الشمالية: يجب وقف طموحات اليابان النووية «بأي ثمن»

حذّرت كوريا الشمالية، الأحد، من أن طموحات اليابان النووية يجب منعها بأي ثمن، وذلك في أعقاب تقارير إعلامية عن اقتراح مسؤول ياباني بأن تمتلك بلاده أسلحة نووية.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الولايات المتحدة​ نظام راجمات الصواريخ عالية الحركة «هيمارس» (أرشيفية - رويترز)

بعد الإعلان عن صفقة أسلحة... بكين تحث واشنطن على وقف تسليح تايوان «فوراً»

طالبت الصين، الولايات المتحدة، الخميس، بـ«التوقف فوراً» عن تسليح تايوان، وذلك بعد أن أعلنت تايبيه أن واشنطن وافقت على بيع أسلحة للجزيرة بقيمة 11 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
شؤون إقليمية لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» بالبرلمان التركي تستعد لمناقشة الاقتراحات الخاصة بعملية السلام (حساب البرلمان في إكس)

تركيا: تباينات في مواقف الأحزاب بشأن «عملية السلام» مع الأكراد

تستعد لجنة شكّلها البرلمان التركي لاقتراح الإطار القانوني لحل حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته للمرحلة الثانية من عملية السلام وحل المشكلة الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا المستشار الألماني فريدريش ميرتس (في الوسط) يُلقي خطاباً خلال جلسة للبرلمان الألماني (بوندستاغ) ببرلين 17 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

البرلمان الألماني يقر مشتريات عسكرية بقيمة 50 مليار يورو

أقرّ البرلمان الألماني، الأربعاء، حزمة إنفاق جديدة بقيمة تقارب 50 مليار يورو (59 مليار دولار) لتجهيز القوات المسلحة الألمانية.

«الشرق الأوسط» (برلين)

حريق هائل بسوق في كابل يخلف خسائر قدرها 700 ألف دولار

تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

حريق هائل بسوق في كابل يخلف خسائر قدرها 700 ألف دولار

تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ذكر مسؤولون أن حريقاً هائلاً اندلع بسوق «مندوي» التاريخية في كابل، فجر الأحد؛ ما أدى إلى تدمير عشرات من المتاجر وتسبب في خسائر تقدر بنحو 700 ألف دولار.

وألقى المسؤولون الضوء على المخاطر المستمرة في المناطق التجارية بالعاصمة، وفق وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء الأحد.

ونشب الحريق في سوق للأحذية داخل منطقة مندوي؛ وهي من أقدم وأنشط مراكز تجارة الجملة في كابل، حيث تباع بضائع مستوردة، مثل الأحذية والملابس والأدوات المنزلية.

وأظهرت صور متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي دخاناً كثيفاً وألسنة لهب متصاعدة تلتهم صفوفاً متراصة من المتاجر.

وقالت وزارة داخلية «طالبان» إن الحريق ناجم عن تماس كهربائي، وهي مشكلة يقول تجار وخبراء إنها شائعة في الأسواق ذات الأسلاك القديمة والرقابة المحدودة على متطلبات السلامة.

ولم ترد تقارير عن حدوث خسائر بشرية.


قبل مذبحة بونداي... لطالما شعر يهود أستراليا بالتهديد

ريبيكا دي فيرولي مع ابنتها كلوي وهما تُجهّزان الشمعدان العائلي في منزلهما في نورث بونداي يوم الأحد (نيوريوك تايمز)
ريبيكا دي فيرولي مع ابنتها كلوي وهما تُجهّزان الشمعدان العائلي في منزلهما في نورث بونداي يوم الأحد (نيوريوك تايمز)
TT

قبل مذبحة بونداي... لطالما شعر يهود أستراليا بالتهديد

ريبيكا دي فيرولي مع ابنتها كلوي وهما تُجهّزان الشمعدان العائلي في منزلهما في نورث بونداي يوم الأحد (نيوريوك تايمز)
ريبيكا دي فيرولي مع ابنتها كلوي وهما تُجهّزان الشمعدان العائلي في منزلهما في نورث بونداي يوم الأحد (نيوريوك تايمز)

أصبحت الحراسة المسلحة والحواجز الخرسانية والتدابير الأمنية السرية جزءاً من الحياة، في خضم ازياد الهجمات المعادية للسامية، وتداخل الغضب تجاه إسرائيل مع مشاعر الكراهية إزاء اليهود.

من جهتها، وعلى مدار الأعوام الثلاثة والثلاثين التي نشأت خلالها، كونها يهودية في أستراليا، لطالما عانت ريبيكا دي فيرولي طويلاً شعوراً دائماً بالهشاشة؛ شعوراً لازمها كما لازمها حضور الشمس والبحر والرمال في تفاصيل حياتها.

كان حراس مدججون بالسلاح يقفون أمام كل كنيس، وكل مركز رعاية أطفال، وحتى دار المسنين اليهودية، التي كانت تزور فيها جدها، في حين تُحاوط جدران عالية مدارس اليهود التي التحقت بها. أما والدها، الذي فرّت عائلته من بولندا في خضم مذبحة ضد اليهود، فكان يمنع الأسرة من حضور التجمعات اليهودية، خصوصاً في الأماكن المفتوحة مثل المتنزهات.

وقالت إنها كانت ترد عليه: «بحقك، نحن في أستراليا، لا تكن سخيفاً».

نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي يوم الجمعة (نيوريوك تايمز)

ومع ذلك، وجدت نفسها مساء الأحد الماضي، على شاطئ بونداي في سيدني، ممددة فوق ابنها البالغ 5 سنوات تحت طاولة طعام، تحاول حماية جسده الصغير بجسدها، في حين تنهال طلقات الرصاص حولهما. وبالقرب منهما، أُصيب حاخام في صدره حين كان يقدم النقانق للضيوف، وكان يلهث محاولاً التقاط أنفاسه.

من وجهة نظر أعضاء المجتمع اليهودي الأسترالي الصغير والمترابط، كان الهجوم الدموي على احتفال الحانوكا بمثابة أسوأ كوابيسهم، وقد تحقق على أرض الواقع. في الواقع، تفاقمت المخاوف التي لطالما سيطرت عليهم، على نحو حاد، منذ هجوم جماعة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تلاه من حرب إسرائيل على غزة، التي أطلقت موجة من الخطاب المعادي للسامية وأعمال التخريب، حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز»، السبت.

والد ماتيلدا (10 سنوات) إحدى ضحايا حادثة إطلاق النار في بونداي يشعل شمعة خلال مراسم إحياء اليوم الوطني للذكرى على شاطئ بونداي في سيدني الأحد 21 ديسمبر 2025 بعد الحادث الذي وقع في 14 ديسمبر (أ.ب)

وكان الشعور بالهشاشة حاضراً بشكل خاص داخل مجتمع ينحدر كثير من أفراده من نسل ناجين من المحرقة النازية، ونشأوا في عائلات فرّت إلى أقصى بقاع العالم هرباً من الاضطهاد في أوروبا.

ووجد اليهود الذين فرّوا من المجر، قرب شاطئ بونداي الخلاب، ملاذاً لهم، إذ كانت المعيشة بالقرب من الشاطئ ميسورة التكلفة نسبياً بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى مر السنوات، اعتادت عائلاتهم الاجتماع على رمال الشاطئ لإقامة احتفالات دينية ومجموعات صلاة، فضلاً عن الاحتفال السنوي بعيد الحانوكا، الذي تخللته إقامة حديقة حيوانات صغيرة، وطلاء وجوه الأطفال بألوان زاهية.

أما المسلحان اللذان فتحا النار خلال احتفال هذا العام، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً، فكانا يستلهمان أفكارهما من تنظيم «داعش»، وفقاً لما أفادت به السلطات.

وجاءت المذبحة في أعقاب سلسلة من الهجمات المعادية للسامية في أستراليا خلال العامين الماضيين، شملت إحراق معابد يهودية وإضرام النار في منشآت تجارية يملكها يهود. وردت الحكومة الفيدرالية برفع مستوى الحماية الشرطية، وتشديد قوانين جرائم الكراهية، وتخصيص ملايين الدولارات لتعزيز التدابير الأمنية.

وبعد هجوم الأحد، اشتكى كثير من اليهود من أن حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي، لم تتحرك بالسرعة الكافية، حتى بعد أن قدمت مبعوثة الحكومة لمكافحة معاداة السامية، جيليان سيغال، قائمة طويلة بالإجراءات المقترحة في يوليو (تموز).

أصبحت الحراسة المسلحة والحواجز والاحتياطات السرية جزءاً من الحياة وسط الهجمات المعادية للسامية والخطوط غير الواضحة بين الغضب من إسرائيل وكراهية اليهود (نيوريوك تايمز)

وقال واين ميلر (50 عاماً)، الذي انتقل من جنوب أفريقيا عام 2008 بعد تعرضه للعنف هناك: «لم نعد نشعر بالأمان في أستراليا». وكان ميلر من بين المشاركين في الاحتفال الذي استُهدف يوم الأحد، برفقة ابنتيه البالغتين 3 و4 سنوات. وأضاف: «نشعر بأن حكومتنا خذلتنا».

كما تعرض طفلا دي فيرولي، كلوي (7 سنوات) ولوي (5 سنوات)، لمشاعر معاداة للسامية في وقت سابق من هذا العام، عقب تخريب جدران مدرستهما برسومات بذيئة معادية لليهود. وعلى أثر ذلك، أغلقت المدرسة أبوابها ليوم كامل، واستمر وجود ضباط شرطة بزيّ رسميّ داخلها لأسابيع، إلى جانب الحراس المسلحين المعتادين.

وعندما سألها طفلاها لماذا استهدفت مدرستهما، عجزت عن تفسير الأمر، واكتفت بالقول إن هناك «أناساً سيئين في هذا العالم».

وفي صباح اليوم التالي لإطلاق النار، كان لدى لوي سيلٌ من الأسئلة من جديد، فشعرت والدته بعجز أكبر عن تفسير السبب وراء تحولهم إلى أهداف للكراهية لمجرد أنهم يهود.

واكتفت بالقول: «الأمر صعب. نحن أنفسنا لا نملك إجابات».

وفي سياق متصل، قال كثير من اليهود الأستراليين إن شعورهم بالانتماء إلى البلاد اهتز بقوة بعد يومين فقط من هجمات السابع من أكتوبر، عندما تجمّع متظاهرون مؤيدون لفلسطين على درجات دار أوبرا سيدني، وأطلق بعضهم شعارات معادية للسامية.

ومع استمرار الحرب في غزة، وجد كثيرون أنفسهم ممزقين بين الرغبة في التعبير بحرية عن هويتهم اليهودية، والخوف من أن يجعلهم ذلك هدفاً لأعمال عنف. وفي منتدى مجتمعي على موقع «ذا جويش إندبندنت»، كتب أحدهم أنه يشعر «وكأنك تمشي على جسر حبال هش».

من ناحيتها، قالت إيرين فيهرر، اختصاصية نفسية تنظم جلسات دعم جماعية وفردية بعد الهجوم، إن بعض مرضاها اليهود لجأوا إليها بعد شعورهم بأن معالجيهم السابقين يعارضون حرب إسرائيل في غزة، الأمر الذي كان يختلط أحياناً بمشاعر كراهية لليهود.

وأضافت أن ابنتها -التي تدرس في مدرسة يهودية يحمل شعارها رمزاً عبرياً- بدأت تخاف من ارتداء الزي المدرسي علناً، بعد أن تعرضت مع صديقاتها للسباب ورمي الأغراض عليهن في مركز تجاري.

وعلّقت إيرين فيهرر على ذلك بقولها: «تشعر بأن كل تفصيلة صغيرة في حياتك يمكن أن تكون مصدر خطر».

(صورة من الأعلى) مشيعون يحضرون مراسم تأبين ضحايا حادث إطلاق النار على شاطئ بونداي في سيدني 21 ديسمبر 2025 يُتهم أب وابنه بإطلاق النار على حشد محتفل بعيد الحانوكا في 14 ديسمبر بتأثرهما بـ«فكر تنظيم داعش» (أ.ف.ب)

وفي سياق متصل، أوضحت سارة شوارتز، المحامية المعنية بمجال حقوق الإنسان في سيدني، التي شاركت في تأسيس مجلس اليهود في أستراليا بعد بدء الحرب، أنها فعلت ذلك لمواجهة الخطابات اليمينية من مؤسسات يهودية تدعم إسرائيل بشكل مطلق.

وأضافت أن اليهود سيدفعون الثمن إذا جرى تحميل الهجوم على شاطئ بونداي لحركة التضامن مع فلسطين أو للهجرة، بدلاً من تحميله لآيديولوجية «داعش».

وقالت: «إذا انتصرت هذه الرسائل المثيرة للانقسام، فلن تؤدي إلا إلى تأجيج الكراهية والمعاداة للسامية تجاه اليهود».

ومثل دي فيرولي، قضت جيسيكا تشابنيك كاهن الأيامَ التالية للهجوم في التفكير بما يجب أن تقوله لأطفالها، وبأي قدر من التفصيل.

في أثناء الهجوم، ألقت جيسيكا بنفسها فوق ابنتها البالغة 5 سنوات على الأرض الخرسانية في منطقة النزهات، في حين حاول آباء آخرون مذعورون إبقاء أطفالهم ساكنين وصامتين حتى لا يجذبوا انتباه المسلحين. وقالت إن ابنتها، شيمي، كانت ساكنة إلى حد أنها خشيت أن تكون قد خنقتها بالخطأ.

أما ابنها البالغ 9 سنوات، فقد ركض حافي القدمين مع والده باتجاه مكان إطلاق النار بحثاً عنها وعن أخته، وسأل في تلك الليلة: لماذا قد يفعل أحدهم شيئاً مثل هذا في احتفال حانوكا؟

واستطردت قائلة إنه: «عندما تسمع طفلاً يحاول فهم الأمر، يبدو الأمر أشد عبثاً».

وأضافت أن أطفالها مدركون لهويتهم اليهودية، لكنها وزوجها تعمّدا إبعادهم حتى الآن عن معرفة أي شيء عن معاداة السامية، أو الحرب العالمية الثانية، أو هتلر.

وقالت إنها ردّت على ابنها بأكبر قدر من الصدق الممكن: «هناك أناس في هذا العالم يتخذون قرارات سيئة للغاية. يتركون الكراهية تُسيطر عليهم، ويعتقدون، بشكل خاطئ، أن إيذاء الآخرين سيجعلهم سعداء».


ولاية أسترالية تعتزم تشديد القوانين ضد رفع رايات متطرفة بعد هجوم بونداي

وصل رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية كريس مينز إلى شاطئ بونداي قبل مراسم إحياء «اليوم الوطني للتأمل» في ذكرى الضحايا والناجين من حادثة إطلاق النار في بونداي يوم الأحد 21 ديسمبر 2025 في أعقاب الحادثة التي وقعت يوم 14 ديسمبر (أ.ب)
وصل رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية كريس مينز إلى شاطئ بونداي قبل مراسم إحياء «اليوم الوطني للتأمل» في ذكرى الضحايا والناجين من حادثة إطلاق النار في بونداي يوم الأحد 21 ديسمبر 2025 في أعقاب الحادثة التي وقعت يوم 14 ديسمبر (أ.ب)
TT

ولاية أسترالية تعتزم تشديد القوانين ضد رفع رايات متطرفة بعد هجوم بونداي

وصل رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية كريس مينز إلى شاطئ بونداي قبل مراسم إحياء «اليوم الوطني للتأمل» في ذكرى الضحايا والناجين من حادثة إطلاق النار في بونداي يوم الأحد 21 ديسمبر 2025 في أعقاب الحادثة التي وقعت يوم 14 ديسمبر (أ.ب)
وصل رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية كريس مينز إلى شاطئ بونداي قبل مراسم إحياء «اليوم الوطني للتأمل» في ذكرى الضحايا والناجين من حادثة إطلاق النار في بونداي يوم الأحد 21 ديسمبر 2025 في أعقاب الحادثة التي وقعت يوم 14 ديسمبر (أ.ب)

تعتزم ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية فرض قوانين أشد صرامة لحظر عرض رايات تنظيم «داعش» أو الرموز المتطرفة في الأماكن العامة، عقب حادث إطلاق النار الأخير بدافع معاداة السامية، الذي أسفر عن مقتل 15 شخصاً على شاطئ بونداي بمدينة سيدني.

تحدث رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية كريس مينز خلال حفل أقيم بمناسبة «اليوم الوطني للتأمل» في الضحايا والناجين من حادث إطلاق النار في بونداي بمدينة سيدني يوم الأحد 21 ديسمبر 2025 في أعقاب الحادث الذي وقع يوم 14 ديسمبر (أ.ب)

وبموجب مسودات قوانين ستُبحث في برلمان الولاية، فسيُعدّ استعراض راية «داعش» أو رموز جماعات متطرفة أخرى في الأماكن العامة، جريمةً يعاقَب عليها بالسجن لمدة تصل إلى عامين، إضافة إلى غرامات مالية، وفق تقرير من «أسوشييتد برس» الأحد.

وقال رئيس حكومة الولاية، كريس مينز، إن هتافات مثل «عولمة الانتفاضة» ستُحظَر أيضاً، كما ستُمنح الشرطة صلاحيات أوسع لمطالبة المتظاهرين بإزالة أغطية الوجه خلال المظاهرات. وأضاف مينز، السبت، أن «خطاب الكراهية أو التحريض عليها لا مكان له في مجتمعنا».

وتُترجم كلمة «انتفاضة» العربية عادة إلى «تمرد» أو «انتفاض». وفيما يقول متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين إن الشعار يعبّر عن الاحتجاجات العالمية على الحرب في غزة، يرى قادة يهود أنه يؤجج التوتر ويشجع على استهداف اليهود.

وقال مينز للصحافيين: «الأحداث المروعة الأخيرة أظهرت أن شعار (عولمة الانتفاضة) يشكل خطاب كراهية ويشجع على العنف داخل مجتمعنا. إنكم تخاطرون كثيراً إذا فكرتم في استخدام هذه العبارة».

ومن المتوقع أن يناقش برلمان نيو ساوث ويلز هذه التعديلات، الاثنين، بعد أن دعا رئيس الحكومة إلى عقد جلسة استثنائية.

والدة ماتيلدا البالغة من العمر 10 سنوات صغرى ضحايا حادث إطلاق النار الجماعي المميت الذي وقع خلال احتفالات «عيد الأنوار - حانوكا» اليهودي على شاطئ بونداي يوم 14 ديسمبر 2025 تحضر وقفة «النور فوق الظلام» لتكريم الضحايا والناجين في سيدني بأستراليا يوم 21 ديسمبر (رويترز)

من جهتها، أعلنت الشرطة أن الهجوم الذي استهدف احتفالاً بعيد «حانوكا» على أشهر شواطئ أستراليا، كان «هجوماً إرهابياً مستوحى من تنظيم (داعش)». وأضافت أنها عثرت على رايتين محليتي الصنع للتنظيم داخل المركبة التي استخدمها المشتبه فيهما.

من جانبه، تعهد رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، بطرح مقترحات إجراءات للحد من التطرف والكراهية، من بينها توسيع تعريف جرائم خطاب الكراهية، ليشمل الدعاة الدينيين والقادة الذين يروّجون للعنف، وتشديد العقوبات على مثل هذه الجرائم. كما تتضمن المقترحات تصنيف بعض الجماعات «جماعات كراهية»، والسماح للقضاة بِعَدّ دافع الكراهية ظرفاً مشدداً للعقوبة في قضايا التهديدات والمضايقات عبر الإنترنت.

وأعلن ألبانيزي أيضاً خططاً لتشديد قوانين حيازة السلاح؛ الصارمة أصلاً.

وقال رئيس الوزراء، الذي زار، الجمعة، أفراد الجالية اليهودية في «كنيس سيدني الكبير»، إن «روح الجالية اليهودية الأسترالية غير قابلة للكسر». وأضاف: «لن تسمح أستراليا لهؤلاء الإرهابيين المعادين للسامية بتقسيمنا. مهما اشتدت الظلمات، سيظل النور منتصراً».

وفي سياق متصل، أعلنت السلطات أن البلاد ستُحيي «يوماً وطنياً للتأمل» في ذكرى الضحايا والناجين، الأحد، وهو اليوم الأخير من عيد «حانوكا»، تكريماً للضحايا. وستُنكس الأعلام على جميع المباني الرسمية، كما سيشارك ألبانيزي وآخرون بدقيقة صمت في بونداي عند الساعة الـ6:47 مساءً، وهو التوقيت الذي تلقت فيه الشرطة أول بلاغات إطلاق النار.

وقالت الشرطة إن أحد المشتبه فيهما، وهو ساجد أكرم، قُتل بالرصاص يومها، فيما لا يزال ابنه، نويد أكرم (24 عاماً)، قيد الاحتجاز في مستشفى بولاية نيو ساوث ويلز. وقد وُجهت إليه 59 تهمة، بينها القتل وارتكاب عمل إرهابي، فيما تواصل الشرطة مراجعة الأدلة ضده.

حضر المشيعون مراسم تأبين ضحايا حادث إطلاق النار على شاطئ بونداي في سيدني يوم 21 ديسمبر 2025... ويُتهم أب وابنه بإطلاق النار عشوائياً على حشد من العائلات المحتفلة بـ«عيد الأنوار - حانوكا» على أشهر شواطئ سيدني يوم 14 ديسمبر بزعم تأثرهما بفكر تنظيم «داعش» (أ.ف.ب)

وأثار الهجوم تساؤلات بشأن ما إذا كان اليهود في أستراليا يحظون بحماية كافية في ظل تصاعد مشاعر معاداة السامية.

يذكر أن عدد سكان أستراليا يبلغ نحو 28 مليون نسمة، بينهم نحو 117 ألف يهودي. وقد تضاعفت حوادث معاداة السامية - بما فيها الاعتداءات والتخريب والتهديدات والترهيب - أكثر من 3 مرات خلال العام الذي تلا هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما أعقبه من حرب إسرائيلية على غزة، وفق ما أفادت به المبعوثة الحكومية الخاصة لمكافحة معاداة السامية، جيليان سيغال، في يوليو (تموز) الماضي.

وقد تلقت شبكات التلفزيون والإذاعة طلباً بوقف البث لدقيقة صمت عند الساعة الـ6:47 مساءً.

وقال الحاخام إيلي فيلدمان إن المجتمع الأسترالي الأوسع دُعي إلى الانضمام لليهود في بونداي لإحياء اليوم الكامل الأخير من «حانوكا»، الذي ينتهي عند غروب شمس الاثنين. وأضاف في تصريح لـ«هيئة الإذاعة الأسترالية»: «الجالية اليهودية، إلى جانب جميع أصدقائنا الأستراليين، مدعوون لإضاءة الشمعة الثامنة هنا، لإظهار أن النور سيتغلب دائماً على الظلام».

بدوره، قال أليكس ريفتشين، الرئيس التنفيذي المشارك لـ«المجلس التنفيذي ليهود أستراليا»، إن عائلات الضحايا تشعر بأنها «خُذلت بشكل مأساوي لا يُغتفر» بسبب إخفاقات الحكومة في التصدي لتنامي معاداة السامية منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل و«حماس» عام 2023.

وأضاف: «أمضيت وقتاً مع عائلات الضحايا... إنهم في حالة ذهول وصدمة، ولا يعرفون كيف يتصرفون، ناهيك بالتفكير في المضي قدماً والتعافي». وتابع: «هناك قدر كبير من الغضب داخل المجتمع أيضاً. نشعر بأننا نمر بمراحل مختلفة من المشاعر، وهناك إحساس حقيقي بالخذلان والخيانة. المجتمع يريد إجابات، ونريد أن نلمس تغييراً حقيقياً».