تفرض «قوات الدعم السريع» حصاراً على مدينة الفاشر في غرب السودان منذ أكثر من عام، في مسعى للسيطرة عليها في ظل الحرب مع الجيش التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023.
وباتت المدينة التي تشهد أعمال عنف وحشية آخر جبهة استراتيجية في النزاع، في وقت تحاول «قوات الدعم السريع» السيطرة عليها باعتبارها آخر مدينة في منطقة دارفور ما زالت في قبضة الجيش، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتحاول «قوات الدعم السريع» التي خسرت معظم أجزاء وسط السودان بما في ذلك الخرطوم في وقت سابق هذا العام، تعزيز سلطتها في الغرب وتأسيس حكومة منافسة.
فيما يأتي لمحة عن أبرز ما نعرفه عن الوضع داخل الفاشر:
من يقاتل في الفاشر؟
يقاتل الجيش السوداني إلى جانب «القوة المشتركة»، وهي تحالف مجموعات متمرّدة سابقة يتزعمها قادة ميليشيات هم جزء من الحكومة المتحالفة مع الجيش.
وتخلّت هذه المجموعات عن الحياد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بعد مجازر عرقية قادتها «قوات الدعم السريع» ضد قبيلة المساليت في منطقة الجنينة في ولاية غرب دارفور، وبعد سيطرة «الدعم السريع» على أربع عواصم ولايات في دارفور.
انبثقت «قوات الدعم السريع» من ميليشيات الجنجويد العربية التي استعانت بها الحكومة مطلع الألفية في عهد الرئيس عمر البشير للتغلّب على تمرّد لمجموعات عرقية غير عربية في دارفور، ما أدى إلى مقتل 300 ألف شخص تقريباً في ظل اتهامات بالإبادة.
واندلعت الحرب الحالية بعد صراع بين الحليفين السابقين، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو، بشأن مسألة دمج «الدعم السريع» في الجيش النظامي.

ما الذي يحدث على الأرض؟
يسيطر الجيش وحلفاؤه حالياً على أقل من 13 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة المدينة البالغة 80 كيلومتراً مربعاً، خصوصاً المنطقة المحيطة بالمطار في غرب المدينة، بحسب صور للأقمار الصناعية من «مختبر الأبحاث الإنسانية» التابع لجامعة ييل.
وتمتد باقي المناطق الخاضعة لسيطرته من مخيم أبو شوك للنازحين في الشمال، الذي يعاني قاطنوه من المجاعة إلى سجن شالا في الجنوب وحتى السوق الكبير شرقاً.
وقال ناثانيل رايموند الذي يجري تحقيقات مرتبطة بالحروب، وهو المدير التنفيذي لمختبر الأبحاث الإنسانية في ييل، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن المنطقة الخاضعة لسيطرة الجيش هي حالياً «الأصغر منذ بدأ الحصار».
سيطرت «قوات الدعم السريع» على معظم أجزاء مخيم أبو شوك الذي تعرّض لهجمات متكررة خلال الأسابيع الماضية؛ إذ استولت على مقر الجيش وسط المدينة واستهدفت مستشفيات ومناطق ذات كثافة سكانية عالية قرب المطار.
وتظهر صور الأقمار الصناعية من مختبر ييل أضراراً كبيرة لحقت بهيئة المياه التابعة للمدينة، ما يعرقل إمكان الوصول إلى مياه الشرب النظيفة.
وأقامت «قوات الدعم السريع» سواتر ترابية على امتداد أكثر من 31 كيلومتراً تحيط بالفاشر لمحاصرة سكانها؛ «ما يخلق منطقة قتل حرفياً»، بحسب تقرير ييل الأخير.
وبدأ الجيش إقامة هذه السواتر، لكن «قوات الدعم السريع» أكملتها وعززتها، بحسب رايموند.
وأفاد الباحث بأن السواتر تشكّل «هلالاً» على الجانب الشمالي، بينما يخضع الجزء الجنوبي لسيطرة «قوات الدعم السريع» بالكامل بعدما استولت في أبريل على مخيم زمزم الذي يعاني أيضاً من المجاعة.
وقال رايموند: «لا يوجد مخرج»؛ إذ يواجه الأشخاص الذين يحاولون عبور الحواجز الموت على الأرجح لأن مقاتلي «قوات الدعم السريع» يطلبون رشاوى مقابل السماح بمرورهم، ويعدمون من يشتبهون بأنهم على ارتباط بالجيش.
وأضاف: «نرى من الفضاء نقاط الاختناق التي تستخدمها (قوات الدعم السريع) للسيطرة على وصول المدنيين».

ما هو الوضع الإنساني؟
ما زال نحو 300 ألف مدني عالقين داخل الفاشر ومحرومين من الغذاء والمياه والدواء والمساعدات الإنسانية، بحسب الأمم المتحدة.
وأُعلنت المجاعة العام الماضي في زمزم وأبو شوك ومخيم ثالث قريب.
وفي الفاشر، يعاني نحو 40 في المائة من الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بحسب بيانات الأمم المتحدة. يأكل المدنيون علف الحيوانات بينما يموت كثيرون ممن يهربون إلى الصحراء جوعاً أو جراء العنف.
وتظهر صور الأقمار الصناعية توسّع المقابر. ويتحدّث المدنيون الذين يعانون الجوع عن اضطرارهم للاختباء داخل ملاجئ مؤقتة لحماية أنفسهم من القصف المتواصل.
ماذا إذا سقطت الفاشر؟
دفع هجوم «قوات الدعم السريع» على زمزم مئات آلاف الأشخاص إلى النزوح. وتخشى هيئات إغاثية من موجة هروب جماعي أخرى إذا سقطت الفاشر.
ومن شأن السيطرة على الفاشر أن تتيح لـ«قوات الدعم السريع» السيطرة على جميع عواصم ولايات دارفور الخمس، ما يعزز فعلياً موقعها لإقامة إدارة موازية في غرب السودان.
ويحذّر خبراء من فظائع تستهدف قبيلة زغاوة المهيمنة في الفاشر، تشبه مجازر 2023 في الجنينة، التي قُتل فيها ما يصل إلى 15 ألف شخص، معظمهم من قبيلة المساليت.
ووصفت المحللة السياسية خلود خير المعركة بأنها «وجودية» بالنسبة للجانبين؛ إذ تسعى «قوات الدعم السريع» لنيل الشرعية وتأمين خطوط إمداد، في حين تعتبر «القوة المشتركة» المشكّلة بمعظمها من مقاتلين من الزغاوة أن المدينة آخر خط دفاع لها.
وقالت خلود خير لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الفاشر باتت تعيش حصار استنزاف يذكّر بستالينغراد... ويرجّح ألا يجلب سوى مزيد من الموت والدمار قبل انتهائه».




