مئات الأسر السودانية تهرب من تصاعد العنف في الفاشر

برنامج الأغذية العالمي: 24 مليون شخص يعانون جوعاً حاداً

متطوعون سودانيون يجهزون وجبات لبعض السكان في مدينة الفاشر التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» منذ أكثر من عام (أ.ف.ب)
متطوعون سودانيون يجهزون وجبات لبعض السكان في مدينة الفاشر التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» منذ أكثر من عام (أ.ف.ب)
TT

مئات الأسر السودانية تهرب من تصاعد العنف في الفاشر

متطوعون سودانيون يجهزون وجبات لبعض السكان في مدينة الفاشر التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» منذ أكثر من عام (أ.ف.ب)
متطوعون سودانيون يجهزون وجبات لبعض السكان في مدينة الفاشر التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» منذ أكثر من عام (أ.ف.ب)

تشهد مدينة الفاشر موجة نزوح جديدة مع احتدام القتال في عدد من أحيائها، فيما قالت منظمة الهجرة الدولية إن 1050 أسرة غادرت المدينة إلى مناطق أخرى، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية. في غضون ذلك، تتواصل العمليات القتالية بين الجيش و«قوات الدعم السريع» للأسبوع الثالث على التوالي، حول مدينة الفاشر، التي تعد آخر المدن الكبرى في إقليم دارفور الواقعة تحت سيطرة الجيش، وتخضع لحصار محكم لأكثر من عام من قبل «قوات الدعم السريع».

وبحسب شهود، تعرض «مخيم أبو شوك» للنازحين في المدينة لقصف عنيف، يوم الاثنين، راح ضحيته 7 أشخاص وأصيب 71 في أحياء غرب الفاشر القريبة من المطار الذي تحاول «قوات الدعم السريع» السيطرة عليه.

وشهدت الأيام الأخيرة قصف مخيم أبو شوك وأحياء أخرى، أدى إلى مقتل أكثر من 8 أشخاص، وإصابة أعداد مماثلة، إثر استهداف سوق الفاشر وحي أبو شوك، ما تسبب أيضاً في نزوح جماعي جديد. وقالت منظمة «الهجرة الدولية» في بيان، إن فرق التقييم الميداني التابعة لها، قدرت نزوح نحو 1050 أسرة من المدينة في 29 أغسطس (آب)، نتيجة تصاعد العنف وانعدام الأمن، موضحة أن بعض الأحياء تأثر بالاشتباكات التي أدت إلى نزوح الأسر إلى مناطق أخرى داخل المدينة.

ودفع اشتداد وتواصل القتال دون توقف مئات الأسر لمغادرة منازلها، وغالبيتهم من النساء والأطفال، ينقلون قليلاً من أمتعتهم على العربات التي تجرها الدواب، أو مشياً على الأقدام. وقال شهود إن الطرق إلى خارج المدينة مزدحمة بالنازحين، ولا يحملون سوى أوعية مياه صغيرة.

البقاء أم الرحيل؟

أرشيفية لعناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (تلغرام)

وأوقع القتال سكان الفاشر بين نار قوات الجيش وحلفائه الذين يجبرونهم على البقاء داخل المدينة، ونار طرق النزوح غير الآمنة حيث تنتشر الاشتباكات والمخاطر، ما جعلهم يترددون بين البقاء أو الرحيل.

ودأب طرفا الحرب على اتهام بعضهما البعض بالمسؤولية عن الأهالي المحاصرين، إذ يقول الجيش إن «قوات الدعم السريع» تمنع وصول المساعدات الإنسانية، وتطالب بتدخل أممي لفك الحصار عن المدينة، بينما تقول «قوات الدعم السريع» إن على الأهالي الخروج من مناطق القتال، وإنه أتاح لهم ممرات آمنة لخروج الراغبين.

ويصف الكثيرون في المدينة الخروج منها بأنه «مغامرة»، وأن بعض النازحين قد يصلون إلى المعسكرات بأمان، بينما قد يتعرض آخرون لتهديدات جدية من قوات محسوبة على «الدعم السريع» خارج المدينة.

ويقول المحلل السياسي الموالي لـ«الدعم السريع»، عثمان عبد الرحمن، إن الأوضاع الإنسانية في مدينة الفاشر وبعض المناطق الأخرى في إقليمي دارفور وكردفان، مأساوية، ويتهم الجيش والحركات المسلحة الموالية له بمنع المدنيين من الخروج من الفاشر، مضيفاً: «تحالف (الدعم السريع) أطلق نداءات عديدة، ناشد خلالها المدنيين للخروج من الفاشر عبر ممرات آمنة، تم ترتيبها، وأسهمت في تأمين خروجهم».

وفي المقابل، يتهم رئيس تجمع روابط دارفور في بريطانيا المتحالف مع الجيش، عبد الله أبو قردة، «قوات الدعم السريع»، بمنع إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في الفاشر، تحت ذريعة قطع الإمدادات العسكرية عن المدينة دون مراعاة للمدنيين، عادّاً ذلك «جريمة حرب»، ومحاولة لتهجير السكان خارج المدينة لأسباب سياسية وعسكرية.

وطالب بتحرك دولي لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2736 القاضي بفك الحصار عن المدينة وحماية المدنيين، وتكثيف العمليات العسكرية من أجل تحرير الفاشر.

تحذير الأمم المتحدة

سودانيون في الفاشر ينتظرون دورهم في الحصول على وجبات من مطبخ خيري بالمدينة - 11 أغسطس 2025 (أ.ف.ب)

أعلن متحدث برنامج الأغذية العالمي بالسودان، يوم الاثنين، أن 24 مليون شخص يعلنون مستويات جوع حادة بسبب الحرب في السودان، و3.6 مليون شخص يعانون من سوء التغذية، فيما يعاني برنامج الأغذية من عجز يفوق 600 مليون دولار لتغطية احتجاجات البرنامج في السودان لنهاية العام.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت مراراً من أن يؤدي الحصار المفروض على الفاشر، وقطع طرق الإمداد وتوقف وصول القوافل الإنسانية في معظم الأحيان، إلى مأساة إنسانية في المدينة التي يقدر عدد سكانها بنحو 800 ألف شخص.

وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» في وقت سابق، أن أكثر من 600 ألف شخص في شمال دارفور، يواجهون مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي، وأن الخدمات الصحية تقترب من الانهيار التام، وأن موجة النزوح الأخيرة تهدد بتجاوز قدرة المخيمات المكتظة أصلاً.

الأطفال أكثر عرضة للخطر

دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر إثر معارك سابقة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (د.ب.أ)

ويعد الأطفال الأكثر عرضة للخطر في الفاشر، إذ تقول معلمة نازحة في تصريحات صحافية، إن طلابها تشتتوا في مخيمات مختلفة، يفتقدون فيها التعليم والطفولة والمستقبل، ولا يعرفون إلا الجوع وأصوات الرصاص، وهو الوضع الذي وصفته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، بأنه «مقبرة حقوق الأطفال»، وحذرت بسببه من خطر فقدان جيل كامل.

ويخشى على نطاق واسع أن يؤدي استمرار القتال، إلى موجات نزوح أكبر نحو تشاد، التي تستضيف أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوداني منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، لا سيما أن معسكرات النزوح في إقليم دارفور، أصبحت تضم أعداداً أكبر من سعتها الاستيعابية.

ومنذ مايو (أيار) 2024، فرضت «قوات الدعم السريع» حصاراً محكماً على الفاشر، التي تعد المدينة الرئيسية الوحيدة في دارفور التي لا تزال تحت سيطرة الجيش.

وصعدت «الدعم السريع» من عملياتها العسكرية وهجماتها على الفاشر منذ استعادة الجيش السيطرة على العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في مارس (آذار) الماضي، وتسعى جادة لإحكام قبضتها على المدينة وأقاليم غرب السودان التي تسيطر «قوات الدعم السريع» على معظمها.


مقالات ذات صلة

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون من دارفور يجلسون على الأرض أثناء عاصفة رملية في مخيم طولوم على مشارف بلدة إيريبا شرق تشاد - ٣٠ نوفمبر (رويترز)

«قوات الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود التشادية

أعلنت «قوات الدعم السريع» الأربعاء إكمال سيطرتها على مناطق على الحدود مع تشاد في ولاية شمال دارفور.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا نهر النيل عند قناطر إسنا جنوب مصر (الشرق الأوسط)

«سد النهضة»: مصر تجدد رفضها التفريط في «أي قطرة» من مياه النيل

جددت مصر رفضها «التفريط في (أي قطرة) من مياه نهر النيل». وأكدت أنها «لن تتهاون في صون حقوقها المائية».

وليد عبد الرحمن (القاهرة )
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (د.ب.أ)

وزير الخارجية الأميركي يبحث مع نظيره الفرنسي الحاجة المُلحة لوقف إطلاق النار في السودان

ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن الوزير ماركو روبيو أجرى، اليوم (الثلاثاء)، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو بحثا خلاله العديد من القضايا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل إدريس (إ.ب.أ)

رئيس الوزراء السوداني يطرح «مبادرة سلام» أمام مجلس الأمن

قال رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أمام مجلس الأمن الدولي الليلة الماضية إن السودان يواجه «أزمة وجودية» بسبب الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)

يشهد الصومال حالة من الزخم والترتيبات الواسعة استعداداً لأول انتخابات مباشرة منذ نحو ستة عقود، مع الاقتراع على أعضاء المجالس المحلية لإقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، الخميس.

تلك الترتيبات والمساعي المكثفة حكومياً يُنظر لها، بحسب خبير في الشؤون الصومالية تحدث لـ«الشرق الأوسط»، على أنها توجُّه من الحكومة لدعم أكبر مشاركة تُحقق صحة موقفها من الانتخابات المباشرة، خاصة أن الاقتراع يُعد اختباراً جديداً لإمكانية عقد الانتخابات الرئاسية الصومالية عام 2026، في ظل تحفظات المعارضة.

وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991، يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي.

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

وقد تأجلت الانتخابات التي ستُجرى، الخميس، بنظام «شخص واحد صوت واحد» ثلاث مرات هذا العام. ومن المتوقع تنظيم انتخابات رئاسية العام المقبل، مع انتهاء ولاية الرئيس حسن شيخ محمود.

ولفتت وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، الأربعاء، إلى أن انتخابات الخميس ستُجرى في المديريات الست عشرة بمحافظة بنادر، حيث يتوجه المواطنون إلى مراكز الاقتراع لاختيار من يمثلهم في المجالس المحلية لأول مرة منذ 1969.

«محطة مفصلية»

وأعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل مليون ناخب و20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

وأوضح متحدث اللجنة عبد الفتاح فيصل حسين، الأربعاء، أن التصويت سيجري في 16 دائرة انتخابية موزعة على 213 مركز اقتراع و523 موقع تصويت.

وأعلنت هيئة الطيران المدني، الأربعاء، أن جميع الرحلات الجوية من مقديشو وإليها ستُعلّق الخميس خلال فترة الانتخابات، تزامناً مع تنفيذ خطة واسعة أعلنتها الأجهزة الأمنية الصومالية، تقضي بنشر نحو عشرة آلاف من عناصر الشرطة لتأمين الاقتراع، وفق ما أعلنه وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ إسماعيل، الأحد.

تجمع جماهيري يقوده رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري في مديرية كاران بمحافظة بنادر دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة (وكالة الأنباء الصومالية)

وأعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عبد الكريم حسن، الثلاثاء، أن اللجنة ستنشر نحو خمسة آلاف موظف في مراكز التصويت بالعاصمة للإشراف على الانتخابات التي وصفها بأنها «محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي في الصومال».

وقاد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري تجمعاً جماهيرياً، الاثنين، في مديرية كاران بمحافظة بنادر، دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة، مشدداً على أهمية المشاركة الشعبية في تقرير المصير السياسي.

وكان قد تقرر تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو عن الموعد المقرر سابقاً في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، لتوفير «وقت إضافي لإعداد مرشحيها، واستكمال الترتيبات اللوجستية» قبل التصويت لضمان مشاركة أكبر، وفق ما أعلنه وقتها عبد الكريم حسن.

موقف المعارضة

ويرى الخبير في الشؤون الصومالية، عبد الولي جامع بري، أن ترتيبات الحكومة بشأن الانتخابات لها تأثيرات مهمة على الحشد الشعبي والمشاركة بعد عقود من الغياب الديمقراطي، خاصة أنها تأتي وسط تحفظات المعارضة التي قررت عدم المشاركة فيها.

وأعلن «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو الأسبوع الماضي رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس الرئيس حسن شيخ محمود مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

موظفون حكوميون بالصومال خلال توزيع بطاقات الاقتراع (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقَّب الرئيس الصومالي، الثلاثاء، في فعالية انتخابية لحزب «العدالة والتضامن» الحاكم في مقديشو، قائلاً: «لقد استخلصنا نقطة واحدة من نتائج مؤتمر كيسمايو، وهي فتح باب الحوار والحوار مفتوح، وقد استجابت الحكومة رسمياً لهذا الطلب»، محذراً من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة.

«اختبار حقيقي»

يتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

ويرى خبير الشأن الصومالي جامع بري أن الانتخابات الحالية قد تفتح الطريق لتفاهمات حول الرئيس في المستقبل، لكن الواقع لا يزال معقداً، خاصة والمعارضة لديها تحفظات حقيقية.

وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «المعارضة ترى في المسار الحالي انتخابات غير متوازنة، وربما غير دستورية أو غير شاملة كلياً، مما قد يحدّ من مشاركة شرائح واسعة من المواطنين إذا شعرت بأن العملية ليست عادلة أو أنها تمثيلية».

وهو يعتقد أن النظام يراهن على تحول سياسي حقيقي نحو الديمقراطية عبر الانتخابات المباشرة التي تعد اختباراً حقيقياً لرئاسيات 2026، لكن المعارضة ستبقى لديها تحفظات عميقة على طريقة تنظيم الانتخابات ومسارها، وتبقى نتائج الحوار المنتظر هي الفيصل في تحديد المستقبل.


انتخابات «النواب» المصري تتواصل بانتظار مصير الطعون الجديدة

أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)
أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)
TT

انتخابات «النواب» المصري تتواصل بانتظار مصير الطعون الجديدة

أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)
أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)

تواصلت انتخابات مجلس النواب المصري، الأربعاء، ببدء جولة الإعادة بالخارج في 19 دائرة بالمرحلة الأولى، كانت الانتخابات قد أُلغيت فيها بقرارات من الهيئة الوطنية للانتخابات الشهر الماضي، في حين يترقب مرشحون نتائج الطعون الجديدة.

وتحسم «المحكمة الإدارية العليا» مصير 48 طعناً على نتائج 30 دائرة أُلغيت قضائياً ضمن المرحلة الأولى، الأربعاء، وسط توقعات بأن يتقدم بعض المرشحين بطعون أخرى في أعقاب الإعلان عن نتيجة جولة إعادة المرحلة الأولى، وكذلك بعد الإعلان عن نتائج إعادة المرحلة الثانية والمقررة الخميس، حسب «هيئة الانتخابات».

وخلال الأسابيع الماضية قبلت «الإدارية العليا» عدداً من الطعون التي أسفرت عن إلغاء نتائج 30 دائرة بالمرحلة الأولى، كما رفضت أخرى تنوعت أسبابها بين «التشكيك في سلامة إجراءات الفرز والتجميع، والاعتراض على الأرقام المعلنة، والادعاء بوجود أخطاء في المحاضر أو تجاوزات خلال عملية الاقتراع».

وتأثرت انتخابات البرلمان المصري سلباً بطول جدول الاقتراع مع إلغاء دوائر انتخابية وإعادتها، وانعكس ذلك على مؤشرات المشاركة المتراجعة عند جولة الإعادة.

ودعا مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات المستشار أحمد بنداري خلال مؤتمر صحافي عقده، مساء الثلاثاء، قبل بدء التصويت في الخارج الذي يستمر ليومين، المواطنين «لاستكمال طريق العمل الجماعي من أجل تعزيز الديمقراطية عبر المشاركة في هذه المحطة الانتخابية».

المستقلون والحزبيون

تجري الإعادة في 19 دائرة انتخابية بين 70 مرشحاً يتنافسون على 35 مقعداً موزعة على سبع من محافظات المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب، هي الجيزة وأسيوط وسوهاج وقنا والإسكندرية والبحيرة والفيوم، على أن تبدأ انتخابات الداخل السبت والأحد المقبلين، وفق «الهيئة الوطنية للانتخابات».

ويتفوق أعداد المستقلين المتنافسين في تلك الجولة على المرشحين الحزبيين، إذ يواجه 42 مستقلاً 28 مرشحاً حزبياً ينتمون إلى 9 أحزاب. ويعوّل المستقلون على تحقيق نتائج إيجابية أسوة بما أظهرته نتائج الحصر العددي للمرحلة الثانية بعد أن حصدوا 46 مقعداً من أصل 101 مقعد جرى التنافس عليها بنظام الفردي في 13 محافظة.

ناخبون يتوجهون للإدلاء بأصواتهم بجولة إعادة 19 دائرة ملغاة بالمرحلة الأولى من «النواب» بالسفارة المصرية في الرياض (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)

وقال المتحدث باسم حزب «حماة الوطن»، عمرو سليمان، إن حزبه نظم جولات دعم للمرشحين في المحافظات المختلفة قبل بدء جولة إعادة المرحلة الأولى، مشيراً إلى أن المنافسة مع المستقلين والأحزاب «صعبة».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الانتخابات شهدت تصويباً في مسارها... وهناك حرص على الالتزام بالمعايير الانتخابية».

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد حذَّر من الرشاوى الانتخابية، وما قد تؤدي إليه من تمكين «الجاهل أو الأحمق»، وذلك ضمن لقاء تفاعلي بأكاديمية الشرطة الشهر الماضي.

طول أمد الجدول الانتخابي

كان بنداري قد أعاد التأكيد خلال مؤتمر صحافي، الأسبوع الماضي، على «حرص هيئة الانتخابات على تلقي شكاوى وبلاغات جميع أطراف العملية الانتخابية إزاء أي مشكلة أو خروقات انتخابية قد تحدث، حتى يمكن التحقيق فيها والتعامل معها بصورة فورية وفق صحيح حكم القانون وإزالة أسبابها».

ونوَّه الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، بأن الخريطة الزمنية التي عدلتها «الهيئة الوطنية للانتخابات» تقضي بالإعلان النهائي عن النتائج في العاشر من يناير (كانون الثاني) المقبل، ومن ثم فمن المتوقع أن تفصل محكمة القضاء الإداري في الطعون قبل هذا الموعد.

وأضاف أنه في حال إرجائها، فمن الممكن إحالة بعض الطعون إلى محكمة النقض التي تفصل فيها مع بدء انعقاد البرلمان خلال مدة 60 يوماً.

واستطرد قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن انتخابات مجلس النواب الحالية «قد تكون الأقل من حيث مشاركة الناخبين مع تأثرها ببطلان ما يقرب من 70 في المائة من دوائر المرحلة الأولى وطول أمد الجدول الانتخابي».

وعقب انتهاء إعادة الدوائر التسع عشرة، من المقرر أن تجري جولة الإعادة في الدوائر الثلاثين بالخارج يومي 31 ديسمبر (كانون الأول) و1 يناير، بينما تُعقد داخل مصر يومي 3 و4 يناير، على أن تُعلن النتائج النهائية في العاشر من الشهر.


مشاورات بين الدبيبة والمنفي لتعيين رئيس أركان جديد لجيش غرب ليبيا

من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)
من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)
TT

مشاورات بين الدبيبة والمنفي لتعيين رئيس أركان جديد لجيش غرب ليبيا

من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)
من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)

بدأ رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» في غرب ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، مشاورات مكثفة لتعيين رئيس جديد لهيئة أركان قوات الجيش في غرب البلاد، عقب مصرع الفريق أول محمد الحداد في حادث تحطم طائرة مساء الثلاثاء، خلال رحلة عودته من تركيا، وفق ما أفاد به مصدر حكومي مطلع في العاصمة طرابلس.

وكان المنفي قد أصدر قراراً بتكليف الفريق صلاح النمروش، معاون رئيس الأركان العامة، بتولي مهام رئاسة الأركان بصفة مؤقتة، إلى حين تسمية خلف دائم للحداد. وقال مصدر حكومي في غرب ليبيا لـ«الشرق الأوسط» إن حادث تحطم طائرة الفريق الحداد «سيفتح الباب أمام تغيير مرتقب في هيكل قيادة المؤسسة العسكرية في الغرب»، مشيراً إلى أن «مشاورات مكثفة تجري حالياً بين المنفي والدبيبة للتوافق على اسم الرئيس الجديد للأركان».

آخر اجتماع رسمي حضره الحداد في طرابلس (الوحدة)

وأوضح المصدر، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، أن دائرة الترشيحات المحتملة لخلافة الحداد تضم كلاً من الفريق صلاح النمروش، وقائد المنطقة العسكرية بالجبل الغربي التابعة للمجلس الرئاسي اللواء أسامة الجويلي، إلى جانب اللواء محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى.

وكان المنفي قد قال في تصريحات بثتها قناة «ليبيا الأحرار» الثلاثاء، إن «النمروش سيتولى مهام رئاسة الأركان بشكل مؤقت، إلى حين تسمية رئيس جديد خلفاً للفريق أول محمد الحداد».

في السياق ذاته، نعى المجلس الرئاسي الليبي الفريق أول محمد الحداد، الذي لقي حتفه إثر تحطم طائرته قرب أنقرة، معلناً الحداد الرسمي في البلاد لمدة ثلاثة أيام، تُنكس خلالها الأعلام في جميع مؤسسات الدولة، وتُعلق المظاهر الاحتفالية والرسمية.

وعمّت مشاعر الصدمة الأوساط الليبية، رغم الانقسامين السياسي والعسكري بين شرق البلاد وغربها، إذ أعلن كل من حكومة «الوحدة الوطنية» في غرب البلاد، والحكومة المكلفة من مجلس النواب (شرق البلاد) الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام في عموم البلاد. كما أعرب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن خالص تعازيه وصادق مواساته في وفاة الحداد والفيتوري ومرافقيهما، مؤكداً أن الحادث يمثل «خسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية».

وجاء ذلك عقب نعي القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، للفريق أول محمد الحداد، واصفاً إياه بأنه «أحد رجالات المؤسسة العسكرية، الذين أدوا واجبهم العسكري بكل تفانٍ ومسؤولية، وتحملوا الأمانة في مراحل دقيقة من تاريخ الوطن، وأعلوا المصلحة الوطنية على أي اعتبارات أخرى».

عقيلة صالح أكد أن مقتل الحداد يمثل «خسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية» (النواب)

في سياق ذلك، أعلنت وسائل إعلام محلية ليبية وصول وفد من حكومة «الوحدة الوطنية» إلى موقع تحطم الطائرة في منطقة هايمانا جنوب أنقرة، فيما أكدت السفارة الليبية في تركيا الاتفاق مع السلطات التركية على تحديد نقطة اتصال مباشرة لتنسيق العمل، ومباشرة التحقيقات فوراً من موقع الحادث.

من جانبه، أفاد وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا بوصول وفد ليبي يضم 22 شخصاً، من بينهم خمسة من ذوي ركاب الطائرة إلى أنقرة لمتابعة تطورات الحادث، بالتزامن مع إجراء التحاليل اللازمة للتثبت من هوية الضحايا، بعد العثور على الصندوق الأسود للطائرة.

وأوضح السفير الليبي لدى تركيا، مصطفى القليب، من موقع الحادث أن الطائرة سقطت في منطقة وعرة التضاريس وبعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن «حزنها العميق إزاء حادث تحطم الطائرة المأسوي، الذي أودى بحياة الفريق أول محمد الحداد وزملائه أثناء عودتهم من مهمة رسمية إلى أنقرة». كما نعت البعثة الفريق الفيتوري غريبيل، رئيس أركان القوات البرية وعضو اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5)، مشيرة إلى دوره المحوري في التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، إلى جانب مرافقيه.

وأشادت البعثة الأممية بما وصفته «الخدمات المخلصة التي قدمها الحداد خلال فترة عمله»، مؤكدة أنه كان «مدافعاً قوياً عن توحيد المؤسسات العسكرية والمدنية، وعن السلام والاستقرار، واضعاً المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات»، واصفة إياه بأنه «ضابط مهني ووطني غيور على بلاده».

المشير خليفة حفتر وصف الراحل محمد الحداد بأنه أحد رجالات المؤسسة العسكرية الذين أدوا واجبهم العسكري بكل تفانٍ ومسؤولية (الجيش الوطني)

بدوره، أعرب سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن تضامنه مع عائلات الضحايا، مشيداً «بالخدمة الوطنية المخلصة التي قدمها الحداد ورفاقه»، فيما قال السفير البريطاني مارتن رينولدز إن «الحداد خدم بلاده بتفانٍ ورؤية ثاقبة»، مقدماً تعازيه للشعب الليبي باسم المملكة المتحدة.

ويُعد محمد الحداد من أبرز القادة العسكريين في مرحلة ما بعد الحرب على طرابلس (2019 - 2020)، حيث لعب دوراً محورياً في جهود توحيد المؤسسة العسكرية الليبية من خلال اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5).

وكان المجلس الرئاسي قد عيّن الحداد رئيساً لهيئة أركان الجيش الليبي، التابع لحكومة «الوحدة الوطنية»، بعد ترقيته إلى رتبة فريق أول ركن، حيث تسلم مهامه رسمياً في 17 سبتمبر (أيلول) 2020، خلفاً للفريق ركن محمد الشريف.