مخاوف متصاعدة في تركيا من فشل عملية حل «الكردستاني»

بعد تصريحات لقيادات الحزب... ووسط غموض رسائل أوجلان

إطلاق سراح عبد الله أوجلان يشكل خطاً أحمر بالنسبة لقيادات «حزب العمال الكردستاني» (أ.ف.ب)
إطلاق سراح عبد الله أوجلان يشكل خطاً أحمر بالنسبة لقيادات «حزب العمال الكردستاني» (أ.ف.ب)
TT

مخاوف متصاعدة في تركيا من فشل عملية حل «الكردستاني»

إطلاق سراح عبد الله أوجلان يشكل خطاً أحمر بالنسبة لقيادات «حزب العمال الكردستاني» (أ.ف.ب)
إطلاق سراح عبد الله أوجلان يشكل خطاً أحمر بالنسبة لقيادات «حزب العمال الكردستاني» (أ.ف.ب)

تتصاعد المخاوف بشأن تعثر عمل لجنة شكلها البرلمان التركي لوضع الأسس القانونية لنزع أسلحة «حزب العمال الكردستاني»، وفشل العملية الرامية إلى السلام الداخلي والتضامن بين الأتراك والأكراد.

وعمّقت تصريحات لعدد من القياديين الحاليين والسابقين في الهياكل العليا لـ«حزب العمال الكردستاني»، الشكوك حول إمكانية نجاح عمل اللجنة المسماة «لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» التي شكلها البرلمان التركي في 5 أغسطس (آب)، وعقدت 7 اجتماعات منذ ذلك الوقت، فضلاً عن تأكيد عدم الثقة في نيات «حزب العدالة والتنمية» الحاكم تجاه العملية.

وأضافت الرسالة المقتضبة التي نقلها «وفد إيمرالي»، التابع لـ«حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، عن زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين، عبد الله أوجلان، مزيداً من الغموض والقلق لدى المتابعين لسير العملية التي انطلقت بدعوته في 27 فبراير (شباط) الماضي، والتي عنونها بـ«نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي»، لحل الحزب ومطالبة جميع المجموعات التابعة له بإلقاء أسلحتها والتوجه إلى العمل السياسي في إطار قانوني ديمقراطي.

أزمة ثقة

وعلى خلاف ما يؤكده الرئيس رجب طيب إردوغان، وحليفه رئيس «حزب الحركة القومية» دولت بهشلي الذي أطلق في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب»، والتي تضمنت دعوة أوجلان لإطلاق نداء لحل «العمال الكردستاني»، من أن اللجنة تتقدم في عملها على نحو جيد، رأت العضوة السابقة في اللجنة المركزية لـ«العمال الكردستاني»، هيلينا أوميت، أن اللجنة البرلمانية تتحرك بـ«حذر» بسبب عدم ثقتها في «حزب العدالة والتنمية» الذي أكدت أنه «لا يستطيع إدارة العملية».

هيلينا أوميت (إعلام تركي)

وقالت أوميت، المدرجة في تركيا على قوائم الإرهابيين الخطرين المطلوبين بموجب نشرة حمراء، في تصريحات نقلها موقع «ميديا خبر» القريب من «العمال الكردستاني»، إن اللجنة البرلمانية لا تملك صلاحية مباشرة لإعداد دستور جديد، وبالكاد يمكنها فتح نقاش حول دستور ديمقراطي.

واتهمت «حزب العدالة والتنمية»، برئاسة إردوغان، بتبني «نهج نفعي» تجاه «عملية السلام»، مضيفة أن المشاركين في اللجنة يتصرفون بحذر، وأن المجتمع قلق من أن يتراجع «حزب العدالة والتنمية» عن موقفه بشأن العملية الجارية.

خط أحمر

بدوره، عدّ الرئيس المشارك لـ«مؤتمر الشعب» التابع لـ«حزب العمال الكردستاني»، رمزي كارتال، تشكيل اللجنة البرلمانية خطوة جيدة، لكن «غير كافية».

رمزي كارتال (إعلام تركي)

وجدد كارتال، في تصريحات نقلتها وكالة أنباء «فرات» القريبة من «العمال الكردستاني»، مطلب الحزب إطلاق سراح أوجلان، قائلاً: «خطنا الأحمر هو حرية (القائد آبو) (أوجلان كما يلقب في الحزب). على الدولة أن تتخذ إجراءً بشأن هذه القضية».

وانتقد كارتال سياسة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الخاصة بسوريا، وعدّ أن دعوته لحل «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، و«وحدات حماية الشعب الكردية» التي تقود هذه القوات، و«وحدات حماية المرأة»، واندماجهم في الدولة السورية تحت قيادة أحمد الشرع، سياسة عدائية تجاه الأكراد، ومطالبة بتدمير مكاسبهم.

وقال كارتال إن «30 رفيقاً (عناصر الكردستاني) أحرقوا أسلحتهم رمزياً (في السليمانية في 11 يوليو/ تموز الماضي)، لكننا أقوى من ذي قبل، إذا تهيأت الظروف، سيشارك مقاتلونا في الحياة السياسية الديمقراطية، وإلا فسيحمون أنفسهم». وأضاف: «مكاسبنا زادت خلال الأشهر الـ10 الماضية. خلال هذه الفترة، اكتسبنا قوة ميدانية وسياسية، علينا أن نخلق رأياً عاماً قوياً لبناء مجتمع ديمقراطي».

مجموعة من عناصر «العمال الكردستاني» خلال مراسم لإحراق أسلحتهم في السليمانية بشمال العراق في 11 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

غموض وتباين

وتواصل اللجنة البرلمانية عملها في أجواء تبدو ضاغطة، وسط استعجال من «حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب» الذي قاد عملية الاتصالات مع أوجلان والدولة والبرلمان والأحزاب، للبدء في تقديم اقتراحات بقوانين تسهم في عملية نزع أسلحة «العمال الكردستاني»؛ لأن من سيضعون أسلحتهم ليسوا مجموعة صغيرة من الأفراد، بل آلاف.

وفي المقابل، تتمسك الدولة وكذلك البرلمان بأن تبدأ عناصر «حزب العمال الكردستاني» نزع الأسلحة حتى يتم اتخاذ خطوات ملموسة.

هذا التباين انعكس في البيان الذي أصدره «حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الجمعة، غداة زيارة «وفد إيمرالي» لأوجلان، والذي قرأه بعض المحللين، ومنهم الصحافي البارز مراد يتكين، على أنه «مبهم»، وصيغ بعبارات إما «فارغة» أو «مليئة بالرموز»، وهو ما يدفع المتابعين إلى نتيجة مفادها أنه «ربما لا يوجد جديد يُذكر».

اجتماع للجنة نزع أسلحة «العمال الكردستاني» بحضور رؤساء برلمانات تركيا السابقين (حساب البرلمان في «إكس»)

وكان البيان نقل عن أوجلان أن «المشكلة التي نواجهها تتطلب تدخلاً جراحياً خاصاً، وأن (المجتمع الديمقراطي والسلام والتكامل) هي المفاهيم الرئيسية الثلاثة للعملية الجارية، وأنه يمكن التوصل إلى نتائج على هذا الأساس، وأن هناك حاجة لمرحلة جديدة تُتخذ فيها خطوات عاجلة على جميع الصعد لتحقيق هذا الهدف من أجل مصلحة الجميع».

ولفت يتكين إلى أن ما يلفت الانتباه في ما نُقل عن أوجلان أنه لم يتضمن أي إشارة إلى اللجنة البرلمانية، كما لم يذكر شرط «الإفراج» عن أوجلان الذي يُشدد عليه مقر «حزب العمال الكردستاني» في جبل قنديل باستمرار، ولم تكن هناك أي إشارة مباشرة إلى نزع الأسلحة، في حين ذُكرت كلمة «الدمج» مرتين.

وتساءل عما إذا كان المقصود بـ«الدمج» هو إعادة دمج مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» في الحياة المدنية بعد نزع أسلحتهم، أم هو «دمج» آخر لا يفهمه ويتصرف به إلا من هم على دراية برموز أوجلان، وما هو المقصود بـ«جميع الجهات»؟ هل الحكومة أو البرلمان أو «حزب العمال الكردستاني» ومجموعاته؟


مقالات ذات صلة

تركيا: تجاذب حول قانون أوجلان للسلام والاعتراف بـ«المشكلة الكردية»

شؤون إقليمية سحب حزب «العمال الكردستاني» في 26 أكتوبر الماضي 25 من مقاتليه من الأراضي التركية إلى شمال العراق بإطار عملية السلام مع تركيا (رويترز)

تركيا: تجاذب حول قانون أوجلان للسلام والاعتراف بـ«المشكلة الكردية»

فجّرت المطالب الكردية بشأن «عملية «السلام» في تركيا التي تمر عبر حل حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته تجاذباً على الساحة السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» بالبرلمان التركي تستعد لمناقشة الاقتراحات الخاصة بعملية السلام (حساب البرلمان في إكس)

تركيا: تباينات في مواقف الأحزاب بشأن «عملية السلام» مع الأكراد

تستعد لجنة شكّلها البرلمان التركي لاقتراح الإطار القانوني لحل حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته للمرحلة الثانية من عملية السلام وحل المشكلة الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متحدثاً خلال حفل إطلاق وثيقة رؤية حزب «العدالة والتنمية» للعالم في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان يؤكد مُضيَّ «العمال الكردستاني» في التخلص من أسلحته

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن عملية إحراق أسلحة حزب «العمال الكردستاني»، وتطهير الكهوف الجبلية في شرق وجنوب شرقي البلاد مستمرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تجمع في موقع هجوم بطائرة من دون طيار ببلدة بزاعة في ريف حلب حيث قتلت غارة أميركية زعيم تنظيم «داعش» بسوريا في يوليو 2023 (أ.ف.ب)

المبعوث الأميركي لسوريا: هجوم تدمر يؤكد استمرار خطر «داعش»

قال المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك، إن الهجوم الذي أودى بحياة جنديَين أميركيَين ومترجم مدني في مدينة تدمر وسط سوريا، يؤكد استمرار خطر تنظيم «داعش» المتطرف

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد في جنوب شرقي تركيا يرفعون صورة لزعيم حزب «العمال الكردستاني» مطالبين بإطلاق سراحه بعد دعوته في 27 فبراير الماضي لحل الحزب (أ.ف.ب)

تركيا: مطالبات بـ«قانون للسلام» مع الأكراد اقترحه أوجلان

تتصاعد في تركيا المطالبة بوضع قانون للمرحلة الانتقالية لعملية السلام دعا إليه زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)
تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

عادت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتحدث عن قلق شديد وشعور بالخطر الوجودي من النشاط الإيراني المتجدد لشراء وإنتاج الصواريخ الباليستية والعودة إلى المشروع النووي، وهو الأمر الذي يذكر بما حصل قبيل الهجوم الإسرائيلي على إيران في حرب الـ«12 يوماً» في يونيو (حزيران) الماضي. ويؤكدون في تل أبيب أن حرباً أخرى باتت حتمية، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يريد أن يعرف إن كانت الولايات المتحدة مستعدة للشراكة فيها.

وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن هناك عدة إشارات تدل على أن إيران بدأت تتحرك من جديد باتجاه إحياء مشروعها النووي، مع أنها لم تستأنف بعدُ تخصيب اليورانيوم. فهناك حركة دائمة في الأسابيع الأخيرة حول المفاعلات النووية التي تم تدميرها في الحرب الإسرائيلية الأميركية عليها.

وأضافت المصادر أن هناك جهوداً هستيرية لإنتاج الصواريخ الباليستية، التي تبلغ بمعدل 3000 صاروخ في الشهر. ومع أن هذه الصواريخ تعتبر من الجيل القديم عديم الدقة، التي يمكن إسقاطها قبل أن تصل إلى أهدافها، فإن ما يصل منها إلى هدفه كافٍ لأن يُحدث دماراً خطيراً.

وتؤكد هذه المصادر، وفقاً للكاتبة في «معاريف» العبرية، آنا برسكي، أن العقيدة الجديدة في الجيش الإسرائيلي تحتم توجيه ضربة استباقية، مع أنها لا تستبعد أيضاً هجوماً استباقياً من طهران.

وقالت: «حتى لو لم يكن النووي على رأس القائمة الفورية، فإن إيران تواصل التحرك، أحياناً عبر ترميم بنى تحتية، وأحياناً عبر إخفاء، وأحياناً ببساطة عبر استغلال الغموض وفجوات الرقابة. بكلمات أخرى، ترميم القدرة الصاروخية وترميم النووي ليسا محورين منفصلين، بل منظومة واحدة، وهي تقلق جداً إسرائيل. الصاروخ يبني غرفاً. الغلاف يسمح بالنووي، والنووي، حتى لو تأجل، يبقى الهدف الأسمى».

استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

وأكدت الكاتبة أن نتنياهو قرر طرح الموضوع على طاولة البحث خلال لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الاثنين، وسيحاول معرفة إن كان مستعداً للشراكة مع إسرائيل في هذه الحرب وكيف.

وقالت برسكي: «سيطرح عليه أربعة بدائل، منها: هجوم إسرائيلي مستقل عبر مساعدة أميركية محدودة، وحملة مشتركة، وعملية أميركية كاملة، وهي ليست مناورة نظرية. فهي تعكس جدالاً على فهم الوقت: هل الانتظار ومحاولة كبح إيران بوسائل سياسية، أم العمل قبل أن يصل الترميم إلى نقطة اللاعودة».

وأضافت: «ومركز الثقل في اللقاء لن يكون ما تريد إسرائيل عمله، بل ما الذي تكون الولايات المتحدة مستعدة لأن تحتمله. هنا يتأكد الموقف الأميركي كما ينعكس في التحليلات الأخيرة. ترمب يريد خلق نظام إقليمي جديد دون أن يعلق مرة أخرى في حرب لا نهاية واضحة لها. من ناحيته، إيران تعد خطراً، لكنها أيضاً حفرة مالية وسياسية وعسكرية. وهو كفيل بأن يفضل صيغة دبلوماسية متصلبة، عقوبات وتهديد عسكري في الخلفية، على جولة أخرى تلزمه بأن يشرح للجمهور الأميركي لماذا يعود إلى سماء الشرق الأوسط مع قاذفات وذخائر».

وقد خرجت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية بعناوين مثيرة عن حتمية حرب مقبلة مع إيران. وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن إيران هي التي يمكن أن تبادر إلى هذه الحرب، وذلك لأنها تتحسب من انتشار المظاهرات التي بدأت في مدينة مشهد إلى بقية المدن الإيرانية، احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والنقص الكبير في الماء والكهرباء وارتفاع أسعار الوقود. وتؤكد أنه من المحتمل أن تقدم القيادة الإيرانية على شن حرب حتى تشغل الشعب عن معاناته.

لكن صحيفة «معاريف» اعتبرته مبادرة إسرائيلية، لأن هناك خطراً وجودياً وهناك فرصة لا يجوز إضاعتها. وقالت: «يصل الموقف الإسرائيلي من مكان وجودي. فمن ناحيتنا، الخيار العسكري ليس شعاراً بل تأمين حياة. إذا كانت التقديرات بشأن تسريع إنتاج الصواريخ وإعادة الدفاع الجوي صحيحة، فإن إسرائيل تخشى من أن تُغلق نافذة الفرص. اليوم إيران لا تزال في منتصف الترميم، لكن غداً ستكون محمية أكثر، متوزعة أكثر، وقدرة الهجوم ستكون أغلى وأخطر. وعليه، حتى لو عرض نتنياهو لترمب سلسلة بدائل، فإن الرسالة واحدة: إسرائيل لن تسمح لإيران بالوصول مرة أخرى إلى وضع يكون بوسعها فيه أن تنصب مظلة صواريخ ودفاع تغلق السماء من فوق المواقع الحساسة».

لكن الصحيفة تتحدث هنا عن «فجوة استراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة. القدس وواشنطن. ترمب يريد الامتناع عن الحرب، بينما إسرائيل تخشى من أن منع الحرب الآن سيخلق حرباً أكبر بعد ذلك. ترمب الذي عاد إلى البيت الأبيض مع الوعد بتصميم نظام إقليمي جديد وتقليص الاحتكاك الأميركي المباشر، معني بالاستقرار: في غزة، في الشمال، وفي الساحة الإيرانية. من ناحيته، وقف نار إقليمي وحفظ الردع أفضل من جولة تصعيد أخرى. لكن الردع، كما يفهمونه في إسرائيل، يصمد فقط إذا ما كان من خلفه تهديد مصداق. نتنياهو سيصل إلى مار آلاغو مع رسالة واضحة بما يكفي: من دون خط أحمر حقيقي، إيران ستواصل البناء، الترميم والاستعداد الفاعل للهجوم المقبل. ترمب سيكون مطالباً بأن يقرر إذا كان سيقلص مجال العمل الإسرائيلي باسم الاستقرار، أم يترك التهديد العسكري على الطاولة، حتى وإن كان بثمن المخاطرة بالتصعيد».


إيران لا تستبعد هجوماً جديداً وتتمسك بالتخصيب

عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
TT

إيران لا تستبعد هجوماً جديداً وتتمسك بالتخصيب

عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن طهران «لا تستبعد» احتمال تعرضها لهجوم جديد، لكنها «مستعدة بالكامل، وأكثر من السابق»، مشدداً على أن الجاهزية تهدف إلى منع الحرب لا الترحيب بها، وأن إيران أعادت بناء ما تضرر خلال هجمات يونيو (حزيران) الماضي.

وفي مقابلة مطولة مع قناة «روسيا اليوم»، بثت الأحد، أوضح عراقجي أن إيران «لا ترحب بالحرب»، لكنه شدد على أن «أفضل وسيلة لمنعها هي الاستعداد لها»، مضيفاً أن أي هجوم جديد «لن يكون سوى تكرار لتجربة فاشلة».

وتعود تصريحات الوزير الإيراني إلى زيارته موسكو الأسبوع الماضي، حيث أجرى محادثات سياسية ودبلوماسية، بالتزامن مع تصاعد التوتر الإقليمي واستمرار الجدل حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني.

وأشار عراقجي إلى أنه أجرى في وقت سابق اتصالات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف بشأن الملف النووي، قبل أن تقرر طهران وقف هذه الاتصالات منذ عدة أشهر. وقال إن استهداف إيران «خلال مسار تفاوضي» شكَّل «تجربة مريرة»، مذكراً بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 2015 «دون مبرر منطقي».

وأضاف أنه واصل تبادل وجهات النظر مع ويتكوف بعد الحرب الأخيرة، لكنه اعتبر أن الإصرار الأميركي على استئناف المفاوضات جاء «بنهج خاطئ»، مشدداً على أن طهران «مستعدة لاتفاق عادل ومتوازن عبر التفاوض»، لكنها «غير مستعدة لقبول الإملاء».

وأكد عراقجي أن استئناف أي حوار مشروط بطرح «حل تفاوضي قائم على المصالح المتبادلة»، معتبراً أن أمام الولايات المتحدة «خيارين واضحين»: إما العودة إلى الدبلوماسية، وإما الاستمرار في مسار «أثبت فشله».

وشنّت إسرائيل في 13 يونيو هجوماً واسعاً على منشآت استراتيجية داخل إيران، أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري» ومسؤولين وعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي، ما أشعل حرباً استمرت 12 يوماً بين الجانبين. وانضمت الولايات المتحدة لاحقاً إلى المواجهة عبر قصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية.

وقال عراقجي إن الضربات الأميركية التي استهدفت منشأتَي نطنز وفوردو النوويتين تسببت في أضرار «خطيرة»، لكنها لم تقضِ على القدرات التكنولوجية لإيران، ولا على إرادتها في مواصلة برنامجها النووي، الذي وصفه بـ«السلمي». وأضاف: «التكنولوجيا لا يمكن قصفها».

وشكك الوزير الإيراني في تقييم وزارة الدفاع الأميركية الذي قال إن البرنامج النووي الإيراني تأخر ما بين عام وعامين، مؤكداً أن طهران تمتلك «حقاً مشروعاً» في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، وأنها «لن تتخلى عن هذا الحق».

صورة من قمر «ماكسار» تُظهر «مجمع فوردو» بعد أن شنَّت الولايات المتحدة ضربات على المنشأة النووية تحت الأرض بالقرب من مدينة قم في إيران (أرشيفية - رويترز)

وأشار إلى أن إيران مستعدة لتقديم «ضمانات كاملة» بأن برنامجها سيبقى سلمياً، كما فعلت في اتفاق عام 2015، مقابل رفع العقوبات، معتبراً أن ذلك الاتفاق أثبت نجاح المسار الدبلوماسي عندما قام على «الاحترام المتبادل وبناء الثقة»، في مقابل ما وصفه بفشل الخيار العسكري.

وفي سياق إقليمي أوسع، توقع عراقجي استمرار النهج الإسرائيلي خلال عام 2026، معتبراً أن «الحصانة من المحاسبة» التي توفرها واشنطن وبعض الدول الأوروبية «تعيد العالم إلى منطق القوة، وتضعف القانون الدولي والإنساني».

وفي هذا الإطار، ذكرت شبكة «إن بي سي نيوز» أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيستمع إلى إحاطة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تتناول مخاوف إسرائيلية من إعادة تشغيل مواقع تخصيب اليورانيوم التي استهدفتها الضربات الأميركية، إضافة إلى احتمال توسيع برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

ونقلت الشبكة عن مسؤولين إسرائيليين قلقهم من استئناف أنشطة التخصيب، واستعدادهم لعرض خيارات جديدة على الإدارة الأميركية للتعامل مع هذه التطورات.

وفيما يتعلق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال عراقجي إن إيران لا تزال ملتزمة بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومستعدة للتعاون مع الوكالة، لكنه انتقد امتناعها عن إدانة الهجمات التي استهدفت منشآت نووية خاضعة لإشرافها، معتبراً ذلك «سابقة خطيرة» وانتهاكاً للقانون الدولي.

وأضاف أن قصف منشآت نووية سلمية خاضعة لضمانات الوكالة «أضعف نظام عدم الانتشار»، داعياً الوكالة إلى العودة إلى دورها المهني ورفض ما وصفه بـ«التسييس».

وعقب الهجمات، علقت إيران بعض أوجه التعاون مع الوكالة الدولية، وقيّدت وصول مفتشيها إلى المواقع المتضررة، وربط قانون أقره البرلمان الإيراني في يوليو (تموز) الماضي دخول المفتشين بالحصول على موافقات من مجلس الأمن القومي، بما يتطلب مصادقة المرشد علي خامنئي.

وكانت إيران قد توصلت في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى إطار تعاون جديد مع الوكالة بوساطة مصرية، غير أن طهران أعلنت لاحقاً اعتباره ملغياً بعد تحرك أوروبي لإعادة تفعيل مسار فرض عقوبات الأمم المتحدة.

وأوضح عراقجي أن طهران تطالب بمراجعة آليات التفتيش في المواقع التي تعرضت للقصف، مشيراً إلى عدم وجود سابقة لكيفية تفتيش منشآت نووية متضررة من هجمات عسكرية، وأن مشاورات مع الوكالة جارية للتوصل إلى إطار واضح في هذا الشأن.

وفي السياق نفسه، قال بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ونائب رئيسها: «من الناحية الأمنية، ليس من المناسب في الوقت الراهن تزويد العدو بمعلومات حول مدى تضرر المواد النووية والمواقع».

وأضاف كمالوندي لوكالة «إيسنا»، السبت، أن «الهجوم على إيران وقع في وقت كان فيه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية موجودين في البلاد قبل يوم واحد فقط»، مشيراً إلى عدم وجود لوائح محددة لزيارة منشآت تعرضت لهجوم عسكري.

وربط كمالوندي عودة التعاون إلى ما قبل الحرب بتوقف التهديدات العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، واحترام حقوق إيران في الملف النووي، «ولا سيما فيما يتعلق بالتخصيب»، مؤكداً رفض ما وصفه بـ«نغمة التخصيب الصفري».

صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حُفَراً في منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم عقب الضربات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

وأوضح أن إيران وصلت في الملف النووي إلى «مرحلة لم يعد فيها أي أمر مجهول»، لافتاً إلى أن بناء محطة طاقة نووية «عملية معقدة وتقنية»، في إشارة إلى الطابع «السلمي» للبرنامج.

من جهته، قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إن الوكالة تمكنت من استئناف بعض أنشطة التفتيش في إيران، لكنها لا تزال «محدودة للغاية»، دون الوصول إلى المواقع الرئيسية في نطنز وأصفهان وفوردو، التي وصفها بأنها «الأكثر أهمية».

وأضاف غروسي أن مسألة استعادة الوصول الكامل إلى هذه المواقع «تشكل التحدي الأكبر حالياً»، مؤكداً أن التواصل مع إيران «لا يزال قائماً»، رغم عدم عودة التعاون إلى مستواه السابق.

وقبل الهجمات على منشآتها النووية، كانت إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، القريبة من مستوى الاستخدام العسكري، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران كانت تمتلك نحو 441 كيلوغراماً من هذه المادة عند اندلاع الحرب، قبل أن يتعذر عليها التحقق من المخزون منذ 13 يونيو.

وتؤكد الدول الغربية عدم وجود حاجة مدنية إلى هذا المستوى من التخصيب، فيما تقول «الوكالة الذرية» إن إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة لسلاح نووي التي تخصب اليورانيوم عند نسبة 60 في المائة.


ليلة «يلدا» العريقة في إيران تحت ضغط الغلاء والركود

امرأة إيرانية تلتقط صورة وهي تحمل بطيخة فيما يستعد الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)
امرأة إيرانية تلتقط صورة وهي تحمل بطيخة فيما يستعد الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)
TT

ليلة «يلدا» العريقة في إيران تحت ضغط الغلاء والركود

امرأة إيرانية تلتقط صورة وهي تحمل بطيخة فيما يستعد الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)
امرأة إيرانية تلتقط صورة وهي تحمل بطيخة فيما يستعد الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)

يحتفل الإيرانيون، الأحد، بليلة الانقلاب الشتوي المعروفة باسم «يلدا»، وهي مناسبة ضاربة في التاريخ تعود إلى العصور القديمة وترمز إلى بدء فصل الشتاء، في لحظة فرح نادرة تُعكّرها معدلات التضخم والركود الاقتصادي.

ويُحيي الإيرانيون أطول ليلة في السنة، على شكل تجمعات عائلية لتناول الحلويات والفاكهة، وخصوصاً الرمّان والبطيخ والكاكي إضافة إلى الجوز.

وقالت ماري غوزاردي، وهي مصممة ديكور تبلغ 37 عاماً التقتها «وكالة الصحافة الفرنسية» في بازار تجريش شمال طهران خلال تسوقها ليلة «يلدا»: «في ليلة (يلدا)، تجتمع العائلة كلّها في منزل جدي لنستعيد ذكريات الأيام الجميلة».

وأضافت، وقد وضعت وشاحاً زهرياً حول عنقها: «للأسف، بسبب أحداث مثل الحرب (التي استمرت 12 يوماً ضد إسرائيل في يونيو/ حزيران وارتفاع سعر الدولار)، تراجعت القدرة الشرائية للناس بشكل كبير».

امرأة إيرانية تحمل حبات من الرمان في وقت يستعد فيه الإيرانيون للاحتفال بعيد «يلدا» (إ.ب.أ)

وأعلن المصرف المركزي الإيراني مطلع ديسمبر (كانون الأول) معدل تضخم سنوياً بلغ 41 في المائة، وهو رقم لا يعكس بدقة الزيادات الحادة في أسعار السلع الأساسية.

وقالت غوزاردي بأسف: «لهذا السبب، لا نرى الكثير من الأصناف على الموائد كما في السنوات السابقة».

فاكهة بعيدة المنال

قال بائع الفاكهة علي أكبر محمدي أمام بسطته: «مع ارتفاع الأسعار، لم يعد الأمر كما كان، حين كنّا نستطيع دعوة العائلة كلّها».

وأوضح أنّ أسعار الرمّان، الفاكهة الأساسية في «يلدا»، تضاعفت مقارنة بالعام الماضي، فتراجعت المبيعات تلقائياً.

ونشرت صحيفة «هم ميهن»، أمس، رسماً كاريكاتورياً بعنوان «ليلة يلدا» يُظهر رجلاً فقيراً يحاول التقاط سلّة فاكهة معلّقة بالقمر ولا يمكنه الوصول إليها، في إشارة إلى أنّ الفاكهة أضحت بعيدة من متناول بعض العائلات.

إيرانيون يحتفلون بزينة «يلدا» استعداداً للمهرجان السنوي (أ.ف.ب)

وسجّل الريال الإيراني في الأيام الأخيرة أدنى مستويات له في مقابل الدولار بسوق الصرف غير الرسمية، عند نحو 1,3 مليون ريال، مقارنة بنحو 770 ألفاً قبل عام.

وقال البائع رحيمي (21 عاماً) الذي فضّل عدم كشف اسمه الكامل من متجره لبيع المكسّرات إن «السوق والاقتصاد في حالة فوضى. نحاول الصمود، فلا خيار أمامنا».

وتسببت الحرب في يونيو ضد إسرائيل، والخشية من اندلاع مواجهة جديدة، وعودة العقوبات الأممية على خلفية البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب جمود المفاوضات مع الولايات المتحدة؛ في زيادة القلق بين الإيرانيين وإرباك الاقتصاد.

أمل وشِعر

ترمز ليلة «يلدا» (أو شب يلدا بالفارسية) التي تعني الولادة، تقليدياً إلى انتصار الخير والأمل (النور) على الشرّ (الظلام)، وتمثل عادة لحظة بهجة وتمنّيات.

إيرانيون يتفقدون زينة «يلدا» (إ.ب.أ)

وقالت مارال باغربور، وهي طالبة في السادسة عشرة مبتسمة: «نمضي الوقت مع العائلة - الأجداد والعمات وأبناء العم - نقرأ حافظ (الشيرازي)، نشرب الشاي أو القهوة، وأحياناً تغنّي جدّتي».

ويعد أخذ الفأل من ديوان حافظ، لشاعر القرن الرابع عشر حافظ الشيرازي والأيقونة الثقافية في إيران، جزءاً لا يتجزأ من تقاليد يلدا، بحثاً عن بصيص أمل وسط صعوبات الحياة.

إيرانيون يتأملون زينة «يلدا» أثناء استعدادهم للاحتفال بأطول ليلة في السنة في طهران (إ.ب.أ)

وكما تنتشر أشجار الميلاد والزينة في الغرب، تزدان المراكز التجارية في طهران بأشجار رمزية ورمّان وصحون فاكهة ضخمة إيذاناً بحلول «يلدا».

ولا تقتصر الاحتفالات على إيران، بل تُقام أيضاً في دول ناطقة بالفارسية مثل أفغانستان وطاجيكستان.