أظهر بحث لجامعة «ييل» الأميركية بناء جدار ترابي واسع حول مدينة الفاشر السودانية بهدف حصار السكان داخلها. ومن خلال صور الأقمار الاصطناعية، حدد مختبر الأبحاث الإنسانية التابع للجامعة، أكثر من 31 كيلومتراً من «السواتر» شيدت منذ مايو (أيار) في الأراضي المحيطة بالمدينة التي تحتلها «قوات الدعم السريع». وتعد الفاشر، التي ترزح تحت حصار منذ أكثر من عام، آخر معقل رئيس للجيش السوداني في دارفور، والذي يخوض حرباً ضد «قوات الدعم السريع» منذ 15 أبريل (نيسان) 2023.
تقول وحدة التحقق في هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» إن كلا من الجانبين في النزاع يستخدم السواتر الترابية باعتبارها استراتيجية دفاعية. لكن تحليل مختبر الأبحاث الإنسانية (HRL) التابع لجامعة «ييل»، الذي يراقب النزاع عن كثب، يشير إلى أن «قوات الدعم السريع» تقوم «ببناء منطقة قتل محكمة حول الفاشر». وذكر تقرير مختبر الأبحاث الإنسانية أن هذه السواتر تعمق ظروف الحصار والسيطرة على من يمكنه الدخول أو الخروج من المدينة، التي يعيش فيها نحو 300 ألف نسمة.

وقال الدكتور حسن: «بعض المدنيين يحاولون الفرار من المدينة، ولكن للأسف يتم استهدافهم وقتلهم على يد قوات الدعم السريع»، التي نفت سابقاً تهم استهداف المدنيين، وتنفيذ عمليات تطهير عرقي. وتعقّد السواتر الترابية الأمور على المدنيين الذين يحاولون الفرار، أو أولئك الذين يسعون لإدخال الغذاء والدواء وغيرهما من المواد الأساسية. كما لم تتمكن المنظمات الإنسانية من الوصول إلى الفاشر منذ أشهر، ويواجه المدنيون المتبقون القصف المستمر ونقص الغذاء وصعوبات في الوصول إلى الرعاية الطبية.
ويرى تقرير مختبر الأبحاث الإنسانية أنه مع بناء السواتر حددت «قوات الدعم السريع» الظروف التكتيكية اللازمة لهزيمة قوات الجيش المتمركزة هناك، إذ سيعني سقوط الفاشر أن «قوات الدعم السريع» تتحكم بالكامل في إقليم دارفور بغرب السودان. يحذر مراقبون من أن مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، حيث عينت كل من القوتين المتحاربتين حكوماتها الخاصة في المناطق التي تسيطر عليها.

وفقاً لمختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة «ييل»، فإن بناء السواتر الترابية لا يزال مستمراً. ولاحظ الباحثون وجود ساتر ترابي بطول 22 كيلومتراً، يشكل نصف دائرة من الغرب إلى شمال المدينة. ويمتد ساتر آخر نحو 9 كيلومترات.
وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية ساتراً ترابياً بني عبر قرية السين، وتظهر كذلك أن معظم القرية دُمر بين 20 مايو (أيار) و6 يوليو (تموز). كما حدد التقرير الأضرار الناجمة عن قصف «قوات الدعم السريع» لمنشأة تنقية المياه قرب المطار، حيث تتمركز قوات الجيش. ويعتقد الباحثون أن المنشأة لا تزال تعمل رغم الأضرار.
وناشد أديب عبد الرحمن يوسف، الحاكم السابق لولاية وسط دارفور، مجلس الأمن الدولي حماية مدنيي الفاشر، قائلاً لـ«بي بي سي»: «يدفع السكان المدنيون في الفاشر الثمن الأغلى، ولا يوجد أحد لحمايتهم».
كما أخبرت شبكة الأطباء السودانيين هيئة الإذاعة البريطانية أن «قوات الدعم السريع» تشن هجوماً عنيفاً في الفاشر، وتستهدف المدنيين عمداً.

وقال محمد فيصل حسن من رابطة الأطباء لبرنامج «نيوزداي» على «بي بي سي»: «أمس، وقع قصف في منطقة مدنية في وسط الفاشر، أسفر عن مقتل ما يقرب من 24 مدنياً، وإصابة 55 شخصاً، بينهم خمس نساء». وأضاف: «الهجمات على السوق المركزية ومنطقة سكنية كانت متعمدة وشنيعة. وقبل ثلاثة أيام، استهدفوا أحد أكبر المستشفيات في الفاشر، مما أدى إلى مجزرة كبيرة للمرضى، والطاقم الطبي».
وقالت حليمة هاشم (37 عاماً) معلمة وأم لأربعة أطفال، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «ليس لدينا مال. والبقاء في المدينة يشبه الموت البطيء، ولكن المغادرة خطيرة أيضاً».




