العاصمة الليبية تتجنب «الحرب مؤقتاً» بعد خضوع كارة لـ«شروط» الدبيبة

جويلي يرى أن هدف أي عمل مسلح في طرابلس «إفشال العملية السياسية»

عناصر تابعة لوزارة الداخلية بحكومة الدبيبة خلال دورة تدريبية (وزارة الداخلية)
عناصر تابعة لوزارة الداخلية بحكومة الدبيبة خلال دورة تدريبية (وزارة الداخلية)
TT

العاصمة الليبية تتجنب «الحرب مؤقتاً» بعد خضوع كارة لـ«شروط» الدبيبة

عناصر تابعة لوزارة الداخلية بحكومة الدبيبة خلال دورة تدريبية (وزارة الداخلية)
عناصر تابعة لوزارة الداخلية بحكومة الدبيبة خلال دورة تدريبية (وزارة الداخلية)

جنّب اتفاق غير معلن بين حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، و«جهاز الردع» بإمرة عبد الرؤوف كارة، الليبيين والعاصمة الليبية الحرب مؤقتاً، بعدما كانت تتهيأ لاندلاعها في ظل التحشيدات العسكرية القادمة من مصراتة إلى محيط طرابلس.

ونقل مصدر مطّلع على المفاوضات، التي جرت مساء الخميس، أن كارة «وافق على 7 شروط» تقدمت بها «الوحدة الوطنية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «سيتم تشكيل لجنة للإشراف على الترتيبات اللازمة للتسلِيم والتسلّم»، لكن مقربين من دوائر صنع القرار يرون أن «المواجهة لا تزال قائمة بين الطرفين، بالنظر إلى صعوبة تطبيق الشروط بالطريقة التي تريدها حكومة (الوحدة)».

عناصر من الغرفة الأمنية المشتركة في غرب ليبيا (وزارة الداخلية)

وتشمل الشروط السبعة «إنهاء حالة التعطيل والممانعة لمؤسسات الدولة، ورفع اليد عنها لتمكين مجلس الوزراء من حل إدارة الأمن القضائي، وتسليم جميع الملفات والممتلكات، وكذلك حل جهاز مكافحة الهجرة».

أما الشرط الثاني فيتمثل في «تسليم سجن معيتيقة ومرافقه بالكامل، وفصله عن مقر (جهاز الردع) بحاجز خرساني تحت إشراف وزارة العدل»، في حين يشدد الشرط الثالث على «تسليم إدارة وتشغيل مطار معيتيقة الدولي إلى مصلحة الطيران، وإنهاء أي وجود للجهاز داخله، بما في ذلك قاعة كبار الزوار». وفي هذا السياق، أكد الاتفاق على «تحديد المقر النهائي للجهاز، وفصله عن المطار و(القاعدة) بفاصل خرساني، وسحب جميع التمركزات الخارجية»، كما شدد على «تولي الشرطة العسكرية حماية بوابات قاعدة معيتيقة تحت إشراف وزارة الدفاع، وتفعيل تمركز كتيبة أمن المطار».

كما توافقت «الوحدة» مع «جهاز الردع» على «تسليم جميع المطلوبين للعدالة، وخاصة الفارين من جهاز (دعم الاستقرار)، وعدم توفير أي حماية لهم، ونقل مقر النيابة العسكرية خارج القاعدة، وتسليم كافة محتوياته لمكتب المدعي العسكري».

وانتهى الاتفاق إلى التشديد على «ضبط الصلاحيات الأمنية لـ(جهاز الردع)، من خلال الالتزام بالحياد المؤسسي، والامتناع النهائي عن استخدام حالة التلبس كمدخل لأي إجراء اعتقال خارج نطاقها القانوني الضيق، إلا بوجود إذن كتابي مسبق صادر من النائب العام» الصديق الصور.

النائب العام الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

وطالب الدبيبة «جهاز الردع» بتنفيذ هذه الشروط «وفق الأطر القانونية التي ستحدد ضمن الترتيبات»، على أن «يتم توقيع محضر اتفاق رسمي مع اللجنة المكلفة من طرف الحكومة لمتابعة تنفيذه، والتقيد الصارم بالقوانين النافذة، بما يعزز فرض سلطة الدولة على مرافقها كافة». لكن لم يعلن «جهاز الردع» من ناحيته قبول أو رفض شروط حكومة «الوحدة».

ولم يمنع هذا الاتفاق تدفق التحشيدات العسكرية من مصراتة إلى محيط طرابلس، والتمركز في مدينة تاجوراء (شرق طرابلس)، لمساندة قوات الدبيبة ضد «جهاز الردع» حال اندلاع المواجهة مع كارة الذي يستند إلى ظهير شعبي في سوق الجمعة.

وبينما تتباين أسباب التصعيد المحتمل في ظل اتهامات للدبيبة بتأجيج الصراع، رأى الفريق أسامة جويلي، آمر المنطقة العسكرية بالجبل الغربي، أن «أي عمل مسلح داخل العاصمة، مهما كانت مبرراته، هدفه إفشال العملية السياسية التي تيسرها بعثة الأمم المتحدة»، محذراً من «نتائج كارثية على الجميع».

الدبيبة طالب «جهاز الردع» بتنفيذ الشروط السبعة «وفق الأطر القانونية» (الوحدة)

واستبقت أطراف اجتماعية وسياسية عدة توقيع الاتفاق، وحذرت من اندلاع المواجهات، في وقت أعلن فيه عدد من سكان تاجوراء رفضهم «السماح لأي قوة مسلحة بالتمركز داخل معسكرات المدينة»، وطالبوا الأجهزة الأمنية والعسكرية بتحمل المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات قد تنجم عن هذه التحركات.

كما أعلن ما يعرف بـ«ثوار طرابلس وشبابها» رفضه القاطع لـ«أي حرب، أو محاولة لجر العاصمة إلى الدمار والفوضى». وطلب «حراك الثوار» من «جهاز الردع» ومن يحتمي بهم «تسليم قاعدة معيتيقة فوراً، وعدم الزج بطرابلس في أي صراع مسلح، أو مواجهات خارج إطار الدولة»، وناشد الدبيبة «التريث قليلاً» في استخدام القوة، وإمهال الجهاز مدة ثانية كي يسلم الردع ويقبل بأوامر الدولة.

الفريق أسامة جويلي آمر المنطقة العسكرية بالجبل الغربي (المكتب الإعلامي للفريق)

كما حمّل الحراك وزارة الدفاع بغرب ليبيا المسؤولية عن «حماية الشعب وأعراضه وممتلكاته»، وطالب المجلس الرئاسي بـ«الإسراع في حل جهازي (الردع) و(دعم الاستقرار) بشكل نهائي، وإحالة أفرادهما إلى وزارة الداخلية وفق القانون».

وانتهى «حراك ثوار طرابلس وشبابها» إلى توجيه رسالة لـ«من تورط في الجرائم داخل (جهاز الردع) بسرعة الاستجابة لأوامر الدولة، وتسليم أنفسهم للنائب العام»، كما طالب عبد الرؤوف كارة بتسليم نفسه للسلطات، أو «الدخول في مفاوضات وطنية جادة للعودة إلى صف الدولة ومسارها الصحيح».

وكان «حراك سوق الجمعة»، الذي ينشط في تحريك المتظاهرين ضد «الوحدة»، قد أبدى رفضه لدخول قوات من مصراتة إلى تاجوراء، مبدياً تضامنه معها. ورأى أن التحشيدات القادمة من مصراتة «تمثل تهديداً لأمن العاصمة، وتقويضاً للعملية السياسية التي ترعاها البعثة الأممية»، لافتاً إلى أن سكان طرابلس «يقفون صفاً واحداً لحماية مدينتهم، ولن يسمحوا بعودة أجواء الحرب».

تعزيزات أمنية مكثفة في العاصمة طرابلس (إ.ب.أ)

وحذر علي أبو زريبة، عضو مجلس النواب عن مدينة الزاوية (غرب)، من اندلاع حرب في طرابلس، موجهاً رسالة إلى من «يلوّح بالأرتال ويتحدث عن اقتحام العاصمة»، بأن طرابلس «ليست أرضاً رخوة ولا مدينة تُستباح بالحديد والنار». وقال أبو زريبة في تصريح صحافي، إن «طرابلس هي قلب ليبيا النابض ودرعها العربي الصامد، ومن يظن أن 400 آلية ستكسر إرادتها أو المنطقة الغربية، فليتأكد أنّ أمامه آلاف العربات، وعشرات الآلاف من الرجال، وقبائل ومدناً، مستعدين للدفاع عن عاصمتهم حتى الرمق الأخير»، مؤكداً أن طرابلس «لن تُخضعها المدرعات، ولا تُرهبها التهديدات، ولا يفرض عليها أحد شروطه بالقوة، والتاريخ شاهد على ذلك».

وانتهى أبو زريبة محذراً: «من يدفع بالتصعيد ستحرقه النار التي أشعلها، ومن يحاول كسر طرابلس سيتحطم على جدرانها؛ فأهل الغرب الليبي إذا اجتمعوا، ارتفع صوتهم أقوى من الحديد، وردهم أكبر وأعظم من كل رتل».


مقالات ذات صلة

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

شمال افريقيا الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل لبيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، التي كانت تقل رئيس الأركان.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)

ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

عدَّ المحلل السياسي، فرج فركاش، أن غياب رئيس الأركان الليبي، الفريق أول محمد الحداد، بهذا الشكل المفاجئ «يشكل ضربة قوية للمؤسسة العسكرية في غرب البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا لجنة التحقيق في حادثة سقوط الطائرة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بطرابلس)

نقل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي إلى ألمانيا للتحقيق

توقع مصدر ليبي مقرب من المجلس الرئاسي وصول جثامين ضحايا الطائرة المنكوبة إلى البلاد، السبت، وذلك عقب انتهاء مراسم تأبينهم بقاعدة مرتد العسكرية في أنقرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا شكّل التراجع النسبي لنفوذ «جهاز الردع» محطةً مفصليةً في هذا التحول عززت سيطرة «الوحدة» على العاصمة (الشرق الأوسط)

سقوط قادة ميليشيات يُعيد رسم خريطة النفوذ الأمني في العاصمة الليبية

يرى مراقبون ليبيون أن التحول الأبرز في المشهد المسلح بغرب ليبيا تمثل في مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز «دعم الاستقرار»، قبل سبعة أشهر، ثم التخلص من الدباشي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
تحليل إخباري من مراسم توقيع اتفاق مشترك بين «الوطني الليبي» والجيش الباكستاني بحضور صدام حفتر وعاصم منير (إعلام القيادة العامة)

تحليل إخباري مقاتلات «JF-17» إلى بنغازي... هل انتهى مفعول «حظر السلاح» الأممي؟

يرى محللون ليبيون أن صفقة تسليح محتملة بين «الجيش الوطني» الليبي وباكستان من شأنها أن تُسهم في تعزيز القدرات العسكرية لقواته في شرق ليبيا، لكنها تثير تساؤلات.

علاء حموده (القاهرة)

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، اليوم (الجمعة)، أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل لبيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، التي كانت تقل رئيس الأركان محمد الحداد ومرافقيه، لعدم توفر الإمكانات الفنية اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الطائرات.

وأكدت الوزارة، في بيان على موقع «فيسبوك»، أنه تم الاتفاق مع تركيا على اختيار بريطانيا كجهة «محايدة» لاستكمال الإجراءات الفنية اللازمة بشأن الطائرة التي تحطمت يوم الثلاثاء، بعد نصف ساعة من إقلاعها من مطار أنقرة.

وقالت الوزارة إنه تقرر نقل جثامين القتلى صباح غد إلى مدينة طرابلس.

كانت الطائرة تقل رئيس الأركان محمد الحداد وعدداً من مرافقيه، وكانت قد أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية الاتفاق مع السلطات التركية على إرسال الصندوق الأسود للطائرة إلى ألمانيا لضمان التحليل الفني الدقيق.


ما تأثيرات اعتراف نتنياهو بـ«أرض الصومال» على الصراع بين إسرائيل والحوثيين؟

نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
TT

ما تأثيرات اعتراف نتنياهو بـ«أرض الصومال» على الصراع بين إسرائيل والحوثيين؟

نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)

في خطوة لافتة تحمل أبعاداً تتجاوز بعدها الدبلوماسي، جاء اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ«جمهورية أرض الصومال» دولة مستقلة وذات سيادة، ليُشعل تساؤلات واسعة حول توقيته ودلالاته، خاصة في ظل الصراع المحتدم بين إسرائيل وجماعة الحوثي، والتوتر المتصاعد في البحر الأحمر.

هذا الاعتراف، الأول من نوعه على هذا المستوى، عدّه محللون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، رسالة ضغط مباشرة وطوقاً دبلوماسياً على رقاب الحوثيين، ومحاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ قرب واحد من أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم، وسط تباين في تقدير مآلاته بين من يحذّر من ترتيبات أمنية وعسكرية جديدة، ومن «يقلّل من فرص تحول الخطوة إلى مواجهة مفتوحة».

وأرض الصومال هو إقليم أعلن استقلاله من جانب واحد 1991، ولم تعترف به أي دولة، وتعارض الحكومة الصومالية مطلب استقلال أرض الصومال عنها، وعلى مدار عام 2024، نشبت أزمة بين أديس أبابا ومقديشو بسبب مساعي إثيوبيا لإبرام اتفاق للوجود على المنفذ البحري لأرض الصومال، وسط رفض مصري وعربي، وتدخلت تركيا بوساطة لإيقاف إثيوبيا عن هذا المسار.

تطويق للحوثيين

ويُعد أرض الصومال منطقة جوار لليمن، حيث تقع على الضفة المقابلة لخليج عدن، وتطل على مضيق باب المندب، وهو ممر مائي عالمي حيوي لعبور الملاحة الدولية بين آسيا وأوروبا، وهذا الممر شهد هجمات صاروخية وطائرات دون طيار من الحوثيين في السنوات الأخيرة، مما أثر على التجارة العالمية وأمن الملاحة، وفق ما يرى المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، مؤكداً أن الاعتراف مهم وله دلالات.

ويعطي الاعتراف إسرائيل «طوقاً دبلوماسياً في موقع جغرافي يمكن أن يكون بديلاً أو مكملاً لعملياتها في البحر الأحمر، خصوصاً إذا زاد الحوثيون هجماتهم على سفن أو طرق الملاحة»، وفق تقدير بري، موضحاً أن «إسرائيل ترى ذلك ليس فقط فرصة دبلوماسية، بل ركيزة استراتيجية لمراقبة الممرات المائية والإسهام في أمنها، وتعزيز تموضعها ضد النفوذ الإيراني والحوثي والضغط عليهما وتقليل قدرة الحوثيين على تهديد المصالح البحرية الإسرائيلية».

ويؤكد الباحث اليمني، أشرف المنش، ذلك، موضحاً أن اعتراف نتنياهو يأتي في سياق بحث إسرائيل عن قاعدة عسكرية قبالة اليمن لمواجهة ميليشيات الحوثي واعتراض تهديداتها لخطوط الملاحة، وذلك نظراً إلى تمتع «أرض الصومال» بموقع استثنائي يمتد على ساحل بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، وموقع استراتيجي عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي.

ويرى مراقبون أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» سيكون له تأثير على باب المندب، وقد يقيّد أي إمدادات تأتي إلى الحوثيين، لكن في المقام الأول سيهدد الملاحة والأمن في البحر الأحمر وسيزيد التوتر.

رئيس أرض الصومال يهاتف نتنياهو خلال التوقيع (الحكومة الإسرائيلية)

وتسعى إسرائيل لخلق ما يشبه «كماشة» أمنية لمحاصرة النشاط العسكري الحوثي من جهة الشرق الأفريقي، وذلك بعد تحول السواحل الصومالية قبالة اليمن إلى نقاط تهريب نشطة للحوثيين ساعدهم في ذلك تحالفهم الوثيق مع «حركة الشباب الإرهابية» برعاية من «الحرس الثوري» الإيراني، وفق الخبير اليمني أشرف المنش.

ويعتقد رئيس مركز «جهود للدراسات» في اليمن، عبد الستار الشميري، أن الاعتراف من إسرائيل محاولة لوجود أكبر في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والتموضع على ضفة القرن الأفريقي من خلال أرض الصومال وأيضاً الضفة اليمنية من خلال مهاجمة الحوثيين، وهذا سينعكس سلبياً على البحر الأحمر.

في المقابل، قلّل المحلل السياسي من أرض الصومال، عبد الكريم صالح، من المخاوف من العلاقات بين هرغيسا وتل أبيب، مؤكداً أن الاعتراف لن يؤثر على الصراع مع الحوثيين؛ إذ تربط إسرائيل علاقات دبلوماسية بالعديد من الدول العربية والإسلامية والدولية ولم يحقق ذلك شيئاً، مؤكداً أن الاعتراف مهم في سلسلة الاعترافات الدولية ليس أكثر من ذلك.

ورغم أن الضربات الإسرائيلية ضد الحوثيين بدأت في يوليو (تموز) 2024، فإن عام 2025 شهد زخماً أكبر من الاستهداف في عام 2025، بـ14 استهدافاً على الأقل، وقصف متكرر لميناء الحديدة، قبل الهجوم الكبير الذي استهدف حكومة الحوثي وقيادات عسكرية بارزة لديها في أغسطس (آب) الماضي.

إنشاء القواعد

وفي ضوء ذلك الاعتراف وهذا التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين، لا يستبعد بري أن يتم احتمالات تعاون أمني، وبحث أفكار حول قاعدة أو تعاون عسكري في المستقبل، وهو بمثابة جزء من استراتيجية مواجهة تهديدات الحوثيين.

ويخلص إلى أن وجود عسكري إسرائيلي طويل المدى في أرض الصومال ليس مؤكداً اليوم، لكن القاعدة قد تتوسع إلى تعاون أمني أقوى إذا رأى الطرفان فائدة استراتيجية من ذلك، خصوصًا في مواجهة الحوثيين مقابل زخم الاعترافات.

وعن توقعاته لردود فعل الحوثيين، يعتقد بري أن التهديدات والهجمات من الحوثيين قد تتصاعد بوصفها رد فعل على أي شكل من أشكال وجود عسكري أو تعاون أمني مع إسرائيل قرب السواحل اليمنية، مستدركاً: «لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات رسمية من الحوثيين على كيفية ردهم مباشرة على الاعتراف الصوري فقط الذي لم يشمل التوسيع العسكري بإقليم مثل أرض الصومال».

بنيامين نتنياهو خلال التوقيع (الحكومة الإسرائيلية)

ولا يستبعد أشرف المنش أيضاً -في ضوء التقاء المصالح بين إقليم أرض الصومال الساعي للحصول على اعتراف دولي وإسرائيل- أن تتجه المصالح الإسرائيلية إلى بناء منشأة عسكرية واستخباراتية لـ«تعزيز العمق الاستراتيجي» في القرن الأفريقي.

بينما يؤكد مراقبون أن وجود إسرائيل في الإقليم الانفصالي سيترتب عليه وجود عسكري لا محالة، لأن أي علاقات تسمح بمذكرات تفاهم تشمل نشر قواعد عسكرية وما شابه.

في المقابل، يرى عبد الكريم صالح أن المحادثات والوثائق المتبادلة بين الجانبين لم تتطرق إلى أي مسائل عسكرية. وأفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنهم سيتعاونون بشكل مكثف مع أرض الصومال في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد، دون أي حديث عن تعاون عسكري أو استخباراتي.

وبعد شائعات نفاها إقليم أرض الصومال في 2025، بشأن أن يكون الإقليم إحدى البقاع التي تستقبل الفلسطينيين من غزة، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في حسابه على منصة «إكس»، الجمعة، إنه خلال العام الماضي، وعلى أساس حوار شامل ومتواصل تشكّلت العلاقات بين إسرائيل وأرض الصومال. وأضاف: «عقب قرار رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، ورئيس جمهورية أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله، وقّعنا على اعتراف متبادل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، تشمل أيضاً تعيين سفراء وافتتاح سفارات»، مؤكداً أن إسرائيل ستكثّف التعاون مع أرض الصومال في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والزراعة والصحة.


مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

رفضت مصر إعلان الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة. كما عبّرت عن رفضها «أي محاولات لفرض كيانات موازية تتعارض مع وحدة الدولة الصومالية».

وجاء الموقف المصري في اتصالات لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، الجمعة، مع نظرائه في الصومال وتركيا وجيبوتي. وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكد الوزراء «الدعم الكامل لوحدة الصومال وسيادته»، إلى جانب «دعم مؤسسات الدولة الصومالية الشرعية».

الرفض المصري المدعوم بمواقف دول أخرى، جاء بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، اعتراف إسرائيل رسمياً بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة ذات سيادة، وهي أول دولة تعترف بـ«الإقليم الانفصالي» في الصومال دولة مستقلة.

وقال بيان صادر عن «الخارجية المصرية»، الجمعة، إن الوزير عبد العاطي تلقى اتصالات من نظرائه: الصومالي عبد السلام عبدي، والتركي هاكان فيدان، والجيبوتي عبد القادر حسين عمر، وشددوا على «الرفض التام وإدانة اعتراف إسرائيل»، إلى جانب «الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، يعتقد أن دعم إسرائيل «أرض الصومال» «سيفتح الباب لدول أخرى للاعتراف بهذا الإقليم». ورجح أن «تلجأ إثيوبيا إلى تفعيل اتفاقها مع (أرض الصومال)، للحصول على منفذ بحري لها، مقابل الاعتراف الرسمي به دولة».

وسيؤثر الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» استراتيجياً على مصالح الدولة المصرية في جنوب البحر الأحمر، وفق حليمة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود إسرائيل في هذه المنطقة سيعني حصولها على موضع قدم في جنوب البحر الأحمر وشماله في إيلات»، مشيراً إلى أن هذا التحرك «سيلقى معارضة شديدة من الدول العربية والأفريقية؛ لأن من مبادئ الاتحاد الأفريقي احترام حدود الدول وعدم المساس بها».

وسبق أن عارضت مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع «إقليم أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة. وعدّت القاهرة الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي بعد توقيع اتفاق «الشراكة الاستراتيجية» في القاهرة يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

وأكد عبد العاطي، الجمعة، أن الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول «سابقة خطيرة، وتهديد للسلم والأمن الدوليين ولمبادئ القانون الدولي»، وقال إن «احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي الدول يمثّل ركيزة أساسية لاستقرار النظام الدولي».

كما شدد على «الرفض القاطع لأي مخططات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني خارج أرضه»، وقال إن «هذا المخطط ترفضه الغالبية العظمى لدول العالم بشكل قاطع».

ولن يغيّر الاعتراف الإسرائيلي الوضعية القانونية لـ«إقليم أرض الصومال» بعدّه جزءاً من أرض الصومال، وفق عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، عصام هلال، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما اتخذته إسرائيل خطوة أحادية تخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي».

ويرى هلال أن الدعم الإسرائيلي للإقليم الصومالي «يعدّ تحولاً دبلوماسياً، سينعكس على توازن القوى في منطقة القرن الأفريقي». وأكد ضرورة «تكثيف الجهود الدبلوماسية لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي في هذه المنطقة».

ودائماً ما تؤكد مصر أن «أمن البحر الأحمر قاصر فقط على الدول المتشاطئة وليس مقبولاً أي وجود عسكري به»، وتكررت هذه التصريحات بعد أن أعلنت إثيوبيا طموحها لإيجاد منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر.

و«إقليم أرض الصومال»، الذي يملك ساحلاً بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، يحتل موقعاً استراتيجياً عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي، ولا يحظى باعتراف دولي منذ انفصاله عن جمهورية الصومال الفيدرالية عام 1991.

ووقّع نتنياهو ووزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، ورئيس «إقليم أرض الصومال»، عبد الرحمن محمد عبد الله، إعلاناً مشتركاً، وقال إن «إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد».