تحويلات المغتربين تنعش الاقتصاد المصري... فهل يمكن الاعتماد عليها؟

«قفزات قياسية» عززها «تعويم» الجنيه والفرص الاستثمارية

مؤتمر رسمي يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج مطلع أغسطس الجاري (الخارجية المصرية)
مؤتمر رسمي يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج مطلع أغسطس الجاري (الخارجية المصرية)
TT

تحويلات المغتربين تنعش الاقتصاد المصري... فهل يمكن الاعتماد عليها؟

مؤتمر رسمي يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج مطلع أغسطس الجاري (الخارجية المصرية)
مؤتمر رسمي يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج مطلع أغسطس الجاري (الخارجية المصرية)

تنتظر أسرة المصري أحمد رمضان، الذي يعمل في السعودية، تحويلاً مالياً يعادل نحو 13 ألف جنيه (268 دولاراً)، يصل إليها عبر البنك، بداية كل شهر. تنفق الأسرة المقيمة في الفيوم (جنوب القاهرة)، والمكونة من أم وطفلتين، المبلغ على بنود المعيشة المختلفة من مأكل وملبس ومدارس وترفيه... فيوفر لها «حياة مقبولة»، في حين أن راتب الزوجة من عملها مدرسةً بـ«الحصة» داخل مصر «لن يكفي بنداً واحداً»، حسب رمضان.

ويوجد أكثر من 11 مليون مصري في الخارج حتى عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء. وتشهد السوق الرسمية زيادة في تحويلات المصريين من العملة الصعبة منذ نحو عام فقط؛ ما يمثل «الوعاء الدولاري» الأهم لدى الدولة، وفق خبراء اقتصاديين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

ووصفت الحكومة المصرية في بيان، الاثنين، تدفقات تحويلات المصريين بالخارج خلال السنة المالية 2024/ 2025 بـ«القياسية»، مسجلة نحو 36.5 مليار دولار، بمعدل زيادة 66.2 في المائة عن العام المالي السابق.

وارتفعت التحويلات خلال الربع الأخير من العام المالي، في الفترة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين، بمعدل 34.2 في المائة، لتصل إلى نحو 10.0 مليار دولار مقابل نحو 7.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي. وعلى المستوى الشهري حقق يونيو الماضي المستوى الأعلى بـ3.6 مليار دولار، بزيادة 40.7 في المائة عن نفس الشهر من العام الماضي.

وزير الخارجية والهجرة المصري خلال اجتماع مع وفد للجالية المصرية في اليونان (أرشيفية - وزارة الخارجية)

لماذا زادت؟

يرجع الخبراء الزيادة في تحويلات المصريين بالخارج إلى قرار تحرير سعر صرف الجنيه الذي اتخذته الحكومة المصرية في مارس (آذار) من عام 2024، وارتفع بموجبه سعر الدولار رسمياً في البنوك إلى نحو 50 جنيهاً، بدلاً من نحو 30 جنيهاً؛ ما أدى إلى «القضاء على السوق السوداء» التي كانت تذهب غالبية تحويلات المصريين في الخارج إليها، وفق الخبير الاقتصادي علي الإدريسي.

وقال الإدريسي لـ«الشرق الأوسط» إن قرار تحرير سعر الصرف من أهم إيجابياته تدفق التحويلات من الخارج عبر «السوق الرسمية» (البنوك) بعد حصولها على نفس السعر في «السوق السوداء»، بخلاف سهولة إجراءات التحويل.

ووفق أحد المصريين العاملين في الخليج، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، طالباً عدم نشر اسمه، فإن التحويل عبر «السوق السوداء» كان خيار الكثيرين مع وجود سعرين للصرف الفارق بينهما كبير. ويتم هذا التحويل عبر «تجار العملة»؛ إذ يقوم المصري بمنح الأموال التي يرغب في تحويلها بالعملة الأجنبية لأحدهم في نفس الدولة، والذي بدوره يبلغ آخرين تابعين له في مصر بمنح المستفيدين قيمتها بالجنيه المصري.

في حين يرجع الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الأعمال المصري - الكندي، أحمد خطاب، الزيادات الأخيرة إلى «نجاح الحكومة في مواجهة الشائعات والحملات المضادة لها في الخارج»، بالإضافة إلى «الفرص الاستثمارية الكبيرة، مثل مشروع شراء عقار في الداخل (بيت الوطن) - أطلقته في مايو/ أيار الماضي - وغيره من الفرص».

وأضاف خطاب لـ«الشرق الأوسط» أن «المصريين في الخارج وجدوا أن عوائد استثماراتهم في الداخل أكبر من تجميدها في الخارج؛ ما دفعهم لزيادة التحويلات»، مشيراً أيضاً إلى «النزعة الوطنية» لدعم الاقتصاد.

سبب آخر لزيادة تحويلات المغتربين يشير إليه المصري المقيم في السعودية أحمد رمضان، وهو «الغلاء»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أحول ما يعادل 500 ريال سعودي، وتكفي أسرتي. الآن أحتاج إلى تحويل 1000 ريال على الأقل».

كيف تدعم الاقتصاد؟

يعتبر الإدريسي أن تحويلات المصريين في الخارج واحدة من أهم المصادر الدولارية للاقتصاد؛ كونها من المصادر «غير المولدة لتكلفة»؛ أي لن يترتب عليها فوائد مثل الديون أو السندات، مثلها مثل السياحة والاستثمارات المباشرة وقناة السويس قبل أن تتعرض لأزمتها الحالية بفعل الأوضاع الإقليمية.

يتفق معه الباحث الاقتصادي في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، محمد رمضان، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد مصدر آخر حالياً يوفر هذا الكم من التدفقات الدولارية سنوياً (نحو 30 ملياراً) مثل تحويلات المصريين في الخارج؛ فعوائد السياحة، وحتى قناة السويس، أقل من ذلك الرقم بكثير».

ولفت رمضان إلى أن «هذه التحويلات داعم مهم لاستقرار سعر الصرف»، لكنه نبّه في الوقت نفسه إلى مخاطر الاعتماد عليها بشكل كامل في ظل أنها «متذبذبة»، وقابلة للتراجع حال تعرض سعر الصرف لأزمة كبيرة يمكن أن تؤدي لعودة «السوق السوداء»، قائلاً: «بعد تعويم الجنيه في عام 2016، حدثت زيادات في تحويلات المصريين بالخارج، لكن ذلك لم يمنع دخول مصر في أزمة دولارية بعد عدة سنوات». لكن عضو مجلس الأعمال المصري - الكندي، استبعد عودة «السوق السوداء»، في ظل «السياسات الحكومية الأخيرة لتأمين الدولار، سواء بتجميد بعض المشاريع أو التوجه لتحقيق اكتفاء ذاتي من كثير من السلع التي كانت تحتاج إلى دولار لتوفيرها»، مشيراً إلى أنه «لولا الحرب الروسية - الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على غزة، لكان احتياطي النقد الأجنبي شهد زيادات أكبر».

ويرى الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن الحكومة في حاجة لطرح مزيد من الاستثمارات الإنتاجية لاستغلال أموال المصريين في الخارج على نحو أفضل، أو إنشاء كيانات يشاركون فيها بأسهم، وتستثمر في الأصول التي ترغب الدولة في التصرف فيها، بدلاً من البحث عن مستثمرين أجانب.

يتفق المصري رمضان، الذي يعمل في السعودية منذ 14 عاماً، مع هذا الطرح، قائلاً إنه «يحتاج أن يشعر أن هناك فرصاً للمغتربين، باعتبارهم يوفرون دخلاً كبيراً للدولة»، مطالباً بمزايا لهم مثل عودة مبادرات كـ«سيارات المصريين في الخارج». وانتهت المبادرة التي أتاحت إعفاءات جمركية كبيرة لسيارات المصريين بالخارج في أبريل (نيسان) 2024.

وكان رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، أعلن في مؤتمر صحافي في 6 أغسطس (آب) الحالي، أن الحكومة تبحث مع البنك المركزي طرح أوعية ادخارية مميزة للمصريين بالخارج.


مقالات ذات صلة

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً).

رحاب عليوة (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري خلال لقائه وزير الكهرباء (رئاسة مجلس الوزراء)

مصر: الربط الكهربائي مع السعودية يتم تجهيزه لبدء المرحلة الأولى

قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري إن مشروع الربط الكهربائي المصري السعودي يتم تجهيزه في صورته النهائية لبدء تشغيل المرحلة الأولى في القريب العاجل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

بلغت 3.7 مليار دولار.. 26 % زيادة في تحويلات المصريين بالخارج خلال أكتوبر

أعلن البنك المركزي المصري أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج بلغت 3.7 مليار دولار في أكتوبر ‌2025، بمعدل زيادة 26.2 في المائة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيارات شحن تنتظر تفريغها في حاويات بأحد المواني المصرية (رويترز)

بأكثر من 55 مليار دولار... مصر تستهدف زيادة الصادرات السلعية 20 % العام المقبل

تستهدف مصر زيادة صادراتها السلعية 20 في المائة على أساس سنوي، لتتجاوز 55 مليار دولار خلال عام 2026.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد منصة غاز في حقل «ظهر» المصري (وزارة البترول المصرية)

بريطانيا تستثني حقل غاز «ظُهر» في مصر من العقوبات المفروضة على روسيا

أضافت بريطانيا حقل «ظُهر» للغاز في مصر، الذي تملك فيه شركة النفط الروسية العملاقة «روسنفت» حصة 30 في المائة، لقائمة المشروعات المعفاة من عقوباتها على روسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
TT

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل

قضت سائحة إيطالية، الأحد، إثر حادث تصادم بين مركبين سياحيين في محافظة الأقصر بجنوب مصر، وفقاً لوزارة النقل المصرية ووسائل إعلام إيطالية.

وأكدت وزارة النقل المصرية في بيان تصادم فندقين عائمين بنهر النيل في محافظة الأقصر بجنوب مصر أثناء إبحارهما بين مدينتي الأقصر وأسوان السياحيتين و«وفاة إحدى النزيلات».

وأشار البيان إلى «تهشم 3 كبائن» في أحد الفندقين العائمين وتضرر الآخر، بينما تمت إحالة الواقعة إلى النيابة.

https://www.facebook.com/MinistryTransportation/posts/في المائةD8في المائةA8في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة86-في المائةD8في المائةA7في المائةD8في المائةB9في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD9في المائة8A-في المائةD9في المائة85في المائةD9في المائة86-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة87في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA6في المائةD8في المائةA9-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةB9في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD8في المائةA9-في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة82في المائةD9في المائة84-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة87في المائةD8في المائةB1في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7في المائةD8في المائةB9في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD8في المائةAA-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة87في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA6في المائةD8في المائةA9-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةB9في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD8في المائةA9-في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة82في المائةD9في المائة84-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة87في المائةD8في المائةB1في المائةD9في المائة8A-في المائةD9في المائة81في المائةD9في المائة8A-في المائةD8في المائةA8في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7/1174605321503189/?locale=ar_AR

وأفادت وكالة «أنسا» الإيطالية للأنباء بمقتل سائحة إيطالية تبلغ 47 عاماً بعد نقلها للمستشفى عقب إصابتها في الحادث.

وتعتبر محافظتا الأقصر وأسوان (أكثر من 600 كيلومتر جنوب القاهرة) وجهتين سياحيتين بارزتين، بينما تحاول الحكومة المصرية تنشيط قطاع السياحة الذي عانى من الأزمات الاقتصادية والجائحة العالمية في السنوات الأخيرة.

وتساهم السياحة بـ10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المصري ويعمل في هذا القطاع نحو مليوني شخص، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأعلنت الحكومة المصرية الشهر الماضي نمو نشاط الفنادق بنسبة 13 في المائة مقارنة بالعام السابق، بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير في بداية نوفمبر (تشرين الثاني).

وأعلن وزير السياحة المصري شريف فتحي الأسبوع الماضي ارتفاع أعداد السائحين إلى نحو 19 مليون، مقارنة بنحو 15 مليون عام 2024.


توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

بينما أكدت تقارير في جوبا حدوث توتر بين «قوات الدعم السريع» وقوات دفاع جنوب السودان، في منطقة هجليج النفطية بولاية جنوب كردفان، نفت «الدعم السريع» وقوع أي اشتباكات مسلحة بين الجانبين.

وأفادت صحيفة «جوبا بوست» بأن توتراً حادّاً حدث ليل السبت - الأحد بين القوات الجنوبية الموكَلة إليها حماية حقول النفط في هجليج - باتفاق ثلاثي بين جوبا وبورتسودان ونيالا - و«قوات الدعم السريع» التي سيطرت على المنطقة، بعد انسحاب الجيش السوداني منها إلى الدولة الجارة.

لكن الباشا طبيق، مستشار قائد «الدعم السريع»، قال في تغريدة على «فيسبوك» إن ما تناولته صحفٌ ووسائل إعلام سودانية موالية للجيش بشأن وقوع «اشتباكات في هجليج لا أساس له من الصحة». من جهة أخرى، تواصلت عمليات إجلاء العاملين في المنظمات الإنسانية والأممية من كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» بالاشتراك مع حليفتها «قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو».


تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
TT

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

جدد مجلس الأمن الدولي ولايةَ «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026، وسط مسار سلام يراوح في مكانه رغم تعدد الاتفاقات، مع عودة العنف مجدداً إلى صدارة المشهد.

هذه الخطوة الدولية، التي تضمنت دعوات إلى انسحاب حركة «23 مارس (إم 23)» المتمردة من مناطق احتلتها، يراها خبير في الشؤون الأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، دفعةً لجهود السلام في شرق الكونغو الذي يعاني صراعات على مدى عقود عدة، موضحاً أن «غيابها يعني مزيداً من الفوضى؛ لكن مع التمديد يمكن تقديم دعم إضافي لمسار السلام المتعثر حالياً، على الرغم من الاتفاقات؛ لأسباب مرتبطة بعدم وجود تفاهمات حقيقية على الأرض».

وتتصدر أزمة شرق الكونغو، الممتدة منذ 3 عقود، الاهتمامات الأفريقية. وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الرواندي، أوليفييه أندوهونجيريهي، في لقاء بالقاهرة، سبلَ إرساء الاستقرار والسلم والأمن في منطقة شرق الكونغو، مؤكداً دعمَ مصر الكامل الجهودَ كافة الرامية إلى تثبيت الأمن والاستقرار، وفق بيان من «الخارجية المصرية» الأحد.

وجاء اللقاء عقب قرار مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر 2026، مع الحفاظ على سقف القوات المصرح به عند 11 ألفاً و500 فرد عسكري، و600 مراقب عسكري وضابط أركان، و443 فرد شرطة، و1270 فرداً من وحدات الشرطة المشكّلة، ومطالبة رواندا بوقف دعمها حركة «إم 23» المتمردة.

ويرى المحلل السياسي التشادي الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» يمكن أن يشكل دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو، «إذا اقترن بتغييرات عملية في أسلوب عملها، وتعاون حقيقي مع السلطات المحلية والمجتمعات المتضررة... فالوجود الأممي يوفر غطاء دولياً لحماية المدنيين، ودعماً لوجيستياً ومؤسساتياً للجيش والشرطة، كما يساهم في مراقبة حقوق الإنسان، وتهيئة بيئة أفضل أمناً للعمل الإنساني والحوار السياسي. لكن نجاح التجديد لا يعتمد على الاستمرار الشكلي، إنما على معالجة أسباب الصراع المزمنة، مثل ضعف الدولة، وتعدد الجماعات المسلحة، والتنافس على الموارد، وانعدام الثقة بين السكان والبعثة»، وفق عيسى.

وإذا ركزت «مونوسكو» على «دعم حلول سياسية محلية، وتعزيز المصالحة، وبناء قدرات مؤسسات الدولة، والاستجابة لمطالب السكان بشأن الحماية والشفافية، فقد ينعكس التجديد إيجاباً على الاستقرار»؛ يضيف عيسى، موضحاً: «أما إذا استمر الشعور بعدم الفاعلية أو غياب التنسيق، فقد يحد ذلك من أثرها... لذلك؛ يكون التجديد فرصة حقيقية للسلام عندما يُستثمر لإصلاح الأداء وتوجيه الجهود نحو جذور الأزمة».

ويسلط القرار الدولي الضوء على «الأزمة الأمنية والإنسانية المتدهورة بسرعة» في شرق الكونغو الديمقراطية بسبب هجوم حركة «23 مارس» في شمال وجنوب كيفو «بدعم وبمشاركة مباشرة من قوات الدفاع الرواندية»، وفق بيان «المجلس».

وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، جنيفر لوسيتا، مساء الجمعة، إن «المفاوضات التي تقودها تعطلت مرة أخرى بسبب تقدم حركة (23 مارس) المدعومة من قوات الدفاع الرواندية».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود، وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتَين في الإقليم. وشنّت «23 مارس»، بدعم من رواندا، هجوماً جديداً في بداية ديسمبر الحالي بإقليم جنوب كيفو شرق البلاد على طول الحدود مع بوروندي، وأحكمت سيطرتها على بلدة أوفيرا الاستراتيجية في 11 ديسمبر الحالي.

وجاء التقدم الأخير للحركة في شرق الكونغو الغني بالمعادن بعد أسبوع من لقاء الرئيسَين؛ الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي الرئيسَ الأميركي دونالد ترمب في واشنطن خلال وقت سابق من هذا الشهر، وأكدا التزامهما اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة.

ووسط أنباء عن انسحاب الحركة من المنطقة المحتلة حديثاً، قال مسؤولون في «الصليب الأحمر»، الخميس الماضي، إن «شهر ديسمبر هو الأعلى حدة في النزاع».

ويعدّ الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية بواشنطن في مطلع ديسمبر الحالي هو الأحدث ضمن سلسلة «تفاهماتٍ بإطار» أُبرمت خلال يونيو (حزيران) الماضي في واشنطن، إضافة إلى «إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة»، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاقٍ يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن المطالب الدولية بانسحاب «23 مارس» من المناطق التي سيطرت عليها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعبر عن ضغط سياسي ودبلوماسي متصاعد، «لكنها لا تعني بالضرورة أن الانسحاب يمكن تحقيقه قريباً». وأوضح أن «الحركة» ما زالت «تمتلك قوة عسكرية على الأرض، وتستفيد من تعقيدات المشهد الإقليمي، وضعف سلطة الدولة في بعض المناطق؛ مما يجعل استجابتها للضغوط وحدها أمراً غير مضمون».

وأضاف: «كما أن تجارب سابقة أظهرت أن بيانات الإدانة والمطالب الدولية لا تتحول سريعاً إلى واقع ميداني ما لم تُدعم بآليات تنفيذ واضحة، مثل عقوبات فعالة، أو ضغط إقليمي من الدول المؤثرة، أو تقدم حقيقي في المسارات التفاوضية».

في المقابل؛ قد يصبح الانسحاب ممكناً، وفق صالح إسحاق عيسى، «إذا ترافقت هذه المطالب مع تحرك منسق من (الاتحاد الأفريقي)، ومع ضمانات أمنية وسياسية تعالج دوافع الحركة، إضافة إلى تعزيز قدرات الدولة الكونغولية على بسط سيطرتها بعد أي انسحاب؛ لتفادي فراغ أمني». لذلك؛ «يبقى تحقيق الانسحاب القريب مرتبطاً بمدى جدية المجتمعَين الدولي والإقليمي في الانتقال من المطالبة إلى الفعل، وبإيجاد تسوية أوسع تعالج جذور الصراع»؛ وفق ما خلص إليه عيسى، وسط تفاقم الأزمة بشرق الكونغو.