أزمة «حصار السفارات» المصرية تتفاقم عقب توقيف شابين في بريطانيا

اتهامات للندن بـ«التواطؤ» مع «الإخوان»... والقاهرة تطالب بإيضاحات

مصر أكدت مراراً عدم إغلاق معبر رفح من جانبها أمام دخول المساعدات إلى غزة (محافظة شمال سيناء)
مصر أكدت مراراً عدم إغلاق معبر رفح من جانبها أمام دخول المساعدات إلى غزة (محافظة شمال سيناء)
TT

أزمة «حصار السفارات» المصرية تتفاقم عقب توقيف شابين في بريطانيا

مصر أكدت مراراً عدم إغلاق معبر رفح من جانبها أمام دخول المساعدات إلى غزة (محافظة شمال سيناء)
مصر أكدت مراراً عدم إغلاق معبر رفح من جانبها أمام دخول المساعدات إلى غزة (محافظة شمال سيناء)

تفاقمت أزمة «حصار السفارات» المصرية بالخارج، عقب توقيف شابين مصريين في لندن، الأحد، أعلنا «تصديهما» لاحتجاجات يقيمها معارضون أمام مقار السفارات للضغط على القاهرة بداعي «دفعها لإدخال المساعدات إلى غزة»، قبل أن يتم الإفراج عن أحدهما، وأنباء عن الإفراج عن الآخر خلال ساعات.

وقامت الشرطة البريطانية، مساء الاثنين، بتوقيف رئيس «اتحاد شباب المصريين بالخارج»، أحمد عبد القادر ميدو، ونائبه أحمد ناصر، بعد تصديهما لمظاهرات أمام مقر السفارة المصرية في لندن. وبعد ساعات، أعلن ناصر على صفحته بـ«فيسبوك»، إطلاق سراحه، موجهاً الشكر للدولة المصرية التي وصفها بـ«القوية».

ومنذ الإعلان عن التوقيف، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي «مناوشات» واتهامات للندن بـ«التواطؤ مع جماعة (الإخوان المسلمين)»، التي تصنفها القاهرة «محظورة»، والمتهمة بتدبير تلك المظاهرات.

وأجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اتصالاً هاتفياً، الثلاثاء، مع مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول، بحث خلاله أزمة توقيف عبد القادر. ووفق بيان الخارجية المصرية، أكد عبد العاطي للمسؤول البريطاني «اهتمام مصر البالغ بتطورات القبض على المواطن أحمد عبد القادر في لندن»، مطالباً بـ«سرعة التعرف على ملابسات القبض عليه، والأسباب التي أدت لذلك»، مؤكداً تطلع بلاده لـ«التعرف على نتائج التحقيقات وسرعة الإفراج عنه».

ووجه الوزير المصري سفارة بلاده في لندن بـ«التواصل مع الجهات البريطانية المختصة لسرعة استجلاء ملابسات القبض على المواطن المصري وأسبابه، وتقديم كافة الخدمات القنصلية له، والعمل على سرعة الإفراج عنه».

وفي غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام أن الشرطة الهولندية تبحث عن شاب مصري آخر يدعى يوسف حواس، وهو أحد قيادات «اتحاد شباب المصريين بالخارج»، على خلفية مشاركته في واقعة حماية السفارة المصرية في هولندا.

وقبل نحو شهر، بدأت حملة للتظاهر أمام السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج والدعوة لإغلاقها، إثر قيام أحد الشباب المصريين بإغلاق مقر السفارة المصرية في هولندا على العاملين من الخارج بأقفال، بزعم أن القاهرة تعرقل دخول المساعدات إلى غزة، وهو ما نفته مصر مرات عدة، وسط اتهامات لجماعة «الإخوان» بالوقوف أمام الحملة التي تطورت إلى احتجاجات أمام السفارات المصرية في عدة دول.

وعبر تصريحات رسمية متكررة، أكدت مصر عدم إغلاق معبر رفح من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

ويرى عبد العاطي استهداف البعثات الدبلوماسية المصرية في الخارج «اعتداءً على السيادة، وضرباً للذات الوطنية، وتشجيعاً على الانقسام الداخلي».

وفي مقال نُشر الاثنين بصحيفة «الأهرام» المصرية، تحت عنوان «مصر وغزة... حين يُستهدف من يقف مع الحق»، أوضح الوزير المصري أن «هذا الاستهداف لا يُعد تعبيراً عن احتجاج، بل هو انحراف عن مسار النضال الحقيقي، بما يخدم أجندات لا تمت للوطن بصلة».

وتساءل الوزير المصري: «هل من الطبيعي أن يهاجم مواطن مصري سفارة بلاده في الخارج؟ أليست هذه البعثات تمثل الدولة المصرية ويعمل بها مواطنون مصريون؟».

ولفت عبد العاطي إلى أن الاعتداء على السفارات يصب في مصلحة من يسعى إلى تقويض دور مصر الإقليمي والإنساني، كما يعد انتهاكاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تلزم الدولة المضيفة بمسؤولية حماية البعثات الموجودة بها. وبالتالي، تمثل الاعتداءات إخلالاً بأمن السفارات المصرية.

ويرى مدير مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتور أيمن عبد الوهاب، أن استمرار حملة الاحتجاجات أمام مقار السفارات المصرية يؤكد أن «الهدف مصر، وأن القضية ليست قضية غزة، حيث تستغل جماعة الإخوان المسلمين القضية كعادتها».

وقال عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط» إن «ترك الدول المضيفة للعناصر الإخوانية للتظاهر أمام السفارات المصرية يعد تقصيراً وتخلياً عن مسؤوليتها في حماية البعثات الدبلوماسية»، وتساءل: «لماذا لا تتظاهر هذه العناصر أمام سفارات إسرائيل أو أميركا؟».

وبحسب عبد الوهاب، فإن «القاهرة تحتاج إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً يؤكد فكرة (المعاملة بالمثل)، وتبني خطاب يحمّل الدول المضيفة مسؤولية تأمين السفارات»، مؤكداً أن «استمرار الاحتجاجات أمام السفارات المصرية قد يؤدي إلى استباحة لمقار البعثات الدبلوماسية أمام أي مظاهرات من أي نوع، وبغض النظر عن أسبابها».

وقبل نحو أسبوع، أعرب وزير الخارجية المصري عن «الاستياء البالغ من حادث الاعتداء على مبنى السفارة المصرية في هولندا»، وأكد في اتصال مع نظيره الهولندي، «استياء مصر البالغ من حادث الاعتداء على مبنى السفارة المصرية، ومسؤولية الجانب الهولندي عن عدم تكراره».

وفي رأي أستاذ القانون الدولي العام، الدكتور محمد محمود مهران، فإن «القانون الدولي يلزم الدول المضيفة بتأمين مقار البعثات الدبلوماسية، كما يعطي أي بلد الحق في الدفاع عن مقار بعثاتها الدبلوماسية ضد أي اعتداء».

وقال مهران لـ«الشرق الأوسط» إن «المادة الـ22 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 تنص على أن أماكن البعثة محرمة تماماً، ولا يجوز لأعوان الدولة المعتمد لديها دخولها إلا بموافقة رئيس البعثة»، مؤكداً أن «أي اعتداء على السفارات والبعثات الدبلوماسية يمكن أن يشكل تهديداً للأمن القومي ومساساً بالسيادة، مما يبرر ممارسة حق الدفاع الشرعي وفقاً للمادة الـ51، من ميثاق الأمم المتحدة».

وفي وقت سابق، انتشر في مصر مقطع فيديو مسرب، يظهر فيه وزير الخارجية المصري منفعلاً، ويعطي تعليميات للسفراء بأن «من يحاول وضع قفل على باب السفارة أو وضع دهان (طلاء) عليه، يتم الإمساك به وتكتيفه ووضعه داخل السفارة واستدعاء الشرطة».

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، أن ما يحدث من مظاهرات أمام السفارات المصرية أمر ليس جيداً، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «على مصر أن تتبع الوسائل الدبلوماسية المعتادة، وتتواصل مع الدول التي تسمح بالاعتداء أو التظاهر أمام السفارات وتحميلها مسؤولية توفير الحماية».


مقالات ذات صلة

زفاف «كروان مشاكل» يُسلط الضوء على عالم مشاهير موازٍ في مصر

يوميات الشرق جانب من التزاحم والفوضى في الزفاف (فيسبوك)

زفاف «كروان مشاكل» يُسلط الضوء على عالم مشاهير موازٍ في مصر

أزاح حفل زفاف «التيك توكر كروان مشاكل»، الذي أُقيم بمنطقة شبرا الخيمة (شمال القاهرة) الستار عن عالم موازٍ للمشاهير في مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا ضبط منظومة الامتحانات أولوية حكومية في مصر مع تعدد أساليب الغش المبتكرة (وزارة التربية والتعليم)

«التعليم المصرية» تستنفر مبكراً للحد من أساليب غش مبتكرة بـ«الثانوية العامة»

قبل ما يقرب من 6 أشهر على انطلاق امتحانات «الثانوية العامة» في مصر (شهادة البكالوريا) تعددت اللقاءات على مستويات تنفيذية عليا استعداداً لها

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)

اعتذار علاء عبد الفتاح عن «تدويناته المُحرضة» لم يخفف الهجوم عليه

لم يخفف اعتذار قدمه الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح عبر حساباته بمواقع التواصل بشأن «تدوينات تُحرض على العنف» كتبها سابقاً عبر حساباته، من الانتقادات.

أحمد عدلي (القاهرة)
المشرق العربي  الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً السفير المصري علاء موسى في وقت سابق (الرئاسة اللبنانية)

السفير المصري في بيروت: لا إنذارات أو تحذيرات خفية موجهة إلى لبنان

أكد السفير المصري لدى لبنان علاء موسى أن تنفيذ الاتفاقات والقرارات الدولية يشكّل المدخل الأساسي لتجنيب لبنان مزيداً من التوترات

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق من كواليس تصوير المسلسل (حساب صدقي صخر على «فيسبوك»)

«لا تُرد ولا تُستبدل»... دراما مصرية ترصد قضية التبرع بالأعضاء

يناقش المسلسل المصري «لا تُرد ولا تُستبدل» مشاكل اجتماعية عدة مرتبطة بمرض الفشل الكلوي وصعوبة العثور على متبرعين.

أحمد عدلي (القاهرة )

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.


أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
TT

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لحكمين قضائيين صادرين عن محكمتي استئناف طرابلس وبنغازي، يقضيان بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى بلدية مصراتة.

ويأتي هذا الجدل بعد سبعة أعوام من توقيع اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى سنوات من الصراع والتهجير القسري، الذي تعرض له سكان تاورغاء عقب أحداث عام 2011.

وتضع هذه الشكاوى، حسب مراقبين، مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء الليبي محل تساؤلات، في بلد لا يزال يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مستمراً منذ أكثر من عقد. فقد شهدت ساحات القضاء في طرابلس وبنغازي على مدى شهرين صدور حكمين؛ أولهما عن محكمة استئناف طرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضى بوقف تنفيذ قرار حكومة «الوحدة» في الشق المستعجل من الدعوى، أعقبه حكم ثانٍ صادر مطلع الأسبوع الحالي عن محكمة استئناف بنغازي، قضى بإلغاء القرار نهائياً وقبول الطعن المقدم ضده.

في المقابل، التزمت حكومة الدبيبة الصمت إزاء هذه الأحكام، وباشرت عملياً إجراءات تُفسَّر على أنها تمهيد لتنفيذ قرار الضم، كان آخرها توجيه وزارة الصحة التابعة لحكومة الوحدة في 18 ديسمبر (كانون الأول) طلباً إلى إدارة الصحة في تاورغاء لتسليم مهامها إلى نظيرتها في مصراتة.

هذا السلوك، حسب رؤية عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، مثّل «تجاهلاً صريحاً لأحكام القضاء وتقويضاً لمبدأ الفصل بين السلطات»، محذراً من أنه يقود إلى ما وصفه بأنه «تعزيز للشعور بانزلاق الدولة نحو الفوضى». ورأى الشيباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أي إجراء لاحق لصدور هذين الحكمين يُعد مخالفة قانونية واضحة لأحكام القضاء».

وأوضح النائب الليبي أن بلدية تاورغاء «كيان إداري قائم بذاته منذ عقود»، ومعترف بها منذ عهد النظام السابق، قبل أن تُلغى بقرار إداري في المرحلة الانتقالية، التي أعقبت فبراير (شباط) 2011، ثم أعيد الاعتراف بها عام 2015 عبر مجلس تسييري، رغم ظروف التهجير القاسية التي عاشها سكانها، وفق تعبيره.

مبنى مهجور في مدينة تاورغاء غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان اتفاق المصالحة التاريخي بين مصراتة وتاورغاء، الذي أُبرم برعاية دولية منتصف عام 2018، ونجح في طي عداء استمر قرابة ثماني سنوات، ومهّد لعودة النازحين إلى مدينتهم الواقعة على بُعد نحو 240 كيلومتراً شرق طرابلس.

غير أن قرار ضم تاورغاء إلى مصراتة، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أعاد إشعال التوتر، بعدما نص على تحويل تاورغاء إلى فرع بلدي تابع لمصراتة، وهو ما قوبل برفض واسع من الأهالي، الذين عدوا الخطوة انتقاصاً من استقلاليتهم الإدارية، وتهديداً لحقوقهم القانونية المكتسبة، ودفعهم للجوء للقضاء.

ويستند الطاعنون في قرار حكومة «الوحدة» إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات كانت قد اعتمدت تاورغاء بلديةً مستقلة، بموجب قرارات تنظيم الانتخابات البلدية التي انطلقت عام 2014، في حين صدر قرار ضمها إلى بلدية مصراتة في يوم إجراء الانتخابات نفسها، وفق ما يوضحه لـ«الشرق الأوسط» المحامي زياد أبو بكر هيركة، أحد مقدمي الطعن أمام محكمة استئناف طرابلس، الذي عبّر عن استغرابه من عدم امتثال السلطة التنفيذية للأحكام القضائية.

كما أوضح الشيباني أن إدراج تاورغاء ضمن البلديات المشمولة بانتخابات المجالس البلدية يمثل «اعترافاً رسمياً بتوافر مقومات البلدية من حيث السكان والجغرافيا والبنية الاجتماعية والاقتصادية»، لافتاً إلى أن عدد سكانها يتجاوز 50 ألف نسمة.

من جهته، يرى الناشط الليبي عياد عبد الجليل أن الإشكال «ليس مع مدينة مصراتة، التي تم تجاوز الخلاف معها عبر المصالحة، بل مع الحكومة التي تتجاهل المطالب المشروعة لأهالي تاورغاء، بالحفاظ على بلديتهم المستقلة»، عاداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تجاهل الأحكام القضائية «يعكس استمرار ممارسات تُقوّض استقلالية المؤسسات القضائية».

وفي انتظار ما ستسفر عنه التطورات القضائية، يترقب أهالي تاورغاء حكماً جديداً من محكمة في طرابلس بشأن موضوع الطعن، للفصل النهائي في مصير قرار الضم.

ويقول النائب الشيباني إنهم «ينتظرون صدور الحكم لإحالته إلى رئاسة مجلس النواب، من أجل مخاطبة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء الاقتراع البلدي في تاورغاء»، محذراً من أن «أي تدخل أمني لمنع هذا الاستحقاق سيقابل بمواقف واضحة».

في المقابل، يلوّح المحامي هيركة بما وصفه أنه «مسار قانوني مواز»، مشيراً إلى أن «إصرار الحكومة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية قد يدفع إلى تحريك دعوى جنحة مباشرة ضد رئيس الحكومة بشخصه، لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ».

ورغم هذا المشهد المتوتر، ترى نادية الراشد، العضوة السابقة في المؤتمر الوطني العام، بارقة أمل في صدور الحكمين المتطابقين من بنغازي وطرابلس، عادّةً أن ذلك «يعكس وحدة الموقف القانوني، ويؤكد اختصاص القضاء بعيداً عن العبث السياسي»، مضيفة أن هذه الأحكام «تثبت أن القانون، متى أُتيح له المجال، قادر على تصحيح المسار وحماية استقلالية القضاء».


مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

قال المهندس بدر باسلمة، مستشار الرئيس اليمني، إن المشهد اليمني يمرّ بمحاولة جادة لـ«هندسة عكسية» تستعيد من خلالها الدولة زمام المبادرة، بدعم إقليمي وثيق، وبما يرسّخ منطق القانون والمؤسسات.

ووصف باسلمة القرارات الرئاسية الأخيرة، المتعلقة بالأوضاع في المحافظات الشرقية، بأنها «خطوة مفصلية» تنطوي على دلالات سياسية عميقة تمسّ جوهر بقاء الدولة، على حدّ تعبيره.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأوضح بدر باسلمة، في تصريح خاص، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه القرارات تمثل انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة الرئاسي من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل» والمبادرة، بما يفضي إلى تحصين مركزية القرار السيادي ومنع تفتت الدولة.

وشدّد على أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يشكّل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، مشيراً إلى أن هذا الدعم لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى «ضبط إيقاع» المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول.

ويرى باسلمة أن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، تمرّ بمخاض سياسي دقيق قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة، ويؤسس لنموذج «الدولة الاتحادية» المقبلة.

من «إدارة التوازنات» إلى «سيادة المؤسسات»

ووفقاً للمهندس بدر باسلمة، فإنه «لا يمكن قراءة القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في سياقها الإداري الروتيني فحسب، بل تمثل خطوة مفصلية تنطوي على دلالات سياسية عميقة تتصل بجوهر بقاء الدولة».

وأضاف أن أهمية هذه القرارات تكمن في كونها تُجسّد انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل والمبادرة»، وعَدَّ ذلك «رسالة سياسية بليغة إلى الداخل والخارج مفادها أن الدولة، بمفهومها الدستوري والشرعي، هي صاحبة الكلمة الفصل في إدارة مؤسساتها السيادية، وأنها يجب أن تظل مظلة وطنية جامعة، لا ساحة لتقاسمها أو توظيفها خارج إطار المشروع الوطني الجامع».

ولفت باسلمة إلى أن هذه الخطوة تمثل «بمعناها الأعمق، عملية تحصين لمركزية القرار السيادي، ومنع انزلاق الدولة نحو التفكك أو تحولها إلى جُزر إدارية وأمنية معزولة».

الدور السعودي حجر الزاوية

وأكد بدر باسلمة أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يمثل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، موضحاً أن هذا الدعم «لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى ضبط إيقاع المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول».

وأضاف أن أهمية هذا الدور تتجلى في ترسيخ «قاعدة ذهبية مفادها أن الشراكة لا تعني الاستحواذ»، مشيراً إلى أن الدعم الموجَّه لمجلس القيادة الرئاسي يستهدف خفض التصعيد ومنع فرض سياسات «الأمر الواقع» بقوة السلاح، ولا سيما في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية مثل حضرموت والمهرة.

وتابع أن المملكة، من خلال هذا النهج، «تعيد رسم الخطوط الحمراء التي تضمن بقاء جميع الأطراف تحت مظلة الدولة»، وتدفع القوى السياسية نحو طاولة الحوار بوصفه الخيار الوحيد، بدلاً من «مغامرات غير محسوبة قد تُهدد الأمن الإقليمي والنسيج الاجتماعي اليمني».

المحافظات الشرقية... ملامح الدولة المقبلة

ويقول بدر باسلمة إن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، باتت، اليوم، تمثّل «الرقم الصعب» في المعادلة اليمنية، وتعيش مخاضاً سياسياً قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة.

وأضاف باسلمة أن «القراءة المتفحصة للمشهد تشير إلى تنامي الوعي المجتمعي والسياسي في هذه المحافظات، باتجاه رفض التبعية المطلقة أو الاستقطاب الحاد»، موضحاً أن ما يجري في حضرموت «لا يندرج في إطار حراك مناطقي عابر، بل يندرج في سياق تأسيس لنموذج الدولة الاتحادية المقبلة».

وأشار إلى أن هذه المحافظات تسعى لانتزاع حقوقها في إدارة شؤونها وتأمين أراضيها، «من خلال تشكيلات وطنية، مثل قوات درع الوطن، وذلك تحت مظلة الشرعية الدستورية»، لافتاً إلى أن المؤشرات الراهنة توحي بأن خيار «الضم والإلحاق القسري» تراجع لصالح مسار يتجه نحو صيغة توافقية تضمن للأقاليم خصوصيتها الإدارية والأمنية ضمن يمن موحد واتحادي.

مسلَّح من أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» (أ.ف.ب)

وختم باسلمة حديثه بالقول إن «اليمن يشهد، اليوم، محاولة جادة لـ(هندسة عكسية) للمشهد، فبدلاً من أن تفرض الفصائل واقعها على الدولة، تسعى الدولة، بدعم إقليمي وثيق، إلى استعادة زمام المبادرة وفرض منطق القانون والمؤسسات».

وأضاف أن هذه العملية «تمثل معركة نفَس طويل تتطلب قدراً عالياً من الحكمة السياسية»، مؤكداً أن «الرابح فيها هو مَن ينحاز لمنطق الدولة ومصالح المواطنين»، مستنداً في ذلك إلى «الشرعية الدولية والغطاء العربي الداعم».