إشادات أميركية بـ«مرونة» روسيا في التفاوض لإنهاء الحرب

زيلينسكي يحيي ذكرى الاستقلال ويشدد على أهمية انتشار قوات حليفة لأوكرانيا بعد وقف النار

رئيس الوزراء الكندي مارك كارني ينضم إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وزوجته أولينا زيلينسكا أثناء مشاركتهما مراسم إحياء ذكرى الاستقلال في كييف الأحد (أ.ب)
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني ينضم إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وزوجته أولينا زيلينسكا أثناء مشاركتهما مراسم إحياء ذكرى الاستقلال في كييف الأحد (أ.ب)
TT

إشادات أميركية بـ«مرونة» روسيا في التفاوض لإنهاء الحرب

رئيس الوزراء الكندي مارك كارني ينضم إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وزوجته أولينا زيلينسكا أثناء مشاركتهما مراسم إحياء ذكرى الاستقلال في كييف الأحد (أ.ب)
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني ينضم إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وزوجته أولينا زيلينسكا أثناء مشاركتهما مراسم إحياء ذكرى الاستقلال في كييف الأحد (أ.ب)

أفاد نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، الأحد، بأن روسيا قدمت «تنازلات مهمة» وأظهرت مرونة حيال التوصل إلى تسوية تُنهي حربها مع أوكرانيا، عقب القمة التي جمعت الرئيس دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. وجاءت تصريحات فانس تزامناً مع زيارة المبعوث الأميركي كيث كيلوغ إلى كييف للمشاركة في إحياء أوكرانيا ذكرى الاستقلال، إلى جانب مسؤولين يتقدمهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني.

الرئيس ترمب ونائبه في المكتب البيضاوي في 22 أغسطس بعد الإعلان عن قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (إ.ب.أ)

وقال فانس لشبكة «إن بي سي» الأميركية: «أعتقد أن الروس قدموا تنازلات مهمة للرئيس ترمب للمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام ونصف العام في هذا النزاع... وأبدوا استعداداً لإظهار مرونة بخصوص عدد من مطالبهم الأساسية». وكان ترمب قد التقى بوتين في ألاسكا في 15 أغسطس (آب)، واستقبل بعدها بأيام زيلينسكي وقادة أوروبيين في واشنطن. وشدد فانس على أن موسكو «تناقش ما هو مطلوب لوضع حد للحرب» التي بدأت بالهجوم الروسي الواسع على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

«ليست في مصلحة أحد»

وتابع فانس أنه لا حديث عن الضمانات الأمنية لأوكرانيا إلا بعد انتهاء الحرب وأن الروس سيكون لهم دور في ذلك. ويبدو هذا الموقف متقاطعاً مع موقف كييف والدول الأوروبية الحليفة. وأكد فانس أن الولايات المتحدة «تحاول التفاوض قدر الإمكان مع الروس والأوكرانيين من أجل إيجاد أرضية مشتركة ووقف القتل»، مشدداً على أن ترمب يسعى إلى اعتماد دبلوماسية نشطة مع الطرفين لوضع حد للنزاع. ورأى فانس أن «الحرب ليست في مصلحة أحد. ليست في مصلحة أوروبا ولا الولايات المتحدة، ولا نعتقد أن لروسيا أو أوكرانيا مصلحة في استمرارها». وبينما أكد الرئيس الأميركي أنه يعمل على جمع نظيريه الروسي والأوكراني، تراجعت حظوظ عقد اجتماع كهذا في الأيام الأخيرة. وشدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، السبت، على عدم وجود «خطة» لذلك في الفترة الراهنة. واتّهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأحد، الدول الغربية بالسعي إلى «تعطيل» المفاوضات الرامية لوضع حد للحرب في أوكرانيا، في وقت وصلت الجهود الدبلوماسية لحلّ النزاع إلى طريق مسدود. وقال لافروف في مقابلة بثتها القناة الروسية العامة، الأحد، على «تلغرام»: «كلّ ما يقومون به هو البحث عن ذرائع لتعطيل المفاوضات»، مندّداً بموقف الرئيس زيلينسكي الذي «يتعنّت ويضع شروطاً ويطالب باجتماع فوري بأي ثمن» مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. كما اتّهم لافروف السلطات الأوكرانية بـ«السعي لتعطيل عملية أسّس لها الرئيسان بوتين وترمب وأثمرت عن نتائج جيّدة جداً». وأضاف: «نأمل أن يتم إحباط هذه المحاولات».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث بمناسبة ذكرى استقلال بلاده في العاصمة كييف الأحد (إ.ب.أ)

«انتشار قوات بعد وقف النار»

واحتفل الرئيس الأوكراني، الأحد، بيوم استقلال بلاده بحضور المبعوث الأميركي كيلوغ ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني الذي قال إن كييف ستحصل الشهر المقبل على مساعدات عسكرية بأكثر من مليار دولار كندي (723 مليون دولار) ضمن حزمة أُعلنت في وقت سابق. وشدد زيلينسكي أمام حشد من الشخصيات المرموقة في ساحة صوفيا بكييف على «أهمية» انتشار قوات حليفة في بلاده بعد وقف إطلاق النار. وقال الرئيس الأوكراني: «نعمل جميعاً لضمان أن يكون انتهاء هذه الحرب ضماناً للسلام لأوكرانيا، حتى لا يرث أبناؤنا الحرب أو خطرها». وخاطب زيلينسكي، كيلوغ قائلاً: «تحدونا الرغبة في (تحقيق) السلام». لكنه أكد أن الأوكرانيين سيقاتلون من أجل البقاء على أرضهم. وبدوره، قال كارني إنه لا يستبعد إرسال قوات كندية إلى أوكرانيا في إطار الضمانات الأمنية المقترحة مستقبلاً، والتي تعمل كييف وحلفاؤها حالياً على وضع إطارها.

العلم الأوكراني يرفرف فوق مبنى البرلمان في كييف الأحد الموافق للذكرى الرابعة والثلاثين لاستقلال البلاد عن الاتحاد السوفياتي عام 1991 (إ.ب.أ)

استهداف محطة للطاقة النووية

وجاءت هذه التصريحات تزامناً مع شن أوكرانيا موجة من الضربات بمسيّرات على روسيا؛ ما تسبب في اندلاع حريق في محطة للطاقة النووية. ووصلت الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، والتي أودت بعشرات الآلاف، إلى طريق شبه مسدود، علماً بأن روسيا تمكنت مؤخراً من إحراز تقدم بطيء، وسيطرت، السبت، على قريتين في منطقة دونيتسك (شرق). وردت أوكرانيا، الأحد، بإطلاق مسيّرات على الأراضي الروسية أسقطت إحداها فوق محطة كورسك للطاقة النووية في غرب روسيا، وانفجرت عند الاصطدام لتتسبب باشتعال حريق بحسب المنشأة. وأعلنت المحطة عن إخماد الحريق مؤكدة عدم وقوع إصابات أو زيادة في مستويات الإشعاع. وكثيراً ما حذّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مخاطر القتال حول محطات الطاقة النووية عقب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022. وأعلنت السلطات الروسية إسقاط طائرات مسيّرة أوكرانية أيضاً فوق مناطق بعيدة أحياناً عن خط المواجهة، بما في ذلك سان بطرسبرغ بشمال غربي روسيا. وكتب حاكم المنطقة ألكسندر درودجينكو على تطبيق «تلغرام»: «أُسقطت عشر طائرات مسيّرة فوق ميناء أوست لوغا على خليج فنلندا، ما أدى إلى اندلاع حريق في محطة وقود مملوكة لمجموعة نوفاتيك الروسية للطاقة». كما قال القائم بأعمال حاكم منطقة روستوف الروسية إن الحريق المندلع في مصفاة نوفوشاختينسك استمر، الأحد، لليوم الرابع بعد ضربة أوكرانية بطائرات مسيّرة. وكانت أنباء قد وردت الخميس عن عن اندلاع حريق في مصفاة نوفوشاختينسك التي تخصص معظم إنتاجها للتصدير وتبلغ طاقتها الإنتاجية السنوية نحو خمسة ملايين طن من النفط، أو ما يعادل نحو 100 ألف برميل يومياً. ويعتمد جيش أوكرانيا، الأصغر حجماً والأكثر تسليحاً، بشكل كبير على الطائرات المسيّرة للرد على الغزو الروسي مستهدفاً بشكل خاص بنى تحتية نفطية لضرب مصدر رئيسي لإيرادات موسكو لتمويل الحرب. وشهدت روسيا ارتفاعاً حاداً في أسعار الوقود منذ بدء الهجمات. من ناحيتها أعلنت أوكرانيا أن روسيا هاجمتها خلال ليل السبت - الأحد بصاروخ باليستي و72 طائرة هجومية مسيّرة إيرانية الصنع من طراز «شاهد»، أُسقط 48 منها بحسب سلاح الجو. وقُتلت امرأة تبلغ 47 عاماً في منطقة دنيبروبيتروفسك شرقي البلاد، وفق الحاكم.

تجمع نظمته منظمات أوكرانية وسط لندن الأحد بمناسبة ذكرى استقلال أوكرانيا (رويترز)

تبادل أسرى حرب

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنّ موسكو وكييف تبادلتا 146 أسير حرب من كل من الطرفين، الأحد، في آخر تبادل بعد سلسلة من العمليات شهدت إطلاق سراح مئات أسرى الحرب هذه السنة. وقالت الوزارة في منشور عبر تطبيق «تلغرام»: «في 24 أغسطس، عاد 146 عسكرياً روسياً من الأراضي التي تسيطر عليها كييف، مضيفة في المقابل، أنه «تمّ نقل 146 أسير حرب من القوات المسلّحة الأوكرانية» إلى أوكرانيا.



زيلينسكي: نشعر أن أميركا ترغب في التوصل لاتفاق نهائي لإنهاء الحرب

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
TT

زيلينسكي: نشعر أن أميركا ترغب في التوصل لاتفاق نهائي لإنهاء الحرب

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن بلاده تشعر أن الولايات المتحدة ترغب في التوصل إلى اتفاق نهائي لإنهاء الحرب مع روسيا، مضيفاً أن الجانب الأوكراني يتعاون معها بشكل كامل.

وأضاف زيلينسكي في كلمة نشرها على حسابه على منصة «إكس»: «أوكرانيا لم تكن، ولن تكون أبداً، عقبة في طريق السلام. نعمل بنشاط ونبذل كل ما هو ضروري لضمان إنجاز الوثائق وأن تكون واقعية».

وأشار الرئيس الأوكراني إلى أنه من الضروري «أن تمتنع روسيا عن تخريب هذه الجهود الدبلوماسية، وأن تتعامل مع إنهاء الحرب بجدية تامة، وإذا لم تفعل ذلك، فلا بد من ممارسة ضغوط إضافية عليها».

كان زيلينسكي قد قال في وقت سابق اليوم إن المفاوضات الجارية حالياً بشأن الحرب يمكن أن تُحدث تغييراً جذرياً في الوضع، مؤكداً ضرورة ضمان ممارسة الضغط المناسب على روسيا من أجل السلام.

وعبر زيلينسكي عن امتنانه للدعم الذي تقدمه أوروبا لأوكرانيا في اتصال هاتفي مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قائلاً إن قرار المجلس الأوروبي الأسبوع الماضي بتقديم مساعدات مالية لأوكرانيا بقيمة 90 مليار يورو «أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا».


بريطانيا: إدانة رجلين بالتآمر لقتل مئات اليهود مع تصاعد المخاوف من «داعش»

صورة التقطتها كاميرا مراقبة لوليد سعداوي وعمار حسين في مدينة دوفر الساحلية جنوب شرقي إنجلترا (رويترز)
صورة التقطتها كاميرا مراقبة لوليد سعداوي وعمار حسين في مدينة دوفر الساحلية جنوب شرقي إنجلترا (رويترز)
TT

بريطانيا: إدانة رجلين بالتآمر لقتل مئات اليهود مع تصاعد المخاوف من «داعش»

صورة التقطتها كاميرا مراقبة لوليد سعداوي وعمار حسين في مدينة دوفر الساحلية جنوب شرقي إنجلترا (رويترز)
صورة التقطتها كاميرا مراقبة لوليد سعداوي وعمار حسين في مدينة دوفر الساحلية جنوب شرقي إنجلترا (رويترز)

أُدين رجلان، اليوم (الثلاثاء)، بالتآمر لقتل المئات من أفراد الجالية اليهودية في إنجلترا بهجوم مسلح مستوحى من ​هجمات تنظيم «داعش»، ويقول محققون إنه هجوم مخطط ويُظهر الخطر المتجدد الذي يمثله التنظيم المسلح.

وقالت الشرطة والمدعون العامون إن وليد سعداوي (38 عاماً) وعمار حسين (52 عاماً) متطرفان أرادا استخدام أسلحة نارية آلية لقتل أكبر عدد ممكن من اليهود في محيط مدينة مانشستر.

وقال روبرت بوتس، مساعد رئيس الشرطة والمسؤول عن شرطة مكافحة الإرهاب في شمال غربي إنجلترا، إنه لو نُفذت خططهما لكان الهجوم «من أكثر الهجمات الإرهابية المميتة في تاريخ بريطانيا إن لم يكن أكثرها فتكاً».

تأتي إدانتهما ⁠بعد أيام من إطلاق نار جماعي خلال احتفال بعيد الحانوكا ‌على شاطئ بونداي في سيدني ‍والذي أودى بحياة ‍15 شخصاً.

وقال تنظيم «داعش» إن الهجوم ‍الأسترالي «مصدر فخر». وعلى الرغم من أن التنظيم المتشدد لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم، فقد أثار تعليقه هذا مخاوف من زيادة العنف الذي ينفذه متطرفون.

أسلحة ضُبطت لدى وليد سعداوي (رويترز)

ورغم أن ​«داعش» لم يعد يشكل التهديد نفسه الذي كان يمثله قبل عقد حين سيطر ⁠على مناطق واسعة في العراق وسوريا، فإن مسؤولي الأمن الأوروبيين يحذرون من أن التنظيم والجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة» تسعى مجدداً لتصدير العنف إلى الدول الأخرى وتحريض مهاجمين محتملين عبر الإنترنت.

وقالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر، الأسبوع الماضي: «يمكنك أن ترى مؤشرات على أن بعض تلك التهديدات الإرهابية بدأت تنمو من جديد وتزداد».

وقال المدعون العامون البريطانيون لهيئة المحلفين إن سعداوي وحسين «اعتنقا آراء» تنظيم «داعش» وكانا على استعداد للمخاطرة بحياتهما من أجل أن يصبحا «شهيدين».


تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
TT

تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)

يعود آخر اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي ونظيره الروسي بمبادرة من الأول إلى يوم الثلاثاء في 1 يوليو (تموز) الماضي. وقتها، أفاد قصر الإليزيه بأن الاتصال دام أكثر من ساعتين، وتركز بشكل خاص على الملف النووي الإيراني، وذلك بعد أيام قليلة على الضربات الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت المنشآت النووية والخبراء وأعضاء في القيادات العسكرية الإيرانية.

لكن الاتصال تطرق أيضاً للحرب في أوكرانيا. ووفق الإليزيه، فقد كان أشبه بـ«حوار طرشان» للتمايز العميق في مقاربة الطرفين. ورغم ذلك، أفاد بيان الإليزيه بأن ماكرون وبوتين «قررا استكمال التواصل بينهما حول هذه النقطة».

كان ماكرون الوحيد بين القادة الغربيين، باستثناء الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الذي كسر قاعدة فرض العزلة الدبلوماسية على بوتين رغم أنه، في العامين الأخيرين، سعى لتزعم الجناح المتشدد في التعاطي مع روسيا، إن لجهة فرض العقوبات المالية والاقتصادية عليها، أو في دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً، أو في الدعوة إلى إنشاء «تحالف الراغبين» في إرسال وحدات عسكرية ترابط على الأراضي الأوكرانية لـ«ردع» روسيا عن مهاجمة جارتها أوكرانيا بعد التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية.

كذلك، سعى ماكرون ليكون «مرجعاً» للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي دعاه إلى باريس ثلاث مرات في الآونة الأخيرة ووقَّع معه «مذكرة تفاهم» لتزويد أوكرانيا بمائة طائرة مقاتلة من طراز «رافال» من الجيل الرابع.

الرئيس الأركاني فولوديمير زيلينسكي محاطاً في برلين بقادة أوروبيين وبأمين عام الحلف الأطلسي والمفاوضين الأميركيين في ملف الحرب الأوكرانية 15 ديسمبر (إ.ب.أ)

يغرّد خارج السرب الأوروبي

مرة أخرى، يغرّد ماكرون خارج السرب الأوروبي. ففي المؤتمر الصحافي، الذي عقده عقب انتهاء القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل التي أقرَّت قرضاً لأوكرانيا قيمته 90 مليار يورو، فاجأ ماكرون جميع الحاضرين بدعوته إلى معاودة الحوار المباشر مع بوتين. وبرر دعوته بقوله: «أرى أن هناك أشخاصاً يتحدثون إلى فلاديمير بوتين؛ لذا أعتقد أنه من مصلحتنا نحن الأوروبيين والأوكرانيين إيجاد إطار لإعادة فتح هذه المناقشة بشكل رسمي وإلا سنظل نناقش الأمور فيما بيننا، بينما يتفاوض المفاوضون وحدهم مع الروس. وهذا ليس مثالياً».

وكان ماكرون يشير إلى الرئيس الأميركي الذي لا يجد غضاضة في الاجتماع مع بوتين وجهاً لوجه كما حصل في ألاسكا، أو التواصل معه هاتفياً أكثر من مرة. وجاء الرد من الرئيس الروسي سريعاً؛ إذ قال يوم الأحد، بمناسبة مؤتمره الصحافي السنوي، إنه «مستعد للحوار» مع ماكرون. لذا؛ سارعت مصادر الرئاسة الفرنسية إلى القول إنه «من المرحّب به أن يمنح الكرملين موافقته العلنية على هذه المبادرة. سننظر خلال الأيام المقبلة في أفضل طريقة للمضي قدماً».

ولأن مبادرة ماكرون جاءت مفاجئة، فإن مصادر الإليزيه حرصت على الرد سلفاً على أي انتقادات بتأكيدها أن «أي نقاش مع موسكو سيتم بكل شفافية» مع زيلينسكي ومع الأوروبيين، وأن هدفها يظل التوصل إلى «سلام متين ودائم» للأوكرانيين. وفي معرض تبريره غياب الحوار مع ورسيا، قال قصر الإليزيه: «إن غزو أوكرانيا وإصرار الرئيس بوتين على الحرب وضعا حداً لأي إمكانية للحوار خلال السنوات الثلاث الماضية». أما توقيت استئنافه، فإنه سيحصل بمجرد أن تتضح ملامح وقفٍ لإطلاق النار و(انطلاق) مفاوضات سلام، (عندها) يصبح من المفيد مجدداً التحدث إلى بوتين».

الرئيس الأوكراني وجهاً لوجه مع الرئيسين الأميركي والفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني في البيت الأبيض 18 أغسطس (أ.ب)

مبررات مبادرة ماكرون

تقول مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس إن مبادرة ماكرون تعكس، وإن جاءت متأخرة، قلقاً فرنسياً - أوروبياً مما هو جارٍ على صعيد الوساطة التي تتفرد الولايات المتحدة بين روسيا وأوكرانيا. ورغم نجاح الأوروبيين في حجز مقعد لهم في الأسابيع الأخيرة، فإنهم يستشعرون رغبة أميركية في استبعادهم عنها. ثم جاء كلام ترمب لموقع «أطلنتيكو» الأسبوع الماضي صادماً؛ إذ قال فيه إن الأوروبيين «يتحدثون كثيراً ولا يفعلون شيئاً، والدليل أن الحرب ما زالت قائمة...». كذلك، نددت تولسي غابارد، مديرة المخابرات الوطنية الأميركية بالأوروبيين وذلك في تغريدة على منصة «إكس» الأسبوع الماضي أيضاً؛ إذ اتهمتهم واتهمت الحلف الأطلسي بـ«تصعيد الحرب وسعيهم لاجتذاب الولايات المتحدة في نزاع مباشر مع روسيا». وإضافة إلى ما سبق، تتساءل المصادر المشار إليها: «لماذا لا يحق للأوروبيين أن يتناقشوا مع بوتين، خصوصاً أنهم هم من يتحمل عبء الحرب من خلال دعم كييف بينما قطعت واشنطن عنها المساعدات عنها» لتضيف أن مصير الحرب يمس أمن وسلامة دول الاتحاد الأوروبي والقارة القديمة بشكل عام؛ ولذا من الضروري والمهم أن يكون هناك حوار مباشر وليس بالواسطة مع بوتين.

لم تنزل مبادرة ماكرون برداً وسلاماً على شركائه في الاتحاد الأوروبي، لا على زيلينسكي ولا على المستشار الألماني الذي يريد أن يلعب دور الزعيم الأوروبي في مواجهة روسيا. واكتفى شتيفن ماير، نائب الناطق باسم الحكومة الألمانية، بالقول إن الحكومة «أٌحيطت علماً» بمبادرة ماكرون، مضيفاً أنه «لا توجد مخاوف من تصدع الوحدة الأوروبية بسبب هذا الملف».

ماكرون ونابليون بونابرت

يؤخذ على ماكرون أمران أساسيان: الأول، تغير نهجه من السعي لممارسة أقصى الضغوط على روسيا وبوتين إلى الانتقال إلى الحوار معه مع وجود كثير من التحفظات حول ما يمكن أن يحصل عليه ولم يحصل عليه المفاوض الأميركي؛ والآخر، أن ماكرون كسر الجدار الأوروبي والعزلة الدبلوماسية المُحكمة التي أقيمت حول بوتين؛ فهو بمبادرته يوفر له الفرصة للعب على الانقسامات الداخلية الأوروبية وعلى افتراق الرؤى مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي ببروكسل عقب انتهاء القمة الأوروبية حيث أعلن انفتاحه على محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

وكتبت صحيفة «لو موند» في عددها ليوم الاثنين، أن زيلينسكي اعترف بأن ماكرون ناقش معه مبادرته، وأنه أبدى تحفظات بشأنها. كذلك نقلت عن دبلوماسي أوروبي قوله: «الجميع في أوروبا يدرك أنه سيتعيّن في يومٍ ما التحدث إلى بوتين، ولا سيما إذا ما فشلت الوساطة الأميركية. أما ما سيكون معقداً، فهو مسألة الإطار الأنسب لإجراء هذه المناقشات، هل يكون ذلك ضمن صيغة (الترويكا الأوروبية) أم في إطار أوسع». وتضم «الترويكا» فرنسا وألمانيا وبريطانيا. ويعني هذا التساؤل ما إذا كان ماكرون سيتحدث باسم فرنسا أم أنه سينال تفويضاً من زيلينسكي ومن نظرائه الأوروبيين للتحدث باسمهم؟

لا شك أن هناك تنافساً بين قادة «الترويكا» الثلاثة وإن بقي مضمراً. وفي أي حال، يبدو من المبكر التكهن بما قد يحصل في الأيام والأسابيع المقبلة، وما ستكون عليه الصيغة التي يريدها بوتين الذي لم يتردد، في مؤتمره الصحافي الأخير عن وصف القادة الأوروبيين بـ«صغار الخنازير». أما الصحافة الروسية، فإنها لا تتردد بتذكير ماكرون بالهزيمة التي ألحقتها روسيا القيصرية بالإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي غزا روسيا عام 1812، حيث خسر جيشه الجرار وكانت تلك المغامرة بداية سقوطه.