في زمن مقاطع «الإنستغرام» السريعة وفيديوهات «تيك توك» المنتشرة والبلوغرز الذين يوثقون تجاربهم عبر منصات التواصل الاجتماعي و«اليوتيوب»، أصبح مصير مطعم ما في كثير من الأحيان مرهوناً برأي شخص واحد. منشور إيجابي يمكن أن يحوّل مطعماً صغيراً في أحد الأحياء إلى وجهة يتهافت عليها الناس، بينما قد يتسبب تعليق سلبي، حتى من شخص ليست لديه أي خبرة مهنية في تقييم الطعام، في إفراغ قاعاته خلال أيام.
وسائل التواصل قلبت موازين النقد. في السابق، كان النقاد المتخصصون في الصحف والمجلات هم المرجع، أما اليوم فيكفي مقطع مدته 30 ثانية من مؤثر مشهور ليصل صداه إلى ملايين الأشخاص في غضون ساعات.

ولجذب جمهور جديد، تسعى العديد من المطاعم لعقد شراكات مع هؤلاء المؤثرين، عبر دعوات لتجربة الطعام مجاناً أو حتى مقابل أجر، على أمل أن يؤدي ذلك إلى انتشار اسم المطعم وزيادة الإقبال عليه.
في تجربة تعكس حجم التأثير الرقمي، قام مطعم «Kis Cafe» في حي «هايز فالي» بسان فرانسيسكو بإغلاق أبوابه بعد انتشار فيديو «على تيك» توك لمؤثرة تُدعى Karla (@itskarlabb)، ذات 15 ألف متابع آنذاك.
https://www.tiktok.com/@itskarlabb/video/7530126495008689422
بدأت القصة خلال زيارة كارلا للمطعم للترويج له، فحين عرف الطاهي بأن عدد متابعيها ليس كبيراً أحرجها أمام الزبائن، بعدما قام بتشغيل أحد فيديوهاتها بصوت عال معلقاً بأن ابنته لديها 600 ألف متابع، وطرح عليها أسئلة مزعجة على مسمع الحاضرين مثل: «من نسق لزيارتك؟ هل لديك أي فكرة عن هذا المطعم؟». خرجت المؤثرة من المطعم وهي باكية، فتحت خاصية الـ«لايف» التي استطاعت من خلاله مشاركة تجربتها المحرجة مباشرة مع جمهورها واشتكت من طريقة تعامل الطاهي في المطعم لها ووصف متابعيها بأنهم قليلو العدد وليسوا على المستوى المادي المناسب لزيارة مطعمه وتناول الطعام فيه، ولاقى البث الحي لكارلا ردة فعل غير مسبوقة من المتابعين وغير المتابعين مما أدى إلى زيادة متابعتها بعد دقائق معدودة ليصل العدد إلى أقل من مليون بقليل.

لم تنته القصة هنا بل تفاقمت وكانت النتيجة انهيار تقييمات «غوغل» للمطعم، حيث انخفضت إلى نجمة واحدة، مما أرغم الطاهي على تقديم الاعتذار ثم ترك عمله، وقامت صاحبة المطعم هي الأخرى بتقديم اعتذار علني من خلال كتابة تغريدة تطلب من كارلا تفهم الوضع، ولم تكف تلك الاعتذارات لأن ما حصل أدى إلى إقفال المطعم المؤقت الذي تحول فيما بعد إلى إقفال دائم.
ولا يزال اعتذار الشيف لوك سانغ موجوداً على صفحة المطعم «المعلق» على «إنستغرام»، وكتب على رأس الصفحة بأن المطعم قد أقفل أبوابه.
هذه القصة إذا دلت على شيء فهي تدل على قوة المؤثر الرقمي حتى لو كان صغيراً، وتبين أيضاً أن احترام المؤثر هو احترام للمستهلك وأن «عدد المتابعين» لا يساوي قيمة الاحترام.
خلاصة القصة: قوة المؤثر الرقمي - حتى لو كان صغيراً - تكمن في المصداقية والصدق. وتبيّن أن احترام المؤثر هو احترام للمستهلك، وأن «عدد المتابعين» لا يساوي قيمة الاحترام.
بالنسبة لبعض المطاعم، يمكن أن تكون النتيجة مذهلة:
زيادة هائلة في عدد الزبائن، أحياناً تفوق قدرة المطبخ على الاستيعاب.
انتشار واسع للعلامة التجارية خارج نطاق السوق المحلية.
فرص للنمو والتوسع بفضل الشهرة المكتسبة.
عندما ينقلب السحر على الساحر
القوة نفسها التي تجلب الزبائن يمكن أن تنفرهم أيضاً. فمقطع قصير يصف طبقاً بأنه «باهظ الثمن» أو «مخيّب للآمال» قد ينتشر بسرعة ويزرع فكرة سلبية لدى الجمهور قبل أن يتاح للمطعم الرد أو التوضيح.
الأمر يصبح أكثر خطورة عندما:
يكون المؤثر غير ملم بأساسيات المطبخ أو تقاليد الطبق.
يغيب عن المراجعة السياق الكامل لفكرة المطعم أو نوع المأكولات.
يثق الجمهور برأي المؤثر ثقة عمياء دون التحقق من مصادر أخرى.
في بعض الحالات، تسببت مراجعة واحدة سيئة في موجة إلغاءات وخسائر مالية كبيرة، وانتهى الأمر بإغلاق المطعم نهائياً.
قد تكون للمؤثر القدرة على النقد، إلا أنه هو الآخر يقع عرضة للانتقادات خاصة ومعظمهم لا يمتلك خلفية احترافية في تقييم المأكولات. فقد يصفون نكهات مميزة بأنها «غريبة» أو «سيئة» لمجرد أنها جديدة على ذائقتهم. وقد يعدون الأسعار مبالغاً فيها دون النظر إلى تكلفة المكونات أو أسلوب التحضير أو حتى المعايير الصحية التي يلتزم بها المطعم.
ومع أن للمؤثر الحق في إبداء رأيه، فإن حجم التأثير الذي تملكه كلماته يجعل مسؤوليته أكبر مما يتصور.
المسؤولية المشتركة
على المؤثرين:
توضيح أي تعاون مدفوع أو دعوة مجانية.
البحث وفهم طبيعة المطبخ وفلسفة الشيف قبل التقييم.
تقديم نقد بنّاء بدلاً من الإثارة من أجل المشاهدات.
على المطاعم:
اختيار المؤثرين بعناية ومراجعة أسلوبهم وجمهورهم.
الاستعداد لردود الفعل الإيجابية والسلبية على حد سواء.
تشجيع العملاء على كتابة تقييماتهم في منصات متعددة لخلق صورة أكثر توازناً.
قوة التأثير على وسائل التواصل في عالم الطعام اليوم لا يمكن إنكارها لكنها أيضاً سلاح ذو حدين. منشور واحد قد يرفع مطعماً إلى قمة الشهرة أو يدفعه نحو الإغلاق، خاصة إذا كان الرأي مبنياً على ذوق شخصي أكثر من كونه تقييماً مهنياً. ولهذا، فإن الشراكات بين المطاعم والمؤثرين تحتاج إلى وعي متبادل، واحترام للمهنة، وإدراك بأن وراء كل طبق، جهوداً وأرزاقاً يجب الحفاظ عليها.










