«الدَّين العام» يصدم الليبيين ويجدد الحديث عن «فواتير الانقسام»

القفزة الفلكية في الديون الداخلية انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين ومدخراتهم

رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» في لقاء مع محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى بالعاصمة طرابلس (المركزي الليبي)
رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» في لقاء مع محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى بالعاصمة طرابلس (المركزي الليبي)
TT

«الدَّين العام» يصدم الليبيين ويجدد الحديث عن «فواتير الانقسام»

رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» في لقاء مع محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى بالعاصمة طرابلس (المركزي الليبي)
رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» في لقاء مع محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى بالعاصمة طرابلس (المركزي الليبي)

يعيش الليبيون على وقع «صدمة شديدة» بعد إعلان «المصرف المركزي» في طرابلس عن تجاوز أرقام «الدين العام المحلي» 284 مليار دينار، تراكمت على مدار 11 عاماً، فيما عدّه خبراء «فاتورة باهظة» للانقسام السياسي. (الدولار يساوي 5.42 دينار في السوق الرسمية و7.79 دينار في الموازية).

ويبدو أن القفزة الفلكية في ديون ليبيا الداخلية انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين ومدخراتهم، وفق رؤية رئيس المؤسسة الوطنية للإعلام في طرابلس، عبد الرازق الداهش، الذي ضرب مثلاً على ذلك «باضطرار قطاعات واسعة من الليبيات لبيع مقتنياتهن من الذهب».

القفزة الفلكية في ديون ليبيا الداخلية انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين ومدخراتهم (أ.ف.ب)

من جهته، يستنتج الخبير والمحلل المالي، الدكتور خالد الزنتوتي، بحسب حسابات أجراها، أن كل مواطن ليبي «مدين بنحو 40 ألف دينار حسب الأرقام الأخيرة، وهذا يعني أن العائلة المكونة من متوسط 5 أفراد مدينة بنحو 200 ألف دينار».

ومع استشعار مخاطر تراكمات «الدين العام»، التي كشفها «المركزي»، سارع مجلس النواب (شرق) إلى إقرار مشروع قانون يقضي بتسوية الدين العام حتى نهاية مايو (أيار) الماضي، في ختام جلسة عاصفة منتصف الأسبوع الماضي، شهدت اعتراضات برلمانية، ولم يتوقف بعدها الجدل.

تداعيات الانقسام السياسي

الملاحظ أن الانقسام السياسي بات هو المتهم الرئيسي في إثقال كاهل الدولة الليبية بالدين العام، خصوصاً مع إقرار رئيس لجنة المالية بمجلس النواب، عمر تنتوش، بأن القانون يخص الديون المتراكمة على الحكومات لدى المصرف المركزي والمصارف منذ عام 2014.

ويحمّل اقتصاديون، ومن بينهم الزنتوتي، النائب السابق لرئيس المصرف الليبي الخارجي، «الانقسام السياسي» مسؤولية تراكم الدين العام في ليبيا، وفق ما قال لـ«الشرق الأوسط»، مبرزاً أن «كل طرف سياسي يفسر الدين العام، ويحدد كيفية الحصول عليه بطريقته الخاصة». ويذهب إلى الاعتقاد أن هذا التراكم للدين العام «غير قانوني، ومخالف للمعايير الدولية»، مستنداً في ذلك إلى أرقام سبق أن أعلنها مسؤولون «تكشف ارتفاع الدين بنحو 50 في المائة خلال سنتين».

عبد الرازق الداهش تحدث عن اضطرار قطاعات واسعة من الليبيات لبيع مقتنياتهن من الذهب لتأمين حاجياتهن اليومية (أ.ف.ب)

ويبدو طبيعياً أن تلجأ الحكومات إلى الاقتراض من المصارف، عبر أدوات مصرفية مثل «السندات» و«أذونات الخزانة» لمواجهة عجز الإيرادات العامة عن تغطية النفقات العامة. لكن الزنتوتي يرى أن الحالة الليبية اتجهت إلى «الإنفاق الاستهلاكي، دون خطة واضحة للسداد، أو حتى ضبط للإنفاق، ودون مردود على الاقتصاد الوطني».

مأزق الدين الحكومي

في مواجهة مأزق الدين الحكومي، حظر التشريع البرلماني الجديد على الخزانة العامة الاقتراض من الخارج، أو الداخل، أو إصدار صكوك جديدة، وقرر خصم 3 في المائة من الإيرادات العامة من النفط والغاز والضرائب مباشرة لصالح المصرف المركزي، إلا أن هذا القانون لا يبدو كافياً في نظر محللين. وبحسب وجهة نظر الخبير الاقتصادي، الدكتور عمر زرموح، فإن أرقام الدين العام «تحتاج أولاً إلى مراجعة وتدقيق من جهة أو جهات محايدة وفي ضوء القانون الليبي»، ومن ثم «تحميل المسؤولية للمخالفين وإعلان ذلك للشعب».

وجهة النظر نفسها تبناها الزنتوتي، الذي لا يعتقد أن «ما تم إقراره في البرلمان أخيراً قادر على الإيفاء بهذا الدين، في ظل وجود حكومتين، وعدم توحيد الجسم السياسي والرقابي للدولة»، بل ويخشى من «نمو هذا الدين العام بشكل أكبر وربما مخيف».

يُشار إلى أن تحرك البرلمان لإصدار هذا القانون قوبل بانتقاد شديد اللهجة من جانب عضو المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، الذي رأى أن ما يثقل كاهل الليبيين ليس الأرقام في دفاتر الموازنات، بل غياب التوافق الوطني، الذي يُعيد بناء الثقة ويُعالج جذور الأزمة.

وتبلغ القيمة الإجمالية للدين العام 284 ملياراً و191 مليوناً و418 ألفاً و884 ديناراً حتى 31 مايو 2025، وذلك بحسب خطاب المصرف المركزي لمجلس النواب. علماً بأنها تشمل التزامات الخزانة العامة لصالح المصرف المركزي، من سندات وأذونات وسلف مؤقت، وقروض ورصيد الحساب المكشوف.

في غضون ذلك، ما تزال السرية تحيط بمخرجات اجتماع مغلق بين رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ومحافظ المركزي، ناجي عيسى، الأربعاء الماضي، لمناقشة ملفات مالية، من بينها الدين العام، وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع مسؤولين بـ«المركزي» لكن لم يتسن لها الحصول على رد.

عقيلة صالح ومحافظ المصرف المركزي في اجتماع بحضور بلقاسم حفتر وأسامة حماد (حكومة الاستقرار)

بدوره، يحذر الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد الأمين، من مغبة ما عدها «حلولاً ترقيعية»، و«رهاناً على النفط وحده»، مشيراً إلى الحاجة إلى «إرادة سياسية لبناء اقتصاد منتج، وإصلاح جذري لمالية الدولة، ومصارحة حقيقية للمواطنين».

ولا يخفي الأمين خشيته من أن يكون التحرك الجديد للبرلمان والمصرف المركزي «مشهداً آخر»، فيما وصفها بأنها «مسرحية إدارة الإفلاس».

في المقابل، فإن المشهد ليس قاتماً على نحو كامل؛ إذ إن الإشارة الإيجابية الوحيدة هي أن «الدين العام المحلي بالدينار الليبي، وهو أخف وطأة من الدين العام الخارجي بالعملة الصعبة»، وفق الزنتوتي.


مقالات ذات صلة

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شمال افريقيا شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

أُقيمت في العاصمة الليبية طرابلس، السبت، مراسم تأبين رسمية وعسكرية مهيبة لرئيس أركان قوات حكومة «الوحدة» (المؤقتة)، محمد الحداد، ومرافقيه.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا سجن معيتيقة في طرابلس (المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان)

«تكدس مراكز الاحتجاز» في ليبيا يعيد ملف السجناء للواجهة

دفعت الشكاوى المتصاعدة بشأن «تكدس مراكز الاحتجاز» وتردّي أوضاع السجناء، حكومتي شرق وغرب ليبيا إلى إعادة فتح ملف السجون.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا تركيا أقامت مراسم عسكرية رسمية لوداع جثامين ضحايا طائرة الحداد ومرافقيه قبل نقلها إلى طرابلس السبت (الدفاع التركية - إكس)

تركيا تودّع ضحايا طائرة الحدّاد بمراسم عسكرية... وطرابلس تقيم تأبيناً رسمياً

تم نقل جثامين رئيس أركان الجيش الليبي محمد على الحداد ومرافقيه الذين كانوا على متن طائرة تحطمت ليل الثلاثاء الماضي عقب مباحثات رسمية في أنقرة

«الشرق الأوسط» (أنقرة - القاهرة)
شؤون إقليمية يؤدي المسؤولون الصلاة بجوار نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين الذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز) play-circle 00:32

وصول جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه إلى طرابلس

أفادت وزارة الدفاع التركية بأنّ جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه الذين قضوا في حادث تحطم طائرة قرب أنقرة ستُعاد إلى البلاد اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شمال افريقيا الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل لبيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، التي كانت تقل رئيس الأركان.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
TT

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)

قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية لمياء عبد الغفار، اليوم الأحد، إن رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس سيباشر مهامه من العاصمة الخرطوم في «غضون الأيام المقبلة».

وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن الوزيرة أطلعت خلال زيارة إلى العاصمة الخرطوم على «ترتيبات انتقال الوزارات إلى المقار التي تم تحديدها لاستئناف أعمالها مع بداية العام الجديد»، مؤكدة «تقديم الدعم الكامل لحكومة الولاية لاستكمال منظومة الخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه».

وأوضحت الوكالة الرسمية أن والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، أطلع الوزيرة على «مجمل الأوضاع بالولاية ومدى الاستعداد لعودة الحكومة للخرطوم»، مشدداً على «استمرار العمل لمزيد من التهيئة في كافة النواحي من أجل العودة الكاملة للمواطنين والحكومة».

وأشارت الوكالة إلى أن وزيرة شؤون مجلس الوزراء ووالي الخرطوم تفقدا مطار الخرطوم ومنشآت أخرى استعداداً لعودة الحكومة للعمل من العاصمة.

وانتقلت الحكومة للعمل من مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر بشرق البلاد عقب اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع في أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
TT

استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)

يعوّل الصومال على دعم عربي وإسلامي لمواجهة اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً، وقد استجابت جامعة الدول العربية لطلبه بعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين، اليوم.

وأكَّد السفير الصومالي في القاهرة والمندوب الدائم لدى الجامعة، علي عبدي أواري، لـ«الشرق الأوسط» أنَّ «بلاده تتحرَّك على المستويين العربي والإسلامي، لرفض ما أعلنت عنه تل أبيب، والدفاع عن السيادة الصومالية»، وقال: «من بين التحركات طلب اجتماع للجامعة العربية بشكل عاجل». وأشار إلى أنَّ «بلاده تدعو لاجتماع قمة عربية إسلامية قريباً، ضمن تحركاتها الدبلوماسية».

وحرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من السلطة الفلسطينية و«حماس» ومقديشو، من أنَّه يحمل احتمالاً لأن يكون هذا الإقليم موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت إليه إسرائيلُ منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

وأشار خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى مخاوفَ من أنَّ الخطوة الإسرائيلية ستُعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك، وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

وسط طوفان ردود فعل على الخطوة الإسرائيلية، وبخلاف الرفض العربي، جاء موقف لافت من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ طغى عليه «السخرية من ذلك الإقليم». فقد أعلن ترمب عن رفضه الاعترافَ باستقلال «أرض الصومال»، متسائلاً: «هل يعرف أحدٌ ما هي أرض الصومال، حقّاً؟».


بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

دخلت بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك للمرة الأولى منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنَّ بعثة تقييم وصلت إلى مدينة الفاشر، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة، مضيفاً أنَّ البعثة تضمُّ وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية.

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، وقال في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول جاء عبر مسار يسَّرتْه الولايات المتحدة.