اشتباكات دامية تكشف صراع العائلة والحزب في السليمانية

اعتقال ابن شقيق رئيس العراق الراحل جلال طالباني

تصاعد الدخان فوق أحد أحياء السليمانية شرق إقليم كردستان العراق بعد اعتقال لاهور شيخ جنكي (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان فوق أحد أحياء السليمانية شرق إقليم كردستان العراق بعد اعتقال لاهور شيخ جنكي (أ.ف.ب)
TT

اشتباكات دامية تكشف صراع العائلة والحزب في السليمانية

تصاعد الدخان فوق أحد أحياء السليمانية شرق إقليم كردستان العراق بعد اعتقال لاهور شيخ جنكي (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان فوق أحد أحياء السليمانية شرق إقليم كردستان العراق بعد اعتقال لاهور شيخ جنكي (أ.ف.ب)

فوجئ سكان مدينة السليمانية (شمال العراق) باندلاع مواجهات دامية اشتركت فيها وحدات أمن حكومية وحزبية، قبل أن يكتشفوا أنها معركة بين أبناء العم داخل عائلة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.

ومنذ مساء الخميس وحتى فجر الجمعة، تحولت مذكرة قبض بحق لاهور شيخ جنكي، ابن عم بافل طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى مواجهات عسكرية ومحاصرة لفندق وسط المدينة، أسفرت عن قتل وإصابة مسلحين، واعتقال شيخ جنكي وأفراد من عائلته.

وشيخ جنكي هو رئيس «حزب الشعب»، الذي تأسس عام 2024 بعد معركة قانونية مع «حزب الاتحاد الوطني»، وكان الأخير حزباً يدار بالشراكة بينهما، قبل أن يقال على نطاق واسع في السليمانية إن طالباني اتهم شيخ جنكي بمحاولة تسميمه عام 2023، ليبدأ فصل مرير من صراع الأخوة الأعداء داخل عائلة حكمت السليمانية منذ عقود، والعراق لعشر سنوات عقب انهيار نظام صدام حسين.

صورة مركبة لبافل طالباني (يمين) ولاهور شيخ جنكي

أبناء العم... الأعداء

بافل جلال طالباني، المولود في بغداد عام 1973 الذي أمضى مراهقته في العاصمة البريطانية لندن، هو نجل الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني حالياً.

واستحوذ بافل على الملف الأمني والاستخباري في حزب «الاتحاد». وسيطر منذ سنوات على جهاز مكافحة الإرهاب التابع للحزب، لكن ابن عمه لاهور كان أحد شركائه الأساسيين في تأسيس الوحدات العسكرية التابعة للحزب، ولمكافحة الإرهاب، وقد لعبا دوراً مشتركاً في معارك «قوات البيشمركة الكردية» ضد تنظيم «داعش» في ديالى وكركوك وسنجار.

وقد ولد لاهور شيخ جنكي في مدينة كوية غرب أربيل، عاصمة إقليم كردستان، عام 1976، وقد تولى قيادة جهاز أمني يدعى «زانياري» وتعني جهاز أمن المعلومات (أو الاستخبارات)، وكان يحظى بشهرة كبيرة في صفوف «قوات البيشمركة».

وفي عام 2020، أصبح شيخ جنكي وبافل طالباني رئيسين بالمناصفة لحزب «الاتحاد الوطني»، قبل أن يُقصى عام 2021. وبسبب ذلك؛ تفاقم الاستقطاب الاجتماعي في مدينة السليمانية بين الرجلين اللذين يحتفظ كل منهما بنفوذ اجتماعي وسياسي وأمني، إلا أن تيارات كثيرة ترجح كفة طالباني.

ماذا حدث؟

العملية بدأت بعد وضع السليمانية في حالة استنفارٍ أمني مساء الخميس، إثر صدور أمر قبض بحق رئيس «جبهة الشعب». ولأن الأخير رفض الاعتراف بالمذكرة والامتثال لها، طوق الفندق الذي كان يقيم فيه في حي سرجنار في السليمانية، وبعد ساعات من التطويق بدأت مواجهة مسلحة بين قوات أمن ومسلحين تابعين لشيخ جنكي، قبل أن يزداد الحضور المكثف لقوات الأمن التي تحاصر الفندق.

وأسفرت المواجهات عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل فيما أُصيب نحو 10 آخرين بجروح، كما انتهت بعد تمكن قوات الأمن من اعتقال لاهور شيخ جنكي وشقيقيه بولاد وآسو.

وبينما كانت الاشتباكات تتفاقم وسط المدينة، وألسنة الدخان تتصاعد من محيط الفندق، أغلقت قوات الأمن الكردية مداخل مدينة السليمانية ومخارجها من كل الجهات.

ولم يعلن الكردي المكان الذي نقل إليه لاهور شيخ جنكي وشقيقيه، إلا أن مصادر سياسية أبلغت «الشرق الأوسط»، أن المعتقلين قد يواجهون أحكاماً بالسجن لسنوات على خلفية ما قيل إنه «مخطط لزعزعة الأمن في السليمانية».

سيارة محترقة إثر الاشتباكات في محيط مقر إقامة لاهور شيخ جنكي في السليمانية (إكس)

صراع «أخوة أعداء»

قالت القيادية السابقة في «الاتحاد الوطني»، ريزان شيخ دلير، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الليلة التي تم فيها اعتقال لاهور شيخ جنكي مؤسفة بكل المعايير، بسبب تداعيات المواجهات وسقوط ضحايا بين قتيل وجريح».

وأوضحت شيخ دلير أن «مذكرة قبض بحق لاهور شيخ جنكي لا تبرر الطريقة التي تمت بها عملية الاعتقال عبر استخدام كل أنواع القوة العسكرية». وأشارت إلى أن «الاشتباكات لم تكن تحصل لو أن السلاح بيد الدولة».

وحول الكيفية التي يمكن أن تنتهي بها هذه الأزمة، قالت دلير إنه «من الصعب القول الآن فيما إذا كان شيخ لاهور سوف يبقى في المعتقل أو يطلق سراحه، بانتظار التحقيقات التي سيجريها القضاء لمعرفة كل الملابسات».

ولم تستبعد مصادر مطلعة وجود «أجندة إقليمية ودولية» فاقمت من الصراع المحلي بين «الأخوة الأعداء». وقال مصدر كردي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «العملية لا تبدو بعيدة عن أجواء الصراع بين إيران وقوى فاعلة منافسة في المنطقة».

وقال قيادي كردي، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، إن جذر الخلاف عائلي، ويعود إلى سنوات سابقة بين أبناء عمومة نصفهم أمضى حياته وتعليمه في واشنطن ولندن، ضد النصف الآخر من الأبناء الذين نشأوا مقاتلين في الجبل».

إلا أن مراقبين يميلون إلى الاعتقاد بأن المواجهة المسلحة جزء من تصفية حسابات سياسية قبيل موعد الانتخابات البرلمانية في عموم العراق، في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

آثار دمار نتيجة الاشتباكات داخل مقر إقامة لاهور شيخ جنكي (شبكة روداو)

تدخل حكومي

وأعربت الحكومة الاتحادية عن أسفها للأحداث الدامية في السليمانية. وقال صباح النعمان، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، إن «الحكومة الاتحادية تؤكد ضرورة التزام الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية وفقاً لأحكام الدستور، وبما ينسجم مع مبادئ العدالة وسيادة القانون».

وأضاف النعمان: «إذ تُشدد على أهمية أن تُنفذ هذه الإجراءات بحيادية تامة وشفافية كاملة، بعيداً عن أي مظاهر مسلحة أو محاولات لترهيب المواطنين، فإنها تؤكد أن إنفاذ القانون يجب أن يتم بما يضمن صون كرامة الإنسان وحفظ حقوقه».

ولفت النعمان إلى أن «الحكومة الاتحادية، تؤكد من خلال مؤسساتها الدستورية والأمنية، أن الحفاظ على أمن المواطنين في الإقليم وفي عموم محافظات العراق هو واجب وطني وأخلاقي».

وشدد في بيانه أن الحكومة «لن تدّخر جهداً في درء الفتنة، وتعزيز السلم المجتمعي، وترسيخ الاستقرار» مؤكداً أن «مصلحة محافظة السليمانية، وأمن وسلامة أهلها، وأمن الإقليم والعراق عموماً، تبقى فوق جميع الاعتبارات».

من جهتها أكدت حكومة إقليم كردستان أهمية سيادة القانون وحماية أمن المواطنين. كما شددت رئاسة الإقليم على «سيادة القانون وحماية أمن واستقرار المدينة وصون أرواح وممتلكات المواطنين»، مشددة على أن «جميع الخلافات والمشاكل ينبغي أن تُعالج في إطار القانون وبعيداً عن العنف».

بدورها، أعربت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) عن قلق بالغ إزاء التطورات التي شهدتها محافظة السليمانية مؤخراً، التي أوقعت قتلى وجرحى نتيجة الاشتباكات.

ودعت البعثة في بيان صحافي جميع الأطراف إلى التزام أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب أي أعمال تهدد أرواح المدنيين، مع التأكيد على احترام حقوق الإنسان وضمان العدالة وفق الدستور.


مقالات ذات صلة

سباق مع الوقت لحسم الرئاسات العراقية الثلاث

المشرق العربي قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني (أرشيفية - واع)

سباق مع الوقت لحسم الرئاسات العراقية الثلاث

تتسابق القوى السياسية العراقية مع الوقت لحسم اختيار الرئاسات الثلاث، وسط انسداد سياسي وتعدد المرشحين.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)

جدل في العراق بعد كلمة لساكو تضمنت مصطلح «التطبيع»

أثارت كلمة لبطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق لويس روفائيل ساكو، خلال قداس عيد الميلاد في بغداد، جدلاً سياسياً واسعاً، بعد استخدامه مفردة «التطبيع».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي قادة «الإطار التنسيقي» وقّعوا على بيان لإعلانهم «الكتلة الأكثر عدداً» في البرلمان العراقي الجديد (واع)

مواقف عراقية متضاربة حول مرشح تسوية لرئاسة الحكومة

قال قيادي في تحالف «الإطار التنسيقي» بالعراق إن القوى الشيعية قطعت مراحل مهمة في التوافق على اختيار رئيس الوزراء المقبل، مع اقتراب انعقاد جلسة البرلمان.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي صورة منشورة على وسائل التواصل لعراقي يبلغ من العمر 24 عاماً فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى قواتها المسلحة (أ.ف.ب)

قضاء العراق «يجرم» المتورطين في الحرب الروسية - الأوكرانية

توعد القضاء العراقي من أسماهم المتورطين في حرب أوكرانيا بالسجن، مشدداً على مكافحة تجنيدهم للقتال على أراضٍ أجنبية.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مقاتلون يرفعون شعار «الحشد الشعبي» خلال تدريبات عسكرية (أرشيفية-الحشد الشعبي)

فصائل عراقية لا تمانع «التطبيع بشروط» مع واشنطن

أكدت مصادر مطلعة على كواليس الفصائل العراقية أنها لا تمانع «صيغة مقبولة» لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن بـ«شروط محددة».

فاضل النشمي (بغداد)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عنصر بارز بـ «فيلق القدس» الإيراني في غارة على لبنان

دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عنصر بارز بـ «فيلق القدس» الإيراني في غارة على لبنان

دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

قال الجيش الإسرائيلي اليوم الخميس إنه قتل شخصاً وصفه بأنه عنصر بارز في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في غارة على منطقة الناصرية في لبنان.

وذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن الغارة أسفرت عن مقتل حسين الجوهري، الذي قال إنه ينتمي لوحدة العمليات التابعة لفيلق القدس الإيراني.

وأشار أدرعي، عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى أن القتيل شارك في عمليات ضد إسرائيل «في الساحتين السورية، واللبنانية» خلال السنوات الأخيرة.


الجنرال مظلوم عبدي: تم التوصل إلى تفاهم مشترك مع دمشق فيما يخص دمج القوى العسكرية

اجتماع الهيئة الاستشارية لدعم لجنة تفاوض شمال شرقي سوريا مع دمشق في مدينة الطبقة الخميس (نورث برس)
اجتماع الهيئة الاستشارية لدعم لجنة تفاوض شمال شرقي سوريا مع دمشق في مدينة الطبقة الخميس (نورث برس)
TT

الجنرال مظلوم عبدي: تم التوصل إلى تفاهم مشترك مع دمشق فيما يخص دمج القوى العسكرية

اجتماع الهيئة الاستشارية لدعم لجنة تفاوض شمال شرقي سوريا مع دمشق في مدينة الطبقة الخميس (نورث برس)
اجتماع الهيئة الاستشارية لدعم لجنة تفاوض شمال شرقي سوريا مع دمشق في مدينة الطبقة الخميس (نورث برس)

أعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مظلوم عبدي، التوصل إلى تفاهم مشترك مع الحكومة السورية، بشأن دمج القوى العسكرية بما يتماشى مع ما وصفه بالمصلحة العامة، مؤكداً أن عدداً من القضايا السياسية والدستورية ما زال يحتاج إلى وقت وحوارات أعمق.

وفي كلمة مصورة ألقاها خلال مشاركته في اجتماع الهيئة الاستشارية للجنة تفاوض الإدارة الذاتية مع دمشق، المنعقد في مدينة الطبقة، قال عبدي: «هناك تقدم في تشكيل رؤية مشتركة مع دمشق بخصوص المعابر والحدود والثروات الباطنية لكل السوريين»، مؤكداً أن الثروات الباطنية هي ملك لجميع السوريين، وليست حكراً على جهة بعينها.

ونقل موقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن عبدي قول: «إن الاجتماع ناقش آخر المستجدات السياسية على الساحة السورية، إضافة إلى اتفاقية 10 مارس (آذار)، مشيراً إلى وجود تقارب في الآراء حول ملفات أساسية». وأضاف أن شكل النظام السياسي في سوريا، وآليات التشاركية بين المكونات، يعدان من الركائز الأساسية لأي حل، لافتاً إلى أن ذلك يتطلب حوارات أعمق للوصول إلى دستور يعكس تطلعات السوريين كافة.

وبيّن قائد «قسد» أن هناك أموراً دستورية تحتاج إلى وقت للوصول إلى حل يشمل كل سوريا، مشيراً إلى أنه «نرى بأن الحل في سوريا يجب أن يكون لا مركزياً، ونريد أن يدير أبناء مناطق شمال وشرق سوريا مناطقهم ضمن إطار دستوري»، معرباً عن أمله في التوصل خلال الفترة المقبلة إلى اتفاقات شاملة حول القضايا العالقة.

وأشار إلى أن بعض الملفات الدستورية لا تزال قيد النقاش، وأن الوصول إلى حل يشمل كامل الجغرافيا السورية يتطلب وقتاً وتوافقاً وطنياً أوسع، وفق قناة «روجافا» الرسمية التابعة «للإدارة الذاتية».

ويتضمن الاتفاق الموقع في 10 مارس (آذار) الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي، دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة وحماية حقوق جميع السوريين، مع الالتزام بعدم الانقسام وإنهاء الخلافات قبل نهاية العام الحالي.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، الخميس، عن مصدر بالحكومة نفيه الأنباء عن قرب التوصل إلى اتفاق عسكري بين الحكومة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).

وشدد المصدر على أن الاتصالات مع «قسد» متوقفة حالياً، وأن الحكومة تدرس رد «قوات سوريا الديمقراطية» على مقترح من وزارة الدفاع السورية.


سباق مع الوقت لحسم الرئاسات العراقية الثلاث

قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني (أرشيفية - واع)
قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني (أرشيفية - واع)
TT

سباق مع الوقت لحسم الرئاسات العراقية الثلاث

قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني (أرشيفية - واع)
قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني (أرشيفية - واع)

تتسابق القوى السياسية العراقية مع الوقت لحسم اختيار الرئاسات الثلاث، وسط انسداد سياسي وتعدد المرشحين، في وقت حذر فيه القضاء من تجاوز المدد الدستورية، بينما أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي استعداده للعودة إلى المنصب في حال التوافق عليه.

وقال العبادي للصحافيين إن هناك «نقاشاً بين القوى السياسية» بشأن رئاسة الحكومة، داعياً إلى «احترام الجداول الدستورية في عملية تشكيل الحكومة والالتزام بها».

وأضاف أن مجلس النواب من المتوقع أن يعقد جلسة خلال الأسبوع المقبل لانتخاب رئيسه ونائبيه، يعقبها انتخاب رئيس للجمهورية، قبل أن تسمي الكتلة البرلمانية الأكبر مرشحها لرئاسة الوزراء.

وأكد العبادي أنه أحد المرشحين المطروحين، مشيراً إلى جدل داخل القوى السياسية حول ما إذا كان من الأفضل إعادة تكليف رؤساء وزراء سابقين أو اختيار شخصية جديدة. وقال إن العراق يواجه «أزمة اقتصادية ومالية حقيقية»، إلى جانب أوضاع إقليمية ودولية معقدة، ما يتطلب «إدارة حكيمة».

وأضاف أنه «جاهز نفسياً وواقعياً» لتولي المنصب، مذكراً بتجربته عام 2014 حين تسلم رئاسة الحكومة في ظل تمدد تنظيم «داعش»، وأزمة مالية حادة نتيجة انهيار أسعار النفط، وقال إن النجاح آنذاك تحقق «بتوحّد العراقيين».

ويأتي إعلان العبادي في وقت تشهد فيه الساحة الشيعية خلافات حول هوية المرشح لرئاسة الحكومة، مع تمسك ائتلاف رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، بترشيحهما، في ظل تعدد الخيارات داخل «الإطار التنسيقي».

وحسب قيادي في إحدى الكتل الشيعية الكبيرة، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن القوى الشيعية تحاول دفع الشريكين الكردي والسني إلى حسم مواقفهما خلال أيام، غير أن تعدد المرشحين وعدم وضوح الرؤية يعمّقان حالة الجمود السياسي.

وتتزامن هذه التطورات مع تصاعد القلق من العجز المالي، إذ يحذر خبراء اقتصاديون من صعوبات محتملة في تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين، في بلد يعتمد أكثر من ستة ملايين شخص فيه على الإنفاق الحكومي. كما عادت إلى الواجهة دعوات لإقامة أقاليم، لا سيما في محافظة البصرة الغنية بالنفط، ما يثير مخاوف من تعميق الخلافات بين الحكومة المركزية والمحافظات، على غرار العلاقة المتوترة بين بغداد وأربيل.

حيدر العبادي (وكالة الأنباء العراقية)

الخلاف السني - السني

في موازاة ذلك، لا يزال منصب رئيس مجلس النواب محور خلاف داخل المكون السني. وقال وزير الدفاع ورئيس تحالف الحسم الوطني، ثابت العباسي، إن «المجلس الوطني السياسي» سيعلن مساء الأحد المقبل اسم مرشحه لرئاسة البرلمان، مشيراً إلى أن الحوارات لا تزال مستمرة مع الأطراف السنية والشيعية والكردية.

وأضاف العباسي، في تصريحات لشبكة «روداو» الكردية، أن المشاورات تشمل الاستحقاقات الثلاثة: رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، متوقعاً أن تتضح صورة المرشحين خلال الساعات المقبلة. وأكد ضرورة حسم ملف رئاسة البرلمان قبل الاثنين لتفادي الذهاب بعدة مرشحين، ما قد يعرقل عمل المجلس.

وينظر إلى الخلاف السني على رئاسة البرلمان على أنه اختبار لقدرة المكون على التوافق الداخلي، في ظل تحذيرات من أن انتخاب الرئيس بأغلبية برلمانية عامة، لا بتوافق المكون، قد يقيّد صلاحياته لاحقاً.

وتأتي هذه التحركات بينما شدد رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، على أن المدد الدستورية لا تقبل «الانتهاك أو المخالفة»، في إشارة إلى أزمات سياسية سابقة شهدت تجاوز الجداول الزمنية لتشكيل السلطات.

ورغم كثافة المشاورات، لا تلوح حتى الآن مؤشرات واضحة على حسم وشيك للرئاسات الثلاث قبل نهاية العام، ما يضع العملية السياسية أمام اختبار جديد في بلد يعاني أصلاً من ضغوط اقتصادية وتحديات داخلية وإقليمية متشابكة.