شركة أوكرانية ناشئة تُطوّر طائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى لنقل المعركة إلى روسيا

مسيرة أوكرانية في مصنع «فاير بونت» (أ.ب)
مسيرة أوكرانية في مصنع «فاير بونت» (أ.ب)
TT

شركة أوكرانية ناشئة تُطوّر طائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى لنقل المعركة إلى روسيا

مسيرة أوكرانية في مصنع «فاير بونت» (أ.ب)
مسيرة أوكرانية في مصنع «فاير بونت» (أ.ب)

عندما هاجمت طائرة مسيّرة أوكرانية الصنع مستودع ذخيرة، في روسيا، سبتمبر (أيلول) الماضي، برهنت على تصميم كييف على شنّ هجمات عميقة خلف خطوط العدو، وعلى براعة صناعتها الدفاعية.

كانت هذه اللحظة مُرضية بشكل خاص للمسؤولة عن تصنيع الطائرات المسيَّرة التي قطعت أكثر من 1000 كيلومتر (620 ميلاً) لتنفيذ هذه المهمة. بعد أشهر، لم تعد روسيا تملك الوسائل اللازمة لمواصلة الهجمات المدمرة بالقنابل الانزلاقية، كتلك التي استهدفت للتو مدينتها، خاركيف.

ووفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، قالت إيرينا تيريخ، رئيسة الإنتاج في شركة «فاير بوينت»: «القتال الجوي هو ميزتنا الحقيقية الوحيدة غير المتكافئة في ساحة المعركة حالياً. ليس لدينا ما يكفي من القوى العاملة أو المال مقارنةً بهم».

تحدثت تيريخ، وهي تفحص عشرات «الطائرات المسيرة الموجهة للضربات العميقة»، التي خرجت مؤخراً من خط التجميع، والتي ستستخدمها القوات الأوكرانية قريباً لمهاجمة مستودعات الأسلحة ومصافي النفط وأهداف أخرى حيوية لآلة الحرب والاقتصاد في الكرملين.

بدافع من معركتها الوجودية ضد روسيا، والمساعدة العسكرية المحدودة من الحلفاء الغربيين، أصبحت أوكرانيا بسرعة مركزاً عالمياً للابتكار الدفاعي. الهدف مضاهاة قدرات روسيا، إن لم يكن التفوق عليها، والتي عُرضت بوحشية يوم الخميس، وشركة «فاير بوينت» هي إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال.

حصلت وكالة «أسوشييتد برس» على نظرة حصرية داخل واحد من عشرات المصانع السرية التابعة لشركة «فاير بوينت». في مستودع مترامي الأطراف، حيث كانت موسيقى الروك تصدح، استعرض المسؤولون التنفيذيون طائراتهم المسيرة المتفجرة المميزة من طراز «FP-1»، التي يمكنها السفر لمسافة تصل إلى 1600 كيلومتر (994 ميلاً). كما أعلنوا علناً لأول مرة عن صاروخ

«كروز» يطورونه، قادر على قطع مسافة 3000 كيلومتر (1864 ميلاً)، ويأمل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن يتم إنتاجه بكميات كبيرة بحلول نهاية العام.

حتى مع ضغط الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لإنهاء الحرب التي استمرت 3 سنوات ونصف السنة، وتلميحه إلى احتمال دعم الولايات المتحدة لضمانات أمنية شبيهة بحلف «الناتو»، يقول مسؤولو الدفاع الأوكرانيون إن بلادهم عازمة على أن تصبح أكثر اكتفاءً ذاتياً في ردع روسيا.

قال أرسين زوماديلوف، رئيس وكالة شراء الأسلحة في البلاد: «نعتقد أن أفضل ضمان لنا هو عدم الاعتماد على إرادة شخص ما لحمايتنا، بل قدرتنا على حماية أنفسنا».

تشتري حكومة أوكرانيا الآن أسلحة بقيمة 10 مليارات دولار سنوياً من الشركات المصنَّعة المحلية. ويقول المسؤولون إن الصناعة لديها القدرة على بيع ثلاثة أضعاف هذه الكمية، ويعتقدون أن المبيعات إلى الحلفاء الأوروبيين يمكن أن تساعدها على الوصول إلى هذه الإمكانية في غضون سنوات.

جاء ابتكار الطائرات من دون طيار بدافع الضرورة، مثل معظم شركات الدفاع في أوكرانيا، حيث نشأت شركة «فاير بوينت» بدافع الضرورة بعد الغزو الروسي الشامل عام 2022.

وعلى الرغم من مناشدات المسؤولين العسكريين الأوكرانيين، لم تكن الدول الغربية مستعدة للسماح لكييف باستخدام أسلحة حلفائها بعيدة المدى لضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية.

وعندها، انطلقت مجموعة من الأصدقاء المقربين، والخبراء من مختلف المجالات، لإنتاج كميات كبيرة من الطائرات من دون طيار منخفضة التكلفة، تضاهي قوة طائرات «شاهد» إيرانية الصنع التي أطلقتها روسيا على أوكرانيا بعواقب وخيمة.

تحدث مؤسسو الشركة مع وكالة «أسوشيتد برس»، بشرط عدم كشف هوياتهم حرصاً على سلامتهم وأمن مصانعهم.

ومن خلال تجميع المعرفة من البناء وتصميم الألعاب والهندسة المعمارية، توصل مؤسسو الشركة، الذين لم تكن لديهم أي خبرة في مجال الدفاع، إلى تصميمات جديدة للطائرات من دون طيار يمكنها الطيران لمسافات أبعد، والضرب بدقة أكبر من معظم المنتجات الموجودة بالفعل في السوق. وكان لطائراتهم من دون طيار بعيدة المدى ميزة أخرى: لم تكن بحاجة إلى الإقلاع من مطار.

عندما عُيّنت تيريخ، وهي مهندسة معمارية، في صيف عام 2023، كان هدفها إنتاج 30 طائرة من دون طيار شهرياً. أما الآن، فتُنتج الشركة ما يقارب 100 طائرة يومياً، بتكلفة 55 ألف دولار للطائرة الواحدة.

تبدو طائرة «FP-1» أشبه بمشروع علمي مُصنّع على عجل أكثر من كونها طائرة جاهزة للانطلاق من خطوط إنتاج أكبر شركات الدفاع في العالم. وقالت: «لقد أزلنا أشياءً براقةً غير ضرورية».

لكن طائرة «FP-1» أثبتت فعاليتها الفائقة في ساحة المعركة.

بحمولتها من المتفجرات التي تزن 60 كيلوغراماً (132 رطلاً)، فهي مسؤولة عن 60 في المائة من الضربات في عمق الأراضي الروسية، بما في ذلك ضربات على مصافي النفط ومستودعات الأسلحة، وفقاً لتيريخ.

وقد ساعدت هذه الضربات في إبطاء تقدم روسيا على خط المواجهة الذي يبلغ طوله 1000 كيلومتر (620 ميلاً) في شرق أوكرانيا، حيث أفادت وحدات الجيش بانخفاض حاد في نيران المدفعية. قال كلود شينويل، المسؤول العسكري الفرنسي السابق الذي يعمل الآن في مجموعة تجارية تُركز على الدفاع: «أعتقد أن أفضل الطائرات من دون طيار، أو من بين الأفضل، هي الطائرات الأوكرانية». وأضاف: «عندما تنتهي الحرب في أوكرانيا، فستُغرق السوق».

أوكرانيا تُصبح «وادي السيليكون» للدفاع

قصة «فاير بوينت» ليست فريدة تماماً؛ فبعد غزو روسيا عام 2022 بفترة وجيزة، ظهرت مئات الشركات الدفاعية

بين عشية وضحاها تقريباً. حفّزت الحكومة الأوكرانية الابتكار من خلال تخفيف اللوائح وتسهيل عمل الشركات الناشئة مباشرةً مع الألوية العسكرية.

قام رواد أعمال وطنيون في مجالات المعادن والبناء وتكنولوجيا المعلومات ببناء مرافق لأبحاث وتصنيع الأسلحة والذخائر، مع التركيز على الطائرات بدون طيار. أتاحت لهم الحرب الدائرة اختبار أفكارهم فوراً تقريباً في ساحة المعركة، والتكيُّف بسرعة مع تكتيكات روسيا المتغيرة.

قال رائد الأعمال الأوكراني في مجال الدفاع ياروسلاف أجنوك: «تمر أوكرانيا الآن بلحظة فريدة من نوعها، حيث أصبحت، بحكم الواقع، وادي السيليكون للدفاع». وأضاف: «إن أكبر رصيد استراتيجي لدينا هو أننا في حالة حرب مع روسيا منذ 11 عاماً».

مثال على ذلك: حصلت شركة «فاير بوينت» في البداية على معدات ملاحية لطائراتها من دون طيار من شركة غربية كبرى، ولكن سرعان ما تمكنت روسيا من تعطيل فعاليتها باستخدام الحرب الإلكترونية؛ لذلك طورت «فاير بوينت» برنامجها الخاص للتفوق على العدو بذكاء.

نظراً لأن شركات الدفاع تُعدّ أهدافاً عالية القيمة بالنسبة لروسيا، فإن العديد منها يعمل تحت الأرض أو مختبئاً داخل مراكز مدنية لتجنُّب الكشف. على الرغم من أنها محمية بالدفاعات الجوية، فإن هذه الاستراتيجية لها عيب تعريض المدنيين للخطر؛ فقد لقي العديد من الأوكرانيين حتفهم في هجمات روسية غير دقيقة كانت تستهدف على الأرجح منشآت الأسلحة.

وقال رواد الأعمال إن البديل هو العمل بشكل علني ومواجهة هجمات من شأنها أن تعيق المجهود الحربي.

إمدادات الطائرات من دون طيار لا تدوم طويلاً؛ في اليوم الذي زار فيه مراسلو وكالة «أسوشييتد برس» مصنع «فاير بوينت»، كانت هناك العشرات من الطائرات من دون طيار تنتظر التسليم. ستختفي جميعها في غضون 72 ساعة، حيث يتم شحنها إلى ساحة المعركة في شاحنات بضائع غير ظاهرة.

يتلقى فريق «فاير بوينت» تعليقات منتظمة من وحدات الجيش، وقد أعادت الشركة استثمار معظم الأرباح في الابتكار بسرعة لمواكبة صانعي الطائرات من دون طيار الآخرين. ويتم توجيه هذه الأرباح بشكل متزايد لتطوير سلاح جديد أكثر فعالية.

وحتى مع سعي زيلينسكي ومسؤولين أوكرانيين آخرين لإنهاء الحرب، قالت تيريخ إنها متشككة في أن روسيا ستقبل بشروط سلام حقيقي. «نحن نستعد لحرب أكبر وأكثر رعباً».


مقالات ذات صلة

تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

تحليل إخباري الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)

تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

أثارت مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون بالعودة إلى الحوار مع الرئيس بوتين الكثير من علامات الاستفهام في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

قد تؤدّي ضربة روسية إلى انهيار الملجأ المضاد للإشعاعات داخل محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)

حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

تقف حرب أوكرانيا عند مفترق حساس: مفاوضات مكثفة لكنها غير حاسمة، واقتصاد روسي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة، وتحذيرات أميركية من الوقوع في وهم «السلام السريع».

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا صورة للواء الآلي الرابع والعشرين التابع للقوات المسلحة الأوكرانية في 22 ديسمبر 2025 تُظهر الدمار الذي لحق بمدينة كوستيانتينيفكا في منطقة دونيتسك أوكرانيا (إ.ب.أ)

الجيش الأوكراني ينسحب من مدينة سيفرسك في شرق البلاد

أعلن الجيش الأوكراني انسحابه من بلدة سيفرسك، شرق البلاد، بعدما كانت القوات الروسية أعلنت في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي السيطرة عليها.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

زيلينسكي: المفاوضات الجارية يمكن أن تغير الوضع جذرياً

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، إن المفاوضات الجارية حالياً بشأن الحرب الروسية - الأوكرانية يمكن أن تُحدِث تغييراً جذرياً في الوضع.

«الشرق الأوسط» (كييف)

تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
TT

تساؤلات حول مبادرة ماكرون باستئناف الحوار مع بوتين

الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)
الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)

يعود آخر اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي ونظيره الروسي بمبادرة من الأول إلى يوم الثلاثاء في 1 يوليو (تموز) الماضي. وقتها، أفاد قصر الإليزيه بأن الاتصال دام أكثر من ساعتين، وتركز بشكل خاص على الملف النووي الإيراني، وذلك بعد أيام قليلة على الضربات الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت المنشآت النووية والخبراء وأعضاء في القيادات العسكرية الإيرانية.

لكن الاتصال تطرق أيضاً للحرب في أوكرانيا. ووفق الإليزيه، فقد كان أشبه بـ«حوار طرشان» للتمايز العميق في مقاربة الطرفين. ورغم ذلك، أفاد بيان الإليزيه بأن ماكرون وبوتين «قررا استكمال التواصل بينهما حول هذه النقطة».

كان ماكرون الوحيد بين القادة الغربيين، باستثناء الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الذي كسر قاعدة فرض العزلة الدبلوماسية على بوتين رغم أنه، في العامين الأخيرين، سعى لتزعم الجناح المتشدد في التعاطي مع روسيا، إن لجهة فرض العقوبات المالية والاقتصادية عليها، أو في دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً، أو في الدعوة إلى إنشاء «تحالف الراغبين» في إرسال وحدات عسكرية ترابط على الأراضي الأوكرانية لـ«ردع» روسيا عن مهاجمة جارتها أوكرانيا بعد التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية.

كذلك، سعى ماكرون ليكون «مرجعاً» للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي دعاه إلى باريس ثلاث مرات في الآونة الأخيرة ووقَّع معه «مذكرة تفاهم» لتزويد أوكرانيا بمائة طائرة مقاتلة من طراز «رافال» من الجيل الرابع.

الرئيس الأركاني فولوديمير زيلينسكي محاطاً في برلين بقادة أوروبيين وبأمين عام الحلف الأطلسي والمفاوضين الأميركيين في ملف الحرب الأوكرانية 15 ديسمبر (إ.ب.أ)

يغرّد خارج السرب الأوروبي

مرة أخرى، يغرّد ماكرون خارج السرب الأوروبي. ففي المؤتمر الصحافي، الذي عقده عقب انتهاء القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل التي أقرَّت قرضاً لأوكرانيا قيمته 90 مليار يورو، فاجأ ماكرون جميع الحاضرين بدعوته إلى معاودة الحوار المباشر مع بوتين. وبرر دعوته بقوله: «أرى أن هناك أشخاصاً يتحدثون إلى فلاديمير بوتين؛ لذا أعتقد أنه من مصلحتنا نحن الأوروبيين والأوكرانيين إيجاد إطار لإعادة فتح هذه المناقشة بشكل رسمي وإلا سنظل نناقش الأمور فيما بيننا، بينما يتفاوض المفاوضون وحدهم مع الروس. وهذا ليس مثالياً».

وكان ماكرون يشير إلى الرئيس الأميركي الذي لا يجد غضاضة في الاجتماع مع بوتين وجهاً لوجه كما حصل في ألاسكا، أو التواصل معه هاتفياً أكثر من مرة. وجاء الرد من الرئيس الروسي سريعاً؛ إذ قال يوم الأحد، بمناسبة مؤتمره الصحافي السنوي، إنه «مستعد للحوار» مع ماكرون. لذا؛ سارعت مصادر الرئاسة الفرنسية إلى القول إنه «من المرحّب به أن يمنح الكرملين موافقته العلنية على هذه المبادرة. سننظر خلال الأيام المقبلة في أفضل طريقة للمضي قدماً».

ولأن مبادرة ماكرون جاءت مفاجئة، فإن مصادر الإليزيه حرصت على الرد سلفاً على أي انتقادات بتأكيدها أن «أي نقاش مع موسكو سيتم بكل شفافية» مع زيلينسكي ومع الأوروبيين، وأن هدفها يظل التوصل إلى «سلام متين ودائم» للأوكرانيين. وفي معرض تبريره غياب الحوار مع ورسيا، قال قصر الإليزيه: «إن غزو أوكرانيا وإصرار الرئيس بوتين على الحرب وضعا حداً لأي إمكانية للحوار خلال السنوات الثلاث الماضية». أما توقيت استئنافه، فإنه سيحصل بمجرد أن تتضح ملامح وقفٍ لإطلاق النار و(انطلاق) مفاوضات سلام، (عندها) يصبح من المفيد مجدداً التحدث إلى بوتين».

الرئيس الأوكراني وجهاً لوجه مع الرئيسين الأميركي والفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني في البيت الأبيض 18 أغسطس (أ.ب)

مبررات مبادرة ماكرون

تقول مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس إن مبادرة ماكرون تعكس، وإن جاءت متأخرة، قلقاً فرنسياً - أوروبياً مما هو جارٍ على صعيد الوساطة التي تتفرد الولايات المتحدة بين روسيا وأوكرانيا. ورغم نجاح الأوروبيين في حجز مقعد لهم في الأسابيع الأخيرة، فإنهم يستشعرون رغبة أميركية في استبعادهم عنها. ثم جاء كلام ترمب لموقع «أطلنتيكو» الأسبوع الماضي صادماً؛ إذ قال فيه إن الأوروبيين «يتحدثون كثيراً ولا يفعلون شيئاً، والدليل أن الحرب ما زالت قائمة...». كذلك، نددت تولسي غابارد، مديرة المخابرات الوطنية الأميركية بالأوروبيين وذلك في تغريدة على منصة «إكس» الأسبوع الماضي أيضاً؛ إذ اتهمتهم واتهمت الحلف الأطلسي بـ«تصعيد الحرب وسعيهم لاجتذاب الولايات المتحدة في نزاع مباشر مع روسيا». وإضافة إلى ما سبق، تتساءل المصادر المشار إليها: «لماذا لا يحق للأوروبيين أن يتناقشوا مع بوتين، خصوصاً أنهم هم من يتحمل عبء الحرب من خلال دعم كييف بينما قطعت واشنطن عنها المساعدات عنها» لتضيف أن مصير الحرب يمس أمن وسلامة دول الاتحاد الأوروبي والقارة القديمة بشكل عام؛ ولذا من الضروري والمهم أن يكون هناك حوار مباشر وليس بالواسطة مع بوتين.

لم تنزل مبادرة ماكرون برداً وسلاماً على شركائه في الاتحاد الأوروبي، لا على زيلينسكي ولا على المستشار الألماني الذي يريد أن يلعب دور الزعيم الأوروبي في مواجهة روسيا. واكتفى شتيفن ماير، نائب الناطق باسم الحكومة الألمانية، بالقول إن الحكومة «أٌحيطت علماً» بمبادرة ماكرون، مضيفاً أنه «لا توجد مخاوف من تصدع الوحدة الأوروبية بسبب هذا الملف».

ماكرون ونابليون بونابرت

يؤخذ على ماكرون أمران أساسيان: الأول، تغير نهجه من السعي لممارسة أقصى الضغوط على روسيا وبوتين إلى الانتقال إلى الحوار معه مع وجود كثير من التحفظات حول ما يمكن أن يحصل عليه ولم يحصل عليه المفاوض الأميركي؛ والآخر، أن ماكرون كسر الجدار الأوروبي والعزلة الدبلوماسية المُحكمة التي أقيمت حول بوتين؛ فهو بمبادرته يوفر له الفرصة للعب على الانقسامات الداخلية الأوروبية وعلى افتراق الرؤى مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي ببروكسل عقب انتهاء القمة الأوروبية حيث أعلن انفتاحه على محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

وكتبت صحيفة «لو موند» في عددها ليوم الاثنين، أن زيلينسكي اعترف بأن ماكرون ناقش معه مبادرته، وأنه أبدى تحفظات بشأنها. كذلك نقلت عن دبلوماسي أوروبي قوله: «الجميع في أوروبا يدرك أنه سيتعيّن في يومٍ ما التحدث إلى بوتين، ولا سيما إذا ما فشلت الوساطة الأميركية. أما ما سيكون معقداً، فهو مسألة الإطار الأنسب لإجراء هذه المناقشات، هل يكون ذلك ضمن صيغة (الترويكا الأوروبية) أم في إطار أوسع». وتضم «الترويكا» فرنسا وألمانيا وبريطانيا. ويعني هذا التساؤل ما إذا كان ماكرون سيتحدث باسم فرنسا أم أنه سينال تفويضاً من زيلينسكي ومن نظرائه الأوروبيين للتحدث باسمهم؟

لا شك أن هناك تنافساً بين قادة «الترويكا» الثلاثة وإن بقي مضمراً. وفي أي حال، يبدو من المبكر التكهن بما قد يحصل في الأيام والأسابيع المقبلة، وما ستكون عليه الصيغة التي يريدها بوتين الذي لم يتردد، في مؤتمره الصحافي الأخير عن وصف القادة الأوروبيين بـ«صغار الخنازير». أما الصحافة الروسية، فإنها لا تتردد بتذكير ماكرون بالهزيمة التي ألحقتها روسيا القيصرية بالإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي غزا روسيا عام 1812، حيث خسر جيشه الجرار وكانت تلك المغامرة بداية سقوطه.


رئيس وزراء غرينلاند: مصير الإقليم يُحسم على أراضيه

رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
TT

رئيس وزراء غرينلاند: مصير الإقليم يُحسم على أراضيه

رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)

أكد رئيس وزراء غرينلاند، الثلاثاء، أن القرارات المتعلقة بمستقبل الجزيرة تُتَّخذ على أراضيها، وذلك ردّاً على محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتكررة لضمّ هذا الإقليم الدنماركي المتمتع بحكم ذاتي.

وكتب ينس فريدريك نيلسن، عبر «فيسبوك»: «غرينلاند بلدنا. قراراتنا تُتَّخذ هنا». وأعرب عن «حزن» بعد سماعه ترمب يُكرر رغبته في السيطرة على غرينلاند.

وكان ترمب كرّر، الاثنين، أنّ بلاده «بحاجة» إلى غرينلاند؛ لضمان أمنها في مواجهة الصين وروسيا. وسبق له أن أدلى بهذا التصريح بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.

وقال نيلسن: «هذه الكلمات تختزل بلدنا في مسألة أمن وسلطة. هذه ليست نظرتنا إلى أنفسنا، ولا يمكن ولا يجوز أن تُوصف حالتنا في غرينلاند بهذه الطريقة».

وشكر شعب غرينلاند على ردّ فعله «الهادئ والراقي». وأعرب عن امتنانه لدعم عدد كبير من الدول، مضيفاً: «هذا الدعم يؤكد أننا لسنا وحدنا هنا على أرضنا».

في غضون ذلك، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن غرينلاند «ملك لشعبها» وأن «الدنمارك هي ضامنتها». وكتب عبر منصة «إكس»: «أضمّ صوتي إلى أصوات الأوروبيين لأعرب عن تضامننا الكامل».


الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)

قد تؤدّي ضربة روسية إلى انهيار الملجأ المضاد للإشعاعات داخل محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا، بحسب ما قال مدير المنشأة سيرغي تاراكانوف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وصرّح تاراكانوف خلال مقابلة أجرتها معه «وكالة الصحافة الفرنسية» الأسبوع الماضي: «في حال أصابه صاروخ أو مسيّرة مباشرة أو حتّى سقط في محيطه مثلاً صاروخ من نوع (إسكندر)، لا قدّر الله، فقد يُحدث ذلك زلزالاً صغيراً في المنطقة».

وأكّد أن «لا أحد في وسعه أن يضمن أن الملجأ سيبقى قائماً بعد ذلك. وهذا هو أكبر تهديد».

والمحطّة النووية مدّعمة بهيكل من الفولاذ والإسمنت من الداخل أقيم على عجالة بعد الكارثة النووية سنة 1986 وهي مغلّفة أيضاً بغلاف خارجي حديث وعالي التطوّر يطلق عليه اسم «عازل الأمان الجديد» (NSC).

وقد تعرّض الغلاف الخارجي لأضرار كبيرة إثر ضربة بمسيّرة روسية في فبراير (شباط) تسبّبت في حريق ضخم في التكسية الخارجية للهيكل الفولاذي.

وأشار تاراكانوف إلى أن «عازلنا خسر الكثير من مهامه الرئيسية. ونحن بحاجة إلى ثلاث أو أربع سنوات لإعادة هذه الخصائص».

وما زال مستوى الإشعاعات في الموقع «مستقرّاً وبحدود العادة»، وفق المدير.

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع الشهر أن بعثة تفتيش لاحظت أن الملجأ «فقد مهامه الأمنية الأساسية، لا سيّما قدراته العازلة، لكن ما من أضرار دائمة في الهيكليات الداعمة أو أنظمة المراقبة».

وتمّت تغطية الفجوة التي خلّفتها الغارة الروسية بستار حامٍ، بحسب تاراكانوف، لكن لا بدّ من سدّ 300 ثغرة صغيرة أحدثها عناصر الإطفاء لمكافحة النيران.

وكان الجيش الروسي قد استولى على المحطّة في بداية الحرب سنة 2022 قبل أن ينسحب منها بعد بضعة أسابيع.