دخلت كرة القدم مجدداً في قلب السجال السياسي والإنساني بعدما أعلن الاتحاد النرويجي لكرة القدم قراره تخصيص أرباح مباراته المقبلة أمام إسرائيل في تصفيات كأس العالم، المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) في أوسلو، لدعم «منظمات إنسانية تنقذ الأرواح في غزة».
القرار جاء في بيان رسمي لرئيسة الاتحاد النرويجي ليزه كلافينيس، التي شددت على أن العائدات ستُوجَّه إلى مؤسسات تقدم مساعدات طارئة على الأرض، مؤكدة أن الاتحاد لا يمكن أن يقف موقف المتفرج أمام «المعاناة الإنسانية والهجمات غير المتناسبة» التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون منذ وقت طويل».

كما أوضحت أن الاتحاد النرويجي لم يخالف القوانين الأوروبية في خطوته، على الرغم من أن لوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) تحظر استخدام المباريات منصة للرسائل السياسية.
وقالت كلافينيس، وهي محامية ولاعبة سابقة، إن بلادها تتحمل مسؤولية إنسانية في ظل ما يجري في غزة، مضيفة: «لا يمكننا ولا أي منظمة أخرى أن نتخذ موقفاً محايداً تجاه هذه المعاناة». ولفتت إلى أن الاتحاد، رغم التزامه بالمشاركة في منافسات «الفيفا» و«اليويفا» حيث توجد إسرائيل، يريد أن يوجه أرباح المباراة إلى منظمات تعمل يومياً على إنقاذ الأرواح في القطاع.
وأكد الاتحاد النرويجي أن المبيعات المسبقة للتذاكر ستبدأ في 25 أغسطس (آب)، وأن جميع الأرباح ستذهب لتمويل «جهود إنسانية عاجلة»، مشيراً إلى أنه سيتخذ إجراءات أمنية خاصة لضمان سلامة اللاعبين والجماهير في المباراة.
هذا القرار أثار رد فعل حاد من إسرائيل، التي سارعت إلى إصدار بيان رسمي عبر اتحادها الكروي ونقلته صحيفة «التلغراف» البريطانية. وجاء في البيان أن «إسرائيل عادة لا تعطي نصائح للاتحادات بشأن استخدام أرباح المباريات، حتى عندما تُجمع من مباريات أمام منتخبنا الوطني، لكننا سنكسر هذه العادة هذه المرة».

وأضاف البيان: «سيكون من اللطيف أن يتم توجيه جزء من هذه الأموال للبحث عن إدانة من جانب الاتحاد النرويجي لمجزرة السابع من أكتوبر، التي أودت بحياة مئات الإسرائيليين بينهم أطفال، أو لدعم الجهود الرامية إلى الإفراج عن 50 رهينة».
وحسب «التلغراف»، ذهب الرد الإسرائيلي إلى أبعد من ذلك، إذ حذّر النرويج من أن تتحول الأموال إلى دعم «منظمات إرهابية»، وأرفق البيان بانتقاد ساخر لسجل النرويج في صيد الحيتان رغم الحظر الدولي. وقال الاتحاد الإسرائيلي: «رجاءً، تأكدوا أن الأموال لا تُنقل إلى منظمات إرهابية أو إلى صيد الحيتان». كما أكد مصدر من الاتحاد الإسرائيلي أن المنتخب سيخوض المباراة في موعدها، قائلاً: «نحن ملتزمون باللقاء ونسعى أيضاً للحصول على الثلاث نقاط».
التوتر بين الجانبين ليس جديداً، فقد سبق أن رافقت المباراة الأولى بين المنتخبين في مارس (آذار) الماضي أجواء مشحونة سياسياً، حين فازت النرويج 4-2 خارج أرضها، فيما اعترفت كلافينيس حينها أن «الوضع صعب بالنسبة لنا». ومع إعلان قرار التبرع الجديد، بدا أن كرة القدم باتت وسيلة تعبير سياسي وإنساني بالنسبة للنرويجيين، في وقت تعتبره إسرائيل تسييساً غير مقبول للملاعب.
وفي المقابل، كتبت صحيفة «لاغازيتا ديلو سبورت» الإيطالية أن رابطة المدربين الإيطاليين أطلقت نداءً رسمياً إلى الاتحاد الإيطالي لكرة القدم تطالبه برفع توصية عاجلة لكل من «فيفا» و«يويفا» لتعليق مشاركة إسرائيل مؤقتاً من البطولات الدولية. وأوضحت الصحيفة أن القرار جاء عبر رسالة رسمية وُجّهت إلى رئيس الاتحاد الإيطالي غابرييلي غرافينا، معتبرة أن الخطوة ليست رمزية فحسب بل «ضرورة أخلاقية» استندت إلى إجماع كامل داخل مجلس الرابطة بقيادة رينزو أوليفييري.
وجاء في بيان الرابطة أن «القيم الإنسانية التي تمثل جوهر الرياضة تفرض علينا التحرك»، مضيفاً أن المجلس التنفيذي صوّت بالإجماع على الخطوة».
وقال رئيس الرابطة أوليفييري: «القيم الإنسانية التي توازي قيم الرياضة تفرض علينا مواجهة أعمال القمع ذات العواقب المدمرة». أما نائبه كاموليزي فأكد: «لا يمكن أن نلعب وكأن شيئاً لم يحدث، هذا ليس عدلاً».

من جهته قال نائب الرئيس فوسي: «هناك عدد كبير من الضحايا الأبرياء، بينهم رياضيون، وهو ما يزيد من ضرورة أن يكون للرياضة دور في المطالبة بخطوات ملموسة دولياً». بينما شدد نائب الرئيس بيروندي على أن «العالم يحترق، وشعوب كثيرة تعاني مثل الشعب الفلسطيني، واللامبالاة أمر غير مقبول».
وتتقاطع رسائل النرويج وإيطاليا عند نقطة واحدة، الدعوة للتحرك ضد إسرائيل من بوابة كرة القدم، سواء عبر مبادرة إنسانية مباشرة في حالة الاتحاد النرويجي، أو من خلال مطالب بتجميد عضويتها دولياً كما جاء في النداء الإيطالي. وفي المقابل، تصر إسرائيل على الدفاع عن صورتها ورفض أي ربط بين الرياضة والصراع، ملوحة في الوقت نفسه بخطاب حاد يتجاوز المستطيل الأخضر ليطال قضايا جانبية مثل صيد الحيتان. وبين هذه المواقف المتباينة، يجد «فيفا» و«يويفا» نفسيهما أمام اختبار حساس بين الضغوط السياسية والقيم الإنسانية، في وقت يستمر فيه النزاع في غزة بإلقاء ظلاله الثقيلة على عالم كرة القدم.
