تفاصيل مبادرة الوسطاء لـ«حماس»... تحركات لإغلاق «فجوات» هدنة غزة

وزير الخارجية المصري يتحدث عن جهود لإحياء مقترح الـ60 يوماً

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يتحدث في مؤتمر صحافي الثلاثاء عن الوضع بقطاع غزة (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يتحدث في مؤتمر صحافي الثلاثاء عن الوضع بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

تفاصيل مبادرة الوسطاء لـ«حماس»... تحركات لإغلاق «فجوات» هدنة غزة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يتحدث في مؤتمر صحافي الثلاثاء عن الوضع بقطاع غزة (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يتحدث في مؤتمر صحافي الثلاثاء عن الوضع بقطاع غزة (أ.ف.ب)

كشفت مصر رسمياً عن مبادرة جديدة لإحياء مفاوضات هدنة الـ60 يوماً المجمدة منذ نهاية يوليو (تموز) الماضي عقب انسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل من محادثات بالدوحة، وذلك تزامناً مع زيارة وفد من حركة «حماس» للقاهرة.

ويرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن المبادرة الجديدة قد تحمل فرصة لبدء مفاوضات لإبرام اتفاق جديد سواء كان جزئياً أم شاملاً إذا تحققت انفراجة بالمفاوضات، مرجحين الذهاب لصفقة جديدة إذا ضغطت واشنطن لإنهاء تعنت إسرائيل، وقبلت «حماس» بالتفاهمات المطروحة لإنهاء الفجوات السابقة، لا سيما المرتبطة بالانسحاب الإسرائيلي.

ونقلت قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية، الثلاثاء، عن مصادر أن «وفداً من قيادات حركة (حماس) برئاسة خليل الحية وصل إلى مصر للتشاور بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة»، لافتة إلى أن «زيارة وفد حركة (حماس) إلى مصر تأتي بعد فترة جمود شهدتها عملية التفاوض وضمن جهود تُجرى لإدخال المساعدات للقطاع».

وأكدت وجود «جهود مصرية مكثفة واتصالات مع جميع الأطراف لتجاوز الخلافات من أجل التوصل لهدنة مؤقتة بقطاع غزة»، لافتة إلى أن «مباحثات القاهرة تهدف إلى الدفع مرة أخرى باتجاه استئناف المفاوضات والتقدم نحو بلوغ اتفاق لوقف إطلاق النار (...) ومناقشة هدنة مدتها 60 يوماً في غزة».

وأعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي الثلاثاء، أن القاهرة تعمل مع قطر والولايات المتحدة على «هدف رئيسي هو العودة إلى المقترح الأول بوقف لإطلاق النار لستين يوماً، مع الإفراج عن بعض الرهائن وبعض المعتقلين الفلسطينيين، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى غزة دون عوائق ودون شروط».

عبد العاطي أكد أيضاً أن المتفق عليه أن إدارة قطاع غزة ستتولاها 15 شخصية فلسطينية من التكنوقراط تحت إشراف السلطة الفلسطينية لفترة مؤقتة تمتد لـ6 أشهر.

مبادرة جديدة

التفاصيل المصرية تتزامن مع حديث «هيئة البث الإسرائيلية»، الثلاثاء، عن «طرح الوسطاء مبادرة جديدة على (حماس) تتضمن صفقة شاملة تشمل تحرير جميع المختطفين، الأحياء منهم والأموات، مقابل الإفراج عن سجناء أمنيين فلسطينيين، ونزع سلاح حركة (حماس)».

وتشترط المبادرة على «حماس» «الموافقة على خطة انسحاب جديدة للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، تحت إشراف مشترك عربي أميركي، حتى يتم التوصل إلى حل دائم لقضية نزع السلاح وإدارة القطاع».

فلسطينية تسكب على حفيدتها مياهاً أخذتها من نقطة توزيع بينما يستخدم ابنها جزءاً آخر في الطهي بخيمة في مدينة غزة الثلاثاء (أ.ب)

وتلتزم «حماس» بـ«تجميد نشاط جناحها العسكري ونزع سلاحه، مع ضمانات من الوسطاء الدوليين، ومن ضمنهم تركيا، وتُجرى في الوقت ذاته مفاوضات للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم».

وتأتي تلك الأحاديث التي تضخ مياهاً جديدة في المفاوضات الراكدة منذ أواخر يوليو الماضي بعد انسحاب أميركي إسرائيلي للتشاور، غداة تأكيد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في تصريحات صحافية الاثنين، أن القاهرة تسعى إلى «التوصل إلى اتفاق كامل وصفقة شاملة تنهي الحرب بغزة»، مشدداً على وجود إمكانية لعقد تلك الصفقة إذا حسنت النيات، وإذا توفرت الإرادة السياسية».

وفي ضوء تلك التطورات، يرى مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الدكتور خالد عكاشة، أن هناك فرصة مواتية وإيجابية لإنجاح ما تم إنضاجه في جولات التفاوض السابقة، مشيراً إلى أنه لا تتوفر معلومات كاملة بشأن المبادرة، لكن أبرزها ملامحها مرتبط بإنهاء الفجوات التي كانت تعقّد الجولات السابقة، وذلك بضمان أميركي وضغط من واشنطن على إسرائيل.

وبحسب عكاشة، فإن من بين تلك الفجوات جدول إطلاق سراح المحتجزين، وتسليم الجثث، وتضييق المسافات الزمنية، مع إمكانية الذهاب لصفقة شاملة إذا حدثت توافقات وانفراجة بالمحادثات؛ هذا إلى جانب تقديم شكل جديد لخطة التمركزات الإسرائيلية، وتعميق تدفق المساعدات لغزة بشكل كبير ومؤثر إيجابياً، فضلاً عن ظهور ملامح لحل أزمة نزع سلاح «حماس»، ومنها تنفيذ التصور العربي لليوم التالي الذي يتضمن عدم وجود الحركة، وتدريب قوات أمنية بديلة تقود الأمن بالقطاع.

حلول وسط

يرى المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، أن اجتماعات القاهرة تحمل تفاصيل جديدة لتحريك المفاوضات بداية نحو هدنة جزئية دون أن يكون مستبعداً الذهاب لاتفاق شامل لو نضجت المحادثات؛ معتقداً أن عودة المحادثات تعني وجود حلول وسط أو تفاهمات لإنهاء الفجوات التي أفشلت المفاوضات السابقة.

فلسطينيون يُهرعون لالتقاط مساعدات أُنزلت جواً في دير البلح بوسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (رويترز)

واستبق رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات المصرية» التابعة للرئاسة، ضياء رشوان، إعلان زيارة «حماس» للقاهرة، وأكد في مقابلة متلفزة، يوم الاثنين، أنه «لدى القاهرة وقطر مقترح محدد. إذا رأت (حماس) في هذا المقترح أنه يرفع الراية البيضاء، فمن حقها أن ترفضه، ولا أظن أن الوسطاء يرون فيه هذا. وإذا رأت فيه أنه ربما يكون تراجعاً تكتيكياً لخدمة الانتصار الاستراتيجي للقضية الفلسطينية الذي يتحقق ويزداد الآن، فعليها أن تقبله ولكن بشروطها».

ودعا رشوان «حماس» لسرعة التفاعل مع المطروح بالقاهرة قائلاً: «أرجوكم... لا تتأخروا في الرد على المبادرة، جربنا ذلك مرتين أو ثلاثاً، وكان توقيت القرار هو أهم جزء في نجاحه».

خلافات إسرائيلية

وأشارت «هيئة البث الإسرائيلية»، نقلاً عن مصادر مطلعة، الثلاثاء، إلى «وجود خلافات في الرأي بين أعضاء الفريق التفاوضي الإسرائيلي حول إمكانية إحراز تقدم في المرحلة الراهنة باتجاه اتفاق، حتى لو كان جزئياً».

نازحون فلسطينيون يحملون طروداً غذائية من شاحنات تحمل مساعدات إنسانية في خان يونس جنوب غزة (أ.ف.ب)

وذكرت صحيفة «هآرتس» عن مصادر إسرائيلية أن القيادة السياسية بإسرائيل قد تلغي أو تؤجل خطة عسكرية للسيطرة على مدينة غزة، إذا أبدت حركة «حماس» استعدادها لتقديم تنازلات كبيرة، متوقعة أن فرص نجاح الجانبين في تجاوز خلافاتهما العالقة ضئيلة.

ويتوقع عكاشة أن تبدي «حماس» مرونة، وتتجاوب مع أي طرح من الوسطاء في ظل المساحات الضيقة للغاية التي تتحرك فيها حالياً، لا سيما في ظل خطر إعادة احتلال كامل قطاع غزة والذي لا يهدد الحركة فقط بل القضية الفلسطينية كلها.

ويعتقد الرقب أن موافقة «حماس» على الإطار المقترح ممكنة، سواء كان جزئياً أم شاملاً، شريطة أن تكون هناك ضمانات واضحة، لا سيما، أميركية بشأن إنهاء الحرب، «وإلا تعثرت المفاوضات مجدداً بتعمد إسرائيلي، ونرى ضغوطاً أكبر مع احتلال كامل لغزة».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: ندعو لدخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لغزة

المشرق العربي أطفال ينتظرون الحصول على نصيبهم من الطعام بمخيم النصيرات في غزة (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: ندعو لدخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لغزة

رحب مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأحد، بالتقدم الذي أُحْرِزَ بشأن المجاعة في غزة، لكنه أوضح أن هذا التقدم لا يزال هشاً للغاية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية سيدات فلسطينيات أمام جنود إسرائيليين يعتقلون مواطنين في مخيم نور شمس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تقرير: إسرائيل تسمح للآلاف من جنود الاحتياط بالاحتفاظ ببنادق في منازلهم

يستعدّ الجيش الإسرائيلي لتسليح نحو 10 آلاف جندي احتياطي من الفرقة 96 ببنادق طويلة تُحفظ في منازلهم على مدار العام

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال اجتماع سابق (أرشيف - رويترز)

تقرير: اليونان تدرس إرسال مهندسين إلى غزة ضمن المرحلة الثانية من خطة ترمب

ذكرت قناة «إن 12» الإخبارية الإسرائيلية، يوم السبت، أن اليونان تدرس إرسال مهندسين إلى قطاع غزة ضمن المرحلة الثانية من اتفاق ترمب لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
المشرق العربي والدة أحمد زيود خلال تشييع جثمانه خلال جنازته قرب جنين في الضفة الغربية اليوم (أ.ب)

مقتل 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلي على شرق مدينة غزة

قُتل ثلاثة فلسطينيين، صباح اليوم الأحد، في قصف إسرائيلي استهدف حي الشجاعية شرق مدينة غزة، فيما قتل فتى وشاب برصاص الجيش الإسرائيلي في واقعتين منفصلتين بالضفة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترمب في دار المستشارية في برلين (إ.ب.أ) play-circle

الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا تدعو إلى ضبط النفس في غزة

حضّت الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا الطرفين المعنيين بوقف إطلاق النار في غزة على الوفاء بالتزاماتهما وممارسة ضبط النفس.

«الشرق الأوسط» (ميامي)

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

وأضاف عبد العاطي في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية جنوب السودان مونداي سيمايا كومبا أن مصر ليست لديها أي مشكلات مع دول حوض النيل «باستثناء دولة واحدة في حوض النيل الشرقي»، في إشارة إلى إثيوبيا.

وافتتحت إثيوبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي «سد النهضة» الضخم على نهر النيل الذي بدأت تشييده في 2011، وهو مشروع بلغت تكلفته مليارات الدولارات، وتعدّه مصر تهديداً لحقوقها التاريخية في مياه أطول أنهار أفريقيا.

من جانب آخر، قال وزير الخارجية المصري إنه ناقش مع نظيره في جنوب السودان أهمية الوصول إلى تهدئة في السودان، والتوصل لهدنة إنسانية وإطلاق عملية سياسية شاملة.

ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023 أشعلها صراع على السلطة خلال مرحلة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً)، بنسبة زيادة 42.8 في المائة عن الفترة نفسها من عام 2024، وبينما تحتفي الحكومة والبنك المركزي، بزيادة التحويلات التي تعدّ أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد، يرى خبراء أنها «تظل غير كافية لسد احتياجات الدولة من النقد الأجنبي».

ووجَّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الحكومة والبنك المركزي إلى زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، خلال اجتماع مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ووزير المالية أحمد كجوك، الأحد.

ووفق عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب محمود الصعيدي، فإن «أي زيادة في تحويلات المصريين بالخارج تعني زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، ما يمكِّنها من زيادة احتياطاتها من النقد الأجنبي، الذي وصل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 50.215 مليار دولار».

وأشار الصعيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مصادر النقد الأجنبي الأخرى وهي السياحة، وقناة السويس، والاستثمار، والتصدير تشهد تحسناً هي الأخرى».

مؤتمر مصري يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج... أغسطس الماضي (وزارة الخارجية المصرية)

ووفق البنك المركزي، حقَّقت تحويلات المصريين العاملين بالخارج «تدفقات قياسية خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2025، خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، لتسجِّل نحو 33.9 مليار دولار، مقابل نحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق».

وأضاف البنك المركزي، في بيان الأحد، «على المستوى الشهري، ارتفعت التحويلات خلال شهر أكتوبر 2025 بمعدل 26.2 في المائة، لتسجل نحو 3.7 مليار دولار، مقابل نحو 2.9 مليار دولار خلال شهر أكتوبر 2024».

وبينما يعدّ النائب البرلماني زيادة تحويلات المغتربين إنجازاً يُحسب للحكومة، التي «استطاعت القضاء على السوق السوداء، وأصبحت تحويلات المصريين بالخارج تتدفق عبر القنوات الرسمية»، يشكك خبيرا الاقتصاد خالد الشافعي ووائل النحاس في «قدرة هذه التحويلات على سد احتياجات الدولة من العملة الصعبة».

واتخذت الحكومة في مارس (آذار) 2024، قراراً بتعويم الجنيه، ارتفع بموجبه سعر الدولار رسمياً في البنوك إلى 50 جنيهاً بعدما كان يسجل نحو 30 جنيهاً، وانعكس ذلك على تحجيم السوق السوداء للعملة الصعبة.

ويرى الشافعي أن زيادة تحويلات المصريين تظل دون المأمول، وغير قادرة هي أو المصادر الأخرى للدولار على سد احتياجات مصر من العملة الصعبة، «ما دام هناك دين على الدولة، وعجز في الموازنة العامة، فذلك يعني أن الأزمة ما زالت قائمة».

وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الرُّبع الثاني من العام، أي يونيو (حزيران) الماضي، وفق بيانات رسمية.

وزير العمل المصري يلتقي الجالية المصرية في إيطاليا خلال زيارته... ديسمبر 2025 (وزارة العمل المصرية)

يتفق معه الخبير الاقتصادي وائل النحاس، قائلاً إن «تحويلات المصريين في الخارج تحقق نوعاً من الوفرة في المعروض النقدي بالسوق المصرية، تكفي لسد فوائد الدين، لكن لا تكفي لسد أصل الدين، أو تقلل حجم الأزمة الاقتصادية، التي تحتاج إلى زيادة موارد الدولة الدولارية التي تقوم بالأساس على نشاط خاص بها مثل عوائد قناة السويس، أو تصدير معادن وغيرها، أو نتاج صناعة وطنية».

وعدّ النحاس أن «البيانات الرسمية مرة تتحدث عن التحويلات بالسنة المالية، وأخرى بالسنة الميلادية، في محاولة للتركيز على هذه الزيادات بوصفها إنجازاً».

ويتساءل النحاس: «بالنظر إلى عدد المصريين العاملين في الخارج لو قدرناه بـ10 ملايين مصري، فيعني أن متوسط التحويل من كل مصري شهرياً نحو 300 دولار، والتي يحولها عادة لأهله في الداخل، فأين ادخارات هؤلاء؟»، مشيراً إلى أن «حجم التحويلات مقارنة بأعداد المصريين يكشف عن أن جزءاً منهم ما زال يفضِّل قنوات أخرى لادخار أمواله».

ويوجد أكثر من 11 مليون مصري في الخارج حتى عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء.

أما الشافعي، فيرى أن الحكومة تحتاج إلى العناية بملف المغتربين بصورة أكبر، سواء من خلال طرح أوعية ادخارية واستثمارية لاجتذابهم بعوائد مرتفعة، أو تقديم تسهيلات على الاستثمار وفتح مشروعات متوسطة وصغيرة، بالإضافة إلى العمل على زيادة أعدادهم ومعها زيادة الموارد الدولارية.

وظهرت توجهات حكومية لافتة خلال الشهور الماضية لفتح أسواق عمل للعمالة المصرية، حيث زار وزير العمل المصري محمد جبران قبل يومين إيطاليا «لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات التشغيل، والتدريب المهني، ونقل العمالة»، وفق بيان للوزارة. ويرى الشافعي أن هذا التوجه «جاء متأخراً».

وزير الخارجية المصري خلال اجتماع مع وفد للجالية المصرية في اليونان (وزارة الخارجية)

ويقول الشافعي: «غالبية المصريين في الخارج سافروا بجهودهم الشخصية، ولم تعمل الحكومة سابقاً بشكل فعال في هذا الملف»، مطالباً بإنشاء مراكز تأهيل للمصريين الذين يرغبون في العمل بالخارج بداية من العامل، وحتى رئيس مجلس الإدارة، والعلماء، وفتح أسواق لهذه العمالة. وعلق: «وقتها ستقفز التحويلات إلى 100 مليار دولار وأكثر وليس فقط 39».

ويتخوف النحاس من أن «زيادة تحويلات المغتربين وموارد السياحة وكلها موارد رغم أهميتها في تحقيق وفرة دولارية في السوق، لكنها تظل غير متينة، وقابلة لأن تشهد هزات في أي وقت، ومعها عودة أزمة العملة الصعبة».

بالتزامن، وجَّه الرئيس المصري الحكومة، الأحد، إلى «تسريع مسار الاستدامة المالية، وتعزيز الانضباط المالي، وتحسين هيكل المديونية، والتركيز على زيادة مستويات الاحتياطي من النقد الأجنبي».


«النواب» المصري يغادر القاهرة نهائياً إلى العاصمة الجديدة

مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
TT

«النواب» المصري يغادر القاهرة نهائياً إلى العاصمة الجديدة

مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)
مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)

ودّع مجلس النواب المصري مقره التاريخي في قلب القاهرة نهائياً، بعد أن ظل على مدى نحو 160 عاماً شاهداً على تحولات سياسية وتاريخية مفصلية في مصر. وانتقل المجلس بكامل موظفيه إلى مقرّه الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، ليُسجل مرحلة جديدة من عمر الحياة البرلمانية المصرية، بحسب مراقبين.

وبدأت أمانة مجلس النواب وكامل الموظفين مباشرة أعمالهم في مقرهم الجديد، الأحد، بعد أن غادر آخر موظف المبنى القديم يوم الخميس الماضي، في حين أشار المستشار أحمد عزت مناع، الأمين العام لمجلس النواب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تخصيص أصول المبنى القديم لمجلس النواب متروك للدولة المصرية واستراتيجيتها في هذا الشأن، ولم يتم الإعلان عنه بعد».

وكان مجلس النواب عقد أولى جلساته التجريبية بمقره الجديد في أبريل (نيسان) 2024، ألقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة خلال مراسم أداء اليمين الدستورية لرئاسته لفترة جديدة. في حين لا يزال مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) يواصل انعقاده داخل المبنى التاريخي بوسط القاهرة، وفق مناع.

السيسي يلقي كلمة بمقر مجلس النواب الجديد في أبريل 2024 (الرئاسة المصرية)

وتقول الحكومة المصرية إن «هذا الانتقال تتويج لجهود استمرت عقوداً لتحديث البنية البرلمانية في مصر وتوفير بيئة عمل متكاملة تتواكب مع التطور العمراني للعاصمة الجديدة».

ومع ذلك تبقى أنظار مصريين معلقة بالمبنى القديم لمجلس النواب، الذي يصفه الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، بأنه «شاهد عيان وسجل تاريخي حيّ».

ويبرز عفيفي لـ«الشرق الأوسط» ارتباط هذا المبنى بـ«تطور الحياة البرلمانية في مصر منذ عهد الأسرة العلوية، ونشأة مجلس شورى النواب كأول برلمان مصري عام 1866، مروراً بمجلس النواب، ثم مجلس الأمة بعد ثورة يوليو (تموز)، وصولاً إلى مجلس الشعب في عهدَي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك، ثم مجلس النواب بصيغته الحالية».

ويضيف: «المبنى لم يكن مجرد مقر إداري، بل عاصر تحولات تاريخية وسياسية وتشريعية كبرى، وشكّل محطة مهمة في رسم ملامح النظام النيابي عبر عقود متتالية».

ويقع المبنى التاريخي في «شارع قصر العيني» بوسط القاهرة، وكان مخصصاً في البداية لنظارة الأشغال العمومية، واستضاف أول اجتماع رسمي لمجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1881.

ويعد مبنى مجلس النواب بالعاصمة الإدارية الجديدة من أكبر مقار البرلمانات في الشرق الأوسط؛ إذ أقيم على مساحة 26 فداناً (109 آلاف م²). وتتسع القاعة الرئيسية لـ1000 عضو، وتعلوه قبة بارتفاع 65 متراً وقطر 55 متراً.

ويتكون المبنى من ثلاثة أجنحة رئيسية، ويضم قاعات استماع، ومركزاً إعلامياً، ومركز معلومات وتدريب، ومباني خدمية تشمل مركزاً طبياً وشرطة ومسجداً وإطفاء.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال جلسة تأدية اليمين الدستورية بمقر مجلس النواب الجديد في أبريل 2024 (الرئاسة المصرية)

ويتزامن الانتقال مع قرب إسدال الستار على أطول وأكثر انتخابات نيابية جدلاً في تاريخ مصر الحديث؛ إذ تستعد الهيئة الوطنية للانتخابات لإجراء إعادة لانتخابات 49 دائرة، سبق أن جرى إلغاء نتائجها بسبب أحكام قضائية أو قرار من الهيئة الوطنية للانتخابات نتيجة «مخالفات وشبهات تزوير»، في حين يُنتظر إعلان النتائج النهائية يوم 10 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وتُجرى جولة الإعادة لـ30 دائرة سبقت إعادة الانتخابات فيها عقب إلغائها في المرحلة الأولى، على أن تُجرى خارج مصر يومَي 31 ديسمبر الحالي و1 يناير المقبل، في حين ستُجرى داخل البلاد يومَي 3 و4 يناير.

أما بالنسبة لـ19 دائرة سبق أن أعيد الاقتراع فيها بعد إلغاء نتائجها، فهي موزعة على 7 محافظات، وتتنافس على 35 مقعداً برلمانياً، وستُجرى انتخاباتها خارج مصر يومَي 24 و25 ديسمبر، وداخل البلاد يومَي 27 و28 ديسمبر.

كما يترقب مرشحون برلمانيون خاسرون وأنصارهم قرار المحكمة الإدارية العليا بجلسة الاثنين، للفصل في 32 طعناً على نتائج 30 دائرة انتخابية أعيد التصويت فيها بعد إلغاء نتائجها ضمن المرحلة الأولى من الانتخابات.