مارسيل خليفة في صيدا... وحَّد الأغنية بالموقف وقاد جمهوره إلى مرتفعاته

سهرة بجوار البحر بين عود الأب وبيانو الابن وذاكرة محمود درويش

صوته يمشي حافياً على جراح المدن (الشرق الأوسط)
صوته يمشي حافياً على جراح المدن (الشرق الأوسط)
TT

مارسيل خليفة في صيدا... وحَّد الأغنية بالموقف وقاد جمهوره إلى مرتفعاته

صوته يمشي حافياً على جراح المدن (الشرق الأوسط)
صوته يمشي حافياً على جراح المدن (الشرق الأوسط)

كان مُحقّاً مارسيل خليفة حين طرح، بنبرة لا تخلو من القلق، سؤاله: «هل من مكان للقصيدة اليوم؟». ليس هذا السؤال وليد لحظة عابرة أو انفعال مسرحي. إنه امتداد لانشغالات فكرية وفنّية رافقته منذ بداياته، حيث ظلَّ مشغولاً بمصير الشِّعر والموسيقى في زمن التراخي. قُبيل انطلاق حفله في «مهرجانات صيدا»، أراد أن يشارك جمهوره هذا الهمّ، كأنه يضع الحفل في سياقه الوجودي والثقافي منذ اللحظة الأولى. فهو يدرك أنَّ الزمن تغيَّر، وأنَّ المشهد الفنّي لم يعد يُشبه الحلم الذي حمله يوماً عن الأضواء والموسيقى، ومع ذلك لا يزال يؤمن بقدرته على أن يكون الصوت المختلف وسط ضجيج الأصوات المُتشابهة، والطائر الذي يختار التحليق خارج السرب الذي يندفع جماعياً نحو مسار واحد.

العود الذي لا يشيخ (الشرق الأوسط)

لهذا السبب، على الأرجح، قرَّر أن يقيم حفلاً ينطلق منه هو نحو الناس، لا العكس. أراد أن يقود أمسيته وفق إيقاعه الخاص، وأن يفرض ذائقته الفنّية حتى لو خالفت توقّعات بعض جمهوره. لم يُقدّم كلّ ما انتظره الحاضرون منه، وبدا واضحاً إعلانه رَسْم الحفل كما يراه. بعض الحاضرين خلف كاتبة هذه السطور أبدوا تبرّمهم حين طغى العزف على الغناء، فيما أُعجب آخرون بأداء رامي خليفة على البيانو، وإنْ لمحوا فيه إفراطاً في استعراض موهبة الابن في حضرة الأب. لكنَّ مارسيل، الذي خَبِرَ مسارح العالم، لم يكن غافلاً عمّا يدور حوله؛ يعرف تماماً متى يتململ الجمهور، لكنه يصرّ على أن يقوده إلى المرتفعات التي يقيم فيها. والدليل أنه، حين لم تستدعِ إحدى الأغنيات أجواء حماسية، طلب من الحاضرين التوقّف عن التصفيق والاكتفاء بالإصغاء، وعندما سلَّم العزف لابنه تحية لضحايا مرفأ بيروت، ناشدهم أن ينصتوا جيداً، إدراكاً منه لخصوصية اللحظة وصفائها.

وصيدا التي احتفظت بمهرجاناتها وسط واقع سياسي وأمني واقتصادي لا يمنح سبباً واحداً للتمسُّك، جعلت من هذه الأمسية إعلان حياة. في مدينة لم يعُد الأمان فيها مضموناً، يصبح الغناء فعلاً وجودياً، وتغدو المهرجانات جسراً بين الأمل والحاضر، مهما كانت الإمكانات. هنا، ينتفي أيُّ داعٍ للمقارنة مع عروض أخرى ضخمة الإضاءة والميزانيات، لأنَّ ما عجزت عنه التقنية عوَّضه المكان: مسرحٌ لا يبعد سوى أمتار عن البحر، يُجاوره صرح قلعة صيدا التاريخية، ويُباركه قمر مُكتمل يضيف هيبة إلى المشهد. هكذا بدا الحفل كأنه يواجه محاولات تشويه صورة المدينة، ويؤكد أنّ لأبنائها الحقّ في الفرح والاحتفال بالحياة.

وفي ذكرى رحيل محمود درويش، لم يفُت مارسيل خليفة عناق صديقه وشريكه في القصيدة. كان الجمهور ينتظر «ريتا»، وحين غنَّاها، عمَّ شعور خاص بأنَّ الحفل يخصّ كل فرد على نحو شخصي. تحت حرّ أغسطس (آب) ورطوبة البحر، وجد كثيرون أنفسهم يتمنّون أن يفيض الحفل بما جاءوا من أجله من أغنيات محفورة في الذاكرة. «ريتا» كانت من ذلك الصنف المُشتهى، وكذلك «في البال أغنية»، و«منتصب القامة» التي تحوَّلت نشيداً جماعياً، خصوصاً لحاضرين من غزة الجريحة، لوَّحوا بالكوفية وسط التصفيق، كأنهم يلتقطون من حضن موسيقاه عزاء يتيح احتمال عالم لم يعد يُحتمل.

أما «أيها المارّون بين الكلمات العابرة» فتجاوزت كونها قصيدة غنائية أدّاها مارسيل بتأثّر عميق. أرادها موقفاً فنّياً وسياسياً؛ وبصوته، تحوّلت كلمات درويش إلى نداء يهدر بالحق: «اخرجوا من أرضنا/ من برّنا/ من بحرنا... من قمحنا/ من ملحنا/ من جرحنا/ من كلّ شيء». كلماتٌ تُحَسّ، تُلمَس في الصدور، وتمنح السامعين لحظة من عدالة الوجود، لأنها كُتبت لتُحرّك الأعماق.

حين يغنّي... تصبح القصيدة وطناً مؤقتاً (الشرق الأوسط)

راحلٌ آخر أصرّ مارسيل على تحيّته هو زياد الرحباني. لم يغنِّ من أعماله، لكنه منحه لحظة موسيقية خاصة، إذ عزف رامي على البيانو وتبعه والده على العود. ومارسيل الذي يُعانق عوده أينما حلَّ، ويغنّي جالساً بصوت لا يزال يتوهّج، بدا كأنَّ العمر لم يمرّ عليه، وكأنه لم يتعب من النداء. حفلُه كان مساحة لتكريم مَن أحبّهم: محمود درويش، وفلسطين، والجنوب اللبناني، وزياد العبقري، وتشي غيفارا الثائر الذي أهداه موسيقى تانغو، وبيروت ومرفأها القتيل، والأوطان التي تؤلم إن اخترناها أو اختارتنا، وريتا بعينَيْها العسليتَيْن، وابنه رامي الذي منح الأمسية لمسة عذبة بانغماسه حتى النهاية في سحر البيانو.

مارسيل خليفة... منفيّ دائم في وطن الأغنية (الشرق الأوسط)

وعلى مقربة من المسرح، استعدّ صيادو صيدا لملاقاته بأغنية «البحرية». هذه الأغنية الأيقونة التي لا يكتمل حفل لمارسيل من دونها، كانت الذروة العاطفية للأمسية. «هيلا هيلا» على وَقْع هدير المراكب، والقمر البدر شاهداً. موج البحر هادئ، لعلّه يتململ من لهيب أغسطس، ولا مزاج له ليشدّ الحيل ويرتفع أكثر. أو لعلّه أجَّل ارتفاعه إلى ما بعد الحفل، حيث «فَقَش» على طول الطريق المؤدّية إلى باصات المُغادرة كأنه يقول للآتين إلى المدينة: «شكراً لزيارتكم، لا تُطيلوا الغياب».

وحين ارتفعت «شدّوا الهِمّة»، سأل الفنان عن «الزلغوطة» لتُعلن الفرح على طريقتها. عندها، تحوّل الختام إلى مهرجان قائم بذاته. فمارسيل خليفة، العارف بأسرار المسرح، يُدرك متى يُعانق عوده ويشرد في النغم، ومتى يُشعل الحماسة ليُنهض كلَّ جالس على مقعده. في الحالتَيْن، يظلّ فناناً يُقدَّر، لأنه يعرف أنّ الفنّ ليس زِينة وقتيّة، وأنه قمم تُرتقى ومكانة لا ينبغي التنازل عنها. وفي صيدا، لم يغادر قمّته طوال الأمسية.


مقالات ذات صلة

شراكة «الإشعاع»: فيروز والأخوان رحباني مع صبري الشريف

يوميات الشرق صبري الشريف بجانبه فيروز وسيدات «مهرجانات بعلبك» 1956 (أرشيف الشريف)

شراكة «الإشعاع»: فيروز والأخوان رحباني مع صبري الشريف

فيروز والأخوان رحباني وصبري الشريف، الأضلاع الثلاثة لمؤسسة فنية أرست لأغنية جديدة سيكون لها ما بعدها، ليس فقط في لبنان، بل في الوطن العربي كله.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق أغاني عيد الميلاد في أوبرا الإسكندرية (دار الأوبرا المصرية)

الأوبرا المصرية تستقبل الكريسماس بحفل عالمي في الإسكندرية

استقبلت دار الأوبرا المصرية احتفالات الكريسماس لهذا العام بحفل غنائي في مسرح سيد درويش «أوبرا الإسكندرية» تضمن عزف مقطوعات موسيقية من أشهر الأعمال الكلاسيكية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الوتر السادس عمرو سليم لـ«الشرق الأوسط»: أفكر في العودة إلى التلحين

عمرو سليم لـ«الشرق الأوسط»: أفكر في العودة إلى التلحين

قال الموسيقار وعازف البيانو المصري عمرو سليم إن بينه وبين المطرب مدحت صالح كيمياء خاصة جعلتهما يشكلان ثنائياً ناجحاً في الحفلات الغنائية.

انتصار دردير (القاهرة)
الوتر السادس شيراز لـ«الشرق الأوسط»: النجومية لا تكتسب بل تولد مع صاحبها

شيراز لـ«الشرق الأوسط»: النجومية لا تكتسب بل تولد مع صاحبها

في كل مرة تبتعد فيها الفنانة شيراز عن الساحة الفنية تعود بعمل يفاجئ جمهورها وتتحوّل إلى حديث الناس.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تفاعل الجماهير في مسرح «ساوندستورم 2025» (ميدل بيست)

ختام «ساوندستورم 2025» يرسخ مفهوم المدينة الموسيقية في الرياض

أسدل مهرجان «ساوندستورم 2025» الذي تنظمه شركة «ميدل بيست» الستار على نسخة استثنائية حوَّلت أرض المهرجان في الرياض إلى مدينة موسيقية.

فاطمة القحطاني (الرياض)

مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت البعثة الأثرية المصرية الإيطالية المشتركة، بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة بادوفا الإيطالية، الثلاثاء، اكتشاف عدد من الورش الصناعية التي ترجع إلى العصر المتأخر وبدايات العصر البطلمي، إلى جانب الكشف عن جزء من جبانة رومانية تضم أنماطاً متنوعة من الدفن، أثناء أعمالها بموقعي كوم الأحمر وكوم وسيط بمحافظة البحيرة (غرب الدلتا).

ويساهم هذا الكشف في تعميق فهم طبيعة الحياة والنشاط البشري في مناطق غرب دلتا النيل والمناطق الداخلية المحيطة بمدينة الإسكندرية، وفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خالد، موضحاً في بيان للوزارة، الثلاثاء، أن «هذه الاكتشافات تمثل إضافة علمية مهمة لدراسة أنماط الاستيطان والممارسات الجنائزية والأنشطة الصناعية في غرب الدلتا، كما تسهم في تقديم رؤى جديدة حول شبكات التواصل الإقليمي منذ العصر المتأخر وحتى العصرين الروماني والإسلامي المبكر».

وتتكون الورش الصناعية المكتشفة من مبنى كبير مقسّم إلى ما لا يقل عن ست غرف، خُصصت اثنتان منها لمعالجة الأسماك، حسب تصريحات رئيس قطاع الآثار المصرية، محمد عبد البديع، حيث عثرت البعثة على نحو 9700 عظمة سمك، بما يشير إلى وجود نشاط واسع لصناعة السمك المملح في تلك الفترة.

الكشف عن جبانة رومانية بمصر (وزارة السياحة والآثار)

ويرجح تخصيص الغرف الأخرى لإنتاج الأدوات المعدنية والصخرية، وتمائم الفيانس، إذ عُثر على عدد من التماثيل الجيرية غير المكتملة، إلى جانب قطع أخرى في مراحل تصنيع مختلفة.

وأسفر الكشف أيضاً عن العثور على جرار أمفورا مستوردة وقطع من الفخار اليوناني، الأمر الذي يؤرخ نشاط هذه الورش إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وأسفرت أعمال الحفائر كذلك عن اكتشاف جزء من جبانة رومانية تضم عدة دفنات بثلاثة أنماط رئيسية، شملت الدفن المباشر في الأرض، والدفن داخل توابيت فخارية، بالإضافة إلى دفنات أطفال داخل أمفورات كبيرة، وفق بيان الوزارة.

فيما أوضحت رئيسة البعثة من جامعة بادوفا الإيطالية، الدكتورة كريستينا موندين، أن فريق العمل يجري حالياً عدداً من الدراسات البيو - أثرية على الهياكل العظمية المكتشفة، بهدف تحديد النظام الغذائي، والعمر، والجنس، والحالة الصحية للمدفونين بالموقع، والبالغ عددهم 23 شخصاً من الذكور والإناث والأطفال والمراهقين والبالغين.

وأشارت إلى أن النتائج الأولية لهذه الدراسات تشير إلى أن هؤلاء الأفراد عاشوا في ظروف معيشية جيدة نسبياً، دون وجود دلائل واضحة على إصابتهم بأمراض خطيرة أو تعرضهم لأعمال عنف.

وعدّ عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، هذه الاكتشافات، تمثل إضافة نوعية لفهم تاريخ غرب الدلتا خلال العصر الروماني، إذ تكشف بوضوح عن تداخل الحياة الاقتصادية مع الممارسات الاجتماعية والدينية في تلك المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «ورش تجهيز السمك المملح تعكس نشاطاً صناعياً منظماً يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية، ما يدل على أهمية غرب الدلتا بوصفها مركزَ إنتاجٍ غذائي وتجاري مرتبط بشبكات أوسع داخل مصر وخارجها».

من القطع المكتشفة في الجبانة (وزارة السياحة والآثار)

كما رأى عبد البصير أن «الكشف عن الجبانة الرومانية يقدّم مادة علمية ثرية لدراسة المعتقدات الجنائزية والبنية الاجتماعية للسكان، من خلال تنوع طقوس الدفن واللقى المصاحبة».

ونجحت البعثة في الكشف عن عشرات الأمفورات الكاملة (جرار خزفية)، بالإضافة إلى زوج من الأقراط الذهبية يعود لفتاة شابة، وقد نُقلت هذه القطع الأثرية إلى المتحف المصري في القاهرة، تمهيداً لإجراء أعمال الدراسة والترميم اللازمة لها، وفق بيان الوزارة.

وقال الخبير الآثاري والمتخصص في علم المصريات، أحمد عامر، إن «هذا الاكتشاف الأثري في غرب الدلتا يفتح آفاقاً جديدة لفهم فترة حكم العصور المتأخرة وما تلاها من حقب تعاقبت على الحضارة المصرية القديمة، بل وتعيد قراءة التاريخ المصري القديم من منظور جديد».

من القطع الأثرية المكتشفة (وزارة السياحة والآثار)

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الكشف سوف يضيف لنا علمياً كثيراً عن تلك الحقبة، كما أنه معروف أن الأمفورات كانت تستخدم في عمليات التجارة الخارجية، وكان يوضع بها النبيذ، وأحياناً في نقل السمك المملح، وهذه ليست المرة الأولى في العثور على الأمفورات، حيث كانت متداولة في التجارة الخارجية للدولة المصرية مع اليونان في فترات كثيرة».


للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
TT

للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)

يواجه أحد أقدم أنواع النحل على كوكب الأرض، والمُلقِّح الأساس في غابات الأمازون، تهديدات متزايدة نتيجة إزالة الغابات، والتغيرات المناخية، وتلوث المبيدات، والمنافسة من نحل العسل الأوروبي العدواني.

في خطوة تاريخية، أصبح نحل الأمازون غير اللاسع، أي الذي لا يلسع على عكس نحل العسل الأوروبي «النحل العدواني»، أول الحشرات في العالم التي تُمنح حقوقاً قانونية، تشمل الحق في الوجود، والازدهار، والحماية القانونية في حال التعرض للأذى.

وقد أُقرّت هذه القوانين في بلديتين في بيرو هما: ساتيبو وناوتا، بعد سنوات من البحث وجهود الضغط التي قادتها روزا فاسكيز إسبينوزا، مؤسسة منظمة «أمازون ريسيرتش إنترناشيونال».

يُربي السكان الأصليون هذا النوع من النحل منذ عصور ما قبل كولومبوس، ويُعد مُلقحاً رئيسياً يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة النظم البيئية، إذ يلقح أكثر من 80 في المائة من النباتات، بما في ذلك محاصيل الكاكاو، والقهوة، والأفوكادو. وأظهرت أبحاث إسبينوزا، التي بدأت عام 2020، أن عسل هذا النحل يحتوي على مئات المركبات الطبية المضادة للالتهاب والفيروسات والبكتيريا، كما وثقت المعرفة التقليدية في تربيته وجني عسله.

أفاد السكان الأصليون بتراجع أعداد النحل وصعوبة العثور على الأعشاش، كما كشف التحليل الكيميائي للعسل عن آثار المبيدات حتى في المناطق النائية. وأظهرت الدراسات صلة بين إزالة الغابات وتراجع أعداد النحل، بالإضافة إلى المنافسة المتزايدة من نحل العسل الأفريقي المهجن، الذي بدأ في إزاحة النحل غير اللاسع من موائله الطبيعية منذ القرن الـ20.

وفقاً لكونستانزا برييتو، مديرة قسم شؤون أميركا اللاتينية في «مركز قانون الأرض»، تمثل هذه القوانين نقطة تحوُّل في علاقة البشر بالطبيعة، إذ تعترف بالنحل غير اللاسع بوصفه من الكائنات الحاملة للحقوق وتؤكد أهميته البيئية.

وأوضح زعيم السكان الأصليين آبو سيزار راموس أن القانون يحتفي بالمعرفة التقليدية ويعترف بالدور الحيوي للنحل غير اللاسع في دعم نُظم الأمازون البيئية وثقافات الشعوب الأصلية.

تتطلب هذه القوانين، حسبما ذكرت «الغارديان» البريطانية، استعادة المَواطن البيئية، وتنظيم استخدام المبيدات، واتخاذ تدابير للحد من آثار تغيُّر المناخ، وقد اجتذبت عريضة عالمية مئات الآلاف من التوقيعات، في حين أبدت دول أخرى اهتماماً بتطبيق نموذج بيرو لحماية المُلقِّحات المحلية.


«قصر القطن» بالإسكندرية... لتوديع الظلام واستقبال السائحين

المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

«قصر القطن» بالإسكندرية... لتوديع الظلام واستقبال السائحين

المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
المبنى يطل على البحر مباشرة في منطقة المنشية بالإسكندرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

يشكل إعلان الحكومة المصرية على لسان وزير قطاع الأعمال العام المصري المهندس محمد شيمي، عن سعيها للاستحواذ على مبنى قصر القطن في مدينة الإسكندرية المجاور للنصب التذكاري للجندي المجهول طاقة نور لإخراج المبنى من حالة الجمود واستغلاله سياحياً بعد تحويله إلى فندق.

ويعود المبنى لفترة الثمانينات، وأقيم مكان قصر القطن التاريخي زمن السادات، ويعدُّ أكبر منشأة في منطقة المنشية تطل على البحر مباشرة وسط مدينة الإسكندرية، ويتميز «قصر القطن» بطرازه المعماري ما جعله فريداً بين المنشآت والبنايات الموجودة في المنطقة من حيث الارتفاع والضخامة والعناصر الهندسية والمعمارية.

وقال الفنان فتحي بركات، رئيس جمعية الفنانين والكتاب «أتيليه الإسكندرية»، إن مبنى «قصر القطن» كان في البداية مملوكاً لشركة الأقطان الشرقية بالإسكندرية، وكانت هناك محاولة لأن يكون أعلى مبنى في المدينة ليتشكل من 45 طابقاً، لكن لم يتم الموافقة على مخطط بنائه، واقتصر على 22 طابقاً فقط، ومنذ إنشائه زمن السادات في موقع قصر القطن التاريخي لم يُستغل بشكل مثالي. «والآن تشغل جزءاً منه جامعة سنجور الفرنسية، بالإضافة إلى طابقين حكوميين، لكن تظل باقي الأدوار بلا أي نوع من الإشغال، وفق كلام بركات الذي أضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المبنى محاط بمنطقة مزدحمة بالبائعين، منطقة المنشية، ويجاور النصب التذكاري للجندي المجهول وإعادة الحياة له ربما يعيد الهدوء مرة أخرى للمكان، ويضفي طابعاً مختلفاً لها يعيدها للزمن الجميل، وهو يمتلك إمكانات تؤهله للاستغلال الفندقي، حيث يتضمن جراجاً في الدور الأرضي، بالإضافة لإجراء الكثير من التغييرات الداخلية لاستغلال مكوناته، أما عن شكله الخارجي فلا توجد هناك مساحة لأي تغييرات، لأن واجهته زجاجية، ولا يمكن تغييرها».

المبنى المراد تحويله إلى فندق (تصوير: عبد الفتاح فرج)

كان المهندس محمد شيمي، وزير قطاع الأعمال العام، قال خلال لقائه عدداً من الصحافيين بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، الثلاثاء، إن الحكومة المصرية تعمل حالياً على خطة تهدف إلى إعادة إحياء الأصول التاريخية وتعظيم الاستفادة منها، من بينها أحد القصور الأثرية المميزة بمدينة الإسكندرية، وهو «قصر القطن» الواقع بجوار النصب التذكاري، مشيراً إلى أنه من المستهدف تطوير القصر وإعادة تشغيله فندقاً سياحياً متميزاً.

وأضاف شيمي أن المشروع المقترح يتضمن إنشاء فندق بارتفاع 22 طابقاً، يسهم في دعم الطاقة الفندقية بالإسكندرية وتعزيز المنتج السياحي، والحفاظ على الطابع التراثي وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة، ولتحقيق ذلك أجرت الوزارة دراسة استغلال المبنى بوضع تصور شامل لتحقيق الاستغلال الأمثل له، وتحويله إلى مركز استثماري متعدد الاستخدامات الفندقية والإدارية والتجارية، وتسهم في تعظيم العائد منه، وتنشيط ودعم الحركة السياحية والتجارية في الإسكندرية وتوفير فرص عمل إضافية.

من جهته قال الباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان إن «اتجاه مصر لتطوير واستغلال قصر القطن وتحويله إلى فندق سياحي، سيُعيد صياغة المكان، عبر إزالة الكثير من الساحات التي تشوه المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة صارت مزدحمة جداً، فضلاً عن عشوائيتها، لذا سيكون مشروع الفندق بمثابة رئة تعيد ساحة النصب التذكاري ومنطقة المنشية لسماتها السياحية والتراثية التي فقدتها منذ سنين».