قمة ترمب وبوتين... اختراق في حرب أوكرانيا أم استراتيجية مماطلة جديدة؟

غياب كييف يخفّض التوقعات... والكرملين يكسر عزلته

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان قبل اجتماع في هلسنكي في 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان قبل اجتماع في هلسنكي في 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

قمة ترمب وبوتين... اختراق في حرب أوكرانيا أم استراتيجية مماطلة جديدة؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان قبل اجتماع في هلسنكي في 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان قبل اجتماع في هلسنكي في 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

سعت موسكو وواشنطن طيلة 7 أشهر لعقد قمّة لمناقشة إنهاء الحرب في أوكرانيا. وانتهت المحاولات بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، أنه سيلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أسبوع، أي في 15 أغسطس (آب) في ألاسكا، وهي الولاية التي باعتها الإمبراطورية الروسية للولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار عام 1867، حين كان القيصر ألكسندر الثاني يرزح تحت ديون الحرب.

لم يتضمن الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي أي تفاصيل أخرى. ونظراً لأن الاجتماع لن يشمل تمثيلاً أوكرانياً، فإن فرص تحقيق اختراق فوري تُعتبر ضئيلة. ومع ذلك، فإن عقد قمة بين القائدين الروسي والأميركي يعكس تغيراً ملحوظاً في السياسة الأميركية. فقد عامل الغرب بوتين، إلى حد كبير، بوصفه قائداً منبوذاً منذ غزوه أوكرانيا عام 2022، وهو الغزو الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف ودمار واسع في كلا البلدين. ويرى الكرملين مجرد استعداد رئيس أميركي للقاء ببوتين نصراً دبلوماسياً.

توقيت القمّة

منذ أن تولّى ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني)، طرحت الولايات المتحدة وروسيا مراراً فكرة عقد قمّة للقادة.

وبينما كان الزعيم الروسي مُتحمّساً للّقاء، فقد تردّد في اتّخاذ أي خطوات ملموسة لإنهاء الحرب طالما كان يعتقد أن روسيا تُحقّق تقدّماً في أوكرانيا. أما ترمب، الذي كان في البداية مؤيداً لروسيا ومنتقداً للمساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، فقد أجّل اللقاء مراراً طالما أن إنهاء الحرب بدا مستحيلاً، مُعبّراً مراراً عن إحباطه. ثم جعل من يوم الجمعة الماضي موعداً نهائياً لفرض عقوبات جديدة ما لم يُنهِ بوتين الحرب.

بوتين لدى استقباله ويتكوف في موسكو يوم 6 أغسطس (رويترز)

وقد نفّذ ترمب جزءاً من تهديداته يوم الخميس، بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى الولايات المتحدة بنسبة 50 في المائة لمعاقبتها على استمرار استيراد النفط الروسي.

وجاء طلب روسيا لعقد قمّة بالتزامن مع اقتراب الموعد النّهائي لعقوبات ترمب الأولية والثانوية الجديدة. وأُعلن عن قرار القمّة بعد أن عقد ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترمب، اجتماعاً مع بوتين في الكرملين يوم الأربعاء، رغم أن أيّاً من الطرفين لم يكشف عمّا دار فيه.

ماذا يريد بوتين؟

من المحتمل أن يستخدم بوتين القمة تكتيكاً للمماطلة، إضافةً إلى محاولة تحسين العلاقات المتوترة مع واشنطن.

وعلى نطاق أوسع، تنسجم القمة مع رؤية بوتين للعالم، التي ترى أن القوى العظمى يجب أن تُحدّد مناطق نفوذها، تماماً كما اجتمع جوزيف ستالين مع الرئيس فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في يالطا عام 1945 لتحديد معالم أوروبا بعد الحرب.

ويعتقد بوتين أن الترسانة النووية الضخمة لروسيا تجعلها قوة عالمية، رغم أن روسيا لا تُنتج سوى القليل مما يريده العالم، باستثناء الطاقة. كما أن بوتين، الذي وصف تفكّك الاتحاد السوفياتي عام 1991 بأنه «أعظم كارثة جيوسياسية في القرن»، يسعى منذ عقود لإعادة فرض سيطرة موسكو على أوكرانيا.

وعقدت روسيا وأوكرانيا 3 جولات من المحادثات في إسطنبول، واستغلّت موسكو هذه الاجتماعات لمحاولة تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في ساحة المعركة.

ومن المُرجّح أن يُكرّر بوتين في أي اجتماع مع ترمب مطالبه ذاتها: اعتبار شرق أوكرانيا جزءاً من روسيا، ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووقف توسع الحلف في أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، وتقييد حجم الجيش الأوكراني، وضمان أن تكون حكومة أوكرانيا ودودة تجاه موسكو.

ما الذي يريده ترمب؟

كان أحد وعود حملة ترمب الانتخابية إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة. ورغم أن هذا الموعد انقضى منذ زمن، فإنه ما زال يعتبر نفسه صانع الصفقات الأول. كما أنه لم يُخفِ رغبته في الفوز بجائزة نوبل للسلام، وربط استحقاقه لها بجهوده في أوكرانيا وغيرها من النزاعات.

وقد اتّسم موقف ترمب من الحرب بالتقلب. ففي وقت سابق من هذا العام، بدا وكأنه يتماشى مع الكرملين، حيث قلّص المساعدات العسكرية لأوكرانيا لفترة، وضغط على الرئيس فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع شهير في المكتب البيضاوي في فبراير (شباط).

لكن مع ازدياد إحباطه من بوتين، سمح مؤخراً بمزيد من مبيعات الأسلحة المخصصة لأوكرانيا. وانتقد قصف روسيا للمدن الأوكرانية، واصفاً إياه بأنه «مُخزٍ» و«مُقزز». وقبل شهر، انتقد بوتين مباشرة.

وقال ترمب للصحافيين خلال اجتماع لحكومته: «بوتين يوجه إلينا الكثير من الهراء، إذا أردتم معرفة الحقيقة. إنه لطيف جداً معنا طوال الوقت، لكن في النهاية يتضح أن الأمر بلا معنى».

وعاد الرئيس الأميركي هذا الأسبوع إلى لهجة السلام، فكتب على منصته للتواصل الاجتماعي: «الجميع يتفق على أن هذه الحرب يجب أن تنتهي، وسنعمل على ذلك في الأيام والأسابيع المقبلة».

أوراق واشنطن

رغم أن ترمب هدّد بفرض عقوبات أولية وثانوية قاسية على روسيا لإنهاء الحرب، فقد أقرّ بأنه قد لا يكون لها أي تأثير.

وفي حين أن رؤساء أميركيين سابقين قد يوافقون على قمة مكافأة على تقديم تنازلات نحو اتفاق سلام، فإنه لا توجد أي مؤشرات على أن بوتين غيّر موقفه الرافض لأي تسوية من هذا النوع.

فقد سمحت مبيعات الطاقة المستمرة لروسيا بتحمُّل أقسى العقوبات الغربية حتى الآن، كما أن لديها تجارة مباشرة محدودة مع الولايات المتحدة. ولم يفرض ترمب الرسوم الجمركية الحادة على الواردات الروسية التي فرضها على بعض شركاء أميركا التجاريين.

وقال ترمب في مقابلة مع قناة «CNBC»، الثلاثاء: «سيتوقف بوتين عن قتل الناس إذا خفضتم سعر الطاقة 10 دولارات أخرى للبرميل». لكن ترمب لم يتحرك لمعاقبة الصين، أكبر مستورد للنفط الروسي، فيما أكد المسؤولون الهنود أنهم يعتزمون مواصلة شراء النفط الروسي.

فرص تحقيق اختراق

لن تكون أوكرانيا، وهي أحد الأطراف الرئيسية في حرب روسيا، ممثلة في القمة. وقد قال ترمب إنه سيلتقي بزيلينسكي بعد ذلك بفترة قصيرة، لكن غياب أوكرانيا سيحدّ مسبقاً من النتائج. كما أن أوروبا، التي لها مصلحة كبيرة في نتيجة الحرب، لن تكون ممثلة أيضاً.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في المكتب البيضاوي يوم 28 فبراير (إ.ب.أ)

وعلى الرغم من الخسائر الهائلة التي تكبدتها أوكرانيا من حيث الأرواح والدمار، تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية قوية من الأوكرانيين ترفض فكرة تقديم التنازلات الإقليمية وغيرها من المطالب التي يفرضها الكرملين.

لقد أعاق رفض الجانبين تقديم تنازلات أي جهد للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض منذ فترة طويلة، ولا توجد مؤشرات كبيرة على التفاؤل الآن.

وكتبت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» الروسية عن القمة: «هل هو تحول حقيقي في حل الصراع الأوكراني؟ أم أنه سيتضح مرة أخرى أنه مجرد بداية زائفة وضجة وارتباك؟»

وقد عبّر بعض الجنود الأوكرانيين عن مشاعر مماثلة.

*خدمة صحيفة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الولايات المتحدة​ المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز) play-circle

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

تعيش العواصم الأوروبية وكييف توتراً دبلوماسياً متزايداً، بعدما كشفت تقارير صحافية مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني…

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
أوروبا حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها اليوم الخميس في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (دبلن)

روبيو: الغرامة الأوروبية على «إكس» اعتداء على الشعب الأميركي

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)
TT

روبيو: الغرامة الأوروبية على «إكس» اعتداء على الشعب الأميركي

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ف.ب)

أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، اليوم (الجمعة)، أن قرار الاتحاد الأوروبي بفرض غرامة مالية كبيرة على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي هو اعتداء على الشعب الأميركي من قبل حكومات أجنبية، كما يعد هجوماً على جميع شركات التكنولوجيا الأميركية.

وأضاف روبيو في منشور على «إكس»: «أيام فرض الرقابة على الأميركيين عبر الإنترنت قد ولت».

وقررت الجهات المنظمة لقطاع التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي في وقت سابق اليوم تغريم «إكس»، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، 120 مليون يورو بسبب «انتهاكات» تتعلق بالمحتوى على الإنترنت بعد تحقيق استمر لعامين، وأمهلت المنصة 60 يوماً لتقديم حلول و90 يوماً للتنفيذ.

وانتقد رئيس لجنة الاتصالات الاتحادية الأميركية بريندان كار قرار المفوضية الأوروبية، قائلاً إن أوروبا تغرم شركات التكنولوجيا الأميركية لأنها ناجحة، وتسعى للحصول على أموال غير مستحقة.

وحذر نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس الاتحاد الأوروبي، أمس (الخميس)، من فرض عقوبات على «إكس»، قائلاً إن على أوروبا «دعم حرية التعبير بدلاً من مهاجمة الشركات الأميركية بسبب أمور تافهة».

وقالت المفوضية الأوروبية في وقت سابق اليوم رداً على فانس إن قوانين المحتوى الرقمي «ليست رقابة».


أميركا تواصل حربها على «قوارب المخدرات» رغم الانتقادات

طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
TT

أميركا تواصل حربها على «قوارب المخدرات» رغم الانتقادات

طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)
طائرة تابعة لشركة «ساتينا» تتلقى تحية مائية عند هبوطها في مطار سيمون بوليفار الدولي في مايكيتيا بفنزويلا (أ.ف.ب)

قُتل أربعة أشخاص في ضربة جوية أميركية ضد قارب يُشتبه في تهريبه مخدرات شرق المحيط الهادئ، في خضم مساءلات في الكونغرس حيال ما إذا كانت الولايات المتحدة ارتكبت جريمة حرب خلال هجوم في سبتمبر (أيلول) الماضي بجنوب البحر الكاريبي لاستهدافها شخصين نجوا من الضربة الأولى.

ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث في قاعدة كوانتيكو 30 سبتمبر 2025 (أ.ب)

وأعلنت القيادة العسكرية الجنوبية في الجيش الأميركي وقوع الضربة الـ22 ضد «قوارب المخدرات» الخميس، وسط انتقادات متزايدة من المعارضة الديمقراطية للضربات التي بدأت في 2 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 87 شخصاً حتى الآن، من دون تقديم أي دليل على صلاتهم بتهريب المخدرات. وأفادت عبر منصات التواصل الاجتماعي بأنها استهدفت «قارباً في المياه الدولية تديره منظمة مصنفة إرهابية»، مضيفة أن «معلومات استخبارية أكدت أن القارب كان يحمل مخدرات غير مشروعة، ويعبر طريقاً معروفاً لتهريب المخدرات في شرق المحيط الهادئ». وأكدت «مقتل أربعة رجال من إرهابيي المخدرات كانوا على متن القارب».

ووقعت الضربة في وقت تواجه فيه إدارة الرئيس دونالد ترمب ووزير الدفاع بيت هيغسيث انتقادات، بسبب عملية وجهت خلالها القوات الأميركية ضربة ثانية على قارب سبق أن قُصف في البحر الكاريبي، مما أدى إلى مقتل ناجيَين اثنين من الضربة الأولى. وقُتل 11 شخصاً في الضربتَين الأولى والثانية.

السيناتور مارك كيلي (أ.ب)

واحتدم الجدال الأسبوع الماضي عندما أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن اثنين من الناجين من الضربة الأولى كانا متشبثين بقاربهما المشتعل، قُتلا في ضربة ثانية أذن بها هيغسيث.

وبعد مشاهدة مقطع فيديو قدمته وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى أعضاء من الكونغرس، وعُرض خلال جلسة مغلقة مع المسؤول عن العمليات الخاصة في القوات المسلحة الأميركية الأميرال فرنك برادلي، أكد كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب جيم هايمز، أن الضربة أدت إلى مقتل «بحّارَين غارقين»، موضحاً أن الفيديو يُظهر «شخصين من الواضح أنهما في حالة حرجة، من دون وسيلة تنقل، قتلتهما الولايات المتحدة»، ومشيراً إلى أن الأميرال برادلي قدّم «عناصر سياقية» في شأن قراره. وأضاف: «نعم، كان في حوزتهما مخدرات»، لكنهما «لم يكونا في وضع يسمح لهما بمواصلة مهمتهما بأي شكل من الأشكال».

صورة مجمّعة للرئيسين الأميركي ترمب والفنزويلي مادورو (أ.ف.ب)

ودافع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري توم كوتون عن القرار، واصفاً إياه بأنه «عادل». وأكد على غرار هايمز، أن الأميرال نفى تلقيه أمراً من وزير الدفاع بالقضاء على جميع البحارة على متن السفينة.

تأتي هذه الحملة العسكرية الأميركية في إطار تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا. ويتهم ترمب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأنه زعيم كارتل لتهريب المخدرات. أما مادورو فينفي ذلك بشدة، مندداً بمحاولة الولايات المتحدة إطاحة حكومته بذريعة مكافحة تهريب المخدرات.

ومع استمرار هذا التوتر، تواجه فنزويلا عزلة جوية بعدما أعلن الرئيس ترمب إغلاق المجال الجوي لهذا البلد في أميركا الجنوبية، وبعدما علّقت شركات الطيران الأجنبية رحلاتها حرصاً على سلامة طائراتها وركابها.

أنصار المعارضة الفنزويلية يشاركون في وقفة احتجاجية للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين الفنزويليين في بوغوتا بكولومبيا (رويترز)

ونشر ترمب تحذيراً جاء فيه: «كل شركات الطيران والطيارين وتجار المخدرات والبشر، يُرجى اعتبار المجال الجوي فوق فنزويلا وحولها مغلقاً تماماً».

وألغت شركتا «بوليفانا دي أفياسيون» و«ساتينا» الكولومبيتان رحلاتهما إلى كاراكاس الخميس، فيما مدّدت شركة «كوبا إيرلاينز» البنمية تعليق رحلاتها حتى 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وسبق أن علقت شركات «إيبيريا» و«تي إيه بي» و«أفيانكا» و«غول» و«لاتام» و«إير أوروبا» والخطوط الجوية التركية و«بلاس ألترا» رحلاتها إلى فنزويلا. واتهمت كاراكاس هذه الشركات بـ«الانخراط في أعمال إرهاب الدولة» التي تمارسها واشنطن، وألغت تراخيص تشغيلها.

ولا يؤثر إغلاق المجال الجوي الذي أشار إليه ترمب على الرحلات التي تقل مهاجرين رحّلتهم الولايات المتحدة إلى فنزويلا. ووصلت، الأربعاء، طائرة تقل عدداً من هؤلاء، وكان من المتوقع وصول طائرة أخرى الجمعة.


انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
TT

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)

تعيش العواصم الأوروبية وكييف توتراً دبلوماسياً متزايداً، بعدما كشفت تقارير صحافية مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أظهرت حجم القلق الأوروبي من النهج الأميركي الجديد في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو. فالتسارع الأميركي الملحوظ، خصوصاً بعد زيارة المبعوثَين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى موسكو من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء، عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة، قبل تثبيت أي التزامات أمنية صلبة تمنع روسيا من استغلال ثغرات مستقبلية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متوسطاً المستشار الألماني فريدريتش ميرتس (يمين) ورئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز خلال اجتماع في جوهانسبرغ على هامش قمة العشرين... 22 نوفمبر 2025 (د.ب.أ)

المكالمة التي نشرتها صحيفة «دير شبيغل» الألمانية ونقلتها لاحقاً غالبية الصحف الأميركية، لم تكن محادثةً بروتوكوليةً. فقد حذَّر ميرتس مما وصفها بـ«ألعاب» واشنطن، ومن «احتمال خيانة واشنطن لكييف»، في حين أشار ماكرون إلى احتمال أن تتعرَّض كييف لضغط غير مباشر لقبول تسويات حدودية قبل الاتفاق على منظومة ردع حقيقية. ورغم نفي باريس استخدام عبارات قاسية، فإن الرسالة الأوروبية باتت واضحة: لا ينبغي لأوكرانيا الدخول في تسوية مع بوتين بوعود عامة أو ضمانات غير مكتملة.

وردَّت موسكو بسخرية على ما نُسب إلى المستشار الألماني. وكتب كبير المفاوضين الروس كيريل دميترييف على منصة «إكس»: «عزيزي ميرتس، أنت لست حتى في اللعبة... لقد أخرجت نفسك من اللعبة عبر التحريض على الحرب، ونسف السلام، ومقترحات غير واقعية، وانتحار الحضارة الغربية، والهجرة، والغباء العنيد».

المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء أوربيون آخرون يطالبون بتعديلات جذرية على الخطة الأميركية (رويترز)

ومن جانبه، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية في برلين: «أرجو تفهم أنني لا أعلق على تقارير إعلامية فردية. علاوة على ذلك، لا يمكننا من حيث المبدأ الإدلاء بمعلومات عن محادثات سرية».

وأشار المتحدث إلى تصريحات ميرتس في المؤتمر الصحافي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الاثنين الماضي. وكان ميرتس قد تحدَّث خلالها عن مكالمة هاتفية مشتركة مع الرئيس الأوكراني، والرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، وشركاء أوروبيين آخرين، وقال إنهم يحافظون على تماسك المجتمع عبر الأطلسي قدر الإمكان.

مصادر دبلوماسية أوروبية تشير إلى أن الخشية الأساسية لا ترتبط فقط بسرعة التحرك الأميركي، بل بتصاعد شعور بأن واشنطن باتت تتعامل مع ملف الحرب بوصفها قوةً منفردةً، متجاوزةً شركاءها في «الناتو» والاتحاد الأوروبي. فاجتماعات المفاوضين الأميركيين الأخيرة في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، وغياب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن اجتماع وزراء خارجية «الناتو» الذي ناقش الخطة الأميركية، عزَّزا الانطباع بأن إدارة ترمب «تعمل أولاً وتتشاور لاحقاً»، أو «لا تتشاور إطلاقاً».

المستشار الألماني فريدريتش ميرتس مع الرئيس الأوكراني (أ.ف.ب)

الأوروبيون الذين يدفعون ثمن الحرب أمنياً واقتصادياً وسياسياً، يخشون أن يتحول أي اتفاق هش إلى عبء عليهم وحدهم إذا اختارت واشنطن إعادة ترتيب أولوياتها أو اعتماد مقاربة براغماتية تجاه موسكو. ولهذا يطالب عدد من القادة، كما نقلت الصحف الغربية، بتوضيح صريح من الولايات المتحدة حول طبيعة التزاماتها الدفاعية تجاه كييف، وشكل الرد المشترك في حال خرق روسيا الاتفاق.

تصدعات داخل الغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال مؤتمر صحافي في نيودلهي (إ.ب.أ)

التسريبات وحدّة النقاشات الأخيرة أعادت إلى الواجهة سؤالاً محورياً: هل بدأت تظهر شقوق فعلية داخل الجبهة الغربية بشأن كيفية التعامل مع موسكو؟ رغم التأكيدات الرسمية على وحدة الموقف، فإن الوقائع تكشف خلافات عميقة. الأوروبيون يعدّون الحرب تهديداً مباشراً لأمنهم، ويخشون أن أي تنازل غير مضمون سيشجع روسيا على اختبار صبر الغرب مجدداً. أما واشنطن، فتبدو أكثر تركيزاً على حساباتها العالمية، من ضبط التوتر مع الصين إلى موازنة الأزمات الإقليمية المختلفة، إضافة إلى هامش المناورة الذي يمنحه ترمب لنفسه بوصفه «وسيطاً مستقلاً» لا يمثل بالضرورة إجماع «الناتو».

هذا التباين تُرجم في مواقف ملموسة، كان أبرزها تقليص الاتحاد الأوروبي خطته لاستخدام مليارات الدولارات من الأصول الروسية المجمّدة، وترك جزء منها في الاحتياط قد تستغله واشنطن لاستمالة موسكو نحو الاتفاق. خطوةٌ فسّرها كثيرون على أنها مؤشر إلى هشاشة التنسيق داخل الغرب أكثر مما هي تنازل تكتيكي.

المستشار الألماني فريدريتش ميرتس في حديث جانبي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك في لواندا بأنغولا بمناسبة القمة الأوروبية - الأفريقية (د.ب.أ)

زيلينسكي بين ضغط التفاوض وهشاشة الضمانات

الرئيس الأوكراني، المنشغل أيضاً بأزمة فساد داخلية هزّت فريقه، ظهر متحفظاً حيال الاندفاع الأميركي. فبعد التسريبات شدَّد زيلينسكي على ضرورة «الشفافية»، ملمّحاً إلى أنه لن يقبل بتكرار تجارب تفاوضية سابقة جرت من خلف ظهر أوكرانيا. كما أعاد التأكيد على أن كييف تحتاج إلى فهم «الأسس» التي ستقوم عليها الضمانات الأمنية، خصوصاً مع تداول مقترحات تتعلق بانتشار قوات أوروبية داخل أوكرانيا ضمن «قوة طمأنة» لا تزال تفاصيلها غامضة. هذا الوضع يضع كييف أمام معادلة معقدة: من جهة هناك ضغطان عسكري ومالي يفرضان التفكير في حلول سياسية، ومن جهة أخرى هناك خشية من أن أي خطوة غير محسوبة قد ترسم مستقبل البلاد الجيوسياسي لعقود طويلة.

وأجرى زيلينسكي، الخميس، محادثات مع مرشحين محتملين ليحلوا محل رئيس أركانه، أندريه يرماك، الذي استقال الأسبوع الماضي وسط تحقيق في فساد. وفي خطابه المصور الليلي، قال زيلينسكي إن المناقشات ركزت على كيفية عمل المكتب الرئاسي في المستقبل، والتعاون مع مؤسسات الدولة الأخرى. وقال:«سيتم اتخاذ قرار بشأن الرئيس الجديد للمكتب في المستقبل القريب». وتنحى يرماك، الحليف القديم للرئيس، بعد أن أجرت سلطات مكافحة الفساد عمليات تفتيش في مقره. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المداهمات مرتبطة بما وُصفت بأنها «أكبر قضية فساد في البلاد منذ بدء الحرب»، والتي تنطوي على رشاوى مزعومة في المشتريات المتعلقة بالطاقة.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس ووزير الدفاع داخل البوندستاغ خلال جلسة التصويت على قانون التجنيد (رويترز)

جولة مباحثات أميركية - أوكرانية في ميامي

قالت قناة «سوسبيلن» التلفزيونية الأوكرانية الرسمية الجمعة، نقلاً عن مصادر في وفد كييف، إن المحادثات في الولايات المتحدة بين المبعوثين الأوكرانيين والأميركيين قد انتهت. وقام بتمثيل أوكرانيا في المحادثات التي أُجريت في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية، رستم عميروف سكرتير مجلس الأمن القومي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة أندري هناتوف. وقال الرئيس الأوكراني، الخميس، إن الوفد الأوكراني بالولايات المتحدة يسعى لاستيضاح ما تمَّت مناقشته في موسكو، الثلاثاء الماضي، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثَي الولايات المتحدة ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر. وناقش مطلع الأسبوع الحالي فريق بقيادة عميروف في فلوريدا الخطوات المحتملة لإنهاء الحرب مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وويتكوف، وكوشنر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

ورغم ساعات طويلة من النقاش في موسكو، فإن المحادثات الأخيرة لم تحقق اختراقاً. كما أن اجتماع المفاوض الأوكراني رستم عميروف مع ويتكوف لن يغيّر، على الأرجح، من حقيقة أن الخلافات البنيوية بين كييف وموسكو، ومن ورائهما الغرب، أكبر من أن تُحل باندفاعة دبلوماسية منفردة. لكن كثافة التحركات الدبلوماسية في بروكسل وبرلين وباريس تعكس أن نافذة التفاوض قد فُتحت فعلاً، وأن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة.

قال الكرملين، الجمعة، إن روسيا والولايات المتحدة تحرزان تقدماً في محادثات السلام، وإن موسكو مستعدة لمواصلة العمل مع الفريق الأميركي الحالي. وقال المساعد بالكرملين يوري أوشاكوف، الذي شارك في محادثات الثلاثاء في موسكو، لصحيفة «زفيزدا» الجمعة: «إننا، في رأيي، نحرز تقدماً في المفاوضات الأساسية التي ينخرط فيها رئيسانا. إن هذا مشجع، ونحن مستعدون لمواصلة العمل مع هذا الفريق الأميركي». ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن أوشاكوف قوله: «نحن الآن في انتظار رد فعل زملائنا الأميركيين على المناقشة التي أجريناها يوم الثلاثاء».