قمة ترمب وبوتين... اختراق في حرب أوكرانيا أم استراتيجية مماطلة جديدة؟

غياب كييف يخفّض التوقعات... والكرملين يكسر عزلته

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان قبل اجتماع في هلسنكي في 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان قبل اجتماع في هلسنكي في 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

قمة ترمب وبوتين... اختراق في حرب أوكرانيا أم استراتيجية مماطلة جديدة؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان قبل اجتماع في هلسنكي في 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب يتصافحان قبل اجتماع في هلسنكي في 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

سعت موسكو وواشنطن طيلة 7 أشهر لعقد قمّة لمناقشة إنهاء الحرب في أوكرانيا. وانتهت المحاولات بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، أنه سيلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أسبوع، أي في 15 أغسطس (آب) في ألاسكا، وهي الولاية التي باعتها الإمبراطورية الروسية للولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار عام 1867، حين كان القيصر ألكسندر الثاني يرزح تحت ديون الحرب.

لم يتضمن الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي أي تفاصيل أخرى. ونظراً لأن الاجتماع لن يشمل تمثيلاً أوكرانياً، فإن فرص تحقيق اختراق فوري تُعتبر ضئيلة. ومع ذلك، فإن عقد قمة بين القائدين الروسي والأميركي يعكس تغيراً ملحوظاً في السياسة الأميركية. فقد عامل الغرب بوتين، إلى حد كبير، بوصفه قائداً منبوذاً منذ غزوه أوكرانيا عام 2022، وهو الغزو الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف ودمار واسع في كلا البلدين. ويرى الكرملين مجرد استعداد رئيس أميركي للقاء ببوتين نصراً دبلوماسياً.

توقيت القمّة

منذ أن تولّى ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني)، طرحت الولايات المتحدة وروسيا مراراً فكرة عقد قمّة للقادة.

وبينما كان الزعيم الروسي مُتحمّساً للّقاء، فقد تردّد في اتّخاذ أي خطوات ملموسة لإنهاء الحرب طالما كان يعتقد أن روسيا تُحقّق تقدّماً في أوكرانيا. أما ترمب، الذي كان في البداية مؤيداً لروسيا ومنتقداً للمساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، فقد أجّل اللقاء مراراً طالما أن إنهاء الحرب بدا مستحيلاً، مُعبّراً مراراً عن إحباطه. ثم جعل من يوم الجمعة الماضي موعداً نهائياً لفرض عقوبات جديدة ما لم يُنهِ بوتين الحرب.

بوتين لدى استقباله ويتكوف في موسكو يوم 6 أغسطس (رويترز)

وقد نفّذ ترمب جزءاً من تهديداته يوم الخميس، بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى الولايات المتحدة بنسبة 50 في المائة لمعاقبتها على استمرار استيراد النفط الروسي.

وجاء طلب روسيا لعقد قمّة بالتزامن مع اقتراب الموعد النّهائي لعقوبات ترمب الأولية والثانوية الجديدة. وأُعلن عن قرار القمّة بعد أن عقد ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترمب، اجتماعاً مع بوتين في الكرملين يوم الأربعاء، رغم أن أيّاً من الطرفين لم يكشف عمّا دار فيه.

ماذا يريد بوتين؟

من المحتمل أن يستخدم بوتين القمة تكتيكاً للمماطلة، إضافةً إلى محاولة تحسين العلاقات المتوترة مع واشنطن.

وعلى نطاق أوسع، تنسجم القمة مع رؤية بوتين للعالم، التي ترى أن القوى العظمى يجب أن تُحدّد مناطق نفوذها، تماماً كما اجتمع جوزيف ستالين مع الرئيس فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في يالطا عام 1945 لتحديد معالم أوروبا بعد الحرب.

ويعتقد بوتين أن الترسانة النووية الضخمة لروسيا تجعلها قوة عالمية، رغم أن روسيا لا تُنتج سوى القليل مما يريده العالم، باستثناء الطاقة. كما أن بوتين، الذي وصف تفكّك الاتحاد السوفياتي عام 1991 بأنه «أعظم كارثة جيوسياسية في القرن»، يسعى منذ عقود لإعادة فرض سيطرة موسكو على أوكرانيا.

وعقدت روسيا وأوكرانيا 3 جولات من المحادثات في إسطنبول، واستغلّت موسكو هذه الاجتماعات لمحاولة تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في ساحة المعركة.

ومن المُرجّح أن يُكرّر بوتين في أي اجتماع مع ترمب مطالبه ذاتها: اعتبار شرق أوكرانيا جزءاً من روسيا، ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووقف توسع الحلف في أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، وتقييد حجم الجيش الأوكراني، وضمان أن تكون حكومة أوكرانيا ودودة تجاه موسكو.

ما الذي يريده ترمب؟

كان أحد وعود حملة ترمب الانتخابية إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة. ورغم أن هذا الموعد انقضى منذ زمن، فإنه ما زال يعتبر نفسه صانع الصفقات الأول. كما أنه لم يُخفِ رغبته في الفوز بجائزة نوبل للسلام، وربط استحقاقه لها بجهوده في أوكرانيا وغيرها من النزاعات.

وقد اتّسم موقف ترمب من الحرب بالتقلب. ففي وقت سابق من هذا العام، بدا وكأنه يتماشى مع الكرملين، حيث قلّص المساعدات العسكرية لأوكرانيا لفترة، وضغط على الرئيس فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع شهير في المكتب البيضاوي في فبراير (شباط).

لكن مع ازدياد إحباطه من بوتين، سمح مؤخراً بمزيد من مبيعات الأسلحة المخصصة لأوكرانيا. وانتقد قصف روسيا للمدن الأوكرانية، واصفاً إياه بأنه «مُخزٍ» و«مُقزز». وقبل شهر، انتقد بوتين مباشرة.

وقال ترمب للصحافيين خلال اجتماع لحكومته: «بوتين يوجه إلينا الكثير من الهراء، إذا أردتم معرفة الحقيقة. إنه لطيف جداً معنا طوال الوقت، لكن في النهاية يتضح أن الأمر بلا معنى».

وعاد الرئيس الأميركي هذا الأسبوع إلى لهجة السلام، فكتب على منصته للتواصل الاجتماعي: «الجميع يتفق على أن هذه الحرب يجب أن تنتهي، وسنعمل على ذلك في الأيام والأسابيع المقبلة».

أوراق واشنطن

رغم أن ترمب هدّد بفرض عقوبات أولية وثانوية قاسية على روسيا لإنهاء الحرب، فقد أقرّ بأنه قد لا يكون لها أي تأثير.

وفي حين أن رؤساء أميركيين سابقين قد يوافقون على قمة مكافأة على تقديم تنازلات نحو اتفاق سلام، فإنه لا توجد أي مؤشرات على أن بوتين غيّر موقفه الرافض لأي تسوية من هذا النوع.

فقد سمحت مبيعات الطاقة المستمرة لروسيا بتحمُّل أقسى العقوبات الغربية حتى الآن، كما أن لديها تجارة مباشرة محدودة مع الولايات المتحدة. ولم يفرض ترمب الرسوم الجمركية الحادة على الواردات الروسية التي فرضها على بعض شركاء أميركا التجاريين.

وقال ترمب في مقابلة مع قناة «CNBC»، الثلاثاء: «سيتوقف بوتين عن قتل الناس إذا خفضتم سعر الطاقة 10 دولارات أخرى للبرميل». لكن ترمب لم يتحرك لمعاقبة الصين، أكبر مستورد للنفط الروسي، فيما أكد المسؤولون الهنود أنهم يعتزمون مواصلة شراء النفط الروسي.

فرص تحقيق اختراق

لن تكون أوكرانيا، وهي أحد الأطراف الرئيسية في حرب روسيا، ممثلة في القمة. وقد قال ترمب إنه سيلتقي بزيلينسكي بعد ذلك بفترة قصيرة، لكن غياب أوكرانيا سيحدّ مسبقاً من النتائج. كما أن أوروبا، التي لها مصلحة كبيرة في نتيجة الحرب، لن تكون ممثلة أيضاً.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في المكتب البيضاوي يوم 28 فبراير (إ.ب.أ)

وعلى الرغم من الخسائر الهائلة التي تكبدتها أوكرانيا من حيث الأرواح والدمار، تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية قوية من الأوكرانيين ترفض فكرة تقديم التنازلات الإقليمية وغيرها من المطالب التي يفرضها الكرملين.

لقد أعاق رفض الجانبين تقديم تنازلات أي جهد للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض منذ فترة طويلة، ولا توجد مؤشرات كبيرة على التفاؤل الآن.

وكتبت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» الروسية عن القمة: «هل هو تحول حقيقي في حل الصراع الأوكراني؟ أم أنه سيتضح مرة أخرى أنه مجرد بداية زائفة وضجة وارتباك؟»

وقد عبّر بعض الجنود الأوكرانيين عن مشاعر مماثلة.

*خدمة صحيفة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

ترمب: أتوقع لقاءً «جيداً» مع زيلينسكي وقد أتحدث مع بوتين قريباً

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

ترمب: أتوقع لقاءً «جيداً» مع زيلينسكي وقد أتحدث مع بوتين قريباً

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه يتوقع عقد لقاء «جيد» مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وإنه قد يتحدث قريباً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ) play-circle

تقرير: زيلينسكي مستعد للدعوة لاستفتاء على خطة ترمب بعد التوصل لوقف النار

نقل موقع «أكسيوس» عن الرئيس الأوكراني قوله إنه «مستعد» للدعوة إلى إجراء استفتاء على خطة الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا إذا وافقت روسيا على وقف النار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)

ترمب وزيلينسكي يبحثان «عقبتين رئيسيتين» أمام اتفاق السلام

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه سيلتقي نظيره الأميركي دونالد ترمب، الأحد، في محاولة لوضع اللمسات الأخيرة على خطة السلام الأميركية لأوكرانيا.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)

بوتين لبوش عام 2001: أوكرانيا مصطنعة وكانت تابعة لروسيا

في وثائق سرية أميركية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الأميركي جورج بوش الابن عام 2001 إن أوكرانيا «مصطنعة» وكان يفترض أن تكون تابعة لروسيا.

علي بردى (واشنطن)
تحليل إخباري ماكرون يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمقر إقامته الصيفي في حصن بريغانسون يوم 19 أغسطس 2019 (د.ب.أ)

تحليل إخباري باريس ترسم خريطة الضمانات الأمنية لكييف قبيل زيارة زيلينسكي إلى واشنطن

فرنسا تركز على تنسيق المواقف بين أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة، ومصدر رئاسي فرنسي: قمة لـ«تحالف الراغبين» الشهر المقبل، ولا خطط لماكرون بعدُ لزيارة موسكو.

ميشال أبونجم (باريس)

ترمب: أتوقع لقاءً «جيداً» مع زيلينسكي وقد أتحدث مع بوتين قريباً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

ترمب: أتوقع لقاءً «جيداً» مع زيلينسكي وقد أتحدث مع بوتين قريباً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض - 17 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، إنه يتوقع عقد لقاء «جيد» مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وإنه قد يتحدث قريباً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن الحرب في أوكرانيا.

وفي حوار حصري مع موقع «بوليتيكو» الإخباري، قدّم ترمب نفسه بصفته صاحب القول الفصل في أي اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا، وقال إن زيلينسكي «ليس لديه أي شيء حتى أوافق عليه. لذا سنرى ما لديه».

كان زيلينسكي، الذي سيلتقي مع ترمب في فلوريدا، الأحد، قد صرح للصحافيين بأنه سيحمل معه خطة سلام جديدة من عشرين بنداً، تتضمن مقترحات عن منطقة منزوعة السلاح. ومن المتوقع أن يركز الاجتماع على الضمانات الأمنية الأميركية.

وأشار ترمب إلى أنه قد يتحدث مع الرئيس الروسي بوتين «قريباً»، مضيفاً: «أعتقد أن الأمور ستسير معه على ما يرام».

من جانبه، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لموقع «أكسيوس»، الجمعة، ‌إنه يأمل في ‌إقناع ‌الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب بالعدول عن اقتراح أميركي يقضي بانسحاب القوات الأوكرانية من كامل إقليم دونباس.

وأوضح أنه إذا لم يتمكن ‌من دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ موقف «قوي» بشأن قضية التنازلات عن أراض، فإنه منفتح على ​طرح خطة السلام «ذات النقاط العشرين» التي تقودها واشنطن للاستفتاء، وذلك إذا وافقت روسيا على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً للسماح لأوكرانيا بالاستعداد لمثل هذا التصويت وإجرائه.

وأشار الرئيس الأميركي إلى إنه سيلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطلع الأسبوع، مؤكداً: «سألتقي زيلينسكي وكذلك نتنياهو. إنهم جميعاً قادمون إليّ. إنهم يحترمون بلدنا مجدداً».


ترمب وزيلينسكي يبحثان «عقبتين رئيسيتين» أمام اتفاق السلام

صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)
صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)
TT

ترمب وزيلينسكي يبحثان «عقبتين رئيسيتين» أمام اتفاق السلام

صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)
صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، أنه سيلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأحد، على الأرجح في فلوريدا، في محاولة لوضع اللمسات الأخيرة على خطة سلام أميركية لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا المستمرّة منذ فبراير (شباط) 2022.

ووسط ترقّب لما يمكن أن يعلنه الرئيس ترمب على منصته «تروث سوشيال» للتواصل الاجتماعي، أو من البيت الأبيض في هذا الشأن، كشف زيلينسكي على منصاته عن الاجتماع، مؤكداً أن أوكرانيا تعمل جاهدة على المضي في محادثات السلام. وأضاف: «يمكن حسم الكثير قبل حلول العام الجديد»، علماً بأن ترمب صرّح سابقاً بأنه لن يلتقي زيلينسكي إلا عندما يقترب الجانبان من التوصل إلى اتفاق سلام.

وفي حديث لاحق مع الصحافيين، أشار زيلينسكي إلى «جدول أعمال واسع» للاجتماع مع ترمب في منتجع «مارالاغو»، موضحاً أن موضوعات النقاش ستشمل ما عدّه أهم نقطتَي خلاف بين واشنطن وكييف في مفاوضات السلام؛ مصير منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، والسيطرة على محطة الطاقة النووية في زابوريجيا التي تحتلها روسيا.

20 بنداً

كشف زيلينسكي هذا الأسبوع عن خطة منقّحة من 20 بنداً لإنهاء الحرب، طُوّرت بالتعاون مع الولايات المتحدة، وهي تشمل طيفاً واسعاً من القضايا، ومنها الضمانات الأمنية التي تسعى إليها أوكرانيا لمنع أي عدوان مستقبلي من روسيا. وعلى الرغم من أنه أقر بوجود نقاط خلافية في شأن الأراضي ومحطة الطاقة، فإن القضية الأهم هي ما إذا كانت روسيا ستوافق على المسودة من الأساس.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي يوم 25 يونيو (د.ب.أ)

وأكد مسؤول أميركي رفيع أن الولايات المتحدة مستعدة لإرسال الضمان الأمني، بنص يستند إلى المادة الخامسة من معاهدة حلف «الناتو» إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليه.

وأكد زيلينسكي أن الخطة صارت «جاهزة بنسبة 90 في المائة تقريباً»، مضيفاً أنه ستتم أيضاً مناقشة «اتفاق اقتصادي»، لكنه لم يتمكن من تأكيد «ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول نهاية اللقاء». وأوضح أن الجانب الأوكراني سيثير أيضاً «قضايا حدودية». وأكد أن أوكرانيا «ترغب في مشاركة الأوروبيين»، لكنه شكّك في إمكانية تحقيق ذلك في وقت قصير. وقال: «يجب علينا، بلا شك، إيجاد صيغة ما في المستقبل القريب لا تقتصر على أوكرانيا والولايات المتحدة فحسب، بل تشمل أوروبا أيضاً».

هل توافق روسيا؟

رجّح محللون أن يرفض الكرملين هذه الخطة. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن هناك «تقدماً بطيئاً، ولكنه ثابت» في المفاوضات مع الولايات المتحدة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حفل تقديم ميداليات إلى أفراد الخدمة العسكرية ضمن حملة بلاده ضد أوكرانيا في موسكو يوم 17 ديسمبر (رويترز)

وصرح الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الجمعة، بأن المسؤولين الروس على اتصال بالفعل مع الممثلين الأميركيين منذ اجتماعات المبعوث الرئاسي الروسي كيريل ديميترييف أخيراً في فلوريدا. وقال: «جرى الاتفاق على مواصلة الحوار».

وأفاد زيلينسكي، الجمعة، بأنه لا يملك الوقت للتفكير فيما إذا كانت روسيا ستوافق في نهاية المطاف على الخطة. وقال: «لماذا؟ لأن روسيا تبحث باستمرار عن أعذار للرفض. والجواب بسيط للغاية: إذا أوضحت أوكرانيا موقفها وكان بناءً، فيما ترفضه روسيا، على سبيل المثال، فهذا يعني أن الضغط غير كافٍ. وهذا أيضاً أمر أرغب في مناقشته مع الرئيس الأميركي».

وفي مقابل الموقف الروسي المتصلب، حرص زيلينسكي على إظهار دعمه الكامل لجهود ترمب الرامية إلى السلام، واستعداده لتقديم تنازلات، بما في ذلك بشأن القضايا الحدودية. وصرّح بأن «روسيا ستواجه عواقب وخيمة، تشمل فرض عقوبات جديدة وزيادة الدعم العسكري الغربي لكييف، إذا ما رفضت جهود السلام الأخيرة».

وتستمرّ المحادثات بين المفاوضين الأوكرانيين والأميركيين، بعدما قدّم زيلينسكي تفاصيل الخطة المكونة من 20 بنداً هذا الأسبوع. وأوضح أن الولايات المتحدة ستقدّمها إلى الكرملين.

وفي خطابه المسائي، الخميس، قال زيلينسكي إن الجهود الدبلوماسية في الأسابيع المقبلة يمكن أن تكون «مُكثّفة»، مُضيفاً أنه تحدّث لمدة ساعة تقريباً في وقت سابق من ذلك اليوم مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر ترمب جاريد كوشنر، وقال: «تطرقنا إلى تفاصيل كثيرة، وهناك أفكار جيدة ناقشناها»، في إشارة إلى بعض الأفكار الجديدة فيما يتعلق بالصيغ والاجتماعات، وبالطبع التوقيت، لتقريب السلام الحقيقي.

المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وصهر الرئيس دونالد ترمب جاريد كوشنر ينتظران وصول ترمب إلى مطار في نيوجيرسي يوم 13 يوليو (أ.ب)

وتُعدّ الخطة المكونة من 20 بنداً ثمرة أحدث حملة دبلوماسية قادتها إدارة ترمب، التي بدأت في الخريف. وحدّد ترمب في البداية عيد الشكر موعداً نهائياً لموافقة أوكرانيا على اتفاق سلام مع روسيا، لكن على الرغم من ادعاء الرئيس ترمب هذا العام قرب التوصل إلى تسوية، فإنه شعر بالإحباط من رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التنازل عن مطالبه واسعة النطاق، ومنها إصراره على تسليم روسيا أراضي لم تتمكن قواتها من السيطرة عليها في أوكرانيا، فضلاً عن مطالبته كييف بالموافقة على إجراءات من شأنها تقويض سيادتها.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، صرّح زيلينسكي بأنه على استعداد لسحب قواته من مناطق دونباس التي لا تزال تحت سيطرة كييف، وتحويل تلك المناطق إلى منطقةٍ منزوعة السلاح بوصفها جزءاً من اتفاق سلام محتمل. وقال إنه سيفعل ذلك بشرط واحد فقط، وهو أن تسحب روسيا قواتها من منطقة مماثلة، وأن تنتشر شرطة أوكرانية في المنطقة.


بوتين لبوش عام 2001: أوكرانيا مصطنعة وكانت تابعة لروسيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)
TT

بوتين لبوش عام 2001: أوكرانيا مصطنعة وكانت تابعة لروسيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)

كشفت وثائق أميركية كانت مُصنّفة سريّة، ورفع عنها هذا التصنيف أخيراً، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ الرئيس جورج بوش الابن عام 2001 أن أوكرانيا كان يفترض أن تكون تابعة لروسيا، بيد أن مسؤولي الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي تخلوا عنها. كما سأله أيضاً عن فكرة انضمام روسيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ونشرت مؤسسة غير حكومية، تُسمّى «أرشيف الأمن القومي» التي تتخذ من جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية مقراً لها وتعنى بالأبحاث ونشر الوثائق، عدداً غير محدد من الأوراق والمحاضر التي كانت مصنفة سرية، ولكنها حصلت عليها أخيراً بحكم قضائي بموجب قانون حرية المعلومات.

ويورد أحد المحاضر تفاصيل حرفية عن المحادثات التي أجريت في اللقاء الأول المغلق بين الرئيسين الروسي والأميركي في 16 يونيو (حزيران) 2001 في سلوفينيا، حين قدّم بوتين لبوش ما وُصف بأنه «محاضرة تاريخية موجزة» تتضمن تفسيراته لانهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. وقال بوتين: «ما حدث حقاً؟ غيّرت النيات السوفياتية الحسنة العالم، طواعية. وتنازل الروس عن آلاف الكيلومترات المربعة من أراضيهم، طواعية». وأضاف أن ذلك «أمر لم يُسمع به من قبل. أوكرانيا جزء من روسيا لقرون، جرى التنازل عنها. كازاخستان، جرى التنازل عنها أيضاً. القوقاز كذلك. من الصعب تصديق ذلك، وجرى ذلك على يد قادة الحزب» الشيوعي السوفياتي.

وهو كان يشير بذلك إلى انفصال الجمهوريات عن الاتحاد السوفياتي بسبب مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تداعيات غزو أفغانستان والإصلاحات السياسية التي حفزتها المعارضة المتزايدة والركود الاقتصادي.

روسيا من الغرب؟

في سياق رده على ذلك، أكد الرئيس بوش لنظيره الروسي أنه ينظر إلى روسيا كجزء من الغرب لا كخصم، مشجعاً بوتين على «إعادة تعريف التهديدات الجديدة القادمة من أولئك الذين يكرهون أميركا»، والذين يمكن أن يكرهوا روسيا أيضاً. ولفت أيضاً إلى أن الصين يمكن أن تصبح تهديداً خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.

صورة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

وعلى الأثر، قال بوتين: «والآن دعني أعود إلى موضوع توسيع حلف (الناتو). أنتم تعرفون موقفنا. أنت أدليت بتصريح مهم عندما قلت إن روسيا ليست عدواً. ما قلته عن الأعوام الـ50 المقبلة مهم». وأضاف أن «روسيا أوروبية ومتعددة الأعراق، مثل الولايات المتحدة. أتصور أننا قد نصبح حلفاء. لن نتحالف مع الآخرين إلا في ظل حاجة ماسة. لكننا نشعر بأننا مُستبعدون من حلف (الناتو)».

وذكّر بأنه «في عام 1954، تقدم الاتحاد السوفياتي بطلب للانضمام إلى (الناتو)»، مضيفاً: «لدي الوثيقة» التي تؤكد هذا الطلب. واستطرد أن «(الناتو) رفض الطلب لأربعة أسباب محددة: عدم التوصل إلى تسوية مع النمسا، وعدم التوصل إلى تسوية مع ألمانيا، والسيطرة الشمولية على أوروبا الشرقية، وضرورة تعاون روسيا مع عملية نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة. والآن، استوفيت كل هذه الشروط. ربما يمكن لروسيا أن تكون حليفاً». ولكن بوتين أضاف أيضاً أن المشكلة في عدم انضمام روسيا تكمن في أن «(الناتو) يتوسع، وليس لدينا ما نقوله حيال ذلك».

وفي محادثة منفصلة عام 2008، سعى بوتين إلى إقناع بوش بأن أوكرانيا «دولة مصطنعة» لديها مجتمع منقسم، موضحاً أن «أوكرانيا دولة بالغة التعقيد. إنها ليست أمة بُنيت بشكل طبيعي، بل دولة مصطنعة أُنشئت في الحقبة السوفياتية». وأضاف: «إذا ذهبت إلى غرب أوكرانيا، فسترى قرى لا يتحدث سكانها إلا اللغة الهنغارية، ويرتدون تلك القبعات التقليدية. أما في الشرق، فيرتدي الناس البدلات الرسمية وربطات العنق والقبعات الكبيرة. وينظر جزء كبير من الشعب الأوكراني إلى (الناتو) على أنه منظمة معادية». ورأى أن هذا الأمر «يخلق مشاكل لروسيا؛ إذ يُهدد بنشر قواعد عسكرية وأنظمة عسكرية جديدة على مقربة منها، مما يثير حالة من عدم اليقين والتهديدات لنا».

«ساحة صراع»

وفي اجتماع بوش وبوتين في سوتشي عام 2008، عبر بوتين عن مخاوف تُدرج اليوم كمبررات لحرب روسيا في أوكرانيا. وقال: «لن يكون هذا جديداً عليكم، ولا أتوقع رداً. أردت فقط أن أقوله بصراحة. أود التأكيد على أن انضمام دولة مثل أوكرانيا إلى (الناتو) سيخلق، على المدى البعيد، ساحة صراع بيننا وبينكم - مواجهة طويلة الأمد».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يترأس اجتماعاً لمجلس الدولة في الكرملين (أ.ف.ب)

وتعكس هذه التصريحات بعضاً من كلام قاله بوتين في العقد الأول من الألفية الثانية، ومنه أن «من لا يندم على تفكك الاتحاد السوفياتي فليس له قلب. ومن يريد إحياءه على صورته السابقة فليس له عقل».

وخلال السنوات اللاحقة، استغل بوتين الحنين إلى الحقبة السوفياتية كأداة لترسيخ سيطرته وتبرير الحرب مع أوكرانيا، مشبهاً إياها بحرب ضد النازية.