حين يتكلم اللعاب... ويفكّ الذكاء الاصطناعي شيفرته

يبوح بأسرار التمثيل الغذائي والعقلي والعظمي

حين يتكلم اللعاب... ويفكّ الذكاء الاصطناعي شيفرته
TT

حين يتكلم اللعاب... ويفكّ الذكاء الاصطناعي شيفرته

حين يتكلم اللعاب... ويفكّ الذكاء الاصطناعي شيفرته

في زمنٍ مضى، لم يكن اللعاب أكثر من سائلٍ شفافٍ يُهمَل في التحاليل، ويُستبعد من أدوات التشخيص. وكان يوصف باستهانة بأنه «ماء لا قيمة له»، لا يثير اهتمام الطبيب، ولا يلتفت إليه الباحث. لكن تلك القطرات المتواضعة التي تسيل عند الجوع أو الخوف، كانت تخبّئ أسراراً بيولوجية لم تُفكّ شفرتها بعد.

مرآة طبية دقيقة

اليوم، تغيّرت الصورة بالكامل. فقد تحوّل اللعاب إلى مرآة طبية دقيقة، تعكس أحوال الجسم من الفم إلى الدماغ، ومن العظام إلى المزاج، مدعومةً بأقوى أدوات العصر: الخوارزميات الذكية.

نحن لا نشهد مجرد تطور في أدوات التحليل، بل نقف أمام ثورة تشخيصية صامتة، قادتها جزيئات مخفية في لعاب الإنسان، وسرّعت مسارها تقنيات التعلم العميق والذكاء الاصطناعي.

• «إفراز مهمَل» بمؤشرات حيوية: في دراسة رائدة نُشرت في مجلة npj Digital Medicine التابعة لمجموعة Nature في يوليو (تموز) 2025، أعلن فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس (UCLA) تطوير منصة متقدمة لتحليل اللعاب باستخدام الذكاء الاصطناعي، قادرة على استخلاص مؤشرات حيوية دقيقة خلال أقل من 10 دقائق، وبدقة وصلت إلى 92.4 في المائة.

تقول المشرفة على الدراسة، البروفسورة إيما لي: «نحن لا نحاول فقط فهم ما يقوله اللعاب... بل نعلّمه كيف يتحدث بلغة الآلة، ليصبح وسيلة غير جراحية لفهم الأمراض قبل أن تظهر أعراضها».

• سجل رقمي للصحة: التحوّل الذي نشهده لا يتعلق فقط بتقنية، بل برؤية جديدة للطب: رؤية ترى في لعاب المريض سجلاً رقمياً للصحة، يُقرأ بلا إبرة، ويُحلَّل بلا ألم، وتُفسِّره نماذج ذكية مدرَّبة على التوقع لا على التكرار.

في خضمّ هذه الطفرة، قد لا يكون مستغرباً أن تصبح أول خطوة في الفحص الطبي المستقبلي هي: «ابصق هنا من فضلك» -لا لزراعة الجراثيم، بل لتحليل مستقبلك الصحي.

اللعاب يبوح بما تخفيه الأعضاء

قد يبدو بسيطاً عند النظر إليه، لكنه في الحقيقة أكثر تعقيداً مما نتصور. فاللعاب لا يقتصر على كونه سائلاً مرطباً للفم، بل يحمل في طيّاته أكثر من 700 بروتين و200 مركب كيميائي، تتوزع بين إنزيمات هضمية، وجزيئات مناعية، ومؤشرات عصبية، وهرمونات دقيقة تبوح بأسرار التمثيل الغذائي والعقلي والعظمي.

ومع تسارع تقنيات تعلم الآلة، أصبح بالإمكان تحويل هذه المعلومات المعقّدة إلى أنماط رقمية قابلة للتحليل، بل التنبؤ، بدقة تتجاوز التقدير البشري.

وإليكم بعض الأمثلة المذهلة التي بدأت تنتقل من المختبرات إلى العيادات:

• داء السكري: قبل أن يظهر الخلل في نسبة السكر بالدم، يبدأ اللعاب في إرسال إشارات دقيقة من خلال ارتفاع بعض المركّبات مثل إنزيم الأميلاز-ألفا (α-amylase)، والبروتين المتفاعل C (C-reactive protein - CRP). وتقوم الخوارزميات الذكية بالتعرّف على هذه التغيّرات الطفيفة، فتُطلق إنذاراً مبكراً لاحتمال الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني (Type 2 Diabetes)، حتى قبل أن تتمكّن التحاليل التقليدية من رصده.

• هشاشة العظام: في النساء بعد انقطاع الطمث، تظهر في اللعاب مؤشرات بيولوجية مثل أوستيوپونتين (Osteopontin - OPN) وكروس-لاكتيليوببتيد التيلوكولاجيني (C-terminal telopeptide of type I collagen - CTX)، وهي جزيئات تعبّر عن نشاط هدم العظام. ولا يكتفي الذكاء الاصطناعي برصد هذه العلامات، بل يُحلل نمطها الزمني بدقة، ليقترح تدخلات وقائية مبكرة -مثل المكملات الغذائية أو تعديل النشاط الحركي- قبل أن يظهر التلف أو تتفاقم هشاشة العظام.

• سرطان الفم: عندما تبدأ الخلايا السرطانية بالتكاثر، تطلق أجزاء دقيقة من الحمض النووي والـmiRNA في اللعاب. وقد أثبتت الخوارزميات الذكية قدرتها على فك شيفرة هذه الجزيئات، وربطها بأنماط محددة للسرطان، مما يسمح بالكشف المبكر عن الورم وتحديد موضعه حتى قبل ظهور الأعراض السريرية أو الحاجة إلى خزعة.

• ألزهايمر... حين يترك الدماغ أثره في الفم: المفارقة أن أمراض الدماغ، مثل ألزهايمر، لا تبقى حبيسة الجمجمة. فبروتينات Tau وAmyloid-β المميزة لهذا المرض تترسب في اللعاب بنسب دقيقة. واليوم، تعمل فرق بحثية في كندا واليابان على تدريب خوارزميات التعلم العميق (Deep Learning) على ربط هذه النسب بمدى تدهور الذاكرة، في محاولة لتقديم وسيلة تشخيص مبكر لا تعتمد على صور الدماغ أو البزل القَطَنيّ.

• في عيادة طب الأسنان... إلى رائحة الفم: حتى في مجال طب الأسنان، لم يعد اللعاب مجرد إفراز عابر، بل تحوّل إلى أداة تشخيصية دقيقة. وعلى سبيل المثال، تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) بتحليل وجود بكتيريا لا هوائية معيّنة، مثل فيوسوباكتيريوم نوكلياتوم (Fusobacterium nucleatum)، وتربطها بمستويات المركّبات الكبريتية الطيّارة (Volatile Sulfur Compounds - VSCs) التي تُعدّ السبب الرئيسي لرائحة الفم الكريهة.

لكن الأمر لا يتوقف عند حدود التشخيص، بل يتجاوزها إلى توصيات علاجية شديدة التخصص: هل يحتاج المريض إلى تغيير نوع معجون الأسنان؟ أم إلى غسول فم يحتوي على الكلورهيكسيدين (Chlorhexidine)؟ أم ربما إلى حمية غنية بالبروبيوتيك (Probiotic-Rich Diet)؟

لم يعد القرار خاضعاً لذوق الطبيب فقط، بل مبنيّ على توصية خوارزمية مدعومة بالبيانات.

لماذا يهمّنا هذا في العالم العربي؟

إننا في منطقة تُسجِّل فيها الأمراض المزمنة أرقاماً مفزعة، دون أن يقابلها -حتى الآن- مستوى كافٍ من أدوات الكشف المبكر. فالسكري، مثلاً، يُصيب نحو 18 في المائة من سكان دول الخليج، ونسبته في ازدياد، خصوصاً مع ارتفاع معدلات السمنة وقلة النشاط البدني. أما هشاشة العظام، فتصيب واحدة من كل ثلاث نساء عربيات بعد سن الخمسين، غالباً دون أن يعلمن بذلك حتى يحدث أول كسر... بعد فوات الأوان.

في هذا السياق، يصبح اللعاب أكثر من مجرّد إفراز. إنه وسيلة تشخيصية صامتة، لا تحتاج إلى وخز إبرة، ولا إلى أجهزة باهظة، بل فقط إلى خوارزمية جيّدة... ونظرة استباقية.

ومع تنامي المشاريع البحثية في جامعات عربية مثل: جامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وجامعة القاهرة، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي... بدأنا نرى نماذج أولية لتحاليل لعابية تُجريها العيادات الجامعية لتقييم احتمالات الإصابة بالسكري، أو متابعة استجابة مرضى السرطان للعلاج.

نحن، إذن، أمام لحظة تحوّل قد تعيد رسم دور طبيب الأسنان في العالم العربي: من معالج للتسوس... إلى كاشف مبكر لأمراض الدماغ والعظام والدم.

فربما، قريباً، سيكون أول من يُحذّرك من ألزهايمر... هو طبيب أسنانك.

إذن... لم يعد اللعاب «ماءً شفافاً» يُترك جانباً... بل وثيقة طبية حية، تنطق بصمت، وتبوح بأسرار الجسد والعقل مع كل قطرة. إنه المرآة التي تعكس ما لا يُرى، واللغة التي لا تحتاج إلى كلمات.

وفي زمن تتكامل فيه الخوارزميات مع البيولوجيا، لم نعد بحاجة إلى وخز الإبر ولا إلى أيام انتظار نتائج التحاليل... بل فقط إلى خيط من اللعاب، وخوارزمية تُحسن الإصغاء.

وربما في المستقبل القريب، سيكون السؤال في العيادة: «هل بإمكانك البصق هنا؟» ويكون الجواب: «نعم، لأفهم صحتي... قبل أن يخذلني جسدي».


مقالات ذات صلة

صحتك سكري الحمل يمكن أن يؤدي إلى نمو مفرط للطفل... لذا أهمية المتابعة المستمرة له لوقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية (بيكسباي)

دراسة: المتابعة المستمرة لسكري الحمل يمكنها وقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية

أظهرت بيانات من تجربة جديدة أنه يمكن للنساء اللاتي يصبن بالسكري المرتبط بالحمل أن يقللن من احتمالات إنجاب مولود جديد بوزن أعلى من المتوسط عند الولادة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك تأخذ النساء في أول فحص منزلي للكشف عن فيروس الورم الحليمي البشري «إتش بي في» مسحة مهبلية لتتجنب بذلك الفحص التقليدي باستخدام منظار المهبل في العيادة وترسلها لإجراء الفحص (بيكسباي)

فحص منزلي جديد للكشف عن سرطان عنق الرحم لتجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء

بات بإمكان النساء المعرضات لخطر متوسط ​​للإصابة بسرطان عنق الرحم، تجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء، وإجراء فحص منزلي آمن للكشف عن الفيروس المسبب للمرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك بفضل مضادات الأكسدة القوية التي يحتوي عليها، خاصة الأنثوسيانين والفلافونويد، قد يُساعد الكركديه على تقليل الالتهاب وحماية خلايا البروستاتا من التلف (بيكسباي)

اكتشف فوائد الكركديه وتأثيره على صحة البروستاتا

تعود قيمة الكركديه الغذائية إلى احتوائه على فيتامين «سي» ومعادن مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم، إضافة إلى مركبات مضادة للأكسدة تعزز فائدته الصحية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي... هل يصبح الطبيب المفضل لدى المرضى الأميركيين؟

الذكاء الاصطناعي... هل يصبح الطبيب المفضل لدى المرضى الأميركيين؟

أصيبت مولي كير، وهي فتاة نيويوركية تبلغ من العمر 26 عاماً وتقيم في لندن بالانزعاج، هذا الصيف عندما أظهرت فحوصات دمها وجود اختلالات هرمونية، كما كتبت ماغي أستور…

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.