«شمال شرقي الصومال»... ولاية جديدة قد تعمق النزاعات

الحكومة الفيدرالية رحبت بها وسط خلافات مع بونتلاند

حفل تدشين ولاية «شمال شرقي الصومال» (وزارة الداخلية على «إكس»)
حفل تدشين ولاية «شمال شرقي الصومال» (وزارة الداخلية على «إكس»)
TT

«شمال شرقي الصومال»... ولاية جديدة قد تعمق النزاعات

حفل تدشين ولاية «شمال شرقي الصومال» (وزارة الداخلية على «إكس»)
حفل تدشين ولاية «شمال شرقي الصومال» (وزارة الداخلية على «إكس»)

ولادة جديدة لولاية في الصومال بعد توتر بين الحكومة الفيدرالية وإقليم بونتلاند الذي يَعد إحدى مناطقها جزءاً من أراضيه، تفتح التساؤلات بشأن مستقبل ذلك الإقليم الوافد لبلد أفريقي غارق منذ سنوات في مواجهة حركة «الشباب» الإرهابية ومنذ نحو عام يشهد خلافات سياسية وانقسامات واسعة بين الحكومة والمعارضة.

تلك الولاية الجديدة التي حملت اسم «شمال شرقي الصومال» لاقت ترحيباً من الحكومة الفيدرالية، ومشاركة من وزير الداخلية، علي يوسف في مؤتمر تدشينها، وهو ما يراه خبير في الشؤون الأفريقية تحدث لـ«الشرق الأوسط» ميلاداً قد يساهم في تعميق التوترات والنزاعات بالبلاد أو يرسخ النظام الفيدرالي أكثر، في ظل تحديات حاجة الولاية الجديدة إلى بناء مؤسسات خدمية وإدارية، وضمان الأمن ونيل اعتراف سياسي من بقية المكونات الفيدرالية.

واختتمت في مدينة لاسعانود، عاصمة إقليم سول، «فعاليات مؤتمر بناء وإقرار دستور ولاية شمال شرقي الصومال، وذلك بعد أيام من المداولات والنقاشات التي جمعت ممثلين عن مختلف فئات المجتمع المحلي في مناطق سول، سناغ، بوهودلي»، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الصومالية الرسمية»، الخميس.

وأشرف على ختام المؤتمر الذي عقد، الأربعاء، وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية والمصالحة في الحكومة الفيدرالية الصومالية، علي يوسف علي، الذي أكد في كلمته الختامية دعم الحكومة الفيدرالية الكامل للمساعي الهادفة إلى ترسيخ النظام الفيدرالي وتعزيز السلام والاستقرار في البلاد.

وشارك في المؤتمر «417 مندوباً يمثلون مكونات المجتمع المحلي من أعيان، وشيوخ، ومثقفين، وناشطين من المجتمع المدني، وناقشوا على مدى الأيام الماضية مسودة الدستور وتمت المصادقة عليها بالإجماع، إلى جانب اعتماد التسمية الرسمية للكيان الولائي الجديد تحت اسم ولاية شمال شرقي الصومال».

جانب من المشاركين خلال حفل تدشين ولاية «شمال شرقي الصومال» (وزارة الداخلية على «إكس»)

وتحدث بيان للداخلية الصومالية، أن «المؤتمر (ذاته) بحضور الوزير علي يوسف علي ناقش عملية تشكيل ولاية خاتمة، وانتهى إلى اعتماد اسم ولاية شمال شرقي الصومال للولاية الجديدة رسمياً»، مؤكداً أنها «خطوة مهمة للأمام ولحظة تاريخية».

وبذلك تعد ولاية «شمال شرقي الصومال» أحدث عضو في النظام الفيدرالي في الصومال الذي تشكل عقب سقوط الحكومة المركزية عام 1991، حيث تشكلت في البلاد عدة إدارات فيدرالية، وهي هيرشبيلي، غلمدغ، جنوب الغرب، غوبالاند، وبونتلاند، إلى جانب العاصمة مقديشو بخلاف أرض الصومال، التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عام 1991، وأقامت إدارة مستقلة تسيطر على معظم مناطق شمال غربي البلاد، وتسعى لاعتراف دولي ترفضه الحكومة الفيدرالية وتعدّها جزءاً منها، وسبق أن رفضت تأسيس الولاية الجديدة.

وكشفت وسائل إعلام صومالية، الخميس، عن أن المؤتمر استمر 8 أيام بحضور 417 مندوباً من إقليمي سول وسناغ ومدينة بوهودلي، وأقر الدستور المؤقت للولاية، واختاروا علم الولاية الجديد، وعيّنوا لاسعانود عاصمة للولاية الحديثة التأسيس التي تنتظر عملية انتخاب برلمان، تليها انتخابات رئاسية.

الخبير في الشأن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، يرى أن هذا تطور جديد في الساحة السياسية تمثّل في إعلان إنشاء إدارة إقليمية جديدة تضم منطقتي خَاتُمة وماخر، وهما منطقتان تابعتان إدارياً لولاية بونتلاند سابقاً، مضيفاً: «قد قوبل هذا الإعلان بمواقف متباينة بين دعم الحكومة المركزية ورفض ولاية بونتلاند، مما يشير إلى تصعيد محتمل في المشهد السياسي والقبلي في البلاد».

وأوضح أن «منطقة خَاتُمة كانت لفترة طويلة موضع تنازع بين إدارات محلية مختلفة، وتسعى الآن إلى تعزيز استقلالها الذاتي ضمن إدارة جديدة، وإقليم ماخر أيضاً يُعدّ منطقة متنازعاً عليها بين بونتلاند وأرض الصومال، مما يعقّد من فرص الاستقرار الإداري والسياسي فيها»، لافتاً إلى أن «الحكومة الفيدرالية الصومالية أظهرت دعماً علنياً لهذه الخطوة، على اعتبار أنها قد تساهم في إعادة هيكلة النفوذ المحلي وخلق توازنات جديدة».

ويرى أن «الحكومة الفيدرالية الصومالية أبدت دعمها الكامل للإدارة الجديدة، بوصف ذلك جزءاً من استراتيجيتها للضغط على الإدارات الإقليمية التي تتبنى مواقف معارضة للسلطة المركزية خاصة، والحكومة ترى أن دعم هذه الإدارة قد يُضعف من نفوذ بونتلاند، ويدفعها نحو الجلوس على طاولة المفاوضات»، لافتاً إلى أن «هذه الخطوة تعدّ فرصة للحكومة لموازنة التوترات السياسية القائمة مع أرض الصومال، من خلال خلق إدارة موالية للحكومة الفيدرالية في منطقة التماس».

ويأتي إعلان ولاية شمال شرقي الصومال في ظل رفض سابق لتكوينها من جانب الخصمين المتصارعين في السنوات الماضية ولاية بونتلاند وإقليم أرض الصومال اللذين يعدّان بعض مناطقها جزءاً من أراضيهما ونفوذهما.

وزير الداخلية الصومالي خلال حفل تدشين ولاية «شمال شرقي الصومال» (وزارة الداخلية على «إكس»)

وبزيٍّ عسكري، قال رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، في كلمةٍ أمام جنود، في تصريحات سابقة: «إذا قررتم (قادة تلك الولاية المحتملة) تشكيل إدارة منفصلة، فابقوا في أماكنكم. مصير سناغ (إحدى مناطق الولاية الجديدة) بيد بونتلاند. كفوا عن استفزازاتكم، وإلا فستواجهون العواقب»، وفق ما ذكرته وسائل إعلام صومالية.

واتهم وزير الإعلام في أرض الصومال الانفصالي، أحمد ياسين، عبر تصريحات صحافية، الحكومة الفيدرالية بتأجيج حالة عدم الاستقرار في سناغ، محذراً من التدخل الفيدرالي.

وسبق أن دفعت الحكومة الفيدرالية مساعي إدارة خاتمة لإقامة ولاية عضو فيدرالية في 8 مايو (أيار) الماضي عقب اختتام مجلس التشاور الوطني الذي غاب رئيس ولاية بونتلاند عن المشاركة به.

وعلى مدار نحو 3 شهور، ظهر دعم لافت من الحكومة الفيدرالية تجاه تلك الإدارة التي قادت مؤتمر التأسيس للولاية الجديدة كان أبرزها استقبال رئيس البلاد حسن شيخ محمود، لزعيم إدارة خاتمة عبد القادر علي، وزيارة وزير التجارة الصومالي، محمود آدم غيسود، في 6 يوليو (تموز)، إلى مدينة لاسعانود، لدعم سبل تأسيس الولاية الجديدة.

وبتقدير كلني فإن مواقف بونتلاند السابقة قد تحدد مستقبل تلك الولاية، موضحاً أنها «رفضت بشكل قاطع إنشاء إدارة جديدة داخل أراضٍ تعدّها تحت سلطتها الإدارية، وبرّرت موقفها بأن هذه الخطوة تُضعف من قدراتها الإدارية وتفتح المجال لصراعات محلية جديدة»، مضيفاً: «لجأت بونتلاند إلى أساليب متعددة لمنع تنفيذ هذا القرار، من بينها التدخل الأمني، كما حدث مؤخراً في مدينة دهر بمنطقة سناغ، لكن دون نتائج حاسمة».

وفي ضوء ذلك يتوقع كلني أن «تتخذ بونتلاند إجراءات تصعيدية غير متوقعة، رغم أن خيار الانفصال أو العزلة التامة لا يبدو مطروحاً بشكل جدي في المرحلة الحالية». ويرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى «احتمال تفاقم التوترات القبلية، خاصة أن مناطق خَاتُمة وماخر تشهد تاريخياً تنافساً قائماً على التوسع والنفوذ القَبلي»، لافتاً إلى أن «التحالفات القَبلية في المنطقة قد تُعيد التشكل، ما يُنذر بإعادة توزيع النفوذ وظهور تحالفات جديدة على حساب الوضع القائم، وقد تتسع رقعة النزاع لتشمل مناطق أخرى مجاورة، ما لم يتم احتواء الوضع بسرعة عبر حوار سياسي جاد».

ويبقى نجاح أو فشل الإدارة الإقليمية الجديدة مرهوناً بمدى وعي القيادات المحلية، وخبرتهم في إدارة التحولات السياسية، ومدى تعاون الحكومة المركزية في إيجاد حلول شاملة ومستدامة، بحسب كلني، مؤكداً أن «طبيعة رد فعل بونتلاند خلال المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل هذه الإدارة واستقرار المنطقة بأكملها».


مقالات ذات صلة

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

شمال افريقيا سد النهضة (رويترز)

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر اليوم (الأربعاء) بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
العالم العربي رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري (وكالة الأنباء الصومالية)

ماذا وراء تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو؟

أجلّت السلطات الصومالية الانتخابات المحلية في مقديشو لنحو شهر؛ حيث تُجرى للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، بموازاة تطبيق نظام الاقتراع المباشر في الانتخابات.

محمد محمود (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أثناء مشاركته في القمة الأفريقية - الأوروبية (مجلس الوزراء المصري)

مصر ترسّخ حضورها في القرن الأفريقي بتوسيع التعاون مع جيبوتي

عززت مصر حضورها في منطقة «القرن الأفريقي» بتوسيع التعاون في مجالات مختلفة مع دولة جيبوتي، مع تأكيدها رفض «أي إجراءات أحادية» بتلك المنطقة أو في البحر الأحمر.

أحمد جمال (القاهرة)
أفريقيا «التحالف الإسلامي» يعد شريكاً قوياً لدول الساحل في مواجهة الإرهاب (التحالف الإسلامي)

«التحالف الإسلامي» يطلق برامج تدريبية في النيجر لمحاربة الإرهاب

أطلق التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الاثنين في النيجر، أعمال البرنامج الإعلامي الذي ينفذه التحالف في مواجهة الإرهاب

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر (يمين) والسياسي من ناميبيا أدولف هتلر أونونا (أرشيفية - أ.ف.ب - مجلس أوشانا الإقليمي)

«أدولف هتلر» يتجه للفوز بانتخابات محلية في ناميبيا

من المتوقع أن يفوز سياسي يُدعى أدولف هتلر في انتخابات محلية بناميبيا، لكنه زعم أن والده كان يجهل الزعيم النازي عندما سمى ابنه.

«الشرق الأوسط» (ويندهوك)

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».


بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».