القربي لـ«الشرق الأوسط»: صالح كان يتوقع مصيره على أيدي الحوثيين

وزير الخارجية اليمني السابق: هادي رفض قتال الجماعة في عمران فاستولت على صنعاء من دون مقاومة (2 من 2)

TT

القربي لـ«الشرق الأوسط»: صالح كان يتوقع مصيره على أيدي الحوثيين

مقاتل حوثي على آلية عسكرية أمام منزل صالح المحترق في صنعاء يوم مقتله في 2017 (أ.ف.ب)
مقاتل حوثي على آلية عسكرية أمام منزل صالح المحترق في صنعاء يوم مقتله في 2017 (أ.ف.ب)

بعد 2004 لم يعد اليمن كما كان: حربٌ أولى بين الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والحوثيين تحوّلت إلى شراكة مشوبة بالشك، ثم إلى خصومة دامية أنهت حياة صالح نفسه في 2017 بعد ثلاث سنوات من سقوط صنعاء، وهو مصير يقول وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي إن الرئيس كان يتوقعه.

في الحلقة الثانية والأخيرة من مقابلته مع «الشرق الأوسط»، يشرح القربي كيف تبدّل تحالف صالح ونائبه عبد ربه منصور هادي، مروراً بدراما «الربيع العربي»، ولماذا تحوّل الحوثيون إلى إيران. ويتأمّل فرص استعادة الوحدة في بلدٍ شبّه صالح حكمه ذات يوم بـ«الرقص على رؤوس الثعابين». وفيما يلي نص الحلقة:

* متى بدأ الرئيس علي عبد الله صالح يشعر بمشكلة اسمها الحوثيون؟

- كان ذلك بداية عام 2000، عندما بدأ الحوثيون يتحركون سياسياً، ليس داخل اليمن فحسب بل في علاقاتهم الخارجية مع إيران ودول عربية أيضاً، إحداها ليبيا. كان الرئيس معمر القذافي على تواصل معهم أو هم كانوا على تواصل معه. وبدأت الحرب في 2004. أول حرب مع الحوثيين. في هذه المرحلة، بدأت المسألة تتصاعد واندلعت الحرب.

* كيف تفاقم موضوع الحوثيين؟ هناك مَن يقول إن أميركا جاءت واقتلعت نظام صدام حسين وقدمت العراق على طبق من فضة لإيران وأن هذا الدور الإيراني الجديد سرعان ما ظهر لديكم في اليمن... هل هذا صحيح؟

- أعتقد أن ارتباط «أنصار الله» (الحوثيين) بإيران جاء نتيجة الحروب التي تمت في اليمن. بحثوا عن نصير لهم فوجدوا في إيران هذا النصير. وللأسف أن المعالجات للأزمة الحوثية والصراع مع الحوثيين في تلك الفترة دخلت فيهما عوامل كثيرة أثرت على قرار الحكومة اليمنية نتيجة لأسباب داخلية أحياناً، وتدخلات، والحلول القبلية المعتادة في اليمن والمعاناة التي كانت تعانيها الدولة خاصة بعد انتخابات 2006 مع المعارضة. كل ذلك فاقم الوضع لأننا خرجنا من تلك الانتخابات وهناك أزمة سياسية بين المعارضة والحكومة اليمنية.

دخول إيراني على المشهد اليمني

* ماذا كان يقول الرئيس علي عبد الله صالح عن دور إيران؟ أنا سمعت منه في 2008 أن الحوثيين يتم تدريبهم في لبنان ويصلون إلى سوريا... ألم يحاول أن يتحدث إلى إيران عن دورها في اليمن؟

- ذهبت إلى إيران مرتين حول هذا الموضوع.

* ماذا حدث خلال الزيارتين؟

- الزيارة أساساً نريد أن نطرح عليهم خلالها 3 نقاط رئيسية، أولاً أن اليمنيين (شوافع وزيود) عاشوا قروناً من الزمن من دون صراعات مذهبية. ثانياً أن مصلحة المنطقة ألا يتدخل الناس في الصراع القائم في اليمن بين الحوثيين والحكومة. ثالثاً أن على إيران أن تتوقف عن تقديم الدعم. ربما الحكومة مباشرة لا تقدم الدعم، ولكن هناك حوزات تقدم هذا الدعم، وبالتالي عليهم أن يتحملوا مسؤولية ذلك.

* مَن التقيت؟

- التقيت الرئيس محمد خاتمي والرئيس محمود أحمدي نجاد.

* ماذا كان الرد الإيراني؟ أحمدي نجاد مثلاً؟

- يؤكدون أنهم حريصون على اليمن وأمن اليمن وأننا سنلعب أي دور يؤدي إلى ذلك.

* ألم تكونوا تتداولون مع الرئيس بدور الجنرال قاسم سليماني القائد السابق لـ«فيلق القدس» في «الحرس الثوري»؟

- لا. لم نكن نناقش هذه الأشياء.

حديث التوريث و«الربيع»

* قلت إن انتخابات 2006 فاقمت الوضع... دعنا نتحدث بصراحة، هل كانت الانتخابات حرة؟

- في 2006 نعم. 2006 كانت علامة فارقة في الانتخابات اليمنية. لأول مرة يحصل الرئيس صالح على شيء و60 في المائة من الأصوات، على عكس الانتخابات التي كانت قبلها. وكان هناك مراقبون أميركيون وغيرهم شهدوا بسلامة الانتخابات.

يعتقد القربي أن انتخابات 2006 كانت علامة فارقة في اليمن (أ.ف.ب)

* هل حاول صالح أن يجاري الرقصة الديمقراطية؟

- ليس حاول. أعتقد أنه هو كان يريد أن يدخل في التاريخ بأنه تبنى النهج الديمقراطي في اليمن.

* قيل إن الرئيس صالح راوده أيضاً حلم التوريث... هل كان موضوع التوريث مطروحاً جدياً؟

- أنا أعتقد أنه لم يكن مطروحاً جدياً، وأعتقد أن المعارضة ضخّمت الموضوع، وللأسف أيضاً أن بعض قيادات الحزب كانت تدلي بتصريحات توحي بهذا الأمر. لكن صالح قال مباشرة إن ولده من حقه أن يرشح نفسه إذا هو أراد لأن هناك انتخابات والشعب يقرر مَن سيختار لكن في الوقت نفسه قال: أنا لن أترشح للانتخابات المقبلة ولن يترشح ولدي.

* متى أدلى بهذه التصريحات؟

- في يناير 2011.

* هبت رياح «الربيع العربي»... فهل فوجئتم بها؟ هل فوجئ الرئيس صالح؟

- نعم، فوجئنا بها من ناحية الأسلوب. كنا نعرف أن الأميركيين يعدون لتغيير في المنطقة، كان ذلك واضحاً من بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وكان واضحاً أيضاً من خلال النشاط السياسي الذي كانت تقوم به أميركا في إطار منظمات المجتمع المدني والمطالبة بالحريات والديمقراطية ليكون العالم العربي قادراً على مواجهة تحديات التنمية والاقتصاد وإلى آخره، لكن أن تبدأ بالطريقة التي بدأت بها في تونس كان مفاجأة، وبالأسلوب الذي اتبعته لاحقاً في الدول العربية الأخرى.

* ماذا كان صالح يقول عن هذا الربيع؟

- أعتقد أنه كان موضوع نقاش طويل في إطار «المؤتمر الشعبي العام»، إذ كان واضحاً أن مطالب التغيير فيها بعض المشروعية لأن الوطن العربي يحتاج حقيقية إلى إعادة نظر بسياساته في إدارة الدولة والتنمية والاقتصاد ومحاربة الفساد وغيرها. وبالتالي لم يمكن هناك رفض لمبدأ التغيير. لكن القضية هي كيف يتم التغيير. هل يتم التغيير من خلال إسقاط الأنظمة أو - خصوصاً نحن في اليمن - إذ كنا قد بدأنا في العملية الديمقراطية ووضعنا مؤسسات لمكافحة الفساد، أن يتم ذلك من خلال تفعيل المؤسسات وتثبيت الديمقراطية والمحاسبة؟ هذا كان الجدل الذي كنا نتبناه نحن في «المؤتمر الشعبي».

* هل كانت هذه النقاشات تتم في حضور الرئيس؟

- نعم، في حضور الرئيس طبعاً في اللجنة العامة لـ«المؤتمر الشعبي».

* متى شعر صالح بأن أميركا تريد إخراجه من الحكم؟

- أعتقد أثناء اعتصامات الشباب في الساحات ودخول الأحزاب السياسية معها فيما بعد واختطاف الأحزاب السياسية لحركة الشباب في التغيير، وبدأ الأميركيون وبعض الدول الأوروبية يضعونها صراحة أن على صالح أن يذهب.

* بماذا كان يعلق؟

- كان يعلق بأن صالح يمكن أن يذهب ولكن وفقاً للدستور والقانون والديمقراطية والنظام الديمقراطي.

* إنه يمكن أن يذهب... ألم يمانع؟

- واضح لأنه في النهاية قبل أن يسلم السلطة، لم يكن المانع عدم قدرته على استعمال القوة، لأنه كانت بيده القوة ويمكنه أن يفكك هذه الساحات كلها، لكن ماذا سيحدث؟ سندخل في فوضى أشد مما كانت، ونحن نرى ما يجري في بعض الدول العربية في ذلك الوقت مثل ليبيا.

* هل سمعتم من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أن الحل يكون بتنحي صالح؟

- أنا لم أسمع ذلك، لكن هذا كان الموقف بالنسبة لأميركا.

القربي مستقبلاً هيلاري كلينتون خلال زيارتها لصنعاء عام 2011 (أ.ف.ب)

* هل زارت اليمن في تلك المرحلة؟

- نعم زارت اليمن والتقت الرئيس صالح.

* ماذا قالت للرئيس؟

- أعتقد أن أهم ما قالته لصالح إنه لا يمس المظاهرات والساحات بأي رد فعل، وأن يقبل بأن التغيير يجب أن يحدث، لكن لم تقل له ارحل، كما كانت تقول المظاهرات.

* لم تقل له كلينتون مباشرة ارحل لكن التغيير يفترض ذلك؟

- طبعاً. لكن التغيير، كما قلنا، لم يكن صالح يرفضه بل يجب أن يتم بطريقة دستورية منظمة وليس بالفوضى كما حدث.

* بماذا شعر صالح حينما واجه الرئيس حسني مبارك مصيره واضطر إلى ترك الحكم؟

- كان متوقعاً بالنسبة له لأنه في بداية الأحداث في مصر كان واضحاً أن الرئيس يجب أن يذهب، وكان قلق الرئيس صالح يكمن في «هل سيتسلمها الإخوان المسلمون؟».

صالح مع حسني مبارك في 2003 (أ.ف.ب)

* مصير مبارك يمثل أمام المحاكم ثم مصير القذافي... كم أثر في صالح ذلك؟

- تأثير كبير الحقيقة. صالح أولاً كقائد عربي يجب أن يشعر بالأسى عندما يرى رفيقاً له وشخصاً عرفه يتعرض لهذه الأشياء، حتى لو كان هناك خلاف سياسي.

* لكن تجرع صالح كأس التنحي رغم أنه كان بحكم لقاءاتي معه شعرت بأنه رجل يستمتع بممارسة السلطة، لاعب بارع لكن قيل إنه في السنوات الأخيرة، كما مبارك، لم يعد كثير الاهتمام بالتفاصيل وهذا ما ضاعف الأزمة...

- لا أعتقد ذلك، أعتقد أن صالح حتى آخر لحظة كان يهتم بالتفاصيل. هذا الكلام غير صحيح. صالح، ربما في السنوات الأخيرة، أصبح أكثر جرأة في اتخاذ القرار الانفرادي.

* لماذا؟

- أعتقد أنه شعر بعد الانتخابات وفوزه بها، بأن له شعبية كبيرة، وشعر بأنه يتخذ القرارات ولا تكون هناك معارضة له.

تفجير مسجد الرئاسة

* هل تذكر محاولة تفجير المسجد؟ وأين كنت؟

- كنت في صنعاء، لكن الخبر عرفته من الإعلام. كنت في صباح ذلك اليوم قبل صلاة الجمعة في دار الرئاسة مع الرئيس صالح، وكنا في اجتماع قيادة المؤتمر والحكومة نناقش موضوع توقيع المبادرة الخليجية التي قام خلاف على توقيعها. واتصل الرئيس صالح بي ليلة الجمعة وقال لي سنتجمع غداً الساعة 10 صباحاً في دار الرئاسة وسنقرر موضوع التوقيع على المبادرة الخليجية.

صالح في كلمته التي ألقاها بعد تفجير مسجد الرئاسة (أ.ف.ب)

استبشرت خيراً وشعرت بأنه وافق في النهاية على المقترح للتوقيع. ذهبنا في الصباح وحضرت مجموعة من القيادات وبعد نقاش قصير تمهيدي اتُّخذ قرار بالتوقيع على المبادرة الخليجية قبل الانفجار بساعات. وطلب مني الرئيس أن أبلغ الإخوة في المملكة العربية السعودية بالموافقة. أنا بعد الاجتماع ذهبت إليه وقلت له أعتذر لن أتمكن من الصلاة معكم في الجامع لأنني مدعو إلى عرس أحد الاقارب، فقال: بسلامة الله.

* أنقذك العرس من الانفجار؟

- أنقذني من أن أكون في الجامع. من الصدف أنه لدى خروجي من الباب كان هناك اثنان من القيادة يريدان الدخول، أحدهما دخل والثاني منعته الحراسة من الدخول وكان ذلك سبب نجاته.

* وافق صالح على التنحي... هل كانت صعبة عليكم أن تروا صالح خارج السلطة؟

- لا، كان متوقعاً بعد أن أقر تسليم السلطة وغيره، كان متوقعاً أن صالح سيسلم السلطة.

من عمران إلى صنعاء... طريق مفتوح

* هل أخطأ صالح حين تحالف مع الحوثيين أو هل نستطيع القول إنه تحالف معهم؟

- لا. لا نستطيع القول إنه تحالف مع الحوثيين. ربما في بداية الأمر عندما بدأ الحوثيون بالتقدم نحو صنعاء، ربما كان يعتقد أنه ستأتي مرحلة تقوم فيها الحكومة بقيادة هادي في ذلك الوقت، بوقف تقدمهم. لأن الرئيس هادي كان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت وهو المسيطر على الجيش والقوات المسلحة.

كان صالح ربما يرى أن ما يجري في المناطق القبلية من قبل الحوثيين هو تصفية حسابات بينهم، وربما يرى فيها من جانبه أنها أضرت بخصومهم من مشايخ القبائل في المنطقة. لكن عندما تقدموا إلى عمران كان واضحاً أن الخطر قادم، لذلك طلب من الرئيس هادي، وذهبت مجموعات من حزب «المؤتمر الشعبي» وطلبت من الرئيس هادي التدخل لوقف تقدمهم لأنهم إذا وصلوا إلى عمران فسيصلون إلى صنعاء.

* يتردد أن هذه المجموعة ذهبت بناءً على نصيحة الرئيس صالح... هل هذا دقيق؟

- نعم دقيق جداً.

* برأيك لماذا لم يذهب الرئيس هادي لكي يقاتل في عمران؟

- كما قال لمن ذهبوا إليه: أنتم تريدون أن تورطوني مع «أنصار الله» كما تورط صالح معهم في صعدة.

* هل يمكن أن تكون هناك عملية تصفية حساب مع الرئيس صالح أو كيدية سياسية؟

- ربما يكون ذلك. من يستطيع الإجابة عن هذا السؤال هو هادي.

صالح وهادي وتغير الأدوار

* كيف يمكن أن تصف العلاقة التي كانت قائمة بين الرجلين رئيس يملك كل الصلاحيات ونائب بدور شكلي ثم تتغير الأدوار؟

- العلاقة قبل أن يتسلم هادي السلطة كانت علاقة ممتازة جداً، ولم نسمع عن خلاف بينهما إطلاقاً. وكان هادي ينفذ ما يطلب منه الرئيس صالح، ولهذا عندما بدأ طرح فكرة نقل السلطة كان هناك خلاف داخل «المؤتمر الشعبي» حول مَن يخلف صالح.

كان هناك مَن يرشح هادي وكان هناك من يبحث عن بديل له. ومع هادي، اعتقد الدكتور عبد الكريم الإرياني وأنا شخصياً اعتبرنا أن هادي كان على مدى 17 سنة نائباً للرئيس ولم نشعر بأن هناك خلافاً وكان نائب رئيس الحزب ومن الضروري الحفاظ عليه في هذا المنصب، ونقل السلطة إليه.

* كنت من المؤيدين لوصول هادي؟

- نعم. كنت من المؤيدين لوصوله.

جمعت صالح بهادي علاقة مركبة (أ.ف.ب)

* هل شعر صالح بأن هادي غدر به أو تنكر لتعهده؟

- أعتقد أن صالح كان لديه شعور، وتعزز خاصة عندما بدأ التعامل مع «المؤتمر الشعبي» في أثناء مؤتمر الحوار الوطني الشامل في تمثيل المؤتمر والشخصيات التي تشارك في المؤتمر، شعر بأن الرئيس هادي يحاول أن يزيحه من الدور الذي له الحق فيه كرئيس للمؤتمر. اتخذ هادي القرارات، وشعر صالح كأنه يريد أن يستبعده من رئاسة المؤتمر، فبدأت الحساسيات.

* جاء عبد ربه منصور هادي وحدث ما حدث وسقطت صنعاء... أين كنت حينما سقطت صنعاء؟

- كنت في صنعاء.

* وماذا حدث؟

- لم يكن أحد يتوقع أن «أنصار الله» سيدخلون صنعاء وأن تسلم لهم بتلك السهولة من قبل القوات المسلحة ومن دون أي مقاومة.

مقاتل حوثي على آلية عسكرية أمام منزل صالح المحترق في صنعاء يوم مقتله في 2017 (أ.ف.ب)

* هل كان صالح يتوقع مثل هذا المصير على يد الحوثيين؟

- أتصور أنه كان يتوقعه، لأن المواقف التي بدأت بعد أن أعلن الشراكة مع الحوثيين وشعوره بأن الحوثيين رغم شراكة حزب «المؤتمر الشعبي العام» في الحكومة. إلا أن وزراء المؤتمر في الحكومة لم تكن لديهم جميع الصلاحيات، وكان المشرفون من «أنصار الله» هم الذين يديرون الوزارات، فبدا التوتر واضحاً بإقصاء الحزب من دوره السياسي في اليمن، وبدأت الخلافات أيضاً عندما بدأ المؤتمر يكثف من نشاطه السياسي والاحتفاء بذكرى تأسيسه في 2017.

* هل كنت بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء على علاقة دائمة بصالح؟

- طبعاً، كنت عضواً في اللجنة العامة، وبالتالي كنت أحضر اجتماعات اللجنة العامة ونناقش التطورات التي تحدث.

إرث صالح... مرونة وفرص مهدرة

* هل تفتقد صالح؟

- كشخص عاشرته 11 سنة كوزير وقبلها سنوات كعضو في اللجنة العامة للحزب، افتقده لقيادته الحقيقية.

* إذا أردنا أن نصف صالح كقائد... ما مواصفاته؟

- مواصفاته أولاً المرونة، والحوار حتى مع أعدائه عندما يختلف معهم يبقى التواصل معهم. ولا يميل إلى العنف لأنه لو مال إلى العنف لاستعمل القوة لفض الساحات عندما كانت بها مظاهرات في صنعاء وهو يعيش فيها.

عمل القربي وزيراً للخارجية مع صالح لأكثر من 13 عاماً (أ.ف.ب)

* كان ميالاً إلى الحوار مع الخصوم؟

- نعم، ولهذا في بدايات توليه لرئاسة الجمهورية، شكل لجنة الحوار الوطني في عام 1980 التي صاغت الميثاق الوطني، وشارك في ذلك الحوار الطيف السياسي والقبلي والمجتمعي والأكاديمي.

* يقال إن صالح كان يعرف تفاصيل الواقع اليمني المعقد وحدود الدولة وحدود القبيلة في القرار... هل هذا صحيح؟

- هذا صحيح، وأعتقد أن هذا من الأسباب التي جعلته يستمر 33 سنة رئيساً لليمن.

* ألم يخطئ حين استمر في إرجاء بناء الدولة المكتملة العناصر أم أن الواقع كان يفرض عليه ذلك؟

- الاثنان معاً.

* ما أخطاء صالح... الرجل في ذمة التاريخ ونحن نتحدث بعد مرحلة؟

- أعتقد أنه كانت هناك فرص كثيرة لصالح تتعلق ببناء الدولة، سواء أكان بعد الوحدة أو بعد الحرب لحماية الوحدة أو بعد 2006، لأنه للأسف الشديد، في اليمن كما هو في دول الثورات العربية كلها، أن الثوار عندما يصلون إلى الحكم يفكرون في السلطة وينسون الدولة. وهذه الكارثة التي أدت في النهاية إلى ثورة تأتي بعد ثورة أو انقلاب يأتي بعد انقلاب.

* هل يمكن أن نطبق ذلك على الذين وصلوا بانقلابات... الضباط الذين وصلوا بانقلابات؟

- نعم، نفس الواقع. في الواقع أنه لم نشعر حتى الآن في عالمنا العربي بأن هناك بناء دولة حقيقية، مؤسساتية ديمقراطية الشعب فيها هو صاحب الإرادة.

* الرئيس صالح كان يقول، وأنا سمعت هذا الكلام منذ وقت طويل، إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين، هل توافقه على أن حكم اليمن صعب إلى هذه الدرجة ويشبه الرقص على رؤوس الثعابين؟

- أعتقد أن في هذا الكلام كثيراً من الصحة لأن الإشكالية أنك كيف توازن بين القوى القبلية والقوى المدنية، كيف توازن بين أحزاب سياسية لها انتماءات خارجية، كيف تأخذ في الاعتبار الانتماءات المناطقية لليمن؟ كل هذه تخلق قيادات يجب أن تتعامل معها، وكل هذه القيادات لها طموحاتها ولها رؤيتها للحلول السياسية، وكلها يمكن أن تشكل معارضات تخلق لك إشكالات.

* الرئيس صالح كان شخصاً، عندما تجلسان، يحب النكات والطرائف؟

- جداً، عندما كنا نسافر معه في الرحلات الطويلة نجلس ساعات نتحدث في شتى القضايا ونقول النكات وكان يزيد متعة الرحلة وجود الدكتور عبد الكريم الإرياني الذي كان يحفظ الكثير من الشعر، ونتبادل القصص ونستعيد أيضاً مراحل من التاريخ والصراعات والشخصيات.

* هل لديه هاجس صورته في التاريخ أنه صانع الوحدة اليمنية؟

- مؤكد، مؤكد. هو حقق لليمن الوحدة، وهذا يعد إنجازاً يفتخر به كل اليمنيين أننا حققناه في عهد «المؤتمر الشعبي» في تلك الفترة.

* كان يعتبر نفسه شخصاً من غير قماشة خصومه؟

- نعم، ربما.

* هل أخطأ حينما قبل بما يسمى تجربة الشيخ والرئيس؟

- لا، لا أعتقد أنها كانت موجودة.

صالح والشيخ الأحمر (أ.ف.ب)

* كان هو الحاكم بلا شريك؟

- كان يستشير بوجود الشيخ بجانبه ولكن في النهاية القرار هو قراره.

* يعني الشيخ عبد الله الأحمر؟

- نعم، الشيخ الأحمر.

* لم يكن شريكاً؟

- كان شريكه من ناحية أن هناك تحالفاً في فترة من الفترات بين حزب الإصلاح و«المؤتمر الشعبي العام»، سواء بعد الوحدة عندما كانت الشراكة ثلاثية أو بعد حرب الانفصال عندما كانت ثنائية.

مستقبل اليمن وسؤال الوحدة

* هل تعتقد أن اليمن سيرجع موحداً كما كان؟

- يجب أن يرجع موحداً كما كان.

* هل هذه المهمة سهلة؟

- إذا لم يتعرض اليمن لتدخلات خارجية في قرار الوحدة، سيعود موحداً. اليمن لن ينفصل إلا إذا فُرض على الشعب اليمني انفصال من الخارج.

* لكن هناك مطالبات، لنكن واقعيين، من قوى في الداخل بوضع مختلف...

- أنا أعتقد أنها تعطي حجماً أكثر مما هي في الواقع. أغلبية الشعب اليمني، خاصة في الجنوب اليوم، بعد أن رأوا ما يحدث والوضع الانتقالي في الفترة الأخيرة، يشعرون بأن الضمان الوحيد لاستقرار اليمن كاملاً هو الوحدة. هناك دول خليجية مع الوحدة وهناك دول ليست مع الوحدة، رغم أن من مصلحتهم أن تبقى الوحدة لأنها الضمان لهم في الاستقرار والأمن.

* هل تتخيل حلاً قريباً يرضخ فيه الحوثيون لسلطة مؤسسات الدولة أو يصرون على أن يكونوا هم دولة؟

- الإشكالية الآن أن لدينا ثلاثة مراكز للسلطة في صنعاء وعدن والشرعية ما بين عدن والرياض. وكل هذه المجموعات قراراتها ليست في يدها... عندما يترك اليمنيون للتفاوض والحوار والنقاش سيتفقون. ستكون هناك دائماً أطراف تحاول أن تعارض، وهي قضية مصالح.

لمشاهدة المقابلة الكاملة:


مقالات ذات صلة

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

خاص العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت يدفع العليمي لطلب تدخل تحالف دعم الشرعية في اليمن عسكرياً؛ لحماية المدنيين، وفرض التهدئة، ومنع فرض وقائع بالقوة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)

مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

تعوّل مصر على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة وخفض التصعيد في اليمن، بما يحافظ على وحدة وسلامة أراضيه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

السعودية توجّه ضربةً جويةً تحذيريةً في حضرموت تعزيزاً لبيان خارجيتها بخصوص تحركات «الانتقالي» الأحادية، و«الانتقالي» يعلن انفتاحه على التنسيق مع الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

بعد 9 أشهر من التكتم، اعترف الحوثيون بمقتل قادة وحدة الطيران المسيّر، في ضربة أميركية كشفت عن حجم الخسائر التي طالت أخطر أذرعهم العسكرية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)

إجماع يمني واسع خلف الموقف السعودي لاحتواء التصعيد في الشرق

إجماع يمني واسع يدعم البيان السعودي الداعي لاحتواء التصعيد في حضرموت والمهرة، ورفض الإجراءات الأحادية حفاظاً على وحدة الدولة ومسار الحل السياسي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.