زيارة سريعة ومكثفة لرئيس الوزراء اللبناني إلى باريس… واطمئنان لتواصل الدعم الفرنسي

رسائل تفاؤل حول السلم الأهلي ومصير «اليونيفيل» وعودة النازحين السوريين

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على مدخل قصر الإليزيه في باريس الخميس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على مدخل قصر الإليزيه في باريس الخميس (إ.ب.أ)
TT

زيارة سريعة ومكثفة لرئيس الوزراء اللبناني إلى باريس… واطمئنان لتواصل الدعم الفرنسي

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على مدخل قصر الإليزيه في باريس الخميس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على مدخل قصر الإليزيه في باريس الخميس (إ.ب.أ)

بعكس الانطباع الذي تكوّن بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد استدعى رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام لزيارة باريس والاجتماع به، فإن الحقيقة مختلفة تماماً ومؤداها أن زيارة سلام كانت مجدولة الشهر الماضي، وقبل القمة التي كانت مقررة في العاصمة الفرنسية يومي 17 و18 يونيو (حزيران) والتي ألغيت قبل أيام قليلة من موعدها، بسبب بدء الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية والعسكرية الإيرانية. وفي أي حال، فإن زيارة سلام كانت سريعة وجرت في ساعات قليلة، وجوهرها غداء العمل الذي وفر الفرصة لمناقشات مطولة بين المسؤولين والتي تناولت بالطبع الملفات اللبنانية بالدرجة الأولى، ولكن أيضاً الإقليمية من الأوضاع في سوريا وحرب غزة وإيران وانعكاساتها على لبنان.

وفي اللقاء الذي حضرته مجموعة ضيقة من الصحافيين في دار السفارة اللبنانية، تناول سلام مجريات محادثاته مع ماكرون من جانب «مقاربة الأوضاع المضطربة في الإقليم». وحرص رئيس الوزراء على إيصال رسالة طمأنة للبنانيين، بتأكيده أن «لا خوف على السلم الأهلي من عدوى ما جرى ويجري في سوريا»، ومن ذلك ما شهدته محافظة السويداء من أعمال عنف وقتل. ووفق سلام، فإن جهود تبريد الأجواء والتهدئة التي بذلت في لبنان من شأنها أن تسهم في ضبط الأوضاع وتنفيس الاحتقان، مشيراً إلى الجهود التي يبذلها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، وغيره من السياسيين والقيادات الروحية.

لا خوف على بقاء «اليونيفيل»

وفيما تدور تساؤلات في لبنان حول مصير قوة «اليونيفيل» الدولية في جنوب لبنان، وما يُتداول عن مساعٍ إسرائيلية وأميركية لخفض دورها، لا بل إلى وضع حد لوجودها في الجنوب، أكد سلام أن «لا خوف من إلغاء القوة الدولية»، بل ما يمكن التخوف منه أن تعمد واشنطن إلى خفض مساهمتها المالية في صندوق الأمم المتحدة المخصص لقوات حفظ السلام الأممية، ما من شأنه أن ينعكس على «اليونيفيل»، ولكن ليس إلى درجة تهديد وجودها. وفي أي حال، يؤكد سلام أنه لا يعارض خفض عديدها «لكن لبنان ما زال بحاجة لوجودها»، بانتظار أن تقوى شكيمة الجيش اللبناني الذي يحتاج للمساعدات الخارجية. ومن جانب آخر، يعول سلام على الدور الذي يمكن أن تضطلع به فرنسا في موضوع «اليونيفيل» التي تشارك فيها بمساهمة رئيسية منذ عام 1978. ومن وجهة نظره، فإن باريس كانت دوماً من يمسك القلم لكتابة «نصوص القرارات» الخاصة بهذه القوة.

وسألت «الشرق الأوسط» سلام عن القصور الذي يعاب على لجنة الرقابة على الهدنة التي تشارك بها فرنسا لجهة تنفيذ مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار المعلن عنه في إطار تفاهم أميركي - فرنسي ومواصلة إسرائيل عملياتها العسكرية في كثير من المناطق اللبنانية، فكان جوابه أن اللجنة المذكورة «ربما لا تقوم بدورها كما نحب ونريده نحن. إلا أنها تتحرك»، مشيراً إلى الدور المشترك للثنائي الأميركي - الفرنسي.

عودة النازحين السوريين على السكة الصحيحة

ثمة رسالة متفائلة ثالثة رغب سلام في التركيز عليها وتتناول لف النازحين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم. ويرى رئيس الوزراء أن حكومته قامت بما لم تقم به الحكومات السابقة لجهة العمل المثمر مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومع الجهات الأمنية السورية من أجل «عودة آمنة وكريمة» للنازحين. كما أنه في هذا السياق، يؤكد سلام أن الأمور تسير في الطريق الصحيح، ودليله على ذلك الخطة التي أقرتها الحكومة الشهر الماضي، واتفاقها مع المفوضية الدولية التي قال عنها إنها «ليست عدوة للبنان» على «العودة المستدامة» للنازحين، حيث إن ما لا يقل عن 120 ألف سوري عادوا إلى بلادهم منذ بداية العام، وتم شطبهم من سجلات الوكالة الدولية ومن سجلات الأمن العام اللبناني. وانتقد سلام الأرقام المضخمة التي رافقت دخول سوريين آخرين إلى لبنان، بسبب أحداث الساحل السوري والسويداء مؤخراً. ورغم غياب أي إحصاءات موثقة، فقد قدر هذه الأعداد ما بين 50 و60 ألف نازح. وبنظره، فإن «الأوضاع في سوريا تحسنت» رغم الأحداث المشار إليها، «وإلا كيف نفسر تدفق الاستثمارات ومشاريع الاستثمار على هذا البلد؟».

من الرسائل المتفائلة تأكيد سلام أن الرئيس الفرنسي «ينظر بإيجابية» إلى ما تقوم به الحكومة من إصلاحات شرحها له بالتفصيل، بما في ذلك الإصلاحات المالية. وبحسب مصادر فرنسية، فإن باريس ما زالت تربط من جهة، بين الدعوة إلى مؤتمر الدعم الاقتصادي للبنان الذي تحدث عنه ماكرون في زيارة التهنئة التي قام بها إلى لبنان عقب انتخاب الرئيس جوزيف عون وفي مناسبات أخرى، وكذلك وزير الخارجية جان نويل بارو ومبعوث ماكرون الخاص للبنان الوزير السابق جان إيف لو دريان، ومن جهة أخرى بين إنجاز الإصلاحات التي تطالب بها باريس ودول أخرى عربية ودولية كشرط لمساعدة لبنان. وفي هذا السياق، أشار سلام إلى أن باريس «لم تحدد موعداً» للمؤتمر المذكور بانتظار إتمام الإصلاحات.

الرئيس إيمانويل ماكرون ينتظر ضيفه اللبناني على مدخل الإليزيه ظهر الخميس (رويترز)

سلام: أعود مطمئناً لدعم الرئيس ماكرون للبنان

يبقى ملف بالغ الأهمية وعنوانه الدور الذي يقوم به المبعوث الأميركي توم باراك، الذي قام بزيارته الثالثة (من أربعة أيام) إلى لبنان، حيث قام بجولة موسعة (كعادته في الزيارتين السابقتين) من اللقاءات الرسمية والسياسية قبل أن يسافر إلى باريس الأربعاء. ولدى سؤال من «الشرق الأوسط» عن العوائق والإكثار من الزيارات، وقبله ما قامت به المبعوثة مورغان أورتاغوس، كان جوابه أن «لا عجب» أن تحصل وتتكرر هذه الزيارات، مذكراً بالزيارات المكوكية التي كان يقوم بها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنغر، أو المبعوث الرئاسي فيليب حبيب في تسعينات القرن الماضي، بعد حرب إسرائيل على لبنان في عام 1982. وبالنسبة لملف تسليم سلاح «حزب الله» وحصر قرار السلم والحرب بالدولة، حرص سلام على وضعه بداية في إطار اتفاق الطائف، وأن حصر السلاح بالدولة بدأ تنفيذه في جنوب الليطاني، وفق منطوق اتفاق وقف الأعمال العدائية.

وأكد أن الدولة تعمل على أن يكون قرار السلم والحرب بيدها. وأشار إلى أن لبنان طلب «مساعدة تقنية» من فرنسا في ملفي القضاء والإدارة.

وغرد سلام الذي عاد مساء إلى بيروت شاكراً فرنسا «على دعمها المتواصل للبنان وأمنه وسيادته وازدهاره»، مضيفاً أنه يعود إلى بيروت «مطمئناً نتيجة التزام الرئيس ماكرون بمساعدة لبنان، ولتجديد قوة (اليونيفيل) وتعزيز علاقاتنا الثنائية، لا سيما في مجالات الأمن والاقتصاد والتعليم والثقافة».



قائد الجيش اللبناني: أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
TT

قائد الجيش اللبناني: أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)
قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (قيادة الجيش)

جدد قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، التأكيد على أن الجيش بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح (في جنوب الليطاني)، وأنه يجري التقييم والدراسة والتخطيط بكلّ دقة وتأنٍّ للمراحل اللاحقة، مشيراً إلى أن أداء المؤسسة العسكرية بات محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة.

جاء حديث هيكل خلال ترؤسه اجتماعاً استثنائيًاً، حضره أركان القيادة وقادة الوحدات والأفواج العملانية وعدد من الضباط، تناول فيه آخر التطورات التي يمر بها لبنان والجيش في ظل المرحلة الاستثنائية الحالية، وسط استمرار الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية.

نهضة الوطن

واستُهل الاجتماع بدقيقة صمت استذكاراً لأرواح شهداء الجيش والوطن، وآخرهم العسكري الذي استشهد جراء غارة إسرائيلية مساء الاثنين على طريق القنيطرة - المعمرية في قضاء صيدا.

وخلال الاجتماع، هنّأ العماد هيكل الحاضرين والعسكريين جميعاً بمناسبة عيدَي الميلاد ورأس السنة، وأكد أنه «في ظلّ المرحلة الحساسة والتحديات الكبيرة التي يمر بها لبنان، فإنّ تضحيات العسكريين وجهودهم المتواصلة، على اختلاف رتبهم ووظائفهم، هي ركن أساسي في نهضة الوطن ومستقبله»، عادّاً «أنّهم يُشاركون في صنع تاريخ لبنان، انطلاقاً من المبادئ الثابتة للمؤسسة العسكرية، وأن هذه المبادئ لن تتغير مهما كانت الضغوط».

من جهة أخرى، تطرّق العماد هيكل إلى زيارته الأخيرة إلى فرنسا، لافتاً إلى «الإيجابية التي لمسها خلال اجتماعاته حيال الأداء المحترف للجيش»، مشيراً إلى أنّ «هذا الأداء أصبح محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة، رغم اتهامات تطلَق بين حين وآخر، ومحاولات تضليل إسرائيلية تهدف إلى التشكيك في أداء الجيش وعقيدته».

مؤتمر دعم الجيش

وتحدث هيكل بشأن المؤتمر المرتقَب لدعم الجيش بداية العام المقبل، قائلاً: «أحد أهم أسباب الثقة والدعم للجيش هو وفاؤه بالتزاماته وواجباته في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما في الجنوب، رغم الإمكانات المتواضعة، وهذا أمر أثبتته التجربة»، مؤكداً أنّ «عناصرنا يُظهِرون أقصى درجات الإخلاص والتفاني إيماناً برسالتهم، وهذا ما رأيناه خلال مهام عدة نفذتْها الوحدات العسكرية في المرحلة الماضية، وتعرّضت خلالها لأخطار كبيرة، من دون أن يؤثر ذلك في معنوياتها وعزيمتها، وسط تضامن من جانب الأهالي، وتعاون فاعل بين المؤسسة العسكرية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية وقوات الـ(يونيفيل)».

وأضاف: «نطمح إلى تعزيز قدرات الجيش كي يصبح الحامي والضامن لأمن اللبنانيين، ويملك القدرة للدفاع عن أهلنا على امتداد الأراضي اللبنانية، فإيماننا بالجيش هو إيمانٌ بهذا الدور الأساسي المنوط به. يتطلب ذلك دعماً وازناً ونوعيًاً، وهو ما تدركه الدول الشقيقة والصديقة التي تتوجه إلى توفير هذا الدعم للجيش وسائر المؤسسات الأمنية».

حصرية السلاح

وجدد هيكل التأكيد على أن «الجيش بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من خطته»، في إشارة إلى المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، وأنه «يُجري التقييم والدراسة والتخطيط بكلّ دقة وتأنٍّ للمراحل اللاحقة، ويأخذ مختلف المعطيات والظروف في الحسبان»، مشيداً بـ«نجاح الوحدات في مختلف المهام، بما في ذلك حفظ الأمن ومراقبة الحدود وحمايتها في ظل التنسيق القائم مع السلطات السورية».


نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

نائب الرئيس الفلسطيني التقى الصفدي في عمّان لمناقشة أوضاع غزة والضفة

جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)
جانب من شمال قطاع غزة (رويترز)

قال حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، إنه التقى، الثلاثاء، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وأجريا محادثات ركزت على جهود تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ووقف التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وأضاف عبر منصة «إكس»: «أكدنا خلال اجتماعنا في عمّان ضرورة أولوية وقف إطلاق النار في غزة والالتزام بكل بنود اتفاق وقف إطلاق النار والتقدم نحو المرحلة الثانية من الاتفاق وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وربط جهود تحقيق الاستقرار بأفق سياسي واضح لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين».

وشدد الجانبان على أن مستقبل قطاع غزة يجب أن يستند إلى وحدته وارتباطه بالضفة الغربية، وأن تتولى السلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولية القطاع وفق قرار مجلس الأمن رقم 2803.

وذكر نائب الرئيس الفلسطيني أنه ناقش مع الصفدي أيضاً «التدهور الخطير في الضفة الغربية المحتلة»، وأكدا ضرورة تكاتف كل الجهود الإقليمية والدولية «لوقف الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التي تدفع نحو تفجر الأوضاع وتقوض فرص تحقيق السلام العادل والدائم على أساس حل الدولتين».

في غضون ذلك، أدانت السلطة الفلسطينية، الثلاثاء، خطة إسرائيل لإنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، واصفة إياها بأنها «خطوة خطيرة» تهدف إلى «إحكام السيطرة الاستعمارية على الأرض الفلسطينية بأكملها».

وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان إنّ هذه الخطة هي «امتداد مباشر لسياسات الأبارتهايد والاستيطان والضمّ، بما يقوّض حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ويدمّر أي أفق حقيقي للاستقرار».

وكانت السلطات الإسرائيلية قد أعلنت الأحد موافقتها على إنشاء 19 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، وهو إجراء تقول إنه يهدف إلى «منع إقامة دولة فلسطينية».


لبنان: سلام يستبق لقاء ترمب - نتنياهو لإسقاط ذرائعه بتوسعة الحرب

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
TT

لبنان: سلام يستبق لقاء ترمب - نتنياهو لإسقاط ذرائعه بتوسعة الحرب

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)

يترقب اللبنانيون، مع بدء التحضير لانطلاقة المرحلة الثانية من الخطة التي أعدتها قيادة الجيش لاستكمال تطبيق حصرية السلاح، والتي كشف عنها رئيس الحكومة نواف سلام لـ«الشرق الأوسط»، وتقع بين ضفتي نهر الليطاني جنوباً والأولي شمالاً، رد فعل «حزب الله».

فهل يصرّ الحزب في تفسيره لوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، على أن حصريته تبدأ وتنتهي في جنوب الليطاني، ولا تمتد إلى المناطق الأخرى حتى الحدود الدولية للبنان مع سوريا، أم أنه سيعيد النظر في موقفه؛ كون تنفيذ الخطة يأتي في سياق بسط سلطة الدولة على أراضيها كافة تطبيقاً للقرار 1701؟

التفسير الأحادي

فالتفسير الأحادي لـ«حزب الله» يتعارض كلياً مع تأييده تطبيق القرار 1701؛ لأن التزام لبنان بوقف الأعمال العدائية ليس محصوراً ببسط سلطة الدولة على جنوب الليطاني، وإلا لما نص الاتفاق على أن يبدأ من جنوبه ليشمل لاحقاً الأراضي اللبنانية كافة، لا سيما أن الاتفاق أتى على ذكر هذا القرار 7 مرات ومعطوفاً، كما يقول مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، على القرارات السابقة لمجلس الأمن، وتحديداً الـ1559 الذي ينص على نزع سلاح جميع الميليشيات، وعلى الـ1680 المتعلق بضبط الحدود اللبنانية - السورية لمكافحة التهريب، وترسيمها براً وبحراً.

الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

وسأل المصدر الوزاري عن الأسباب التي تكمن وراء إصرار الحزب على تفسيره للاتفاق، بخلاف الآخرين؟ مع أن ممثلَيه الوزيرَين علي حمية ومصطفى بيرم في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كانا أيداه ولم يسجلا اعتراضاً عليه، رغم أنه، أي ميقاتي، نأى بنفسه عن الدخول طرفاً في المفاوضات التي تولاها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالإنابة عن نفسه وبتفويض من الحزب، وقيل في حينه بأن الأخير يحتفظ بكلمة السر ولا يبوح بها إلا لـ«أخيه الأكبر»، على حد قول أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بينما يحجبها عن ميقاتي.

بري (يمين) يصافح هوكستين في بيروت خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية 2022 (رويترز)

ولفت إلى أن بري لم يتصرّف من تلقاء نفسه عندما توافق مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين على اتفاق لوقف النار بالتشاور مع الحزب لقطع الطريق على تفلته لاحقاً من الاتفاق.

وكشف عن أنه كلف معاونه السياسي النائب علي حسن خليل التواصل مع نظيره في الحزب حسين خليل، وكانت حصيلته تأييد «الثنائي الشيعي» للاتفاق. وقال إن الحزب كان أول من تسلم من «أخيه الأكبر» نسخة عنه، بالتلازم مع تبنّيه ورعايته من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.

وتوقف أمام قول قاسم بأن حصرية السلاح تبدأ وتنتهي في جنوب النهر. وسأل، كيف يوفّق بين مشاركته في حكومة سلام بالوزيرين الطبيبين محمد حيدر وراكان نصر الدين والتي تبنّت خطاب القسم باحتكار الدولة السلاح وأدرجته في بيانها الوزاري، وبين تفلّته من تعهّده متهماً رئيسها بارتكاب خطيئة بموافقته على حصريته؟

محاكاة البيئة

ورأى المصدر أنه يتفهم خلفية الموقف الذي اتخذه قاسم في محاكاته لبيئته لإخراجها من الإرباك، لكن تمسكه باستراتيجية الصبر لن يقدّم أو يؤخر؛ لأن شراءه للوقت ليس في محله، ويرفع من منسوب الضغط بالنار الذي تتبعه إسرائيل، في حين يفتقد الحزب لمن يقف إلى جانبه سوى بري الذي لن يتركه وحيداً ويصرّ على استيعابه للإمساك بيده للانخراط في التسوية لتحرير الجنوب.

وأكد أن الحزب، وإن كان يطالب بعدم التسليم مجاناً بسيطرة الجيش على جنوب الليطاني من دون أي مقابل بإلزام إسرائيل بالقيام بخطوة في مقابل إخلائه جنوب النهر، يتفق مرحلياً، في هذا الخصوص، مع رئيسي الجمهورية العماد جوزيف عون والحكومة نواف سلام، وأيضاً مع الرئيس بري، لكنهما سرعان ما يفترقان مع الحزب على خلفية احتفاظه بسلاحه، كما قال قاسم، لو اطّبقت السماء على الأرض.

وأضاف أن عون يتّبع سياسة النفَس الطويل في حواره مع «حزب الله»، وإنما لبعض الوقت، في حال لم يؤدّ إلى إحداث تقدّم يوحي باستعداده لمراجعة حساباته وصولاً للوقوف فعلاً لا قولاً خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي.

جنود في الكتيبة الإيطالية بـ«يونيفيل» خلال مهمة مشتركة مع الجيش اللبناني (يونيفيل)

وقال إن حوار عون و«حزب الله» ممثلاً برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد لم ينقطع، وإن كان متقطعاً، لكنه لم يتطور إيجابياً ولا يزال محصوراً بتواصل المستشار الرئاسي العميد المتقاعد أندريه رحال برعد وفريقه المكلف الحوار.

سياسة الإنكار

وأكد أن قيادة الحزب توكل أمر التفاوض على سلاحها لإيران بدلاً من أن تُقدم على خطوة شجاعة بوضعه بعهدة الدولة لتقوية موقفها في المفاوضات التي ترعاها لجنة الـ«ميكانيزم»، وهذا ما يحتّم عليها مراعاتها المزاج الشيعي الذي يتوق لعودة النازحين إلى قراهم، بدلاً من اتباعه سياسة الإنكار لما حل به من خسائر لا تقدّر سياسياً ومادياً.

كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد بالقصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)

وقيل للمصدر بأن تفرّد سلام بالكشف عن التحضير للمرحلة الثانية قوبل برفض «صامت» من «حزب الله»، يُفترض أن يظهر للعلن، بذريعة أنه يبيع مواقف مجانية لواشنطن، وكان جوابه بأنه لم يحدد موعداً لانطلاقة هذه المرحلة وربط تحديده بتقييم مجلس الوزراء للإنجاز الذي حققه الجيش في جنوب النهر، بموازاة ما ستقرره الـ«ميكانيزم» في اجتماعها في السابع من الشهر المقبل.

التعهد الأميركي

ولفت إلى أن ما قاله سلام لا يشكّل تفرداً في موقفه، وإنما جاء انسجاماً مع الخطة التي أعدتها قيادة الجيش وتبنّتها الحكومة ومحصورة بتطبيق حصرية السلاح على مراحل، وبالتالي لا نية لديه لإلزام الحكومة بموقف من خارج بيانها الوزاري. وقال بأن الرؤساء على موقفهم بإلزام إسرائيل القيام بخطوة مماثلة لسيطرة الجيش على جنوب النهر، وهذا ما يضع الإدارة الأميركية أمام تعهدها بتطبيق تلازم الخطوات قبل أن تتراجع عنه بذريعة عدم تجاوب إسرائيل.

واستبعد اتهام سلام بحرق المراحل. وقال بأنه اختار الوقت المناسب لإعلام المعنيين دولياً وإقليمياً بضرورة أن ينعم لبنان بالاستقرار، وأن الحكومة ملتزمة بحصرية السلاح ولن تتراجع عنها، ولا بد من تنفيذها، متمنياً على «حزب الله» إعادة النظر في سلوكه لإسقاط ما تتذرع به إسرائيل، وإن كانت ليست في حاجة إلى الذرائع لتواصل خروقها.

التوقيت المناسب

وأكد المصدر أن سلام اختار التوقيت المناسب لتمرير رسالة الحكومة، وأن لا مشكلة بينه وبين عون. وقال بأنه أراد من توقيته أن يحاكي الرئيس دونالد ترمب استباقاً لاستقباله رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في 29 الحالي؛ لعله يضغط لضبط أدائه ولجم تهديده بتوسعة الحرب، ما دام أنه صامد على التزامه باستكمال تطبيقه لحصرية السلاح. ورأى أنها تتلازم مع استعداده للانتقال للمرحلة الثانية من خطة الجيش، وهو يراهن على حث أصدقاء لبنان للتدخل لدى ترمب لإلزام نتنياهو القيام بخطوة، في مقابل صمود عون والحكومة أمام تعهدهما بحصريته.

كما أن توقيت سلام، حسب المصدر، يأتي في سياق تمرير رسالة للدول التي شاركت في الاجتماع التحضيري لدعم الجيش الذي استضافته باريس بإصرار حكومته على تطبيق حصرية السلاح بما يتيح للبنان تحديد مكان وزمان انعقاده بعد أن تبنّت عقده في شباط (فبراير) المقبل، من دون أن يعفي «حزب الله» من مسؤوليته بتسهيل تطبيق حصريته، وأن تحفّظه يبقى تحت سقف تسجيل موقف لاسترضاء بيئته بتكرار قوله باستعادته لقدراته العسكرية، على أن يمتنع حتى إشعار آخر عن استخدامها في ظل الخلل في ميزان القوى. وإلا ما هو تفسير قاسم بطمأنته للمستوطنات في شمال فلسطين بأن لا خطر عليهم؟ وما المانع من أن تنسحب طمأنته على اللبنانيين الذين هم بأمس الحاجة لعودة الاستقرار إلى بلدهم من بوابة الجنوب؟