تُشكّل مسرحية «حبّ وسط الحرب - بيروت 1982» عودة إلى الأعمال الكلاسيكية الغائبة كلياً عن الخشبة في بيروت، إذ تنتمي العروض المسرحية الرائجة اليوم إلى المسرح الحديث. كاتب المسرحية وبطلها نوح مقدّم يسرد قصة رومانسية بين حبيبين أثناء الحرب اللبنانية. اختار عام 1982، وعمد إلى نقل تلك الحقبة إلى الخشبة بديكورات وأدوات مسرحية عدة، عزّزها بأغنيات لفيروز وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وهو ما يجعل المسرحية متكاملة الملامح، وتُذكّر بزمن الفن الجميل.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أميل كثيراً إلى الفن الحديث، لذلك رغبتُ في كتابة قصة كلاسيكية ننتقل فيها إلى حقبة ماضية. مجريات الحكاية يمكن أن تُناسب أي زمان ومكان، ولكنني أحب حقبة الثمانينات، مع أنني لم أعشها، وأجريت أبحاثاً دقيقة لتأتي الإسقاطات عبر ذلك الزمن صحيحة. وللمفارقة، فإن قصة (حب وسط الحرب) ترتكز على موضوعات نشهدها اليوم. كتابة تاريخ لبنان ليست بالعملية الصعبة، فمهما تقدّمنا أو عدنا به إلى الوراء، نلاحظ أننا لا نزال في المكان نفسه».
يعرض نوح المسرحية ليوم واحد فقط، في 19 يوليو (تموز)، على خشبة «مسرح المدينة»، وتشاركه البطولة عازفة الكمان نورهان، وتتولى إخراج العمل كارن خليل، وهي زميلته منذ أيام الجامعة، عندما كانا يدرسان في كلية الإعلام.
يستغرق العرض نحو 80 دقيقة، تتخلَّله لوحات موسيقية وأخرى غنائية. واختيار نوح لنورهان جاء على خلفية موهبتها، إذ شاء أن تكون بطلة العمل فنانة تعزف على آلة موسيقية، لتضفي على العرض اللمسة الرومانسية التي يرغب فيها.

سبق أن قدّم نوح المسرحية في الأردن، ولاقت تفاعلاً كبيراً من الجمهور هناك، ما حفّزه على نقل التجربة إلى لبنان. فأبطالها يمثّلون للمرة الأولى، أما قصتها فنسجها بالحبّ المجبول بفنون عدّة، منها الشعر والغناء.
وعن سبب كتابته عملاً مسرحياً يُغرِّد خارج سرب الأعمال الرائجة اليوم في بيروت، يردّ: «أردتُها رسالة شوق وحنين إلى زمن حبّ لم نعد نصادفه. هناك مشاعر حبّ نفتقدها، وأتمنى أن يتذكّرها الناس من خلال العمل، فالقصص الحالية تنتهي بكبسة زرّ (بلوك) على الجهاز الخلوي، وتصبح في مهبّ الريح، كأي موقف آخر نصادفه في حياتنا، ولأنني معجب بفكرة الرومانسية والغرق في حبّ حقيقي نذوب فيه، قمتُ بهذا العمل».
يقول نوح مقدّم، المعجب بالشاعرين نزار قباني ومحمود درويش، إن الشعر عنصر أساسي في حياته: «في الحقيقة، لم أنشأ في بيت فني، وحده جدّي كان ينسج الأشعار ويؤلفها. ورثتُ هذه الموهبة عنه، ومنذ صغري ألجأ إلى القصيدة لتفريغ ما في داخلي، وقد ساهمت الانكسارات العاطفية التي مررتُ بها في ذلك».
يُعيدنا نوح مقدّم في العمل إلى زمن الرسائل المكتوبة وأفلام الأبيض والأسود، متجاوزاً كل التطورات التكنولوجية التي نعيشها اليوم. «لقد انطلقتُ من الأغنيات والديكورات والأزياء في حقبة الثمانينات، ونقلتُ روح العلاقات الإنسانية التي كانت سائدة بين الناس، فأنا مهووس بتلك الحقبة، وتمسّكتُ في نقلها بتفاصيلها إلى الخشبة. وربما من خلالها، يهتم الناس بإحياء قصص الحبّ الحقيقية».

تدور أحداث المسرحية في صالتين، تُمثّل إحداهما مكان لقاءات الحبيبين على فنجان قهوة. ويوضح نوح مقدّم: «غالبية النصوص المكتوبة والمتعلّقة بزمن الحرب، دوّنتُها أيام الحرب الأخيرة على لبنان، وهي حقيقية تنبع من رحم الواقع، بل إنّ الرسائل التي يتبادلها الحبيبان في العمل مستوحاة من قصة حبّ قديمة عشتُها».
ويشير كاتب العمل في سياق حديثه إلى أن بيروت تحضر في المسرحية بوصفها خلفية أساسية للقصة: «نُقدّمها بصفتها قصة حبّ تُشبه هذه المدينة، وما مرّت به على مدى التاريخ. ونهايتها تُشبه النهايات التي شهدتها بيروت أكثر من مرة».


