قلق صيني من ضعف الدولار

بنك الشعب يعزز احتياطيات الذهب والنقد الأجنبي

مشاة يعبرون الطريق أمام مركز تجاري ضخم في مدينة شنغهاي الصينية (إ.ب.أ)
مشاة يعبرون الطريق أمام مركز تجاري ضخم في مدينة شنغهاي الصينية (إ.ب.أ)
TT

قلق صيني من ضعف الدولار

مشاة يعبرون الطريق أمام مركز تجاري ضخم في مدينة شنغهاي الصينية (إ.ب.أ)
مشاة يعبرون الطريق أمام مركز تجاري ضخم في مدينة شنغهاي الصينية (إ.ب.أ)

في خطوة تعكس تصاعد قلق السلطات الصينية من التقلبات الأخيرة في أسواق العملات العالمية، استفسر بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) عدداً من المؤسسات المالية المحلية عن آرائها بشأن الضعف المتواصل في سعر صرف الدولار، بحسب ما نقلته مصادر مطلعة لوكالة «رويترز».

تضمن الاستطلاع، الذي أجري الأسبوع الماضي، أسئلة حول تحركات الدولار، وأسباب انخفاضه في الأشهر الأخيرة، والتوقعات المستقبلية لسعر صرف اليوان الصيني. وبينما لم يكشف البنك المركزي رسمياً عن الهدف من هذا الاستطلاع، فسّره بعض المشاركين على أنه يعكس قلقاً حكومياً من الارتفاع السريع في قيمة اليوان مقابل الدولار المتراجع.

وخلال النصف الأول من العام، شهد الدولار أسوأ أداء له منذ عام 1973، حيث تراجع مؤشره بنحو 11 في المائة، وانخفض بنسبة 6.6 في المائة منذ بداية أبريل (نيسان) وحده. وتزامن ذلك مع استقرار نسبي في سعر صرف اليوان، الذي ارتفع بنسبة 1.3 في المائة فقط منذ فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية في الثاني من أبريل فيما أطلق عليه «يوم التحرير».

ويرى بعض المحللين أن هذا التحرك الاستقصائي من جانب بنك الشعب الصيني يندرج ضمن محاولة لفهم تداعيات انخفاض الدولار على الاستقرار المالي في الصين، خصوصاً أن قيمة اليوان المرتفعة قد تضر بالتنافسية التصديرية الصينية، وتزيد من الضغط على الاقتصاد المحلي الذي يواجه تحديات في قطاع العقارات والتجارة.

بالتزامن مع هذا التوجه، واصل البنك المركزي الصيني تعزيز احتياطياته من الذهب للشهر الثامن على التوالي. فقد بلغت احتياطيات الصين من الذهب بنهاية يونيو (حزيران) الماضي 73.90 مليون أونصة نقية، مقارنة بـ73.83 مليون أونصة في مايو (أيار). وارتفعت قيمتها إلى 242.93 مليار دولار، مقابل 241.99 مليار دولار في الشهر السابق.

ويُنظر إلى هذا التوجه نحو الذهب بوصفه وسيلة استراتيجية للتحوط ضد تقلبات الدولار وتقليص الاعتماد على العملة الأميركية في الاحتياطيات الرسمية، في وقت يتنامى فيه التوتر الاقتصادي بين بكين وواشنطن، لا سيما في ظل استمرار العقوبات والرسوم الجمركية.

وفي السياق نفسه، أظهرت بيانات رسمية أن احتياطيات النقد الأجنبي الصينية ارتفعت بأكثر من المتوقع في يونيو، لتصل إلى 3.317 تريليون دولار، بزيادة 32.2 مليار دولار عن مايو، متجاوزة توقعات «رويترز» البالغة 3.300 تريليون دولار.

ويُعزى هذا النمو إلى ضعف الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى وارتفاع قيمة الأصول المحتفظ بها ضمن الاحتياطيات. فقد ارتفع اليوان بنسبة 0.45 في المائة مقابل الدولار خلال يونيو، فيما تراجع الدولار بنسبة 2.7 في المائة أمام سلة من العملات الكبرى.

الاستطلاع الذي أجراه بنك الشعب الصيني جاء قبل أيام من انتهاء مهلة الـ90 يوماً التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتعليق الرسوم الجمركية على واردات من عشرات الدول، وقبل شهر من انتهاء الإعفاء المؤقت على رسوم جمركية ثلاثية الأرقام على الصين.

وفي هذا السياق، يبدو أن السلطات الصينية تستعد لاحتمال عودة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وتحاول عبر أدواتها المالية الحفاظ على استقرار اليوان ومنع موجات مضاربة أو تدفقات رأسمالية خارجة قد تؤثر على السوق.

من جانب آخر، فإن الصعود الحاد للذهب وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي يعكسان استراتيجية واضحة من بكين لتنويع احتياطياتها وتعزيز قدرتها على مواجهة تقلبات الأسواق العالمية، لا سيما في ظل بيئة اقتصادية عالمية غير مستقرة ووسط مخاوف من ركود اقتصادي عالمي محتمل.

وتشير تحركات البنك المركزي الصيني الأخيرة، سواء من خلال الاستبانات الموجهة إلى القطاع المالي أو عبر تكثيف شراء الذهب ورفع احتياطيات النقد الأجنبي، إلى سعي واضح لفهم وإدارة آثار ضعف الدولار على الاقتصاد الصيني. وفي ظل التقلبات التجارية والجيوسياسية المستمرة، تستعد بكين لتحصين اقتصادها بأدوات متعددة، تبدأ من إدارة سعر الصرف، ولا تنتهي عند تعزيز المخزون الاستراتيجي من الأصول.

ويبقى السؤال مطروحاً: هل سيكون اليوان قادراً على الحفاظ على استقراره في مواجهة ضغوط الدولار المتراجع؟ الإجابة ستعتمد على تطورات الأسابيع المقبلة، خصوصاً فيما يتعلق بالقرارات الأميركية المرتقبة بشأن الرسوم الجمركية، وتوجهات السياسة النقدية في البلدين.


مقالات ذات صلة

ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

الاقتصاد ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)

ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

تفادى المستشار الألماني فريدريش ميرتس أزمة سياسية حادة بعد تمكنه بصعوبة من الحصول على الأغلبية المطلقة لتمرير مشروع قانون المعاشات التقاعدية في البرلمان.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد طفل يلعب في حقل للشعير بمدينة صنعاء اليمنية (إ.ب.أ)

أسعار الغذاء العالمية تنخفض للشهر الثالث في نوفمبر

انخفضت أسعار السلع الغذائية الأساسية العالمية للشهر الثالث على التوالي في نوفمبر، مع تراجع أسعار السلع الرئيسية باستثناء الحبوب.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس» أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (زيورخ)
الاقتصاد زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)

الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

يواصل الاقتصاد اليوناني مسار التعافي بثبات، بعدما سجل نمواً بنسبة 0.6 في المائة في الربع الثالث من 2025 مقارنة بالربع السابق.

«الشرق الأوسط» (أثينا)

تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
TT

تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)

أظهرت البيانات الأولية الصادرة يوم الجمعة ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان إلى 53.3 نقطة في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مقارنةً بقراءة نهائية بلغت 51 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزاً توقعات الاقتصاديين عند 52 نقطة، لكنه لا يزال منخفضاً بشكل كبير مقارنة بمستوى 71.7 نقطة في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وشهد تقييم المستهلكين للظروف الاقتصادية الحالية انخفاضاً طفيفاً، بينما تحسّنت توقعاتهم المستقبلية إلى حد ما. كما تراجعت توقعات التضخم للعام المقبل إلى 4.1 في المائة مقابل 4.5 في المائة في الشهر السابق، مسجلة أدنى مستوى منذ يناير، مع استمرار الضغوط على الأسعار بسبب الرسوم الجمركية على الواردات، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقالت جوان هسو، مديرة المسوحات الاقتصادية في ميشيغان: «الاتجاه العام للآراء يبقى قاتماً، حيث يواصل المستهلكون الإشارة إلى عبء ارتفاع الأسعار». على الرغم من تراجع التضخم عن أعلى مستوياته منتصف 2022، إلا أنه يظل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة بثبات.


مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يتباطأ في سبتمبر

يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
TT

مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يتباطأ في سبتمبر

يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)

تباطأ مؤشر التضخم المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي» قليلاً في سبتمبر (أيلول)، مما يمهّد الطريق على الأرجح لخفض أسعار الفائدة المتوقع على نطاق واسع من قِبل البنك المركزي الأسبوع المقبل.

وأعلنت وزارة التجارة، يوم الجمعة، أن الأسعار ارتفعت بنسبة 0.3 في المائة في سبتمبر مقارنة بأغسطس (آب)، وهي نسبة الشهر السابق نفسها. وباستثناء فئات الغذاء والطاقة المتقلبة، ارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 0.2 في المائة، وهو معدل مماثل للشهر السابق، ويقارب هدف «الاحتياطي الفيدرالي» للتضخم البالغ 2 في المائة إذا استمر على مدار عام كامل، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وعلى أساس سنوي، ارتفعت الأسعار الإجمالية بنسبة 2.8 في المائة، بزيادة طفيفة عن 2.7 في المائة في أغسطس، في حين ارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 2.8 في المائة مقارنة بالعام السابق، بانخفاض طفيف عن 2.9 في المائة المسجلة في الشهر السابق. وأظهرت البيانات التي تأخرت خمسة أسابيع بسبب إغلاق الحكومة، أن التضخم كان منخفضاً في سبتمبر، مما يعزز مبررات خفض سعر الفائدة الرئيسي لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» في اجتماعه المقبل يومَي 9 و10 ديسمبر (كانون الأول).

رغم ذلك، لا يزال التضخم أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة، جزئياً بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب، لكن العديد من مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» يرون أن ضعف التوظيف، والنمو الاقتصادي المتواضع، وتباطؤ مكاسب الأجور؛ سيؤدي إلى انخفاض مطرد في مكاسب الأسعار خلال الأشهر المقبلة.

ويواجه «الاحتياطي الفيدرالي» قراراً صعباً الأسبوع المقبل: الحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة لمكافحة التضخم، مقابل خفضها لتحفيز الاقتراض ودعم الاقتصاد، وسط تباطؤ التوظيف وارتفاع البطالة ببطء.


«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)

اقتربت الأسهم الأميركية، يوم الجمعة، من مستوياتها القياسية، مع توجه «وول ستريت» نحو نهاية أسبوع اتسم بالهدوء النسبي.

وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.3 في المائة، ليصبح على بُعد 0.2 في المائة فقط من أعلى مستوى له على الإطلاق، فيما صعد مؤشر «داو جونز» الصناعي بـ46 نقطة (0.1 في المائة). أما مؤشر «ناسداك» المركّب فزاد بنحو 0.4 في المائة، في حين تراجع مؤشر «راسل 2000» لأسهم الشركات الصغيرة بنسبة 0.2 في المائة بعدما لامس مستوى قياسياً في الجلسة السابقة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وفي قطاع الشركات، سجّل سهم «نتفليكس» انخفاضاً بنسبة 2.1 في المائة، بعد إعلانها خططاً لشراء «وارنر براذرز» إثر انفصالها عن «ديسكفري غلوبال»، في صفقة تبلغ 72 مليار دولار نقداً وأسهماً. وارتفع سهم «ديسكفري» التابعة للشركة بنسبة 2.6 في المائة.

وقفز سهم «ألتا بيوتي» بنسبة 11 في المائة بعد إعلان نتائج فصلية فاقت توقعات المحللين من حيث الأرباح والإيرادات، مع إشارتها إلى تحسّن ملحوظ في التجارة الإلكترونية، مما دفعها إلى رفع توقعاتها للإيرادات السنوية.

كما حققت «فيكتوريا سيكريت» أداءً قوياً، إذ سجّلت خسارة أقل من المتوقع ورفعت توقعاتها لمبيعات العام، ليرتفع سهمها بنسبة 14.4 في المائة.

أما سهم «هيوليت باكارد إنتربرايز» فانخفض 3.9 في المائة رغم تحقيق أرباح أعلى من التوقعات، نتيجة إعلان الشركة إيرادات دون المستوى المأمول.

وجاء هذا الأداء في أسبوع هادئ نسبياً بالنسبة إلى السوق الأميركية، بعد أسابيع شهدت تقلبات حادة بفعل مخاوف مرتبطة بتدفقات كبيرة على قطاع الذكاء الاصطناعي وتوقعات تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

بعد فترة من التردد، يتوقع المستثمرون الآن بالإجماع تقريباً أن يخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي الأسبوع المقبل لدعم سوق العمل البطيئة. وسيكون ذلك الخفض الثالث هذا العام إن حدث.

وتحظى أسعار الفائدة المنخفضة بدعم المستثمرين، لأنها تعزّز تقييمات الأصول وتحفّز النمو الاقتصادي، لكنها قد تزيد الضغوط التضخمية التي لا تزال أعلى من هدف «الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.

ويدعم توقع خفض الفائدة عودة مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى مشارف مستوياته القياسية المسجلة في أكتوبر (تشرين الأول)، في حين يترقب المستثمرون إشارات جديدة من اجتماع «الفيدرالي» حول مسار الفائدة العام المقبل.

وفي أسواق السندات، استقرت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عند 4.11 في المائة، في حين ارتفع العائد على السندات لأجل عامَين إلى 3.54 في المائة من 3.52 في المائة.

وعالمياً، ارتفعت المؤشرات في معظم أوروبا وآسيا؛ فقد صعد مؤشر «داكس» الألماني بنسبة 0.9 في المائة، وقفز مؤشر «كوسبي» الكوري الجنوبي بنسبة 1.8 في المائة.

في المقابل، تراجع مؤشر «نيكي 225» في طوكيو بنسبة 1.1 في المائة بعد بيانات أظهرت انخفاض إنفاق الأسر اليابانية بنسبة 3 في المائة في أكتوبر على أساس سنوي، وهو أكبر تراجع منذ يناير (كانون الثاني) 2024، وسط تقلبات أثارها احتمال رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة.