لقد أعادت مصطلحات «التنظيم العاطفي» و«المساحات الآمنة»، المستوردة من غرف العلاج النفسي وأقسام الموارد البشرية، صياغة ما يتوقعه الكثيرون الآن من علاقاتهم القريبة. وبالنسبة للعديد من الأزواج أصبح يُنظر للحب على أنه تواصل لطيف بصورة مستمرة، ويُنظر للخلاف والجدال على أنهما فشل. وتكمن مشكلة هذا النموذج في أنه يغفل كيفية تصرف الحب في الواقع، وفقاً لما ذكره موقع «سيكولوجي توداي» المَعْنِيّ بالصحة النفسية والعقلية والعلوم السلوكية.
فما أهمية الخلاف والجدال للعلاقة؟
مقاومة الهشاشة
المحادثات الصعبة أساسية وتسمح لكما بالنمو معاً. في كتابه «مقاومة الهشاشة»، يطرح عالم الرياضيات، نسيم نيكولا طالب، فكرةً مثيرة للاهتمام. يقول إن بعض الأشياء لا تتحمل الصدمات والتوتر فحسب، بل تستفيد منهما. العضلات كذلك. والعظام أيضاً. وكذلك الجهاز المناعي. إنها «مقاومة للهشاشة». التوتر المناسب يجعلها أقوى. وإزالة التوتر يجعلها أضعف.
العلاقات تسير على المنوال نفسه. السعي وراء الأمان يجعلها أكثر هشاشة؛ لأن تجنب الصعوبات يسلبك الشيء الأساسي اللازم لتصبح قوياً.
الإصلاح هو الحل
التحول نحو مصطلحات مثل «المساحات الآمنة» طمس حقيقة أساسية: الأزواج الأقوياء لا يتجنبون الخلافات، بل يُصلحون أنفسهم جيداً بعدها. العلاقات الجيدة ليست علاقات قليلة الخلافات، بل علاقات عالية الإصلاح. ينمو التواصل من خلال العمل على حل المشاكل، لا من خلال تجنبها. الخلاف ليس هو المشكلة، بل كيفية التعامل معه هي المشكلة.
لا تتعهدان بعدم إيذاء بعضكما بعضاً أبداً. هذا مستحيل. لكن قولا إنكما تثقان ببعضكما البعض للتعافي من الأمر. هذا يعني أنكما تستطيعان قول الأمور الصعبة وطلب ما تريدانه دون الحاجة إلى تجميلها أو انتظار اللحظة المناسبة.
الحب ليس مساحة آمنة
تكمن مشكلة أخذ مبدأ «السلامة أولاً» على محمل الجد في أننا نشعر بالذعر فور تفاقم علاقتنا. لكن العلاقات أكثر من مجرد مساحات آمنة. فالتركيز المفرط على الحفاظ على السلامة قد يجعل العلاقة عرضة للصدمات.
إذا كنت تعتقد أنك ستبني شيئاً عميقاً وحقيقياً، دون صدام أو خيبة أمل، فأنت واهم. وفي الواقع، لا وجود لعلاقة آمنة. أن تحب شخصاً ما هو أن تمنحه القوة. قد يؤذيك ويخذلك. قد يخونك حتى. هذا هو ثمن الاعتراف. إذا كنت تريد الأمان، فابقَ في المنزل؛ وحدك.
العلاقات تحتاج إلى جرأة
العلاقات التي تفتقر إلى جرأة هي أحياناً علاقات في ورطة. خلف الأبواب المغلقة، يخبرنا الأزواج بأنهم يتوقون إلى الطاقة والحماس والتوتر. الأزواج الذين لا يتجادلون أبداً ليسوا مستنيرين، بل بعضهم مكبوت، أو يشعر بالملل، أو كاذب. أحياناً ينفصلون.
وبشكل عام، معظمنا ينضج في الأوقات الصعبة ولحظات التحدي. هذه ليست دعوة لافتعال شجارات من أجل المتعة. لكن الحب ليس ملاذاً تلجأ إليه للهروب من العالم. إنه المختبر الذي تُجري فيه تجارب آنية حول كيفية أن تكون نسخة أفضل من نفسك.
لماذا الجدية؟
إعطاء الأولوية للسلامة يُهدد أيضاً بتدمير أحد أهم مقومات الحب: الفكاهة. لا شيء يُنهي العلاقة أسرع من أخذ نفسك على محمل الجد. كلاكما غبيان، وتتجادلان حول تفاهات. لذا، عندما تتوتر الأمور، فلا مانع من المرح والضحك.
الأزواج الذين يصمدون ليسوا الأكثر توافقاً أو الأكثر إخلاصاً، إنهم من يستطيعون التراجع والابتسام لبعضهم، ومن لا يتعاملون مع كل سوء فهم باعتباره «حالة طوارئ وطنية». العلاقة هي تفاوض بين شخصين عنيدين، غير مكتملين، وغير كاملين. تحمّل مسؤوليتها. وإذا أردت كل شيء على طريقتك، فعِش بمفردك.
وفي النهاية، التواصل ليس مريحاً. سوف تجد أن أكثر الأزواج مرونةً يتجادلون حول مختلف الأمور: كيفية إنفاق المال، ومكان العيش، وتربية الأطفال. والحب ليس سهلاً؛ إنه أكثر من مجرد مشاعر، وتناغم. إنه عادات، وسلوكيات، وخيارات تفكر فيها وتتخذها يومياً.




