القمتان الأطلسية والأوروبية وحاجة أوروبا لزيادة قدراتها الدفاعية

فرنسا وألمانيا عازمتان على قيادة مشروع قيام «ناتو أوروبية»

مبنى المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)
مبنى المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)
TT

القمتان الأطلسية والأوروبية وحاجة أوروبا لزيادة قدراتها الدفاعية

مبنى المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)
مبنى المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)

العبرة الرئيسية التي استخلصها القادة الأوروبيون من القمة الأطلسية التي وضعت أوزارها مساء الأربعاء في العاصمة الهولندية، والتي أرخت بسدولها على قمة الاتحاد الأوروبي المنعقدة في بروكسل، هي أن الدول الأوروبية باتت بحاجة ماسة لزيادة قدراتها العسكرية بنسبة ملحوظة، ليس فحسب تحسباً لمغامرات روسية جديدة تلوح في الأفق منذ فترة، وتجاوباً مع المقتضيات الجيوسياسية المستجدة، بل أيضاً لحماية نفسها من هذه الإدارة الأميركية، ومن احتمال السيناريو الأسوأ الذي يقض مضاجع دوائر بروكسل الدبلوماسية، ألا وهو وصول نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى البيت الأبيض.

منذ بداية الولاية الثانية لدونالد ترمب، لم يوفّر الرئيس الأميركي ونائبه مناسبة لإظهار مشاعر الاستخفاف، وأحياناً الازدراء بالحلفاء الأوروبيين الذين يرمون النظر إليهم باعتبارهم عالة على الولايات المتحدة، ومشروعاً قام بهدف استغلالها.

الرئيس الأميركي مشاركاً بقمة الحلف الأطلسي في 2018 (د.ب.أ)

وقد أدرك الأوروبيون أن الأمر لم يعد مجرد مخاوف طويلة الأمد، بل هو واقع ملموس يثير القلق، ومفتوح على احتمالات أشد خطورة إذا استمرت واشنطن في تباعدها عن الحلفاء الأطلسيين حتى العقد المقبل، على وقع تصريحات مثل التي أطلقها الرئيس الأميركي في ختام القمة الأطلسية عندما قال: «لا أستبعد أن تقوم روسيا باجتياح مناطق أخرى خارج أوكرانيا».

من هذا المنطلق، يعتبر الأوروبيون أن الاتفاق الذي توصلت إليه القمة الأطلسية في لاهاي لزيادة الإنفاق العسكري إلى 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة عضو في الحلف، إضافة إلى 1.5 في المائة للبنى التحتية والأمن، يشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح تصبّ في صالح الأهداف الأوروبية الصرفة. وقد كشف سلوك التملّق الذي أبداه الأمين العام للحلف الأطلسي، الهولندي مارك روتّي، تجاه ترمب، مدى التبعية التي وصلت إليها علاقة أوروبا مع واشنطن، والمخاطر التي يمكن أن يتعرّض لها الحلفاء الأوروبيون إذا لم يسارعوا إلى خفض اعتمادهم على العرّاب الأميركي، وأنه بقدر ما يزيد الأوروبيون الاستثمار في دفاعهم الذاتي، بقدر ما يخففون من وطأة الانفصال عن الحماية العسكرية الأميركية.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تغرّد مجدداً خارج السرب الأوروبي (أرشيفية - د.ب.أ)

ويلاحظ الخبراء الأوروبيون أن الزيادة التي توافقت عليها القمة الأطلسية في لاهاي، تتطابق مع حسابات الأخصائيين بشأن المجهود الذي يفترض أن تبذله الدول الأوروبية للدفاع عن نفسها من غير دعم الولايات المتحدة ومظلتها العسكرية، أي ما يعادل 250 مليار يورو سنوياً، ويسمح لها بمواجهة اجتياح روسي آخر من غير مساعدة الولايات المتحدة. لكن يرى آخرون أن هذه الزيادة لن تكون كافية إذا قرر الحليف الأميركي أيضاً رفع الغطاء المالي والتكنولوجي واللوجيستي عن الأوروبيين، ويذكرون بما قالته منذ أيام نائبة رئيسة المفوضية هينا فيركونين عندما حذرت، خلال تقديمها الاستراتيجية الرقمية الجديدة للاتحاد الأوروبي، من «أن الاتحاد الأوروبي يواجه أيضاً خطر استخدام تبعيته التكنولوجية والاقتصادية ضده». ويذكرون أيضاً بما قالته المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في مستهل ولاية دونالد ترمب الأولى: «ولّى زمن الاعتماد الكامل على الآخرين»، وما شدّد عليه المستشار الحالي فريدريك ميرتس مؤخراً عندما قال: «علينا تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية بأقصى سرعة ممكنة لنستقلّ عن الولايات المتحدة».

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز قال إن المجلس الأوروبي مدعو إلى عدم الإفراط في الحديث عن النسب المئوية من إجمالي الناتج المحلي (إ.ب.أ)

ويتبيّن من التحركات الأخيرة أن فرنسا وألمانيا عازمتان على قيادة مشروع قيام «ناتو أوروبية» تستند إلى ركيزة شرقية محورها بولندا، التي أصبح إنفاقها العسكري يعادل إنفاق إيطاليا وإسبانيا، وإلى الجيش الأوكراني الأكثر تمرساً في القتال، الذي يخصص له 34 في المائة من موازنة الدولة.

لكن التحدي الدفاعي الأوروبي يتجاوز مجرد زيادة الإنفاق العسكري؛ وكما قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز لدى وصوله صباح الخميس إلى قمة الاتحاد في بروكسل إن «المجلس الأوروبي مدعو إلى عدم الإفراط في الحديث عن النسب المئوية من إجمالي الناتج المحلي، والتركيز على الإنتاج والاشتراء المشترك للأسلحة وتشغيلها المتبادل». وهذا ما يؤكده جميع الخبراء العسكريين الذين يشكون من كثرة تنوع العتاد الحربي الأوروبي، ومن قلة التنسيق لاستخدامه المشترك بشكل فعّال، ويلاحظون مثلاً أن الجيوش الأوروبية تستخدم 12 طرازاً مختلفاً من الدبابات، فيما يستخدم الجيش الأميركي طرازاً واحداً.

«الناتو» يقر «أكبر برنامج تسليح» منذ عقود (رويترز)

ويقدّر الأوروبيون أن زيادة الإنفاق العسكري التي أقرتها القمة الأطلسية في لاهاي ستوفّر للقطاع الحربي الأوروبي 650 مليار يورو خلال السنوات الأربع المقبلة، فضلاً عن استعداد ألمانيا لتعديل شروط إدارة الأرصدة الهيكلية في الاتحاد، مع إمكانية إنشاء صندوق تنافسي لتمويل التكنولوجيا الحساسة.

من هنا، يميل الأوروبيون إلى الاعتقاد بأن «الإنجاز» الذي حققه الرئيس الأميركي في لاهاي، واحتفى به الأمين العام للحلف الأطلسي بأسلوب خجل منه الأوروبيون، كان «رمية من غير رام» من شأنها أن تسمح للدول الأوروبية مضافرة جهودها الدفاعية تحسباً لمفاجآت ترمب أو نزوات الكرملين العسكرية.


مقالات ذات صلة

هل يفرض ترمب صفقة سلام سريعة لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية؟

تحليل إخباري جنود أوكرنيون خلال تدريب ميداني في موقع غير محدد بالمنطقة الشرقية من أوكرانيا (أرشيفية - أ.ف.ب)

هل يفرض ترمب صفقة سلام سريعة لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية؟

حاول الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إظهار أن الحرب الطويلة بين روسيا وأوكرانيا تقترب من نقطة تحول.

هبة القدسي (واشنطن)
تحليل إخباري ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتصافحان في البيت الأبيض 13 فبراير 2025 (رويترز)

تحليل إخباري استراتيجية ترمب للأمن القومي... من الاحتواء إلى إعادة الاصطفاف

تُعدّ وثيقة الأمن القومي التي صدرت عن إدارة ترمب هذا الشهر أهم وثيقة جيوسياسيّة أميركيّة، إذ ترسم توجّهات واشنطن الداخلية كما الخارجيّة.

المحلل العسكري
خاص ترمب يستقبل إردوغان بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ 6 سنوات في 25 سبتمبر الماضي (الرئاسة التركية)

خاص تركيا تعلق آمالاً على «صداقة» ترمب لحل الملفات العالقة

تبرز العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة بوصفها واحدةً من أكثر العلاقات تعقيداً وتقلباً بالرغم من التحالف في «ناتو» يحرص البلدان على تسييرها من منظور براغماتي.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جورج دبليو بوش خلال مؤتمرهما الصحافي في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوب روسيا 6 أبريل 2008 (أ.ب)

بوتين لبوش عام 2001: أوكرانيا مصطنعة وكانت تابعة لروسيا

في وثائق سرية أميركية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الأميركي جورج بوش الابن عام 2001 إن أوكرانيا «مصطنعة» وكان يفترض أن تكون تابعة لروسيا.

علي بردى (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: خطة السلام لا تلزمنا بالتخلي رسمياً عن السعي للانضمام إلى «الناتو»

كشف الرئيس الأوكراني، في تصريحات نُشرت، أن المقترح الجديد لإنهاء الحرب الذي تفاوضت عليه كييف وواشنطن لا يُلزم كييف بالتخلي عن «الناتو».

«الشرق الأوسط» (كييف)

منطقة موسكو تتعرض لانقطاع واسع النطاق للكهرباء بعد هجوم بطائرات مسيرة

انقطاع الكهرباء عن أكثر من 100 ألف شخص في مناطق خارج موسكو بعد حريق في محطة فرعية (رويترز)
انقطاع الكهرباء عن أكثر من 100 ألف شخص في مناطق خارج موسكو بعد حريق في محطة فرعية (رويترز)
TT

منطقة موسكو تتعرض لانقطاع واسع النطاق للكهرباء بعد هجوم بطائرات مسيرة

انقطاع الكهرباء عن أكثر من 100 ألف شخص في مناطق خارج موسكو بعد حريق في محطة فرعية (رويترز)
انقطاع الكهرباء عن أكثر من 100 ألف شخص في مناطق خارج موسكو بعد حريق في محطة فرعية (رويترز)

انقطعت الكهرباء عن أكثر من 100 ألف شخص في مناطق خارج موسكو بعد حريق في محطة فرعية.

ووفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، قالت إدارة مدينة رامينسكوي، الثلاثاء، إن انقطاع التيار الكهربائي نجم عن حريق في أحد الكابلات، على الرغم من الإبلاغ عن هجوم واسع النطاق بطائرات مسيرة أوكرانية في المنطقة في الوقت نفسه.

كما تأثر سكان جوكوفسكي وليتكارينو بانقطاع التيار الكهربائي. وقالت السلطات إنها تعمل على إصلاح الأضرار بسرعة.

وفي المساء، أفاد الجيش الروسي بإسقاط أكثر من 100 مسيرة أوكرانية في غضون أربع ساعات.

وأضاف أنه تم اعتراض معظم المسيرات بمنطقة بريانسك الغربية بالقرب من الحدود الأوكرانية، بينما تم إسقاط ثماني طائرات مسيرة فوق منطقة موسكو، منها ثلاث كانت متجهة نحو العاصمة.

وقال عمدة موسكو سيرغي سوبيانين، في وقت لاحق، إنه تم اعتراض طائرات مسيرة إضافية. كما تسببت الهجمات في تعليق مطارات موسكو عملياتها بشكل مؤقت.


الشرطة الهولندية توقف سورياً للاشتباه بانتمائه لـ«داعش» والتخطيط لهجوم

جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
TT

الشرطة الهولندية توقف سورياً للاشتباه بانتمائه لـ«داعش» والتخطيط لهجوم

جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)

كشف ممثلو ادعاء، اليوم الثلاثاء، أن الشرطة ​الهولندية ألقت القبض على رجل سوري عمره 29 عاماً يشتبه بانتمائه لتنظيم «داعش»، وأنه خطط لشن هجوم في ‌مكان ما في ‌أوروبا، وذلك ‌بناء ⁠على ​منشورات ‌له على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح ممثلو الادعاء أن جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‌مكان غير محدد في ‍أوروبا قرب ‍فترة عطلة عيد ‍الميلاد (الكريسماس).

ولم يكشف ممثلو الادعاء عن تفاصيل حول الهجوم المخطط له ​أو حول الاشتباه بانتماء الرجل لتنظيم «داعش».

وأُلقي ⁠القبض على الرجل في 18 ديسمبر (كانون الأول) في منزله في فليسينغن بجنوب غرب هولندا، وقضت محكمة اليوم الثلاثاء بتمديد احتجازه لمدة 30 يوماً على الأقل مع استمرار ‌التحقيق.


زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن ‌كييف ‌ستناقش ‌مع الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا، في إطار الضمانات الأمنية.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف ‌زيلينسكي لوسائل إعلام في محادثة عبر تطبيق «واتساب»، أن أوكرانيا ملتزمة بمواصلة ​المحادثات بشأن كيفية إنهاء الحرب، وأنه مستعدّ للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأي شكل.