«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود مع ليبيا ومصر

الجيش السوداني يعلن إخلاء قواته من المنطقة كجزء من ترتيبات دفاعية

عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (تلغرام)
عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (تلغرام)
TT

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود مع ليبيا ومصر

عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (تلغرام)
عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (تلغرام)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على الجزء السوداني من المثلث الحدودي الرابط بين «السودان وليبيا ومصر» عند جبل العوينات، بينما قال الجيش السوداني إنه «أخلى» قواته من المنطقة، جزءاً من ترتيبات دفاعية «لصد العدوان»، وذلك بعد يوم واحد من اتهامه قوات الجيش الوطني الليبي بزعامة خليفة حفتر، بالاعتداء على قواته داخل الأراضي السودانية، بالتنسيق مع «قوات الدعم السريع»، وهو ما نفاه الجيش الليبي وعدَّه تصديراً للأزمة الداخلية السودانية إلى الخارج.

وقال المتحدث باسم «قوات الدعم السريع» في بيان رسمي، الأربعاء، إن قواته تمكّنت من «تحرير» منطقة استراتيجية على الجانب السوداني من المثلث الحدودي، في عملية عدَّها «خطوة نوعية لها ما بعدها على امتداد محاور قتالية عدة ، لا سيما في الصحراء الشمالية».

وأضاف: أن هذا «الانتصار يسهم في مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر على الحدود السودانية»، موضحاً أن «قوات الدعم السريع» خاضت معارك «خاطفة وحاسمة» ضد ما أسماها «ميليشيات الارتزاق وكتائب الإرهاب»، أدت إلى «تقهقرها» وفرارها جنوباً، بعد أن تكبَّدت خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وخسرت عشرات المركبات القتالية.

وعدَّ بيان «الدعم السريع» انفتاح قواته على محور الصحراء الشمالية «تحولاً استراتيجياً لتأمين حدود البلاد»، مشيراً إلى أن «(قوات الدعم السريع) ماضية بعزيمة ومسؤولية في معركتها الوطنية الكبرى لتأمين حدود السودان، ومنع تحويلها مسرحاً لفوضى المرتزقة وميليشيات الحركة الإسلامية الإرهابية، التي تسعى لتوسيع رقعة الاقتتال وتهديد الأمن الإقليمي».

الجيش يخلي المنطقة

وفي بيان مقتضب، أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية أن قواته أخلت منطقة المثلث، في إطار ترتيبات دفاعية لصد العدوان، وقال في بيان: «أخلت قواتنا اليوم (الأربعاء) منطقة المثلث المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا».

وكان الجيش السوداني قد اتهم، الثلاثاء، كتيبة «السلفية» التابعة للجيش الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر، بالقتال إلى جانب «قوات الدعم السريع» في الحرب، عادَّاً ذلك «تدخلاً سافراً في الشأن السوداني»، ورد الجيش الليبي في بيان هو الآخر على تلك الاتهامات بأنها «محاولة مفضوحة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي». وأضاف أنه «يتابع بقلق تكرار اعتداءات القوات المسلحة السودانية على الحدود الليبية في الآونة الأخير»، وأنه آثر معالجتها بهدوء حفاظاً على حسن الجوار، مع احتفاظه بـ«حق الرد على أي خرق». وأوضح بيان الجيش الليبي أنه رصد الأيام الماضية اعتداء قوة تابعة للقوات المسلحة السودانية على دورية عسكرية تابعة له، أثناء تأمينها للجانبي الليبي.

قوات «كتيبة السلام» التابعة للجيش الوطني الليبي خلال انتشار في جنوب شرقي ليبيا (الجيش الليبي)

وفي بيان آخر، وصفت وزارة الخارجية السودانية مشاركة قوات حفتر مع «قوات الدعم السريع» في الاستيلاء على المثلث الحدودي، بأنها «اعتداء سافر على سيادة السودان وتهديد خطير للأمن الإقليمي والدولي». وتوعدت الخارجية السودانية باحتفاظ السودان بحقه المشروع في القيام بما يتطلبه الدفاع عن سيادته وحدوده وأمنه وسلامة مواطنيه، عادَّةً التدخل تصعيداً خطيراً وعدواناً خارجياً على السودان، يكشف عما أسمته «حجم التهديد الجسيم للأمن والاستقرار الإقليميين». وقالت الخارجية إن الحدود مع ليبيا، ظلت على الدوام معبراً رئيساً للأسلحة والمرتزقة لدعم «الميليشيا الإرهابية» – تقصد «قوات الدعم السريع» – بواسطة قوات الجنرال خليفة حفتر، وإنها اضطرت إلى التدخل مباشرة بعد الهزائم التي قالت إن «قوات الدعم» تعرضت لها، في انتهاك سافر للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وكل الأعراف والمعاهدات الدولية.

وباستيلاء «الدعم السريع» على الجانب السوداني من المثلث الحدودي المشترك، يكون قد اقترب من الحدود المصرية، وسيطر على حدود السودان مع دول «ليبيا، تشاد، إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وجزء من الحدود مع إثيوبيا التي تسيطر عليها قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جوزيف تكة، الحليفة لـ(الدعم السريع)». وأخذت منطقة «المثلث» تسميتها من كونها «مثلثاً جغرافياً» تشترك فيه حدودياً السودان ومصر وليبيا، قرب جبل «عوينات» الشهير، وهي منطقة حراك سكاني بين البلدان الثلاثة، ولطبيعتها الصحراوية القاسية، كانت مسرحاً لعمليات الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا إلى أوروبا.

أهمية المثلث

ويقع جبل عوينات في المنطقة الحدودية التي تربط السودان ومصر وليبيا، ويبلغ ارتفاع أعلى قممه 1900 متر، ويقع الجزء الأكبر منه داخل الحدود الليبية.

وإلى جانب أهميته الجغرافية، فهو يحتوي جداريات أثرية ترجع لعصور ما قبل التاريخ، وفي الآونة الأخيرة شهد عمليات تجارة بينية، ولتجارة الذهب المنتج في الصحاري المشتركة، إلى جانب كونه منطقة تهريب للمهاجرين غير الشرعيين.

قبل اندلاع الحرب كانت «قوات الدعم السريع» تقوم بتأمين المنطقة ضد الهجرة غير الشرعية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ضمن ما عرفت بـ«عملية الخرطوم»، لكنه انسحب من المنطقة بعد اندلاع الحرب، وسيطرت عليه القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح، (حليفة للقوات المسلحة السودانية) مع وحدة صغيرة تابعة للجيش.

الحرب شرَّدت السودانيين والأرقام تشير إلى نحو 13 مليون شخص فرُّوا من مناطقهم (أ.ف.ب)

وقال اللواء المتقاعد بالجيش السوداني، أمين مجذوب، لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات حفتر تدخلت في الشأن السوداني»، وإن الهجوم الذي استهدف المنطقة تم بالتنسيق بينها و«قوات الدعم السريع»؛ لإشغال الجيش السوداني من «تحقيق انتصارات في مناطق كردفان». وأوضح أن الهدف من الهجوم هو تهديد الولاية الشمالية، ومنطقة «الدبة» على وجه الخصوص التي استُهدفت بمسيَّرات، الثلاثاء، وتابع: «هذا تطور جديد تتحسب له القوات المسلحة؛ حتي لا تفتح جبهة جديدة تؤثر على الحدود مع مصر، وإشغال الجيش عن أهدافه في صد العدوان»، وأضاف: «ما قامت به قوات حفتر و(الدعم السريع) الهدف منه إشعال المنطقة بكاملها».

ونقلت فضائية «العربية الحدث» عن الباحث السياسي الليبي الدكتور فرح زيدان، اتهامه للجيش السوداني بإقامة علاقة مع الجماعة الإسلامية الليبية، بقوله: «علاقة قادة الجيش السوداني بقادة الجماعة الإسلامية في ليبيا معروفة». وقال زيدان إن فصائل القوات المشتركة التابعة للجيش السوداني، بادرت بالهجوم على وحدات الجيش الليبي، وإن هجماتها «موثقة»، وتساءل: «كيف يدعم الجيش الليبي (قوات الدعم السريع) بالسلاح، بينما تسيطر الفصائل المسلحة الموالية للجيش السوداني على المنطقة الحدودية». واتهم زيدان الجيش السوداني بمحاولة شغل وتشتيت الجيش الليبي، لصالح حليفته حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، ونفى بشدة اختراق كتيبة «سبل السلام» التابعة للجيش الليبي للحدود السودانية كما يزعم الجانب السوداني.


مقالات ذات صلة

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، الجمعة، إن بلاده مستعدة للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي.

رياضة عربية مشجع سوداني يساند منتخب بلاده خلال مباراته أمام الجزائر (أ.ب)

محمد عبد الرحمن لاعب السودان: سنقدم ما علينا رغم ظروف الحرب

يطبق محمد الغربال سياسة «الأمر الواقع» للتعامل مع الظروف المحيطة بمنتخب السودان لكي يتمكن من النجاح رغم ظروف الحرب التي أثرت على نشاط كرة القدم

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع البرهان التطورات بالسودان في ظل تصعيد «الدعم السريع»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان آخر التطورات في السودان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص مفوضة العون الإنساني سلوى آدم بنية في مؤتمر صحافي (سونا)

خاص مفوضة «العون الإنساني» لـ«الشرق الأوسط»: نزوح أكثر من 145 ألف أسرة جرّاء معارك كردفان

قالت الحكومة السودانية إن أكثر من 145 ألف أسرة نزحت وتشردت جراء المعارك الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في إقليم كردفان

وجدان طلحة (بورتسودان)

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الاتفاق مع بريطانيا بعد اعتذار ألمانيا عن عدم تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، اليوم (الجمعة)، أن ألمانيا اعتذرت عن عدم إجراء تحليل لبيانات الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، التي كانت تقل رئيس الأركان محمد الحداد ومرافقيه، لعدم توفر الإمكانات الفنية اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الطائرات.

وأكدت الوزارة، في بيان على موقع «فيسبوك»، أنه تم الاتفاق مع تركيا على اختيار بريطانيا كجهة «محايدة» لاستكمال الإجراءات الفنية اللازمة بشأن الطائرة التي تحطمت يوم الثلاثاء، بعد نصف ساعة من إقلاعها من مطار أنقرة.

وقالت الوزارة إنه تقرر نقل جثامين القتلى صباح غد إلى مدينة طرابلس.

كانت الطائرة تقل رئيس الأركان محمد الحداد وعدداً من مرافقيه، وكانت قد أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية الاتفاق مع السلطات التركية على إرسال الصندوق الأسود للطائرة إلى ألمانيا لضمان التحليل الفني الدقيق.


ما تأثيرات اعتراف نتنياهو بـ«أرض الصومال» على الصراع بين إسرائيل والحوثيين؟

نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
TT

ما تأثيرات اعتراف نتنياهو بـ«أرض الصومال» على الصراع بين إسرائيل والحوثيين؟

نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)
نتنياهو خلال توقيع الاعتراف... ويهاتف رئيس أرض الصومال (الحكومة الإسرائيلية)

في خطوة لافتة تحمل أبعاداً تتجاوز بعدها الدبلوماسي، جاء اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ«جمهورية أرض الصومال» دولة مستقلة وذات سيادة، ليُشعل تساؤلات واسعة حول توقيته ودلالاته، خاصة في ظل الصراع المحتدم بين إسرائيل وجماعة الحوثي، والتوتر المتصاعد في البحر الأحمر.

هذا الاعتراف، الأول من نوعه على هذا المستوى، عدّه محللون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، رسالة ضغط مباشرة وطوقاً دبلوماسياً على رقاب الحوثيين، ومحاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ قرب واحد من أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم، وسط تباين في تقدير مآلاته بين من يحذّر من ترتيبات أمنية وعسكرية جديدة، ومن «يقلّل من فرص تحول الخطوة إلى مواجهة مفتوحة».

وأرض الصومال هو إقليم أعلن استقلاله من جانب واحد 1991، ولم تعترف به أي دولة، وتعارض الحكومة الصومالية مطلب استقلال أرض الصومال عنها، وعلى مدار عام 2024، نشبت أزمة بين أديس أبابا ومقديشو بسبب مساعي إثيوبيا لإبرام اتفاق للوجود على المنفذ البحري لأرض الصومال، وسط رفض مصري وعربي، وتدخلت تركيا بوساطة لإيقاف إثيوبيا عن هذا المسار.

تطويق للحوثيين

ويُعد أرض الصومال منطقة جوار لليمن، حيث تقع على الضفة المقابلة لخليج عدن، وتطل على مضيق باب المندب، وهو ممر مائي عالمي حيوي لعبور الملاحة الدولية بين آسيا وأوروبا، وهذا الممر شهد هجمات صاروخية وطائرات دون طيار من الحوثيين في السنوات الأخيرة، مما أثر على التجارة العالمية وأمن الملاحة، وفق ما يرى المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، مؤكداً أن الاعتراف مهم وله دلالات.

ويعطي الاعتراف إسرائيل «طوقاً دبلوماسياً في موقع جغرافي يمكن أن يكون بديلاً أو مكملاً لعملياتها في البحر الأحمر، خصوصاً إذا زاد الحوثيون هجماتهم على سفن أو طرق الملاحة»، وفق تقدير بري، موضحاً أن «إسرائيل ترى ذلك ليس فقط فرصة دبلوماسية، بل ركيزة استراتيجية لمراقبة الممرات المائية والإسهام في أمنها، وتعزيز تموضعها ضد النفوذ الإيراني والحوثي والضغط عليهما وتقليل قدرة الحوثيين على تهديد المصالح البحرية الإسرائيلية».

ويؤكد الباحث اليمني، أشرف المنش، ذلك، موضحاً أن اعتراف نتنياهو يأتي في سياق بحث إسرائيل عن قاعدة عسكرية قبالة اليمن لمواجهة ميليشيات الحوثي واعتراض تهديداتها لخطوط الملاحة، وذلك نظراً إلى تمتع «أرض الصومال» بموقع استثنائي يمتد على ساحل بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، وموقع استراتيجي عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي.

ويرى مراقبون أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» سيكون له تأثير على باب المندب، وقد يقيّد أي إمدادات تأتي إلى الحوثيين، لكن في المقام الأول سيهدد الملاحة والأمن في البحر الأحمر وسيزيد التوتر.

رئيس أرض الصومال يهاتف نتنياهو خلال التوقيع (الحكومة الإسرائيلية)

وتسعى إسرائيل لخلق ما يشبه «كماشة» أمنية لمحاصرة النشاط العسكري الحوثي من جهة الشرق الأفريقي، وذلك بعد تحول السواحل الصومالية قبالة اليمن إلى نقاط تهريب نشطة للحوثيين ساعدهم في ذلك تحالفهم الوثيق مع «حركة الشباب الإرهابية» برعاية من «الحرس الثوري» الإيراني، وفق الخبير اليمني أشرف المنش.

ويعتقد رئيس مركز «جهود للدراسات» في اليمن، عبد الستار الشميري، أن الاعتراف من إسرائيل محاولة لوجود أكبر في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والتموضع على ضفة القرن الأفريقي من خلال أرض الصومال وأيضاً الضفة اليمنية من خلال مهاجمة الحوثيين، وهذا سينعكس سلبياً على البحر الأحمر.

في المقابل، قلّل المحلل السياسي من أرض الصومال، عبد الكريم صالح، من المخاوف من العلاقات بين هرغيسا وتل أبيب، مؤكداً أن الاعتراف لن يؤثر على الصراع مع الحوثيين؛ إذ تربط إسرائيل علاقات دبلوماسية بالعديد من الدول العربية والإسلامية والدولية ولم يحقق ذلك شيئاً، مؤكداً أن الاعتراف مهم في سلسلة الاعترافات الدولية ليس أكثر من ذلك.

ورغم أن الضربات الإسرائيلية ضد الحوثيين بدأت في يوليو (تموز) 2024، فإن عام 2025 شهد زخماً أكبر من الاستهداف في عام 2025، بـ14 استهدافاً على الأقل، وقصف متكرر لميناء الحديدة، قبل الهجوم الكبير الذي استهدف حكومة الحوثي وقيادات عسكرية بارزة لديها في أغسطس (آب) الماضي.

إنشاء القواعد

وفي ضوء ذلك الاعتراف وهذا التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين، لا يستبعد بري أن يتم احتمالات تعاون أمني، وبحث أفكار حول قاعدة أو تعاون عسكري في المستقبل، وهو بمثابة جزء من استراتيجية مواجهة تهديدات الحوثيين.

ويخلص إلى أن وجود عسكري إسرائيلي طويل المدى في أرض الصومال ليس مؤكداً اليوم، لكن القاعدة قد تتوسع إلى تعاون أمني أقوى إذا رأى الطرفان فائدة استراتيجية من ذلك، خصوصًا في مواجهة الحوثيين مقابل زخم الاعترافات.

وعن توقعاته لردود فعل الحوثيين، يعتقد بري أن التهديدات والهجمات من الحوثيين قد تتصاعد بوصفها رد فعل على أي شكل من أشكال وجود عسكري أو تعاون أمني مع إسرائيل قرب السواحل اليمنية، مستدركاً: «لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات رسمية من الحوثيين على كيفية ردهم مباشرة على الاعتراف الصوري فقط الذي لم يشمل التوسيع العسكري بإقليم مثل أرض الصومال».

بنيامين نتنياهو خلال التوقيع (الحكومة الإسرائيلية)

ولا يستبعد أشرف المنش أيضاً -في ضوء التقاء المصالح بين إقليم أرض الصومال الساعي للحصول على اعتراف دولي وإسرائيل- أن تتجه المصالح الإسرائيلية إلى بناء منشأة عسكرية واستخباراتية لـ«تعزيز العمق الاستراتيجي» في القرن الأفريقي.

بينما يؤكد مراقبون أن وجود إسرائيل في الإقليم الانفصالي سيترتب عليه وجود عسكري لا محالة، لأن أي علاقات تسمح بمذكرات تفاهم تشمل نشر قواعد عسكرية وما شابه.

في المقابل، يرى عبد الكريم صالح أن المحادثات والوثائق المتبادلة بين الجانبين لم تتطرق إلى أي مسائل عسكرية. وأفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنهم سيتعاونون بشكل مكثف مع أرض الصومال في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد، دون أي حديث عن تعاون عسكري أو استخباراتي.

وبعد شائعات نفاها إقليم أرض الصومال في 2025، بشأن أن يكون الإقليم إحدى البقاع التي تستقبل الفلسطينيين من غزة، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في حسابه على منصة «إكس»، الجمعة، إنه خلال العام الماضي، وعلى أساس حوار شامل ومتواصل تشكّلت العلاقات بين إسرائيل وأرض الصومال. وأضاف: «عقب قرار رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، ورئيس جمهورية أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله، وقّعنا على اعتراف متبادل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، تشمل أيضاً تعيين سفراء وافتتاح سفارات»، مؤكداً أن إسرائيل ستكثّف التعاون مع أرض الصومال في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والزراعة والصحة.


مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر ترفض اعتراف إسرائيل بـ«إقليم أرض الصومال»

الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله نظيره الصومالي بالقاهرة في يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

رفضت مصر إعلان الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة. كما عبّرت عن رفضها «أي محاولات لفرض كيانات موازية تتعارض مع وحدة الدولة الصومالية».

وجاء الموقف المصري في اتصالات لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، الجمعة، مع نظرائه في الصومال وتركيا وجيبوتي. وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكد الوزراء «الدعم الكامل لوحدة الصومال وسيادته»، إلى جانب «دعم مؤسسات الدولة الصومالية الشرعية».

الرفض المصري المدعوم بمواقف دول أخرى، جاء بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، اعتراف إسرائيل رسمياً بـ«إقليم أرض الصومال» دولة مستقلة ذات سيادة، وهي أول دولة تعترف بـ«الإقليم الانفصالي» في الصومال دولة مستقلة.

وقال بيان صادر عن «الخارجية المصرية»، الجمعة، إن الوزير عبد العاطي تلقى اتصالات من نظرائه: الصومالي عبد السلام عبدي، والتركي هاكان فيدان، والجيبوتي عبد القادر حسين عمر، وشددوا على «الرفض التام وإدانة اعتراف إسرائيل»، إلى جانب «الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، يعتقد أن دعم إسرائيل «أرض الصومال» «سيفتح الباب لدول أخرى للاعتراف بهذا الإقليم». ورجح أن «تلجأ إثيوبيا إلى تفعيل اتفاقها مع (أرض الصومال)، للحصول على منفذ بحري لها، مقابل الاعتراف الرسمي به دولة».

وسيؤثر الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» استراتيجياً على مصالح الدولة المصرية في جنوب البحر الأحمر، وفق حليمة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود إسرائيل في هذه المنطقة سيعني حصولها على موضع قدم في جنوب البحر الأحمر وشماله في إيلات»، مشيراً إلى أن هذا التحرك «سيلقى معارضة شديدة من الدول العربية والأفريقية؛ لأن من مبادئ الاتحاد الأفريقي احترام حدود الدول وعدم المساس بها».

وسبق أن عارضت مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع «إقليم أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة. وعدّت القاهرة الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي بعد توقيع اتفاق «الشراكة الاستراتيجية» في القاهرة يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

وأكد عبد العاطي، الجمعة، أن الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول «سابقة خطيرة، وتهديد للسلم والأمن الدوليين ولمبادئ القانون الدولي»، وقال إن «احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي الدول يمثّل ركيزة أساسية لاستقرار النظام الدولي».

كما شدد على «الرفض القاطع لأي مخططات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني خارج أرضه»، وقال إن «هذا المخطط ترفضه الغالبية العظمى لدول العالم بشكل قاطع».

ولن يغيّر الاعتراف الإسرائيلي الوضعية القانونية لـ«إقليم أرض الصومال» بعدّه جزءاً من أرض الصومال، وفق عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، عصام هلال، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما اتخذته إسرائيل خطوة أحادية تخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي».

ويرى هلال أن الدعم الإسرائيلي للإقليم الصومالي «يعدّ تحولاً دبلوماسياً، سينعكس على توازن القوى في منطقة القرن الأفريقي». وأكد ضرورة «تكثيف الجهود الدبلوماسية لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي في هذه المنطقة».

ودائماً ما تؤكد مصر أن «أمن البحر الأحمر قاصر فقط على الدول المتشاطئة وليس مقبولاً أي وجود عسكري به»، وتكررت هذه التصريحات بعد أن أعلنت إثيوبيا طموحها لإيجاد منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر.

و«إقليم أرض الصومال»، الذي يملك ساحلاً بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، يحتل موقعاً استراتيجياً عند نقطة التقاء المحيط الهندي مع البحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي، ولا يحظى باعتراف دولي منذ انفصاله عن جمهورية الصومال الفيدرالية عام 1991.

ووقّع نتنياهو ووزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، ورئيس «إقليم أرض الصومال»، عبد الرحمن محمد عبد الله، إعلاناً مشتركاً، وقال إن «إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد».